المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى - دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية - عرض ونقد

[عبد الله بن صالح الغصن]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أسباب اختيار البحث:

- ‌خطة البحث:

- ‌ منهج في كتابة البحث

- ‌[شكر وتقدير]

- ‌[التمهيد]

- ‌ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

- ‌1 - اسمه ونسبه:

- ‌2 - مولده ونشأته:

- ‌3 - عصره:

- ‌أولاً: الناحية السياسية:

- ‌ثانياً: الناحية الاجتماعية:

- ‌ثالثاً: الناحية العلمية:

- ‌4 - محن الشيخ:

- ‌5 - وفاته رحمه الله:

- ‌6 - مؤلفاته:

- ‌7 - بعض ثناء الناس عليه:

- ‌منهج شيخ الإسلام في تقرير العقيدة والاستدلال عليها:

- ‌الفصل الأول: المناوئون لشيخ الإسلام، ودعاواهم حول منهجه

- ‌المبحث الأول: المناوئون لشيخ الإسلام

- ‌المطلب الأول: أقسام المناوئين

- ‌المطلب الثانيالمنهج العام للمناوئين

- ‌المطلب الثالثاعتراف خصومه بقدره

- ‌المبحث الثانيدعاوى المناوئين حول منهج شيخ الإسلام ابن تيمية ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعاوى المناوئين حول منهج شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌المطلب الثانيمناقشة دعاوى المناوئين حول منهج ابن تيمية

- ‌الفصل الثانيدعوى التجسيم والتشبيه

- ‌المبحث الأول:قول أهل السنة في مسألة التجسيم والتشبيه

- ‌المطلب الأول: التعريف بالمشبهة

- ‌المطلب الثانياعتقاد السلف نفي التمثيل والتشبيه

- ‌المطلب الثالثرد السلف دعوى أن الإثبات يستلزم التشبيه

- ‌المبحث الثانيدعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام أخذ التشبيه ممن قبله، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام أخذ التشبيه ممن قبله

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى قوله بالجهة والتحيز ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى قوله بالجهة والتحيز

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الثالث: دعوى القول بقدم العالم

- ‌المبحث الأولمعتقد أهل السنة في إمكان حوادث لا أول لها

- ‌المطلب الأولالتسلسل: تعريفه، أقسامه، حكم كل قسم

- ‌المطلب الثانيالصفات الاختيارية

- ‌المطلب الثالثشرح حديث عمران بن حصين رضي الله عنه

- ‌المبحث الثانيدعوى أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لهايستلزم القول بقدم العالم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لها يستلزم القول بقدم العالم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الرابعدعوى نهي ابن تيمية عن زيارة القبور

- ‌المبحث الأولعقيدة أهل السنة في زيارة القبور وشد الرحل إليها

- ‌المبحث الثانيالزعم أن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور ومناقشته

- ‌المطلب الأولالزعم بأن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور

- ‌المطلب الثانيمناقشة دعوى أن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام ينتقص من منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام ينتقص من منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ومناقشتها

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى مخالفة ابن تيمية الصحابة في قولهم بجواز بناء المساجد على القبور ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى مخالفة ابن تيمية الصحابة في قولهم بجواز بناء المساجد على القبور

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الخامسدعوى أن ابن تيمية يساوي في المنزلة بين قبور الأنبياءوقبور غيرهم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن ابن تيمية يساوي في المنزلة بين قبور الأنبياءوقبور غيرهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الخامسمسألة التوسل

- ‌المبحث الأول: عقيدة أهل السنة والجماعة في التوسل

- ‌المبحث الثانيدعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين،وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين،وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدمجواز التوسل بالنبي، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدم جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين،وإهانته لهم، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين، وإهانته لهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل السادسموقف شيخ الإسلام من الصحابة

- ‌المبحث الأولعقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة

- ‌المبحث الثانيدعوى تخطئة شيخ الإسلام الصحابة بما فيهمالأئمة الخلفاء الأربعة، ومناقشتها

