الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
اعتقاد السلف نفي التمثيل والتشبيه
تواترت عبارات سلف الأمة في نفي تمثيل وتشبيه الخالق بالمخلوق، فهم يثبتون ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم إثباتاً يليق بجلال الله وعظمته. وينفون ما نفاه الله عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.
فقد سئل أبو حنيفة النعمان (1) عن نزول الباري - جل وعلا - فقال:
(ينزل بلا كيف)(2) .
وقال ابن أبي زمنين (ت - 399هـ) رحمه الله: (فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير، فسبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لم تره العيون فتحده كيف هو كينونيته)(3) .
وقال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي (4) رحمه الله:
(1) أبو حنيفة: النعمان بن ثابت التيمي مولاهم الكوفي، فقيه العراق، أحد أئمة الإسلام وإليه ينسب المذهب الحنفي، ت سنة 150هـ.
انظر في ترجمته: البداية والنهاية لابن كثير 10/107، وفيات الأعيان لابن خلكان 5/39.
(2)
انظر: عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي ص34.
(3)
أصول السنة ص74.
(4)
الإسماعيلي: أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني الإسماعيلي الشافعي، الإمام الحافظ الفقيه، شيخ الإسلام إمام أهل جرجان، المرجوع إليه في الحديث والفقه، طاف البلاد، ولقي الشيوخ، ت سنة 371هـ.
انظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء للذهبي 16/292، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/947.
(ويداه مبسوطتان، ينفق كيف يشاء، بلا اعتقاد كيف، وأنه عز وجل استوى على العرش بلا كيف،
…
ولا يوصف بما فيه نقص، أو عيب، أو آفة، فإنه عز وجل تعالى عن ذلك) (1) .
وقال الإمام الآجري (ت - 360هـ) رحمه الله عن نزول الباري جل وعلا إلى السماء الدنيا:
(وأما أهل الحق فيقولون: الإيمان به واجب بلا كيف؛ لأن الأخبار قد صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة (2)(3) .
وقال الإمام الصابوني (ت - 449هـ) رحمه الله:
(قلت وبالله التوفيق: أصحاب الحديث - حفظ الله تعالى أحياءهم ورحم أمواتهم - يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة، ويعرفون ربهم عز وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلت العدول الثقات عنه، ويثبتون له جل جلاله ما أثبته لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه، فيقولون: إنه خلق آدم بيديه كما نص سبحانه عليه في قوله - عز من قائل -: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] ، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين، أو القوتين تحريف المعتزلة والجهمية - أهلكهم الله - ولا يكيفونهما بكيف أو شبهها (4) بأيدي
(1) اعتقاد أهل السنة ص32 - 33، وانظر: ص39.
(2)
حديث النزول: أخرجه البخاري في صحيحه 13/464 كتاب التوحيد، باب يريدون أن يبدلوا كلام الله.
(3)
الشريعة ص306.
(4)
كذا في نسخ المخطوطة، ويرى المحقق أن الأنسب لسياق الكلام أن تكون (يشبهونهما) انظر: عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني، تحقيق: ناصر الجديع ص162، ومعنى شبهها: أي لفظة كيف من الألفاظ.
المخلوقين تشبيه المشبهة - خذلهم الله -. وقد أعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتشبيه والتكييف) (1) .
وقال قوام السنة الأصبهاني (2) رحمه الله:
(الكلام في صفات الله عز وجل ما جاء منها في كتاب الله، أو روي بالأسانيد الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمذهب السلف - رحمة الله عليهم أجمعين - إثباتها وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية عنها
…
) (3) .
وقال - أيضاً - بعد ذكره بعض الصفات الثابتة لله عز وجل: (فهذا وأمثاله مما صح نقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مذهبنا فيه ومذهب السلف إثباته وإجراؤه على ظاهره ونفي الكيفية والتشبيه عنه
…
ونقول: إنما وجب إثباتها - أي الصفات -؛ لأن الشرع ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11](4) .
