الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
دعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدم
جواز التوسل بالنبي، ومناقشتها
المطلب الأول
دعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدم جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
يرى المناوئون لابن تيمية رحمه الله جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في أحواله الأربعة:
فالحال الأول: التوسل به قبل خلقه: لحديث: «لما اقترف آدم الخطيئة، قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال الله: يا آدم، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه.
قال: يا رب؛ لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً:(لا إله إلا الله محمد رسول الله) ، فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله سبحانه وتعالى: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي إذ سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك) (1) .
والحال الثاني: التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد خلقه في مدة حياته في الدنيا:
(1) الحديث أخرجه الحاكم في مستدركه 2/615 كتاب التاريخ، قال الحاكم: صحيح، وتعقبه الذهبي بأنه موضوع.
ويستدلون لذلك بحديث عثمان بن حُنيف (1)
رضي الله عنه أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني، قال:«إن شئتَ دعوت لك، وإن شئتَ أخرت ذاك، فهو خير، فقال: ادعه، فأمره أن يتوضأ، فيحسن وضوءه، فيصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه، لتقضى لي، اللهم فشفعه فيّ» ، قال: ففعل الرجل، فبرىء (2) .
والحال الثالث: التوسل به صلى الله عليه وسلم في البرزخ كالتوسل به وهو في قبره، ويستدلون لذلك بحديث دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومنه قوله:(اللهم بحق نبيك، والأنبياء الذين قبلي)(3) .
قال ابن حجر الهيتمي (ت - 973هـ) في بيان الدلالة الثانية: من الحديث (الثانية في التوسل به بعد وفاته؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: والأنبياء الذين من قبلي، معطوف على نبيك، وهي دلالة ظاهرة في التوسل بهم بعد وفاتهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فالتوسل به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته أولى)(4) .
وحديث عائشة (ت - 58هـ) رضي الله عنها حين قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إليها، فقالت: انظروا قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فاجعلوا منه كوة إلى السماء حتى لا يكون
(1) عثمان بن حنيف بن واهب بن الحكيم الأنصاري الأوسي، أول مشاهده أحد، وقال الترمذي:(شهد بدرا) ، استعمله علي على البصرة قبل أن يقدم عليها، سكن الكوفة، ومات في خلافة معاوية.
انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 3/89، الإصابة لابن حجر 2/459.
(2)
الحديث أخرجه النسائي في اليوم والليلة ص417، وابن ماجه في سننه 1/441 كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في صلاة الحاجة، وأحمد في مسنده 4/138 من حديث عثمان بن حنيف، والحاكم في مستدركه 1/363 كتاب صلاة التطوع، والبيهقي في دلائل النبوة 6/166 - 168، باب في تعليمه الضرير ما كان فيه شفاؤه، وصححه الألباني كما في صحيح سنن ابن ماجه 1/232.
(3)
الحديث أخرجه أبو نعيم في الحلية 3/121، وهو ضعيف. انظر: مجمع الزوائد للهيثمي 9/257.
(4)
تحفة الزوار ص111.
بينه وبين السماء سقف، ففعلوا، فمطروا حتى نبت العشب، وسمنت الإبل، حتى تفتقت من الشحم، فسمي عام الفتق) (1) .
ويذكرون قصة الأعرابي الذي جاء إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله، يا خير الرسل إن الله أنزل عليك كتاباً صادقاً، قال فيه:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّاباً رَّحِيماً} [النساء: 64] ، وقد جئتك مستغفراً من ذنبي، مستشفعاً بك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربي عز وجل وأنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه
…
فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء بقبر أنت ساكنه
…
فيه العفاف وفيه الجود والكرم
قال راوي هذه القصة العتبي (2) : ثم استغفر الأعرابي وانصرف، فحملتني عيناي، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: يا عتبي، الحق الأعرابي فبشره بأن الله تعالى قد غفر له، فخرجت خلفه فلم أجده (3) .
والحال الرابع: التوسل به صلى الله عليه وسلم في عرصات القيامة، حين يلجأ الناس إليه ليشفع لهم الشفاعة العظمى (4) .
(1) الحديث أخرجه الدارمي في سننه 1/43 - 44 باب ما أكرم الله به نبيه بعد موته، وهو ضعيف، ضعفه شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على البكري ص67، والألباني في التوسل ص104.
(2)
العتبي: محمد بن عبد الله بن عمرو الأموي، أحد الفصحاء الأدباء من ذرية عتبة بن أبي سفيان بن حرب، كان من أعيان الشعراء بالبصرة، ت سنة 228هـ.
انظر في ترجمته: النجوم الزاهرة للأتابكي 2/253، شذرات الذهب لابن العماد 2/65.
(3)
انظر: مثير الغرام الساكن لابن الجوزي 2/301 - 302، وانظر: دفع شبه من شبه وتمرد للحصني ص75، الجوهر المنظم للهيتمي ص124 - 125.
(4)
انظر: شفاء السقام للسبكي ص153، تحفة الزوار للهيتمي ص89 - 136، حقيقة التوسل والوسيلة لموسى علي ص30، 39، المقالات السنية للحبشي ص99، محق التقول للكوثري (ضمن المقالات ص461) .
ويرى المناوئون لابن تيمية رحمه الله أنه أول من منع التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته (1) .
ويرون أنه أخرج الأحاديث الصحيحة في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، عن دلالتها حين منع التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته (2) .
ويرون أن من لم ير التوسل بعد وفاته، فلازمه أنه يرى أنه ليس برسول الآن، وليس له جاه (3) .
ويرون أن من أنكر التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بحجة أنه بدعة فهو ذو فهم سقيم، وصدر ضيق، فروح الشريعة الإسلامية توجب التمييز بين أنواع البدعة، فمنها البدعة الحسنة، والبدعة السيئة، وأن هذا التوسل من البدعة الحسنة (4) .
(1) انظر: شفاء السقام للسبكي ص153.
(2)
انظر: السيف الصقيل للسبكي، حاشية الكوثري ص155.
(3)
انظر: دفع شبه من شبه وتمرد للحصني ص68، 71، 79، 80.
(4)
انظر: مفاهيم يجب أن تصحح للمالكي ص33.