- ‌المطلب الأول دعوى تخطئة شيخ الإسلام الصحابة بما فيهم الأئمة الخلفاء الأربعة

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى تكلف شيخ الإسلام الغمز على أهل البيت،وتعمية مناقبهم، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى تكلف شيخ الإسلام الغمز على أهل البيت، وتعمية مناقبهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى رد الأحاديث الصحيحة في مقام المبالغةفي توهين كلام الشيعة ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى رد الأحاديث الصحيحةفي مقام المبالغة في توهين كلام الشيعة

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل السابعمسألة دوام النار

- ‌المبحث الأولدلالة نصوص الكتاب والسنة على خلود النار

- ‌المبحث الثانيدعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

‌المطلب الثاني

مناقشة الدعوى

حين يزعم المناوئون لابن تيمية رحمه الله أنه أول من قال بتحريم التوسل بالذوات مطلقاً، أو الأموات مطلقاً، أو الأحياء فيما لا يقدرون عليه، أو في مغيبهم، فليس هذا افتراءً على ابن تيمية رحمه الله وحده، بل هي فرية على القرون السبعة الأولى أنهم يحرمون ما أجازه الله ورسوله، ثم هو افتراء على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، من غير دليل صحيح فيتبع، أو أثر فيقتفى، فليس في الكتاب العزيز، ولا السنة المطهرة أي دليل يجيز أو يشير إلى إباحة هذا التعلق بالذوات، والتجاء القلب إلى المخلوق وترك الخالق.

وابن تيمية رحمه الله قد أخذ عهداً على نفسه أن لا يقول بأي قول جديد لم يسبقه إليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتابعوهم، ومن جاء بعدهم من سلف الأمة الأخيار، فهو متبع لا مبتدع، ويرى أنه قد كُفي بمن سبقه؛ بما بينوا وأوضحوا من غوامض النصوص، ودقائق المسائل.

يقول رحمه الله عن نفسه: (المجيب - ولله الحمد - لم يقل قط في مسألة إلا بقول سبقه إليه العلماء، فإن كان يخطر له ويتوجه له فلا يقوله وينصره إلا إذا عرف أنه قد قاله بعض العلماء)(1) .

ثم قال: (فمن كان يسلك هذ المسلك كيف يقول قولاً يخرق به إجماع المسلمين، وهو لا يقول إلا ما سبقه إليه علماء المسلمين؟ فهل يتصور أن يكون الإجماع واقعاً في مورد النزاع؟)(2) .

(1) الرد على الأخنائي ص195.

(2)

الرد على الأخنائي ص195.

ص: 431

ثم بيّن رحمه الله السبب في تسرع بعض الناس إذا وجد قولاً أو قولين حكم بالإجماع بأنه ناتج عن الظن الفاسد، والجهل بأقوال أهل العلم، مما ينتج عنه عدم معرفة مظان الإجماع فيقول:(لكن من لم يعرف أقوال العلماء قد يظن الإجماع من عدم علمه النزاع، وهو مخطيء في هذا الظن لا مصيب، ومن علم حجة على من لم يعلم، والمثبت مقدم على النافي)(1) .

وإذا ادعى مدع أن غيره خالف الإجماع فلا يقبل قوله إلا إذا كان ممن يعرف الإجماع والنزاع، وهذا يحتاج إلى علم عظيم يظهر به ذلك؛ لأن دعوى الإجماع من علم خاصة العلماء الذي لا يمكن الجزم فيه بأقوال العلماء، وغاية الأمر أن مدعي الإجماع لا يعلم منازعاً في المسألة، لا أنه يجزم بنفي المنازع؛ لأن عدم العلم لا يعني العلم بالعدم (2) .

ومن زعم أن ابن تيمية رحمه الله قد خالف الإجماع، فإن هذه الدعوى تقلب عليه لينقلب مدحوراً، فيطالب بدليل واحد من القرآن يبيح ما أفتى ابن تيمية بحرمته، أو بدليل من السنة، أو بقول أحد من الصحابة، أو التابعين، أو المشهود لهم بالعلم والتقى والاعتقاد الحق من سلف الأمة، ولن يجدوا حتى يلج الجمل في سم الخياط، فلم يخالف ابن تيمية رحمه الله إلا أهواء المبتدعة، وتحريفهم لمعاني نصوص الكتاب والسنة، وأغاليطهم على سلف الأمة.