وقال الحافظ عبد الغني المقدسي (5) رحمه الله ناقلاً اتفاق السلف على ترك التشبيه والتمثيل:
(اعلم وفقنا الله وإياك لما يرضيه من القول والعمل والنية، وأعاذنا وإياك من الزيغ والزلل: أن صالح السلف، وخيار الخلف، وسادات الأئمة، وعلماء
(1) عقيدة السلف وأصحاب الحديث 160 - 163، وانظر: ص164، 165.
(2)
الأصبهاني: إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني، أبو القاسم، الملقب بقوام السنة، كان إماماً حافظاً، حسن الاعتقاد، أفضل أهل زمانه، ت سنة 535هـ.
انظر في ترجمته: شذرات الذهب لابن العماد 4/105، الرسالة المستطرفة للكتاني ص43.
(3)
الحجة في بيان المحجة 1/174.
(4)
الحجة في بيان المحجة 1/287 - 288.
(5)
المقدسي: عبد الغني بن عبد الواحد بن علي الجماعيلي الدمشقي الحنبلي، أبو محمد، كثير السفر لطلب العلم، الإمام الحافظ القدوة العابد، ت سنة 600هـ.
انظر في ترجمته: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/5، شذرات الذهب لابن العماد 4/345.
الأمة اتفقت أقوالهم، وتطابقت آراؤهم على الإيمان بالله عز وجل وأنه واحد أحد، فرد صمد، حي قيوم، سميع بصير، لا شريك له ولا وزير، ولا شبيه ولا نظير، ولا عدل ولا مثيل) (1) .
وقال - أيضاً -: (وتواترت الأخبار، وصحت الآثار بأن الله عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، فيجب الإيمان والتسليم له، وترك الاعتراض عليه، وإمراره من غير تكييف ولا تمثيل، ولا تأويل ولا تنزيه ينفي حقيقة النزول)(2) .
وقال ابن قدامة المقدسي (3)
رحمه الله:
(وكل ما جاء في القرآن، أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن وجب الإيمان به، وتلقيه بالتسليم والقبول، وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل)(4) .
وقال العلامة الواسطي (5) رحمه الله:
(وهو في ذاته وصفاته لا يشبهه شيء من مخلوقاته، ولا تمثل بشيء من
(1) عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي ص17.
(2)
عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي ص30، وانظر: ص39.
(3)
ابن قدامة: عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي، موفق الدين، فقيه زاهد، كثير العبادة، صاحب كتاب المغني، والمقنع وغيرهما، كان إماماً في فنون كثيرة، ت سنة 620هـ.
انظر في ترجمته: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/133، شذرات الذهب لابن العماد 5/88.
(4)
لمعة الاعتقاد ص13 - 14، وانظر: ص19، وتحريم النظر في كتب الكلام له ص56، وحكاية المناظرة في القرآن له ص23، وذم التأويل له ص12، 14، 15، 16، 17، 18، 25، 27.
(5)
الواسطي: عماد الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الواسطي، ابن شيخ الحزّامين، ولد بواسط، ورحل إلى بغداد، ثم القاهرة، ثم دمشق، اشتهر بالزهد وكثرة العبادة، ت سنة 711هـ.
انظر في ترجمته: شذرات الذهب لابن العماد 6/24، العقود الدرية لابن عبد الهادي ص290.
جوارح مبتدعاته، بل هي صفات لائقة بجلاله وعظمته، لا تتخيل كيفيتها الظنون، ولا تراها في الدنيا العيون، بل نؤمن بحقائقها وثبوتها، ونصف الرب سبحانه وتعالى بها، وننفي عنها تأويل المتأولين، وتعطيل الجاحدين، وتمثيل المشبهين تبارك الله أحسن الخالقين) (1) .
