المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى - دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية - عرض ونقد

[عبد الله بن صالح الغصن]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أسباب اختيار البحث:

- ‌خطة البحث:

- ‌ منهج في كتابة البحث

- ‌[شكر وتقدير]

- ‌[التمهيد]

- ‌ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

- ‌1 - اسمه ونسبه:

- ‌2 - مولده ونشأته:

- ‌3 - عصره:

- ‌أولاً: الناحية السياسية:

- ‌ثانياً: الناحية الاجتماعية:

- ‌ثالثاً: الناحية العلمية:

- ‌4 - محن الشيخ:

- ‌5 - وفاته رحمه الله:

- ‌6 - مؤلفاته:

- ‌7 - بعض ثناء الناس عليه:

- ‌منهج شيخ الإسلام في تقرير العقيدة والاستدلال عليها:

- ‌الفصل الأول: المناوئون لشيخ الإسلام، ودعاواهم حول منهجه

- ‌المبحث الأول: المناوئون لشيخ الإسلام

- ‌المطلب الأول: أقسام المناوئين

- ‌المطلب الثانيالمنهج العام للمناوئين

- ‌المطلب الثالثاعتراف خصومه بقدره

- ‌المبحث الثانيدعاوى المناوئين حول منهج شيخ الإسلام ابن تيمية ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعاوى المناوئين حول منهج شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌المطلب الثانيمناقشة دعاوى المناوئين حول منهج ابن تيمية

- ‌الفصل الثانيدعوى التجسيم والتشبيه

- ‌المبحث الأول:قول أهل السنة في مسألة التجسيم والتشبيه

- ‌المطلب الأول: التعريف بالمشبهة

- ‌المطلب الثانياعتقاد السلف نفي التمثيل والتشبيه

- ‌المطلب الثالثرد السلف دعوى أن الإثبات يستلزم التشبيه

- ‌المبحث الثانيدعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام أخذ التشبيه ممن قبله، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام أخذ التشبيه ممن قبله

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى قوله بالجهة والتحيز ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى قوله بالجهة والتحيز

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الثالث: دعوى القول بقدم العالم

- ‌المبحث الأولمعتقد أهل السنة في إمكان حوادث لا أول لها

- ‌المطلب الأولالتسلسل: تعريفه، أقسامه، حكم كل قسم

- ‌المطلب الثانيالصفات الاختيارية

- ‌المطلب الثالثشرح حديث عمران بن حصين رضي الله عنه

- ‌المبحث الثانيدعوى أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لهايستلزم القول بقدم العالم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لها يستلزم القول بقدم العالم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الرابعدعوى نهي ابن تيمية عن زيارة القبور

- ‌المبحث الأولعقيدة أهل السنة في زيارة القبور وشد الرحل إليها

- ‌المبحث الثانيالزعم أن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور ومناقشته

- ‌المطلب الأولالزعم بأن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور

- ‌المطلب الثانيمناقشة دعوى أن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام ينتقص من منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام ينتقص من منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ومناقشتها

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى مخالفة ابن تيمية الصحابة في قولهم بجواز بناء المساجد على القبور ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى مخالفة ابن تيمية الصحابة في قولهم بجواز بناء المساجد على القبور

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الخامسدعوى أن ابن تيمية يساوي في المنزلة بين قبور الأنبياءوقبور غيرهم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن ابن تيمية يساوي في المنزلة بين قبور الأنبياءوقبور غيرهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الخامسمسألة التوسل

- ‌المبحث الأول: عقيدة أهل السنة والجماعة في التوسل

- ‌المبحث الثانيدعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين،وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين،وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدمجواز التوسل بالنبي، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدم جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين،وإهانته لهم، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين، وإهانته لهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل السادسموقف شيخ الإسلام من الصحابة

- ‌المبحث الأولعقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة

- ‌المبحث الثانيدعوى تخطئة شيخ الإسلام الصحابة بما فيهمالأئمة الخلفاء الأربعة، ومناقشتها

- ‌المطلب الأول دعوى تخطئة شيخ الإسلام الصحابة بما فيهم الأئمة الخلفاء الأربعة

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى تكلف شيخ الإسلام الغمز على أهل البيت،وتعمية مناقبهم، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى تكلف شيخ الإسلام الغمز على أهل البيت، وتعمية مناقبهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى رد الأحاديث الصحيحة في مقام المبالغةفي توهين كلام الشيعة ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى رد الأحاديث الصحيحةفي مقام المبالغة في توهين كلام الشيعة

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل السابعمسألة دوام النار

- ‌المبحث الأولدلالة نصوص الكتاب والسنة على خلود النار

- ‌المبحث الثانيدعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

‌المطلب الثاني

مناقشة الدعوى

تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله باستفاضة عن مصطلحات: التجسيم، والتشبيه، والتمثيل، والحشو، ورد على من قال: بأن مذهب أهل السنة والجماعة هو التشبيه في مواضع متعددة من كتبه، وأوضح رحمه الله مذهبه في استواء الباري عز وجل على عرشه، وفي نزوله إلى السماء الدنيا.

فمصطلح التجسيم درسه شيخ الإسلام رحمه الله باستيعاب من حيث نشأته التاريخية في الإسلام وقبل الإسلام، وبيّن أقوال الناس في معنى الجسم، ثم ناقش هذه الأقوال مبيناً وجه الخطأ والصواب فيها، وفصّل في مناقشة لفظة الجسم من حيث اللغة، والشرع، والعقل، وبين موقف السلف من إطلاق لفظ الجسم على الله.

فذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن اليهود من غلاة المجسمة (1) ، وأنهم سلف المجسمة، وأما في الإسلام فإن بداية ظهور التجسيم كان من قِبل بعض الشيعة كهشام بن الحكم (ت - 190هـ) وهشام الجواليقي يقول ابن تيمية رحمه الله:

(وأول ما ظهر إطلاق لفظ الجسم من متكلمة الشيعة كهشام بن الحكم)(2) .

وفصل رحمه الله في معنى الجسم من حيث اللغة، مبيناً أن معناه هو: البدن

(1) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 4/456.

(2)

منهاج السنة النبوية 2/217، وانظر: ص501 فقد ذكر فيها هشام الجواليقي أيضاً، و8/6، بيان تلبيس الجهمية 1/54، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 3/196.

ص: 143

والجسد ناقلاً عن أئمة اللغة إثبات ذلك، مثل قول أبي زيد الأنصاري (1) :(الجسم: الجسد وكذلك الجسمان والجثمان)(2) .

وقال الأصمعي (3) :

(الجسم والجثمان: الجسد، والجثمان: الشخص، والأجسم: الأضخم بالبدن)(4) .

وقال ابن السكيت (5) : (تجسمت الأمر: أي ركبت أجسمه، وجسيمه أي: معظمه، وكذلك تجسمت الرمل والجبل: أي ركبت أجسمه)(6) .

قال عامر بن الطفيل (7) :

(1) أبو زيد الأنصاري: سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير الأنصاري الخزرجي، الإمام المشهور، كان إماماً نحوياً، صاحب التصانيف، غلب عليه اللغة والنوادر والغريب، ت سنة 215هـ.

انظر في ترجمته: تاريخ العلماء النحويين للمعري ص224، بغية الوعاة للسيوطي 1/582.

(2)

انظر: الصحاح للجوهري 5/1887.

(3)

الأصمعي: عبد الملك بن قريب الباهلي، أبو سعيد، راوية العرب، وأحد أئمة اللغة، كثير التطواف في البلاد يقتبس من علومها، ويتلقى من أخبارها، ت سنة 216هـ.

انظر في ترجمته: الفهرست لابن النديم ص82، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/344، بغية الوعاة للسيوطي 2/112.

(4)

انظر: الصحاح للجوهري 5/1887.

(5)

ابن السكيت: يعقوب بن إسحاق بن السكيت، أبو يوسف، إمام في اللغة والأدب، اتصل بالمتوكل العباسي، فعهد إليه بتأديب أولاده، وصار من ندمائه ثم قتله، له كتب مشهورة في اللغة، ت سنة 244هـ.

انظر في ترجمته: نزهة الألباء لابن الأنباري ص138، بغية الوعاة للسيوطي 2/349.

(6)

انظر: الصحاح للجوهري 5/1888.

(7)

عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري، ابن عم لبيد الشاعر، كان فارس قيس، وكان عقيماً لا يولد له، دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فاشترط شروطاً ردها عليه النبي، فلما رجع مات في طريقه قبل أن يبلغ قومه.

انظر في ترجمته: المؤتلف والمختلف للآمدي ص154، الشعر والشعراء لابن قتيبة ص69.

ص: 144

وقد علم الحي بن عامر

بأن لنا ذروة الأجسم (1)

وبين ابن تيمية رحمه الله: أن (الجسم قد يراد به الغلظ نفسه، وهو عرض قائم بغيره، وقد يراد به الشيء الغليظ، وهو القائم بنفسه، فنقول: هذا الثوب له جسم أي: غلظ، وقوله؛ {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: 247] قد يحتج به على هذا، فإنه قرن الجسم بالعلم الذي هو مصدر، فنقول المعنى: زاده بسطة: في قدره فجعل قدر بدنه أكبر من بدن غيره، فيكون الجسم هو القدر نفسه لا نفس المقدر.

وكذلك قوله: {تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون: 4]، أي صورهم القائمة بأبدانهم كما تقول: أعجبني حسنه وجماله ولونه وبهاؤه، فقد يراد صفة الأبدان، وقد يراد نفس الأبدان، وهم إذا قالوا: هذا أجسم من هذا أرادوا أنه أغلظ وأعظم منه، أما كونهم يريدون بذلك أن ذلك العظم والغلظ كان لزيادة الأجزاء، فهذا مما يعلم قطعاً بأنه لم يخطر ببال أهل اللغة) (2) .

وأما من حيث الشرع فقد بين أنه لم يُنقل في الشرع ولا عن الأنبياء السابقين ولا عن الصحابة، ولا عن التابعين ومن تبعهم من سلف الأمة إثبات هذا اللفظ أو نفيه.

قال رحمه الله: (وأما الشرع فالرسل وأتباعهم الذين من أمة موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يقولوا: إن الله جسم، ولا إنه ليس بجسم، ولا إنه جوهر ولا إنه ليس بجوهر، لكن النزاع اللغوي والعقلي والشرعي في هذه الأسماء هو بما أحدث في الملل الثلاث بعد انقراض الصدر الأول من هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء)(3) .

(1) ديوان عامر بن الطفيل ص121.

