المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثانياعتقاد السلف نفي التمثيل والتشبيه - دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية - عرض ونقد

[عبد الله بن صالح الغصن]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أسباب اختيار البحث:

- ‌خطة البحث:

- ‌ منهج في كتابة البحث

- ‌[شكر وتقدير]

- ‌[التمهيد]

- ‌ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

- ‌1 - اسمه ونسبه:

- ‌2 - مولده ونشأته:

- ‌3 - عصره:

- ‌أولاً: الناحية السياسية:

- ‌ثانياً: الناحية الاجتماعية:

- ‌ثالثاً: الناحية العلمية:

- ‌4 - محن الشيخ:

- ‌5 - وفاته رحمه الله:

- ‌6 - مؤلفاته:

- ‌7 - بعض ثناء الناس عليه:

- ‌منهج شيخ الإسلام في تقرير العقيدة والاستدلال عليها:

- ‌الفصل الأول: المناوئون لشيخ الإسلام، ودعاواهم حول منهجه

- ‌المبحث الأول: المناوئون لشيخ الإسلام

- ‌المطلب الأول: أقسام المناوئين

- ‌المطلب الثانيالمنهج العام للمناوئين

- ‌المطلب الثالثاعتراف خصومه بقدره

- ‌المبحث الثانيدعاوى المناوئين حول منهج شيخ الإسلام ابن تيمية ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعاوى المناوئين حول منهج شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌المطلب الثانيمناقشة دعاوى المناوئين حول منهج ابن تيمية

- ‌الفصل الثانيدعوى التجسيم والتشبيه

- ‌المبحث الأول:قول أهل السنة في مسألة التجسيم والتشبيه

- ‌المطلب الأول: التعريف بالمشبهة

- ‌المطلب الثانياعتقاد السلف نفي التمثيل والتشبيه

- ‌المطلب الثالثرد السلف دعوى أن الإثبات يستلزم التشبيه

- ‌المبحث الثانيدعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام أخذ التشبيه ممن قبله، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام أخذ التشبيه ممن قبله

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى قوله بالجهة والتحيز ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى قوله بالجهة والتحيز

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الثالث: دعوى القول بقدم العالم

- ‌المبحث الأولمعتقد أهل السنة في إمكان حوادث لا أول لها

- ‌المطلب الأولالتسلسل: تعريفه، أقسامه، حكم كل قسم

- ‌المطلب الثانيالصفات الاختيارية

- ‌المطلب الثالثشرح حديث عمران بن حصين رضي الله عنه

- ‌المبحث الثانيدعوى أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لهايستلزم القول بقدم العالم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لها يستلزم القول بقدم العالم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الرابعدعوى نهي ابن تيمية عن زيارة القبور

- ‌المبحث الأولعقيدة أهل السنة في زيارة القبور وشد الرحل إليها

- ‌المبحث الثانيالزعم أن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور ومناقشته

- ‌المطلب الأولالزعم بأن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور

- ‌المطلب الثانيمناقشة دعوى أن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام ينتقص من منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام ينتقص من منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ومناقشتها

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى مخالفة ابن تيمية الصحابة في قولهم بجواز بناء المساجد على القبور ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى مخالفة ابن تيمية الصحابة في قولهم بجواز بناء المساجد على القبور

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الخامسدعوى أن ابن تيمية يساوي في المنزلة بين قبور الأنبياءوقبور غيرهم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن ابن تيمية يساوي في المنزلة بين قبور الأنبياءوقبور غيرهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الخامسمسألة التوسل

- ‌المبحث الأول: عقيدة أهل السنة والجماعة في التوسل

- ‌المبحث الثانيدعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين،وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين،وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدمجواز التوسل بالنبي، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدم جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين،وإهانته لهم، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين، وإهانته لهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل السادسموقف شيخ الإسلام من الصحابة

- ‌المبحث الأولعقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة

- ‌المبحث الثانيدعوى تخطئة شيخ الإسلام الصحابة بما فيهمالأئمة الخلفاء الأربعة، ومناقشتها