فالإجماع على خلاف ما ذكروه، كما يقول رحمه الله: (ثم سلف الأمة، وأئمتها، وعلماؤها إلى هذا التاريخ سلكوا سبيل الصحابة في التوسل في الاستسقاء بالأحياء الصالحين الحاضرين، ولم يذكر أحد منهم في ذلك التوسل بالأموات، لا من الرسل ولا من الأنبياء، ولا من الصالحين.

فمن ادعى أنه علم هذه التسوية التي جهلها علماء الإسلام، وسلف الأمة، وخيار الأمم، وكفّر من أنكرها، وضلله: فالله تعالى هو الذي يجازيه

(1) الرد على الأخنائي ص195.

(2)

انظر: الرد على الأخنائي لابن تيمية 194 - 195.

ص: 432

على ما قاله وفعله) (1) .

ومن باب ذكر المثال ممن تقدم ابن تيمية رحمه الله من السلف على تحريم التوسل، ما نقله فقهاء الحنفية عن أبي حنيفة (ت - 150هـ) رحمه الله وصاحبه أبي يوسف (2) ،

رحمه الله من أنهما يحرمان التوسل بحق فلان، أو بحق الأنبياء والرسل (3) .

وحين يلزم ابن تيمية رحمه الله في باب العبادات التوقيف؛ فما ورد فإنه يقبل، وما لم يرد فإنه يرفض ويرد، فإن المناوئين لا تعجبهم هذه المنهجية الدقيقة؛ لأنها تحجر عليهم كثيراً من بدعهم، ومخترعاتهم في الشرع، فيزعم زاعم أنه ربما وقعت بعض أنواع التوسل التي ينكرها ابن تيمية لكنها لم تنقل إلينا، وبعضهم يرى أن ابن تيمية يتيه في بيداء العدم حين يلتزم بهذه المنهجية (4) .

لكن هذه المزاعم مرفوضة: فلو وقعت أنواع من التوسل غير ما ذكر في الأحاديث والآثار الصحيحة لنُقل أيضاً؛ لأن الشرع محفوظ فقد نقل الصحابة ما هو أدق من هذا الموضوع المهم، فكيف يجمع الصحابة ويطبقون على عدم

(1) الرد على البكري 126 - 127.

(2)

أبو يوسف: يعقوب بن إبراهيم، القاضي، المشهور بأبي يوسف، صاحب أبي حنيفة، ت سنة 183هـ.

انظر في ترجمته: أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري ص90، الجواهر المضية للقرشي 3/611.

(3)

انظر: حاشية الدر المختار لابن عابدين 2/630، شرح الإحياء للزبيدي 2/285.

لكن المخالفين يتبعون أهواءهم، فكلما وجد نص من سلف الأمة وأئمتها يخالف ما قررته عقولهم وأهواؤهم، فإنهم يعطلون هذا النص بزعمهم أنه ربما لم يبلغ هذا العالم الأدلة الأخرى التي تخالف هذا القول، انظر: على سبيل المثال المقالات السنية في كشف ضلالات أحمد بن تيمية للحبشي ص111.

(4)

انظر: حكم الإسلام في التوسل بالأنبياء والأولياء عليهما السلام لمخلوف ص36، التوسل بالنبي لحامد مرزوق ص114.

ص: 433

نقله: إما أن يكونوا جهلة، أو أنهم يكتمون الحق لغرض في نفوسهم، وكلا الأمرين باطل ممتنع، فلا يبقى إلا القول بأنه لم يقع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عهد الصحابة شيء من ذلك ويقرون عليه.

ويجاب عنهم - أيضاً -: بأن هذه العبارة وهي قولهم: إنه يتيه في بيداء العدم يلزم منها عدم كمال الدين، وعدم تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ المبين، حتى يجتهد أولئك في اختراع عبادات لم تكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، على احتمال أن تكون وقعت ولم تنقل إلينا، وقد أخبر الله بكمال الدين في قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة: 3] .

لكن المناوئين لابن تيمية: لا يقولون بهذا إلا فيما يخالف أهواءهم، وإلا فهم يذكرون عن مسائل أنها لا تجوز لعدم ورودها، ومع ذلك لا يرد بعضهم على بعض فيها، وهذا يدل على أنهم يتبعون أهواءهم، والله تعالى يقول:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50] .