(2)

تفسير سورة الإخلاص (ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 17/323) وانظر: كلام ابن تيمية عن معنى الجسم في اللغة: شرح حديث النزول 237 - 258، منهاج السنة النبوية 2/198، 530، 550، 551، درء تعارض العقل والنقل 7/112، الجواب الصحيح 4/428 - 429، 436.

(3)

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 4/432.

ص: 145

ثم قال: (والذي اتفقت عليه الرسل وأتباعهم، ما جاء به القرآن والتوراة: من أن الله موصوف بصفات الكمال، وأنه ليس كمثله شيء، فلا تمثل صفاته بصفات المخلوقين، مع إثبات ما أثبته لنفسه من الصفات)(1) .

وقال رحمه الله: (وأما الشرع: فمعلوم أنه لم ينقل عن أحد من الأنبياء ولا الصحابة ولا التابعين ولا سلف الأمة أن الله جسم، أو أن الله ليس بجسم، بل النفي والإثبات بدعة في الشرع)(2) .

وقال - أيضاً -: (وأما من لا يطلق على الله اسم الجسم كأئمة الحديث، والتفسير، والتصوف، والفقه، مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم، وشيوخ المسلمين المشهورين في الأمة، ومن قبلهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فهؤلاء ليس فيهم من يقول: إن الله جسم، وإن كان أيضاً: ليس من السلف والأئمة من قال: إن الله ليس بجسم)(3) .

وبين رحمه الله سبب عدم إطلاق السلف لفظ الجسم لا نفياً ولا إثباتاً أنه لوجهين:

(أحدهما: أنه ليس مأثوراً لا في كتاب ولا سنة، ولا أثر عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا غيرهم من أئمة المسلمين، فصار من البدع المذمومة.

الثاني: أن معناه يدخل فيه حق وباطل، فالذين أثبتوه أدخلوا فيه من النقص والتمثيل ما هو باطل، والذين نفوه أدخلوا فيه من التعطيل والتحريف ما هو باطل) (4) .

وعن سؤال افترضه هل جوابه موجود في الكتاب والسنة أم لا؟ وهو: هل الله جسم أم ليس بجسم؟ قال:

(1) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 4/432.

(2)

شرح حديث النزول ص258.

(3)

منهاج السنة النبوية 2/105، وانظر: ص135، بيان تلبيس الجهمية 1/9، 47.

(4)

منهاج السنة النبوية 2/225.

ص: 146

(فإذا قال السائل: هل الله جسم أم ليس بجسم؟ لم نقل: إن جواب هذا السؤال ليس في الكتاب والسنة، مع قول القائل: إن هذا السؤال موجود في فطر الناس بالطبع، والله تعالى يقول:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة: 3]، وقال:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115] .

وقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89] .

وقال: {مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111] .

وقال: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه: 123 - 126] .

وقال: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف: 3] ) (1) .

ثم ذكر آيات كثيرة وقال: (ومثل هذا في القرآن كثير، مما يبين الله فيه أن كتابه مبيِّن للدين كله، موضح لسبيل الهدى، كافٍ لمن اتبعه، لا يحتاج معه إلى غيره يجب اتباعه دون اتباع غيره من السبل)(2) .

ثم شرع في ذكر بعض الأحاديث الدالة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين الحق، وترك الأمة على المحجة البيضاء، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته:(إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)(3) .

(1) درء تعارض العقل والنقل 10/303.

(2)

درء تعارض العقل والنقل 10/304.

(3)

أخرج الحديث البخاري في صحيحه 13/249 كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسلم في صحيحه 2/592 كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة واللفظ له، والنسائي في سننه 1/550، كتاب العيدين، باب كيف الخطبة، وابن ماجه في سننه 1/17 المقدمة، باب اجتناب البدع والجدل.

ص: 147

وكان يقول: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة)(1) .

وكان يقول: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)(2) .

ثم قال: (فكيف يكون هذا - مع هذا البيان والهدى - ليس فيما جاء به جواب عن هذه المسألة، ولا بيان الحق فيها من الباطل، والهدى من الضلال؟ بل كيف يمكن أن يسكت عن بيان الأمر ولو لم يسأله الناس؟)(3) .

وبين وجوب اعتقاد الحق فيها، ثم شنع على الذين يقولون: إن جواب هذا السؤال وأمثاله ليس في الكتاب والسنة، ووصفهم بأنهم (الذين يُعرضون عن طلب الهدى من الكتاب والسنة، ثم يتكلم كل منهم برأيه ما يخالف الكتاب والسنة، ثم يتأول آيات الكتاب على مقتضى رأيه، فيجعل أحدهم ما وصفه برأيه هو أصول الدين الذي يجب اتباعه، ويتأول القرآن والسنة على وفق ذلك، فيتفرقون ويختلفون)(4) .

وبين شيخ الإسلام أن لفظ الجسم مجمل يحتاج إلى استفصال.

(1) الحديث أخرجه الترمذي في سننه 5/44 كتاب العلم، باب الأخذ بالسنة، وأبو داود في سننه 5/13 كتاب السنة، باب لزوم السنة واللفظ له، وابن ماجه في سننه 1/15 - 16 المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين، والدارمي في سننه 1/44 - 45 المقدمة، باب اتباع السنة، وصححه الألباني انظر: صحيح سنن الترمذي 2/341، صحيح سنن ابن ماجه 1/13، إرواء الغليل 8/107.

(2)

الحديث أخرجه ابن ماجه في سننه 1/4 المقدمة، باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واللفظ له، والمنذري في الترغيب والترهيب 1/88 باب الترهيب من ترك السنة، وحسنه، وابن أبي عاصم في السنة 1/26 - 27، وصححه الألباني.