- ‌المطلب الأول دعوى تخطئة شيخ الإسلام الصحابة بما فيهم الأئمة الخلفاء الأربعة

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى تكلف شيخ الإسلام الغمز على أهل البيت،وتعمية مناقبهم، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى تكلف شيخ الإسلام الغمز على أهل البيت، وتعمية مناقبهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى رد الأحاديث الصحيحة في مقام المبالغةفي توهين كلام الشيعة ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى رد الأحاديث الصحيحةفي مقام المبالغة في توهين كلام الشيعة

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل السابعمسألة دوام النار

- ‌المبحث الأولدلالة نصوص الكتاب والسنة على خلود النار

- ‌المبحث الثانيدعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌المطلب الثانياعتقاد السلف نفي التمثيل والتشبيه

‌المطلب الثاني

اعتقاد السلف نفي التمثيل والتشبيه

تواترت عبارات سلف الأمة في نفي تمثيل وتشبيه الخالق بالمخلوق، فهم يثبتون ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم إثباتاً يليق بجلال الله وعظمته. وينفون ما نفاه الله عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.

فقد سئل أبو حنيفة النعمان (1) عن نزول الباري - جل وعلا - فقال:

(ينزل بلا كيف)(2) .

وقال ابن أبي زمنين (ت - 399هـ) رحمه الله: (فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير، فسبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لم تره العيون فتحده كيف هو كينونيته)(3) .

وقال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي (4) رحمه الله:

(1) أبو حنيفة: النعمان بن ثابت التيمي مولاهم الكوفي، فقيه العراق، أحد أئمة الإسلام وإليه ينسب المذهب الحنفي، ت سنة 150هـ.

انظر في ترجمته: البداية والنهاية لابن كثير 10/107، وفيات الأعيان لابن خلكان 5/39.

(2)

انظر: عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي ص34.

(3)

أصول السنة ص74.

(4)

الإسماعيلي: أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني الإسماعيلي الشافعي، الإمام الحافظ الفقيه، شيخ الإسلام إمام أهل جرجان، المرجوع إليه في الحديث والفقه، طاف البلاد، ولقي الشيوخ، ت سنة 371هـ.

انظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء للذهبي 16/292، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/947.

ص: 128

(ويداه مبسوطتان، ينفق كيف يشاء، بلا اعتقاد كيف، وأنه عز وجل استوى على العرش بلا كيف،

ولا يوصف بما فيه نقص، أو عيب، أو آفة، فإنه عز وجل تعالى عن ذلك) (1) .

وقال الإمام الآجري (ت - 360هـ) رحمه الله عن نزول الباري جل وعلا إلى السماء الدنيا:

(وأما أهل الحق فيقولون: الإيمان به واجب بلا كيف؛ لأن الأخبار قد صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة (2)(3) .

وقال الإمام الصابوني (ت - 449هـ) رحمه الله:

(قلت وبالله التوفيق: أصحاب الحديث - حفظ الله تعالى أحياءهم ورحم أمواتهم - يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة، ويعرفون ربهم عز وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلت العدول الثقات عنه، ويثبتون له جل جلاله ما أثبته لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه، فيقولون: إنه خلق آدم بيديه كما نص سبحانه عليه في قوله - عز من قائل -: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] ، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين، أو القوتين تحريف المعتزلة والجهمية - أهلكهم الله - ولا يكيفونهما بكيف أو شبهها (4) بأيدي

(1) اعتقاد أهل السنة ص32 - 33، وانظر: ص39.

(2)

حديث النزول: أخرجه البخاري في صحيحه 13/464 كتاب التوحيد، باب يريدون أن يبدلوا كلام الله.

(3)

الشريعة ص306.

(4)

كذا في نسخ المخطوطة، ويرى المحقق أن الأنسب لسياق الكلام أن تكون (يشبهونهما) انظر: عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني، تحقيق: ناصر الجديع ص162، ومعنى شبهها: أي لفظة كيف من الألفاظ.

ص: 129

المخلوقين تشبيه المشبهة - خذلهم الله -. وقد أعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتشبيه والتكييف) (1) .

وقال قوام السنة الأصبهاني (2) رحمه الله:

(الكلام في صفات الله عز وجل ما جاء منها في كتاب الله، أو روي بالأسانيد الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمذهب السلف - رحمة الله عليهم أجمعين - إثباتها وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية عنها

) (3) .