مثال ذلك قول ابن حجر الهيتمي (ت - 973هـ) : (أنكر العز بن جماعة (1) هذا الموقف كالعَود بعد السلام على الشيخين رضي الله عنهما (2) إلى موقفه الأول محتجاً بأن واحداً منهما لم يرد عن الصحابة، ولا التابعين) (3) وأقره عى هذا.

وقال - أيضاً -: (ويظن من لا علم له أنه - أي الانحناء للقبر الشريف - من شعار التعظيم، وأقبح منه تقبيل الأرض له؛ لأنه لم يفعله السلف الصالح، والخير كله في اتباعهم)(4) .

(1) العز بن جماعة: عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني الشافعي المصري الحموي الأصل، الحافظ، ولي قضاء الديار المصرية، وجاور الحجاز فمات بمكة سنة 767هـ.

انظر في ترجمته: طبقات الشافعية للسبكي 10/79، الدرر الكامنة لابن حجر 2/489.

(2)

أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الزيارة.

(3)

الجوهر المنظم ص127 - 128.

(4)

الجوهر المنظم ص161.

ص: 434

والمناوئون يسلكون كل الطرق لإقناع الناس بشبهاتهم وبدعهم، ومن عجيب أمرهم مع ابن تيمية رحمه الله أن قال بعضهم بأنه يرى التوسل البدعي!، ويوافق عليه، فإذا أجاز التوسل بدعائه، فقد أجاز التوسل بذاته، وأن ابن تيمية أثبت جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم دون تفريق أو تفصيل بين حياته وموته، وحضوره وغيابه (1) .

وهذا من عجائب المناوئين، فلا يدرون: أيقولون بأنه يمنع التوسل البدعي: تحذيراً لمن يضللونه من ابن تيمية، أم يقولون بأنه يقول بقولهم ويوافقهم: ويحرفون النصوص لأجل ذلك؛ إثارة للفتنة، وتلبيساً على العامة.

وأما التوسل بالشخص سواء كان نبياً أو ولياً صالحاً، فلم يمنع ابن تيمية رحمه الله ذلك، وإنما قال: إن هذا اللفظ فيه إجمال واشتراك: -

فإن أريد به التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، والتوسل بدعاء الصالحين في حياتهم فهذا جائز.

وأما إن أريد به: التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، أو ذوات الصالحين في حياتهم أو بعد مماتهم فهذا غير جائز، ولا يقره ابن تيمية رحمه الله ولا السلف السابقون.

فقال رحمه الله عن الأول الجائز: (دعاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، واستغفارهم وشفاعتهم هو سبب ينفع، إذا جعل الله تعالى المحل قابلاً له)(2) .

وقال عن دعاء الصالحين بعد ما بين أن الصحابة كانوا يتوسلون بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته: (فهذا كان توسل الصحابة به في حياته، فلما مات توسلوا بدعاء غيره، كدعاء العباس، وكما استسقى معاوية، بيزيد بن الأسود

(1) انظر: مفاهيم يجب أن تصحح للمالكي ص55 - 57، وانظر مناقشته في: هذه مفاهيمنا لآل الشيخ ص83 - 85.

(2)

قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص240.

ص: 435

الجرشي (1)(2) .

وقال عن الثاني الممنوع، وهو التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، أو ذوات الصالحين:(وأما التوسل بدعائه وشفاعته - أي الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال عمر - فإنه توسل بدعائه لا بذاته، ولهذا عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بعمه العباس، ولو كان التوسل هو بذاته، لكان هذا أولى من التوسل بالعباس)(3) .

وأما استدلال المناوئين باستسقاء عمر (ت - 23هـ) بالعباس (ت - 32هـ) رضي الله عنهما على جواز التوسل بالذوات، وبالصالحين، فهو استدلال ظاهر البطلان، وذلك من جوه:

1 -

أن النصوص الشرعية يفسر بعضها بعضاً، ويدل بعضها على بعض، وحديث توسل عمر (ت - 23هـ) رضي الله عنه مما يتفق فيه المبتدعة وأهل السنة على تقدير محذوف فيه، ولكن ما هو هذا التقدير في قوله:(كنا نتوسل إليك بنبينا.. وبعم نبينا) .