(3)

درء تعارض العقل والنقل 10/305.

(4)

درء تعارض العقل والنقل 10/306.

ص: 148

فإن أُريد بالجسم: الموجود القائم بنفسه، المتصف بالصفات، فهذا المعنى حق، لكن الخطأ إنما هو في اللفظ.

وإن أريد غير ذلك من المعاني في معنى الجسم كأن يقال: هو ما يشار إليه، أو المركب، أو غير ذلك فإنه معنى باطل ولفظ مردود (1) .

وأما دعوى أن ابن تيمية رحمه الله يقول بأن الله جسم لا كالأجسام، فغير صحيحة، وهذه نصوص ابن تيمية الصريحة في رد هذه المقولة، وتخطئة من قالها، ومنها:

قوله حين قال له أحد كبار مخالفيه بجواز أن يقال: هو جسم لا كالأجسام:

(إنما قيل: إنه يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس في الكتاب والسنة أن الله جسم حتى يلزم هذا السؤال)(2) .

وحكم على القائل بهذا القول أنه مشبه، بقوله:(فمن قال هو جسم لا كالأجسام كان مشبهاً، بخلاف من قال: حي لا كالأحياء)(3) .

وذكر أن القائلين بهذه المقولة هم طوائف من أهل الكلام المتقدمين والمتأخرين فقال عن إثباتهم صفات الله عز وجل: (يثبتون هذه الصفات، ويثبتون ما

(1) انظر: كلام شيخ الإسلام في الاستفصال في معنى الجسم، ومناقشة المتكلمين والفلاسفة في تفسيراتهم معنى الجسم في:

شرح حديث النزول 130، 237 - 252، 358 التدمرية 51، 53، 130، منهاج السنة النبوية 2/105، 134، 198 - 200، 530، 548 - 551، الصفدية 1/117، درء تعارض العقل والنقل 1/118، 230، 4/146، 5/81، 6/131، 303، 347، 7/113، 10/236، 246، 292، 303، 307، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 5/215، 307، 6/102، 9/301، 17/312 - 325، المسألة المصرية (ضمن مجموع الفتاوى 12/316) ، بيان تلبيس الجهمية 2/58.

(2)

حكاية المناظرة في العقيدة الواسطية (ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 3/168، وانظر: ص196) .

(3)

درء تعارض العقل والنقل 10/312.

ص: 149

ينفيه النفاة لها، ويقولون: هو جسم لا كالأجسام، ويثبتون المعاني التي ينفيها أولئك بلفظ الجسم) (1) .

وذكر أن القائل بهذه المقولة هم علماء المجسمة (2) .

وقال رحمه الله: (وأما المعنى الخاص الذي يعنيه النفاة والمثبتة، الذين يقولون: هو جسم لا كالأجسام، فهذا مورد النزاع بين أئمة الكلام وغيرهم، وهو الذي يتناقض سائر الطوائف من نفاته لإثبات ما يستلزمه، كما يتناقض مثبتوه مع نفي لوازمه.

ولهذا كان الذي عليه أئمة الإسلام أنهم لا يطلقون الألفاظ المبتدعة المتنازع فيها لا نفياً، ولا إثباتاً، إلا بعد الاستفسار والتفصيل: فيثبت ما أثبته الكتاب والسنة من المعاني، وينفي ما نفاه الكتاب والسنة من المعاني) (3) .

وبين رحمه الله في مقولة: (إن الله ذو جسم وأعضاء وجوارح) أنها كلام باطل (4) .

وأما ألفاظ (التشبيه والتمثيل) فقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - أقوال الناس في الفرق بينها: هل هي بمعنى واحد أو معنيين؟، وأنها قولان:

(أحدهما: أنهما بمعنى واحد، وأن ما دل عليه لفظ المثل مطلقاً ومقيداً يدل عليه لفظ الشبه، وهذا قول طائفة من النظار.

والثاني: أن معناها مختلف عند الإطلاق لغة، وشرعاً، وعقلاً، وإن كان مع التقييد والقرينة يراد بأحدهما ما يراد بالآخر، وهذا قول أكثر الناس) (5) .

وبين سبب الاختلاف، وأنه مبني على مسألة عقلية وهي: أنه هل يجوز أن يشبه الشيءُ الشيءَ من وجه دون وجه، وذكر رحمه الله أن للناس في ذلك قولين: (فمن منع أن يشبهه من وجه دون وجه قال: المثل والشبه واحد.

(1) بيان تلبيس الجهمية 1/47.

(2)

بيان تلبيس الجهمية 1/50.

(3)

بيان تلبيس الجهمية 1/478.

(4)

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 4/421.

(5)

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 3/444.

ص: 150

ومن قال: إنه قد يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه، فرّق بينهما عند الإطلاق وهذا قول جمهور الناس) (1) .

وبين قول المخالفين في عدم التفريق بين التشبيه والتمثيل وهو: امتناع كون الشيء يشبه غيره من وجه ويخالفه من وجه، بل عندهم كل مختلفين كالسواد والبياض فإنهما لم يشتبها من وجه، وكل مشتبيهن كالأجسام عندهم، يقولون بتماثلها، فإنها متماثلة عندهم من كل وجه لا اختلاف بينها إلا في أمور عارضة لها (2) .