وقال - أيضاً - بعد ذكره بعض الصفات الثابتة لله عز وجل: (فهذا وأمثاله مما صح نقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مذهبنا فيه ومذهب السلف إثباته وإجراؤه على ظاهره ونفي الكيفية والتشبيه عنه

ونقول: إنما وجب إثباتها - أي الصفات -؛ لأن الشرع ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11](4) .

وقال الحافظ عبد الغني المقدسي (5) رحمه الله ناقلاً اتفاق السلف على ترك التشبيه والتمثيل:

(اعلم وفقنا الله وإياك لما يرضيه من القول والعمل والنية، وأعاذنا وإياك من الزيغ والزلل: أن صالح السلف، وخيار الخلف، وسادات الأئمة، وعلماء

(1) عقيدة السلف وأصحاب الحديث 160 - 163، وانظر: ص164، 165.

(2)

الأصبهاني: إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني، أبو القاسم، الملقب بقوام السنة، كان إماماً حافظاً، حسن الاعتقاد، أفضل أهل زمانه، ت سنة 535هـ.

انظر في ترجمته: شذرات الذهب لابن العماد 4/105، الرسالة المستطرفة للكتاني ص43.

(3)

الحجة في بيان المحجة 1/174.

(4)

الحجة في بيان المحجة 1/287 - 288.

(5)

المقدسي: عبد الغني بن عبد الواحد بن علي الجماعيلي الدمشقي الحنبلي، أبو محمد، كثير السفر لطلب العلم، الإمام الحافظ القدوة العابد، ت سنة 600هـ.

انظر في ترجمته: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/5، شذرات الذهب لابن العماد 4/345.

ص: 130

الأمة اتفقت أقوالهم، وتطابقت آراؤهم على الإيمان بالله عز وجل وأنه واحد أحد، فرد صمد، حي قيوم، سميع بصير، لا شريك له ولا وزير، ولا شبيه ولا نظير، ولا عدل ولا مثيل) (1) .

وقال - أيضاً -: (وتواترت الأخبار، وصحت الآثار بأن الله عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، فيجب الإيمان والتسليم له، وترك الاعتراض عليه، وإمراره من غير تكييف ولا تمثيل، ولا تأويل ولا تنزيه ينفي حقيقة النزول)(2) .

وقال ابن قدامة المقدسي (3)

رحمه الله:

(وكل ما جاء في القرآن، أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن وجب الإيمان به، وتلقيه بالتسليم والقبول، وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل)(4) .

وقال العلامة الواسطي (5) رحمه الله:

(وهو في ذاته وصفاته لا يشبهه شيء من مخلوقاته، ولا تمثل بشيء من

(1) عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي ص17.

(2)

عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي ص30، وانظر: ص39.

(3)

ابن قدامة: عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي، موفق الدين، فقيه زاهد، كثير العبادة، صاحب كتاب المغني، والمقنع وغيرهما، كان إماماً في فنون كثيرة، ت سنة 620هـ.

انظر في ترجمته: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/133، شذرات الذهب لابن العماد 5/88.

(4)

لمعة الاعتقاد ص13 - 14، وانظر: ص19، وتحريم النظر في كتب الكلام له ص56، وحكاية المناظرة في القرآن له ص23، وذم التأويل له ص12، 14، 15، 16، 17، 18، 25، 27.

(5)

الواسطي: عماد الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الواسطي، ابن شيخ الحزّامين، ولد بواسط، ورحل إلى بغداد، ثم القاهرة، ثم دمشق، اشتهر بالزهد وكثرة العبادة، ت سنة 711هـ.

انظر في ترجمته: شذرات الذهب لابن العماد 6/24، العقود الدرية لابن عبد الهادي ص290.

ص: 131

جوارح مبتدعاته، بل هي صفات لائقة بجلاله وعظمته، لا تتخيل كيفيتها الظنون، ولا تراها في الدنيا العيون، بل نؤمن بحقائقها وثبوتها، ونصف الرب سبحانه وتعالى بها، وننفي عنها تأويل المتأولين، وتعطيل الجاحدين، وتمثيل المشبهين تبارك الله أحسن الخالقين) (1) .