أما المناوئون، فيرون أن المحذوف تقديره: بجاه نبينا، وقد بينا بطلان التوسل بالجاه - كما تقدم -.

وأما أهل السنة فيرون أن تقدير المحذوف: بدعاء نبينا، وبدعاء العباس، وهذا تقدم بيانه ويوضحه الوجوه القادمة - أيضاً -.

2 -

أن الصحابة إذا أجدبوا، واحتاجوا الماء كان من عملهم أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته فيطلبون منه أن يدعو الله لهم، وأن يسأل الله إنزال الغيث فيفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً.

(1) يزيد الجرشي: يزيد بن الأسود الجرشي، أبو الأسود، صحابي، أدرك الجاهلية، وكان من العباد الخُشّن، وعداده في الشاميين.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 3/660، الإصابة لابن حجر 3/673.

(2)

قاعدة عظيمة ص77.

(3)

قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص82.

ص: 436

ولم يكن الصحابة - رضوان الله عليهم - إذا احتاجوا إلى المطر والسقيا يذهبون إلى بيوتهم ويمكثون فيها، ويقولون: اللهم بنبيك محمد اسقنا الغيث، وهذا معلوم لمن نظر واستبصر بالنصوص.

3 -

أن قول عمر (ت - 23هـ) رضي الله عنه: (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) معناه: أننا توسلنا بأمر يقدر عليه العباس (ت - 32هـ) ، ولا يقدر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الدعاء في هذا الوقت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فطلبنا منه أن يدعو لنا لتغيثنا، فالتوسل بالعباس (ت - 32هـ) ممكن، والتوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته غير ممكن، ولهذا عدل عمر (ت - 23هـ) عن التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بعمه العباس (ت - 32هـ) .

قال ابن تيمية رحمه الله: (لو كان توسلهم به في مماته كتوسلهم به في حياته لكان توسلهم به أولى من توسلهم بعمه العباس ويزيد وغيرهم.

فهل كان فيهم في حياته من يعدل عن التوسل به، والاستشفاع إلى التوسل بالعباس وغيره؟.

وهل كانوا وقت النوازل والجدب يَدَعونه ويأتون العباس؟) (1) .

4 -

ليس من المعقول أن يقر الصحابة عمر (ت - 23هـ) رضي الله عنه على الانصراف عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بغيره، ولم ينكروا عليه، فيلزم أحد أمرين:

(إما أن يكون المهاجرون والأنصار جاهلين بهذه التسوية وهذا الطريق. أو أنهم سلكوا في مطلوبهم أبعد طريق)(2) .

5 -

لو كان التوسل بالذوات بعد الممات ممكنا - كما يقوله المبتدعة - لكان العدول عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى العباس (ت - 32هـ) في أصعب الظروف

(1) الرد على البكري ص126.

(2)

الرد على البكري لابن تيمية ص126.

ص: 437

سخفاً ترفضه العقول السوية، خاصة وأنهم يقولون بحياة الأنبياء في قبورهم حياة حقيقية كحياتهم الدنيوية.

6 -

أن الحديث بين أن عمر بن الخطاب (ت - 23هـ) كان إذا قحطوا، استسقى بالعباس (ت - 32هـ) .

وفي هذا اللفظ إشارة إلى تكرار استسقاء عمر (ت - 23هـ) بالعباس (ت - 32هـ) رضي الله عنهما، وليس من باب التعليم للناس بجواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل.

7 -

أن الآثار قد بينت دعاء العباس (ت - 32هـ) رضي الله عنه ربه في الاستسقاء، وفي هذا رد على من قال إن التوسل كان بذاته لا بدعائه.

8 -

لو كان التوسل بذات العباس (ت - 32هـ) وجاهه عند الله، لما جاز أن يترك التوسل بذات الرسول صلى الله عليه وسلم وجاهه، لجاه غيره وذاته.

9 -

أن عمر (ت - 23هـ) رضي الله عنه قد أُمرنا بالاقتداء به شرعاً، كما قال صلى الله عليه وسلم:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي» (1) .