فالأجسام متماثلة من كل وجه، وأما الأعراض المختلفة والأجناس - كالسواد والبياض - فمختلفة من كل وجه (3) .

وبين نتيجة هذا القول وأنه: (كل من أثبت ما يستلزم التجسيم في اصطلاحهم فهو مشبه ممثل)(4) .

وذكر أن القائل بهذا كثير من أهل الكلام من المعتزلة والأشعرية، ومن وافقهم من الصفاتية كالباقلاني (5) ، وأبي يعلى (6) ، وأبي المعالي (7) ،

(1) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 3/444 - 445، بيان تلبيس الجهمية1/476 - 477.

(2)

انظر: الصفدية 1/101 - 102.

(3)

انظر: الصفدية 2/16.

(4)

الصفدية 1/102.

(5)

الباقلاني: محمد الطيب بن محمد الباقلاني، أبو بكر، القاضي، متكلم مشهور، صنف في علم الكلام وفي غيره، ووصف بجودة الاستنباط، وسرعة الجواب، ت سنة 413هـ.

انظر في ترجمته: ترتيب المدارك للقاضي عياض 7/44، سير أعلام النبلاء للذهبي 17/190، الباقلاني وآراؤه الكلامية لمحمد رمضان ص132 - 245.

(6)

أبو يعلى: محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد البغدادي الحنبلي، ابن الفراء، الإمام العلامة، شيخ الحنابلة في وقته، ولي القضاء، وكان ذا عبادة، وملازمة للتصنيف، ت سنة 458هـ.

انظر في ترجمته: تاريخ بغداد للخطيب 2/255، سير أعلام النبلاء للذهبي 18/89، منهج القاضي أبي يعلى في أصول الدين للفايز ص7 - 23.

(7)

أبو المعالي: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، نسبة إلى جوين، أبو المعالي، لقب بإمام الحرمين؛ لأنه جاور مكة والمدينة سنين يدرس فيها ويفتي، أشعري المعتقد، كان يقول بالتأويل ثم تحول إلى القول بالتفويض، ت سنة 478هـ.

انظر في ترجمته: شذرات الذهب لابن العماد 3/358، النجوم الزاهرة للأتابكي 5/121، الإمام الجويني لمحمد الزحيلي، منهج إمام الحرمين في دراسة العقيدة لأحمد بن عبد اللطيف ص19 - 74.

ص: 151

وغيرهم (1) .

وناقش هؤلاء نقاشاً عقلياً ولغوياً، وشرعياً بقوله:

(فإن العقل يعلم أن الأعراض مثل الألوان، تشتبه في كونها ألواناً مع أن السواد ليس مثل البياض، وكذلك الأجسام والجواهر عند جمهور العقلاء تشتبه في مسمى الجسم والجوهر، وإن كانت حقائقها ليست متماثلة، فليست حقيقة الماء مماثلة لحقيقة التراب، ولا حقيقة النبات مماثلة لحقيقة الحيوان، ولا حقيقة النار مماثلة لحقيقة الماء، وإن اشتركا في أن كلاً منهما جوهر وجسم وقائم بنفسه)(2) .

(وأيضاً فمعلوم في اللغة أنه يقال: هذا يشبه هذا، وفيه شبه من هذا، إذا أشبهه من بعض الوجوه، وإن كان مخالفاً له في الحقيقة.

قال الله تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً} [البقرة: 25] .

وقال: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7] .

وقال: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} [البقرة: 118] .

فوصف القولين بالتماثل، والقلوب بالتشابه لا بالتماثل، فإن القلوب وإن اشتركت في هذا القول فهي مختلفة لا متماثلة.

(1) انظر: الصفدية 1/102، 2/17.

(2)

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 3/445.

ص: 152

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الحلال بيّن، وإن الحرام بيّن، وبين ذلك أمور متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس» (1) .

فدل على أنه يعلمها بعض الناس، وهي في نفس الأمر ليست متماثلة، بل بعضها حرام وبعضها حلال) (2) .

وأما لفظ (الحشوية) فقد بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذا اللفظ ليس له مسمى معروف لا في الشرع، ولا في اللغة، ولا في العرف العام، وليس فيه ما يدل على شخص معين، ولا مقالة معينة، فلا يدرى من هم هؤلاء؟

ويذكر أن أول من تكلم بهذا اللفظ عمرو بن عبيد (3)، حيث قال: كان عبد الله بن عمر (4) رضي الله عنهما حشوياً.

وأصل ذلك أن كل طائفة قالت قولاً تخالف به الجمهور والعامة فإنها تنسب قول المخالف لها إلى أنه قول الحشوية: أي الذين هم حشوٌ في الناس ليسوا من المتأهلين عندهم.

فالمعتزلة تسمي من أثبت القدر حشوياً، والجهمية يسمون مثبتة الصفات

(1) أخرج الحديث البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان رقم (52) ، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، والنسائي في سننه 4/3 كتاب البيوع، باب اجتناب الشبهات في الكسب، وأبو داود في سننه 3/624 - 625 كتاب البيوع، باب اجتناب الشبهات، وابن ماجه في سننه 2/1318 - 1319 كتاب الفتن، باب الوقوف عند الشبهات.

(2)

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 3/445 - 446، وانظر: التدمرية 116 - 131.

(3)

عمرو بن عبيد: أبو عثمان البصري، مبتدع ضال، من كبار المعتزلة، الذين أسسوا المذهب مع واصل بن عطاء، يقول بالقدر، ت سنة 143هـ.