وضرب أمثلة لبيان اعتقاد السلف في الصفات وأنه الإثبات من غير طمع في إدراك الكيفية ببعض الصفات وهي: الحياة والفوقية والاستواء والنزول ثم قال:

(وصفاته معلومة من حيث الجملة والثبوت، غير معقولة من حيث التكييف والتحديد، فيكون المؤمن بها مبصراً من وجه، أعمى من وجه (2) ، مبصراً من حيث الإثبات والوجود، أعمى من حيث التكييف والتحديد، وبهذا يحصل الجمع بين الإثبات لما وصف الله به نفسه، وبين نفي التحريف والتشبيه والوقف، وذلك هو مراد الله تعالى منا في إبراز صفاته لنا لنعرفه بها، ونؤمن بحقائقها، وننفي عنها التشبيه) (3) .

وذكر الحافظ المقدسي (ت - 600هـ) رحمه الله موقف السلف من الألفاظ المجملة التي تطلق على الله عز وجل فقال:

(من السنن اللازمة السكوت عما لم يرد فيه نص عن رسوله صلى الله عليه وسلم أو يتفق المسلمون على إطلاقه، وترك التعرض له بنفي أو إثبات، وكما لا يثبت إلا بنص شرعي، كذلك لا ينفى إلا بدليل شرعي)(4) .

ويرى سلف الأمة أن تشبيه الله بخلقه كفر، وهذا واضح من خلال

(1) النصيحة في صفات الرب جل وعلا ص16 - 17.

(2)

تسميته أعمى من وجه نفي الكيفية ليس بجيد؛ لأن أهل السنة مبصرون من الجهتين، من جهة الإثبات للصفات، ومن جهة نفي الكيفية، فهم مبصرون الحق لاتباعهم ما جاء عن الله ورسوله، ولما جاء عن سلف الأمة فلا يوصفون بالعمى.

(3)

النصيحة في صفات الرب جل وعلا ص41 - 42.

(4)

عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي ص102.

ص: 132

نصوصهم الصريحة مثل قول نعيم بن حماد الخزاعي (1) رحمه الله:

(من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ورسوله تشبيه)(2) .

وقال إسحاق بن راهويه (3) رحمه الله:

(من وصف الله فشبه صفاته بصفات أحد من خلق الله فهو كافر بالله العظيم)(4) .

وحين ذكر بشر المريسي (5) في مناظرة الإمام الدارمي (ت - 280هـ) رحمه الله له أن تشبيه الله بخلقه خطأ، تعقبه الإمام الدارمي (ت - 280هـ) بقوله:

(أما قولك: إن كيفية هذه الصفات وتشبيهها بما هو موجود في الخلق خطأ، فإنا لا نقول إنه خطأ، بل هو عندنا كفر، ونحن لتكييفها وتشبيهها بما هو موجود في الخلق أشد أنفاً منكم غير أنا كما لا نشبهها ولا نكيفها لا نكفر بها

) (6) .

(1) نعيم بن حماد بن معاوية الخزاعي، أبو عبد الله، عاش في مصر، من أشهر المحدثين، ت سنة 228هـ.

انظر في ترجمته: الطبقات الكبرى لابن سعد 7/359، تهذيب التهذيب لابن حجر 10/458.

(2)

انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي 3/532 في سياق ما روي في تكفير المشبهة، عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي ص99، سير أعلام النبلاء للذهبي 5/610.

(3)

إسحاق بن راهويه: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، المعروف بابن راهويه، الإمام الفقيه، المحدث، كان ورعاً عابداً، ت سنة 238هـ.

انظر في ترجمته: التاريخ الكبير للبخاري 1/379، وفيات الأعيان لابن خلكان 1/179، طبقات الشافعية للسبكي 2/83.

(4)

شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي 3/532 في سياق ما روي في تكفير المشبهة.

(5)

المريسي: بشر بن غياث بن أبي كريمة العدوي مولاهم، البغدادي المريسي، فقيه متكلم، يقول بخلق القرآن، ت سنة 218هـ.

انظر في ترجمته: وفيات الأعيان لابن خلكان 1/251، الفوائد البهية للكنوي ص54.

(6)

رد الإمام الدارمي على بشر المريسي ص22.

ص: 133