وقوله صلى الله عليه وسلم: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» (2) .

وقد وافق القرآن مرات عديدة.

فعدوله رضي الله عنه عن التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد مماته، إلى التوسل بدعاء غيره هو من سنة الخلفاء الراشدين (3) .

(1) الحديث أخرجه ابن ماجه في سننه 1/15 - 16، المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين، والدارمي في سننه 1/44 - 45 المقدمة، باب اتباع السنة، وصححه الألباني كما في صحيح سنن ابن ماجه 1/13.

(2)

الحديث أخرجه الترمذي في سننه 5/609 كتاب المناقب، باب مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وابن ماجه في سننه 1/37 المقدمة، باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصححه الألباني. انظر: صحيح الجامع 1/254، سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/233 - 236.

(3)

انظر: التوسل للألباني ص55 - 70، التوسل للحميدي (رسالة ماجستير) ص138 - 148، وانظر: الرد على البكري لابن تيمية ص124، 233، اقتضاء الصراط المستقيم له 2/684.

ص: 438

وأما سؤال الخلق فهو قسمان: سؤال الخلق في حياتهم، وسؤال الخلق بعد مماتهم.

أما سؤال الخلق: فهو في الأصل محرم، ويجوز في حالات، وتركه توكلاً أفضل كما قال تعالى:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7 - 8] ، أي ارغب إلى الله لا إلى غيره.

وعن عوف بن مالك (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع طائفة من أصحابه وأسرّ كلمة خفية أن لا تسألوا الناس شيئاً.

قال عوف: (فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً يناوله إياه)(2) .

ومن الحالات التي يجوز فيها أن يسأل المرء غيره شيئاً:

1 -

إن كان له عند غيره حق من دين أو عين كالأمانات فله أن يسألها ممن هي عنده.

2 -

وللرجل أن يطلب حقه من أموال الغنائم من ولي أمر المسلمين.

3 -

وكذلك سؤال النفقة لمن تجب له: كالزوجة والأولاد.

4 -

وأمور البيع والشراء: البائع يطلب الثمن، والمشتري يطلب السلعة.

5 -

ومن السؤال ما لا يكون مأموراً به، إلا أن المسؤول مأمور بإجابة السائل، كما قال تعالى:{وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى: 10]، وقال:

(1) عوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي، أبو عبد الرحمن، صحابي جليل، أسلم عام خيبر، ونزل حمص، شهد الفتح، وكانت معه راية أشجع، وسكن دمشق، آخى النبي بينه وبين أبي الدرداء، ت سنة 73هـ.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 3/131، الإصابة لابن حجر 3/43.

(2)

الحديث أخرجه مسلم في صحيحه 2/721 كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس.

ص: 439

{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24 - 25] .

وقد يكون السؤال منهياً عنه نهي تحريم أو تنزيه، وإن كان المسؤول مأموراً بإجابة سؤاله، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان من كماله أن يعطي السائل، وإن كان نفس سؤال السائل منهياً عنه، قال ابن تيمية رحمه الله في ذلك:(ولهذا لم يعرف قط أن الصديق ونحوه من أكابر الصحابة سألوه شيئاً من ذلك، ولا سألوه أن يدعو لهم، وإن كانوا قد يطلبون منه أن يدعو للمسلمين)(1)، وضرب لذلك دليلاً بقول عمر (ت - 23هـ) لرسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر بعض الدواب خوف ملاقاة العدو وهم جياع:(إن رأيت أن تدعو الناس ببقايا أزوادهم فتجمعها، ثم تدعو الله بالبركة، فإن الله يبارك لنا في دعوتك)(2) .

ومن السؤال ما يكون مأموراً به، ويكون المسؤول مأموراً بإجابته - أيضاً - لمن كان عنده إجابته كسؤال العلم، فإن الله أمر بسؤال العلم، كما في قوله تعالى:{فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وقال:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: 94]، وقال:{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45] .

وأما سؤال المخلوق المخلوق أن يقضي حاجة نفسه، أو يدعو له فلم يؤمر به (3) .