انظر في ترجمته: المجروحين لابن حبان 2/69، تهذيب التهذيب لابن حجر 8/70، مقالات الإسلاميين لأبي القاسم البلخي ص68.

(4)

عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، أبو عبد الرحمن أسلم مع أبيه، وهاجر، واستصغره النبي يوم بدر وأحد، وأجازه يوم الخندق، وكان قليل النظير ومن أئمة الدين، ت سنة 72هـ.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 2/341، الإصابة لابن حجر 2/347.

ص: 153

حشوية، والقرامطة (1) - كأتباع الحاكم (2) - يسمون من أوجب الصلاة والزكاة والصيام والحج حشوياً.

وأهل هذا المصطلح يعنون به حين يطلقونه: العامة الذين هم حشو، كما تقول الرافضة عن مذهب أهل السنة مذهب الجمهور (3) .

وحين رد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على الرافضي (4) في كتابه (منهاج السنة النبوية) قوله عن جماعة من الحشوية والمشبهة: إن الله تعالى جسم، له طول وعرض وعمق، وأنه يجوز عليه المصافحة

إلخ (5) .

استفصل رحمه الله في المراد بالحشوية فقال:

(فإن كان مراده بالحشوية: طائفة من أصحاب الأئمة الأربعة دون غيرهم، كأصحاب أحمد أو الشافعي، أو مالك، فمن المعلوم أن هذه المقالات لا توجد فيهم أصلاً، بل هم يكفّرون من يقولها

(1) القرامطة: أتباع حمدان الأشعث المعروف بقرمط، كان في الكوفة، فلقيه أحد دعاة الباطنية، ودعاه إلى معتقدهم، فقبل الدعوة، ثم صار يدعو الناس إليها، ولذا تعد القرامطة إحدى فرق الباطنية.

انظر: فضائح الباطنية للغزالي ص12 - 14، التنبيه والرد للملطي ص31، الفرق بين الفرق للبغدادي ص282، مشكاة الأنوار للعلوي ص33 - 47، أخبار القرامطة لسهيل زكار، الحركات الباطنية للخطيب ص135 - 168، القرمطية بين الدين والثورة لبزون ص92 - 201.

(2)

الحاكم بأمر الله: منصور بن نزار بن معد بن إسماعيل العبيدي الفاطمي، أبو علي، كثير التقلبات، من خلفاء الدولة الفاطمية بمصر، عني بعلوم الفلسفة والنظر في النجوم، وأعلنت الدعوة إلى تأليهه، ت سنة 407هـ، ت سنة 411هـ.

انظر في ترجمته: وفيات الأعيان لابن خلكان 4/379، شذرات الذهب لابن العماد 3/192، النجوم الزاهرة للأتابكي 4/176.

(3)

انظر: المسألة المصرية (ضمن مجموع الفتاوى 12/176) ، حكاية المناظرة (ضمن مجموع الفتاوى 3/185) ، منهاج السنة النبوية 2/520.

(4)

هو ابن المطهر الحلي في كتابه منهاج الكرامة.

(5)

انظر: منهاج السنة 2/500.

ص: 154

وإن كان مراده بالحشوية: أهل الحديث على الإطلاق: سواء كانوا من أصحاب هذا أو هذا، فاعتقاد أهل الحديث: هو السنة المحضة؛ لأنه هو الاعتقاد الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس في اعتقاد أحد من أهل الحديث شيء من هذا، والكتب شاهدة بذلك.

وإن كان مراده بالحشوية: عموم أهل السنة والجماعة مطلقاً: فهذه الأقوال لا تعرف في عموم المسلمين وأهل السنة) (1) .

وأما نزول الباري عز وجل إلى السماء الدنيا، واستواؤه على عرشه سبحانه وتعالى، فليس في نصوص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما يثبت أنه يشبّه نزول الرب بنزول المخلوقين، واستواءه باستوائهم، بل نصوصه صريحة في نفي المماثلة والمشابهة في غير موضع.

فحين تحدث عن منهج الوسطية عند أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات قال:

(ويعلمون مع ذلك أنه لا مثيل له في شيء من صفات الكمال، فلا أحد يعلم كعلمه، ولا يقدر كقدرته، ولا يرحم كرحمته، ولا يسمع كسمعه، ولا يبصر كبصره، ولا يخلق كخلقه، ولا يستوي كاستوائه، ولا يأتي كإتيانه، ولا ينزل كنزوله كما قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص] )(2) .

وفي معرض رده على من ينفي الصفات الفعلية، بحجة أنها تستلزم التجسيم، صاغ قول المخالف وقوله على هيئة حوار قائلاً:

(فإذا قيل: سمعه ليس كسمعنا، وبصره ليس كبصرنا، وإرادته ليست كإرادتنا، وكذلك علمه وقدرته.

(1) منهاج السنة النبوية 2/521، وانظر: بيان تلبيس الجهمية 1/242 - 245.

(2)

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/143.

ص: 155

قيل له: وكذلك رضاه ليس كرضانا، وغضبه ليس كغضبنا، وفرحه ليس كفرحنا، ونزوله واستواؤه ليس كنزولنا واستوائنا) (1) .

وقال عن الاستواء:

(وكذلك ما أخبر به عن نفسه من استوائه على العرش، ومجيئه في ظلل من الغمام، وغير ذلك من هذا الباب، ليس استواؤه كاستوائهم، ولا مجيئه كمجيئهم)(2) .