وضرب أمثلة لبيان اعتقاد السلف في الصفات وأنه الإثبات من غير طمع في إدراك الكيفية ببعض الصفات وهي: الحياة والفوقية والاستواء والنزول ثم قال:
(وصفاته معلومة من حيث الجملة والثبوت، غير معقولة من حيث التكييف والتحديد، فيكون المؤمن بها مبصراً من وجه، أعمى من وجه (2) ، مبصراً من حيث الإثبات والوجود، أعمى من حيث التكييف والتحديد، وبهذا يحصل الجمع بين الإثبات لما وصف الله به نفسه، وبين نفي التحريف والتشبيه والوقف، وذلك هو مراد الله تعالى منا في إبراز صفاته لنا لنعرفه بها، ونؤمن بحقائقها، وننفي عنها التشبيه) (3) .
وذكر الحافظ المقدسي (ت - 600هـ) رحمه الله موقف السلف من الألفاظ المجملة التي تطلق على الله عز وجل فقال:
(من السنن اللازمة السكوت عما لم يرد فيه نص عن رسوله صلى الله عليه وسلم أو يتفق المسلمون على إطلاقه، وترك التعرض له بنفي أو إثبات، وكما لا يثبت إلا بنص شرعي، كذلك لا ينفى إلا بدليل شرعي)(4) .
ويرى سلف الأمة أن تشبيه الله بخلقه كفر، وهذا واضح من خلال
(1) النصيحة في صفات الرب جل وعلا ص16 - 17.
(2)
تسميته أعمى من وجه نفي الكيفية ليس بجيد؛ لأن أهل السنة مبصرون من الجهتين، من جهة الإثبات للصفات، ومن جهة نفي الكيفية، فهم مبصرون الحق لاتباعهم ما جاء عن الله ورسوله، ولما جاء عن سلف الأمة فلا يوصفون بالعمى.
(3)
النصيحة في صفات الرب جل وعلا ص41 - 42.
(4)
عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي ص102.
نصوصهم الصريحة مثل قول نعيم بن حماد الخزاعي (1) رحمه الله:
(من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ورسوله تشبيه)(2) .
وقال إسحاق بن راهويه (3) رحمه الله:
(من وصف الله فشبه صفاته بصفات أحد من خلق الله فهو كافر بالله العظيم)(4) .
وحين ذكر بشر المريسي (5) في مناظرة الإمام الدارمي (ت - 280هـ) رحمه الله له أن تشبيه الله بخلقه خطأ، تعقبه الإمام الدارمي (ت - 280هـ) بقوله:
(أما قولك: إن كيفية هذه الصفات وتشبيهها بما هو موجود في الخلق خطأ، فإنا لا نقول إنه خطأ، بل هو عندنا كفر، ونحن لتكييفها وتشبيهها بما هو موجود في الخلق أشد أنفاً منكم غير أنا كما لا نشبهها ولا نكيفها لا نكفر بها
…
) (6) .
(1) نعيم بن حماد بن معاوية الخزاعي، أبو عبد الله، عاش في مصر، من أشهر المحدثين، ت سنة 228هـ.
انظر في ترجمته: الطبقات الكبرى لابن سعد 7/359، تهذيب التهذيب لابن حجر 10/458.
(2)
انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي 3/532 في سياق ما روي في تكفير المشبهة، عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي ص99، سير أعلام النبلاء للذهبي 5/610.
(3)
إسحاق بن راهويه: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، المعروف بابن راهويه، الإمام الفقيه، المحدث، كان ورعاً عابداً، ت سنة 238هـ.
انظر في ترجمته: التاريخ الكبير للبخاري 1/379، وفيات الأعيان لابن خلكان 1/179، طبقات الشافعية للسبكي 2/83.
(4)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي 3/532 في سياق ما روي في تكفير المشبهة.
(5)
المريسي: بشر بن غياث بن أبي كريمة العدوي مولاهم، البغدادي المريسي، فقيه متكلم، يقول بخلق القرآن، ت سنة 218هـ.
انظر في ترجمته: وفيات الأعيان لابن خلكان 1/251، الفوائد البهية للكنوي ص54.
(6)
رد الإمام الدارمي على بشر المريسي ص22.