وأما من طلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله مثل أن يطلب شفاء مريضه، أو وفاء دينه، أو عافية أهله، أو غفران ذنبه، فهذه الأمور كلها لا يجوز أن

(1) قاعدة جليلة ص60.

(2)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشركة، باب الشركة في الطعام 5/128، ومسلم في صحيحه 1/55 - 56 كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً، بنحوه.

(3)

انظر: تفصيل الأقسام الماضية في قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية ص58 - 66.

ص: 440

تطلب إلا من الله عز وجل فلا تطلب لا من ملك ولا نبي ولا ولي (1) ، وهي نوع من الشرك.

وأما سؤال الخلق بعد مماتهم: فلا يجوز مطلقاً لا سؤال الأنبياء، ولا الأولياء، ولا غيرهم من باب أولى، كما قال ابن تيمية رحمه الله:(وأما سؤال الميت فليس بمشروع ولا واجب ولا مستحب بل ولا مباح (2) ، ولم يفعل هذا قط أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا استحب ذلك أحد من سلف الأمة؛ لأن ذلك فيه مفسدة راجحة، وليس فيه مصلحة راجحة) (3) .

وقال: (لا يجوز أن يُسأل الميت شيئاً، لا يطلب منه أن يدعو الله ولا غير ذلك، ولا يجوز أن يُشكى إليه شيء من مصاب الدنيا والدين)(4) .

والأنبياء والصالحون لا يقرون أحداً يعبدهم أو يغلو فيهم في حياتهم وهم يعلمون، بل ينهون عن ذلك ويعاقبونهم عليه، كما قال الله عز وجل عن عيسى عليه الصلاة والسلام:{مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117] .

وهذا شأن أنبياء الله وأوليائه، وإنما يقر الغلو فيه وتعظيمه بغير حق من يريد علواً في الأرض وفساداً، كفرعون ونحوه، ومشايخ الضلال الذين غرضهم العلو في الأرض والفساد.

والفتنة بالأنبياء والصالحين واتخاذهم أرباباً، والإشراك بهم مما يحصل في مغيبهم وفي مماتهم (5) .

(1) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 27/67.

(2)

فهو من المحرمات الشركية.

(3)

قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص71 - 72.

(4)

قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص295، وانظر: الرد على البكري ص231.

(5)

انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 27/80 - 81.

ص: 441

وبالجملة؛ فإن سؤال الخلق فيه ثلاث مفاسد، ويجتمع فيه أنواع الظلم الثلاثة:

فالمفسدة الأولى: مفسدة الافتقار إلى غير الله، وهي من نوع الشرك.

والثانية: مفسدة إيذاء المسؤول، وهي من نوع ظلم الخلق.

وأما الثالثة: فهي مفسدة الذل لغير الله، وهو ظلم النفس (1) .

وأما من دعا المخلوقين من دون الله فقد أشرك (2) ، ولا يوجد نص عن نبي أنه أمر بدعاء الملائكة، ولا بدعاء الموتى من الأنبياء والصالحين، فضلاً عن دعاء تماثيلهم، فإن هذا من أصول الشرك. الذي نبهت عليه الرسل (3) .

وقد أمر الله بدعائه وحده - سبحانه - فقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] .

وقال - سبحانه -: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: 106] .

وقال عز وجل: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأحقاف: 5] .

ولا يجوز صرف الدعاء إلا لله؛ لأن الدعاء عبادة يصحبها محبة، ورغبة، وخضوع للمدعو، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الدعاء هو العبادة» (4) .

(1) انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية ص66، قاعدة عظيمة له ص78، الرد على البكري له ص103.

(2)

انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية 4/462، وانظر: الفصل الحاسم للقصيمي ص90 - 101، والمقصود بالدعاء أي دعاء الأموات والغائبين كما تدل عليه الأمثلة والأدلة كما سيأتي بيانه.

(3)

انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية 5/74.

(4)

الحديث أخرجه الترمذي في سننه 5/456 كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه في سننه 2/1258 كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء، وصححه الألباني في صحيح الجامع 1/641.