وقال عن النزول ناقلاً عن الإمام أحمد بن حنبل (ت - 241هـ) رحمه الله في رسالته إلى مسدد (3) أن النزول لا تعلم كيفيته:

(وهم متفقون على أن الله ليس كمثله شيء، وأنه لا يُعلم كيف ينزل، ولا تمثل صفاته بصفات خلقه)(4) .

وحكم على من مثل استواء الله ونزوله باستواء المخلوقين ونزولهم بأنه مبتدع ضال (5) .

وقد أطال النفس رحمه الله في الجواب عن شبهة أن إثبات الصفات يستلزم التجسيم، مبيناً قبل ذلك قاعدة مهمة وهي: أن كل من نفى شيئاً قال لمن أثبته إنه مجسم ومشبه، فغلاة الباطنية، نفاة الأسماء، يسمون من سمى الله بأسمائه الحسنى مشبهاً ومجسماً، فيقولون: إذا قلنا حي عليم، فقد شبهناه بغيره من الأحياء العالمين.

(1) شرح حديث النزول ص114.

(2)

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 4/423.

(3)

مسدد بن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري، أبو الحسن، محدث، كان حافظاً حجة، من الأئمة المصنفين الأثبات، ت سنة 228هـ.

انظر في ترجمته: طبقات الحنابلة لأبي يعلى 1/341، شذرات الذهب لابن العماد 2/66.

(4)

منهاج السنة النبوية 2/639، وانظر: نص الرسالة في طبقات الحنابلة لأبي يعلى في ترجمة مسدد بن مسرهد جـ1/341 - 345.

(5)

انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 5/262.

ص: 156

وكذلك إذا قلنا: هو سميع بصير، فقد شبهناه بالإنسان السميع البصير.

وإذا قلنا: رؤوف رحيم فقد شبهناه بالنبي الرؤوف الرحيم، بل قالوا: إذا قلنا: إنه موجود فقد شبهناه بسائر الموجودات، لاشتراكهما في مسمى الوجود (1) .

ومثبتة الأسماء دون الصفات من المعتزلة ونحوهم، يقولون لمن أثبت الصفات: إنه مجسم، ومثبتة الصفات دون ما يقوم به من الأفعال الاختيارية يقولون لمن أثبت ذلك: إنه مجسم، وكذلك سائر النفاة (2) .

وبين رحمه الله مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات: وأنه وسط بين التعطيل والتمثيل في مواضع متعددة من كتبه:

فقال: (أهل السنة والجماعة في الإسلام - كأهل الإسلام في الملل - فهم وسط في باب صفات الله عز وجل بين أهل الجحد والتعطيل، وبين أهل التشبيه والتمثيل؛ يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله من غير تعطيل ولا تمثيل، إثباتاً لصفات الكمال، وتنزيهاً له عن أن يكون له فيها أنداد وأمثال، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، كما قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، رد على الممثلة:{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] ، رد على المعطلة.

وقال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص] ) (3) .

(1) انظر: منهاج السنة النبوية 2/523 - 524، وقد ناقشهم رحمه الله نقاشاً عقلياً رائعاً، وبين أن مصير قولهم هو تشبيه الله بالممتنع.

(2)

انظر: منهاج السنة النبوية 2/213 - 214، 523 - 524.

(3)

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/71 - 73، وانظر: في تقرير وسطية أهل السنة في الأسماء والصفات: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/143 - 144، منهاج السنة النبوية 2/11، درء تعارض العقل والنقل 6/348، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 5/263.

ص: 157

وذكر أن ما نفاه المعطلة من الأسماء والصفات ثابت بالشرع والعقل، وأن تسميتهم لما أثبته غيرهم تشبيه وتجسيم، إنما هو تمويه على الجهال.

وبين أن التمثيل والتشبيه المنهي عنه في الأسماء والصفات للباري عز وجل هو: ما يستلزم الاشتراك بين الخالق والمخلوق فيما يختص به الخالق، مما يختص بوجوبه أو جوازه أو امتناعه، فلا يجوز أن يشركه فيه مخلوق (1) .

ويوضح أس المشكلة عند النفاة وهي: قياس الخالق بالمخلوق، فلو كان الخالق عز وجل عندهم متصفاً بالصفات، لكان مماثلاً للمخلوق المتصف بالصفات، ويخلص إلى نتيجة وهي: أن هذا القول في غاية الفساد؛ لأن تشابه الشيئين من بعض الوجوه، لا يقتضي تماثلهما في جميع الأشياء.

ولو كان إثبات الصفات يقتضي التجسيم؛ لكان الرسول صلى الله عليه وسلم إلى إنكار ذلك أسبق، وهو به أحق، وإن كان الطريق إلى نفي العيوب والنقائص، ومماثلة الخالق لخلقه هو ما في ذلك من التجسيد والتجسيم؛ كان إنكار ذلك بهذا الطريق هو الصراط المستقيم كما فعله من أنكر ذلك بهذا الطريق من القائلين بموجب ذلك من أهل الكلام، فلما لم ينطق النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه والتابعون بحرف من ذلك، بل كان من نطق به موافقاً مصدقاً لذلك (2) .

والقرآن الكريم بيّن الفرق بين الخالق والمخلوق، وأنه لا يجوز أن يسوى بين الخالق والمخلوق في شيء، فيجعل المخلوق نداً للخالق. قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة: 165] .

وقال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم: 65] .

وقال تعالى: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَاّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ

(1) انظر: التدمرية ص39 - 40.

(2)

انظر: درء تعارض العقل والنقل 7/59، 95.

ص: 158

اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل: 17 - 21](1) .

قال رحمه الله في بيان لوازم التماثل بين الخالق والمخلوق، وأن التماثل غير ممكن:

(وقد علم بالعقل أن المثلين يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، ويجب له ما يجب له، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه، فلو كان المخلوق مماثلاً للخالق للزم اشتراكهما فيما يجب ويجوز ويمتنع، والخالق يجب وجوده وقدمه، والمخلوق يستحيل وجوبه وقدمه، بل يجب حدوثه وإمكانه، فلو كانا متماثلين للزم اشتراكهما في ذلك، فكان كل منهما يجب وجوده وقدمه، ويمتنع وجوب وجوده وقدمه، ويجب حدوثه وإمكانه، فيكون كل منهما واجب القدم واجب الحدوث، واجب الوجود ليس واجب الوجود، يمتنع قدمه لا يمتنع قدمه، وهذا جمع بين النقيضين)(2) .

ومن رده رحمه الله على من توهم أن مدلول نصوص الصفات هو التمثيل، بين أنه يقع في أربعة أنواع من المحاذير:

الأول: كونه مثّل ما فهمه من النصوص بصفات المخلوقين، وظن أن مدلول النصوص هو التمثيل.

الثاني: أنه إذا جعل ذلك هو مفهومها وعطله، بقيت النصوص معطلة عما دلت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله.

الثالث: أنه ينفي تلك الصفات عن الله بغير علم، فيكون معطلاً لما يستحقه الرب تعالى.

(1) انظر: الفرقان بين الحق والباطل ص9 - 12.

(2)

شرح العقيدة الأصفهانية ص9 - 10، وانظر: ص25.

ص: 159

الرابع: أنه يصف الرب بنقيض تلك الصفات من صفات الموات والجمادات، أو صفات المعدومات (1) .

وتوسع رحمه الله في بيان قاعدة (اتفاق الأسماء والصفات لا يستلزم اتفاق المسميات والموصوفات عند الإضافة والتقييد والتخصيص) .

ففي الأسماء: سمى الله نفسه حياً بقوله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] .

وبقوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان: 58] .

وسمى بعض عباده حياً بقوله: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [يونس: 31] .

مع العلم أنه ليس الحي كالحي؛ لأن قوله: (الحي) اسم لله مختص به، وقوله:{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [يونس: 31] ، اسم للحي المخلوق المختص به، وإنما يتفقان إذا أطلقا، وجردا عن التخصيص.

وسمى نفسه بالملك: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر: 23]، وسمى بعض عباده الملك فقال:{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} [يوسف: 50] ، وليس الملك كالملك.

وسمى نفسه العزيز الجبار المتكبر فقال: {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 23] .

وسمى بعض خلقه العزيز فقال: {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ} [يوسف: 51]، وسمى بعض خلقه بالجبار المتكبر فقال:{كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: 35] .

وفي الصفات: وصف - سبحانه - نفسه بالإرادة، ووصف عباده بالإرادة فقال:{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 67] .

ووصف نفسه بالمشيئة، ووصف بعض عباده بالمشيئة بقوله:{لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 28 - 29] .

(1) انظر: التدمرية ص79 - 80.

ص: 160

ووصف نفسه بالعمل بقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} [يس: 71] .

ووصف عباده بالعمل بقوله: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] .

إلى غيرها من الأسماء والصفات الدالة على أن تماثل الأسماء والصفات لا يعني تماثل المسمى والموصوف عند الإطلاق (1) .

وقد أجابت إحدى الباحثات (2) عن رمي ابن تيمية رحمه الله بالتجسيم، بأن نصوص كتب ابن تيمية تدل دلالة واضحة على أنه بريء كل البراءة مما نسب إليه من شبهة التجسيم، إذ لا يمكن لسنّي مثله دافع عن الكتاب والسنة دفاعاً مريراً، إلى أن خافه الفقهاء والصوفية، فدسوا له عند الحكام، حتى سجن، أن يقول مثل هذا القول، وبينت أن الأسرة التي عاش فيها ابن تيمية لم تكن محاطة بالتشبيه والتجسيم، بل كانت أسرة متدينة ومتفقهة في الدين الإسلامي (3) .

(1) انظر: في بيان هذه القاعدة: التدمرية 20 - 30، الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 4/421 - 424، منهاج السنة النبوية 2/112 - 115، شرح حديث النزول ص75، درء تعارض العقل والنقل 10/312.

(2)

هي سهير مختار في أطروحتها لنيل درجة الماجستير بعنوان (التجسيم عند المسلمين)، والطريف في الأمر أنها قالت ذلك رداً على مشرفها في الرسالة د. علي سامي النشار ناقلة قوله من كتابه نشأة الفكر الفلسفي 1/312:(بقي التشبيه والتجسيم في بيت المقدس وفي دمشق وفي حران، وفي هذه الأخيرة ولد عالم السلف المتأخر الكبير تقي الدين بن تيمية عام 661هـ. نشأ ابن تيمية في أسرة حنبلية يحيط بها التشبيه والتجسيم، وقد وقع فيهما ابن تيمية وقوعاً كاملاً) . وانظر: التجسيم عند المسلمين ص97.

(3)

انظر: التجسيم عند المسلمين لسهير مختار ص99.

ص: 161