ص: 442

ويعجب ابن تيمية رحمه الله من كثير من الناس الذين نهوا عن الصلاة عند القبور سداً لذريعة الشرك، ثم هو يقصد الدعاء عندها، ويرى أن الدعاء عندها مظنة الإجابة، فكيف بمن يدعو صاحب القبر من دون الله (1) ؛ ولذا لم يكن الصحابة يطلبون من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته الدعاء، ولا يدعونه من دون الله (2) .

إن دعاء الملائكة والأنبياء والصالحين بعد موتهم وفي مغيبهم: هو من الدين الذي لم يشرعه الله، ولا ابتعث به رسولاً، ولا أنزل به كتاباً، وقد قال الله عز وجل:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ} [الشورى: 21] ، وهذا الأمر ليس واجباً، ولا مستحباً باتفاق المسلمين، ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا أمر به إمام من أئمة المسلمين (3) .

وأما مسألة حياة الأنبياء في قبورهم، فقد بينت - سابقاً - القول الصواب فيها، وأنها حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء في قبورهم، لكنها ليست كالحياة الدنيوية.

وأما ما يروى من توسل الشافعي (ت - 204هـ) رحمه الله بأبي حنيفة (ت - 150هـ) رحمه الله فهذه: -

1-

حكاية كغيرها من الحكايات التي تروى عن مجاهيل لا يعرفون، ليس لها أصل ولا سند.

2 -

أن الشافعي (ت - 204هـ) لما قدم بغداد لم يكن ببغداد قبر ينتاب للدعاء عنده ألبته، ولم يكن هذا العمل معروفاً على عهد الشافعي (ت - 204هـ) .

3 -

أن الشافعي (ت - 204هـ) رحمه الله قد رأى بالحجاز واليمن والشام والعراق وغيرها من قبور الأنبياء والصحابة والتابعين من كان أصحابها عنده وعند المسلمين أفضل من أبي حنيفة (ت - 150هـ) وأمثاله من العلماء، فما باله لم يتوخ الدعاء إلا عنده.

(1) انظر: قاعدة عظيمة ص57.

(2)

انظر: قاعدة عظيمة لابن تيمية ص128.

(3)

انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية ص25.

ص: 443

4 -

أن أصحاب أبي حنيفة (ت - 150هـ) الذين أدركوه مثل أبي يوسف (ت - 183هـ) ومحمد بن الحسن (ت - 189هـ) وزفر (1) ، والحسن بن زياد (2)، وطبقتهم: لم يكونوا يتحرون الدعاء لا عند قبر أبي حنيفة (ت - 150هـ) ، ولا عند قبر غيره.

5 -

أن الشافعي (ت - 204هـ) رحمه الله ثبت عنه ما يدل على نهيه عن تعظيم القبور، مثل قوله:(وأكره أن يبني على القبر مسجد، وأن يسوى، أو يصلى عليه، وهو غير مسوى، أو يصلى إليه)(3) .

وأيضاً: (كره والله تعالى أعلم أن يعظم أحد من المسلمين - يعني يتخذ قبره مسجداً -، ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على من يأتي بعد)(4) .

وبهذا يتبين أن هذه القصة مكذوبة عليه، فلم يكن في عهده ذلك، وإنما وجدت هذه الأمور - أي تعظيم القبور والتوسل بأصحابها - لما تغيرت أحوال الإسلام في المائة الرابعة (5) .

(1) زفر بن الهذيل بن قيس البصري، كان أبو حنيفة يجله ويعظمه، ويقول هو أقيس أصحابي، كان ثقة مأموناً، دخل البصرة فتشبت به أهلها، ومنعوه من الخروج منها، ت سنة 158هـ.

انظر: أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصميري ص103، الجواهر المضية للقرشي 2/207، الفوائد البهية للكنوي ص75.

(2)

الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي، أبو علي، من أصحاب أبي حنيفة، فقيه ولي القضاء في الكوفة، ثم استعفى، ت سنة 204هـ.

انظر في ترجمته: تاريخ بغداد للخطيب 7/314، الجواهر المضية للقرشي 2/56، الفوائد البهية للكنوي ص60.

(3)

الأم 1/246.

(4)

الأم 1/246.

(5)

انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 2/692 - 693، قاعدة عظيمة له 161 - 162.

ص: 444