الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
المنهج العام للمناوئين
تحدثت في المطلب السابق عن أبرز التوجهات العقدية التي كان ابن تيمية رحمه الله يواجهها، وتواجهه، أما هذا المطلب فسيكون في منهج المخالفين لابن تيمية في تعاملهم معه، ومع ما يحمله من توجه عقدي، ومواقفهم إزاء هذا التوجه، وسيكون هذا المطلب عرضاً لأبرز ملامح منهج المخالفين لابن تيمية رحمه الله تجاهه، وتجاه مؤلفاته وتعاملهم معها: تحريفاً، وتشويهاً، وتزويراً.
ولعل أبرز هذه الملامح كالتالي:
1 -
التزوير على شيخ الإسلام والكذب عليه: فلقد بُلي رحمه الله بأعداء لا يخافون الله عز وجل أوصلهم عداؤهم إلى الاجتراء على الكذب، بتقويله ما لم يقل، والتزوير عليه في كتابة مؤلفات باسمه، وادعاء أنها له، وهو منها براء.
ومن هذه الافتراءات والكذب عليه: دعوى أن ابن تيمية رحمه الله يقول بالتشبيه في مسألة استواء الباري عز وجل على كرسيه، وممن ادعى ذلك ابن بطوطة (1) في رحلته المشهورة (2) .
ومن الكذب عليه - أيضاً - ما ادعاه الكوثري (3) في أن ابن تيمية رحمه الله
(1) ابن بطوطة: محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، أبو عبد الله، رحالة مؤرخ، طاف البلدان، واتصل بكثير من الملوك والأمراء، ت سنة 779هـ.
انظر في ترجمته: الدرر الكامنة لابن حجر 4/100.
(2)
انظر: رحلة ابن بطوطة المسماة (تحفة النظار في غرائب الأمصار) ص112 - 113.
(3)
الكوثري: محمد زاهد بن الحسن بن علي الكوثري الجركسي، فقيه مؤرخ متكلم، اشتهر بعدائه لمذهب السلف، ت سنة 1371هـ.
انظر في ترجمته: الأعلام للزركلي 6/363، معجم المؤلفين لكحالة 10/4.
يقول بوحدة الوجود (1) ، وأنه ينصر هذا المذهب ويؤيده (2) .
ومن الافتراء عليه: الزعم بأنه رحمه الله أعلن رجوعه إلى عقيدة الأشاعرة، وأنه تاب من عقيدة السلف الصالح، وأنه أقر بعقيدتهم في باب الصفات ونقلوا منها بعض النقولات، وادعوا أن ذلك كان سنة (707هـ) ، وأنه شهد عليه جمع من العلماء بذلك (3) .
وذكر صفي الدين البخاري (4) ، نماذج من افتراءات أعداء ابن تيمية رحمه الله عليه، ومنها: زعمهم أنه يقول بالتشبيه والتجسيم، وزعمهم أنه رحمه الله ينتقص من منزلة بعض الصحابة، وقد أجاب عنها البخاري (ت - 1200هـ) رحمه الله بأجوبة طيبة (5) .
وذكر ابن كثير (ت - 774هـ) رحمه الله في حوادث سنة (702هـ) أنه وقع في يد نائب السلطنة كتاب مزوّر، فيه أن الشيخ وجماعة معه كاتبوا التتار، ويرغبونهم في تغيير نائب السلطان على الشام، فلما وقف عليه نائب السلطنة عرف أنه
(1) وحدة الوجود: هي القول بأن العالم هو الله، والله هو العالم، وذلك مبني على أصلهم الفاسد، أن الله عين هذا الوجود، ومن أشهر زعماء أهل وحدة الوجود: ابن عربي، وابن سبعين.
انظر: بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية 2/521 - 557، وحدة الوجود لمحمد الراشد 27 - 61، المعجم الفلسفي لصليبا 2/569 - 570، معجم ألفاظ الصوفية للشرقاوي ص25، أضواء على التصوف لطلعت غنام ص200 - 338.
(2)
انظر: مقالات الكوثري ص446.
(3)
انظر: الدرر الكامنة 1/158، حاشية الكوثري على السيف الصقيل للسبكي ص83 - 84.
(4)
صفي الدين البخاري: محمد بن أحمد بن خير الله الحنفي الحسيني، أبو الفضل، أصله من بخارى، تجول في البلدان إلى أن استقر في نابلس، ماتريدي المعتقد، محدث حافظ، ت سنة 1200هـ.
انظر في ترجمته: تاريخ عجائب الآثار للجبرتي 1/652، الأعلام للزركلي 6/241، معجم المؤلفين لكحالة 9/5.
(5)
انظر: القول الجلي (ضمن مجلة كلية أصول الدين العدد الثاني ص238 - 247) .
مفتعل، ففحص عن واضعه، فإذا هو فقير معروف بالشر والفضول، حيث وجد معه ومع من يعاونه مسودة الكتاب، فتحقق نائب السلطنة من ذلك، وعزره تعزيراً عنيفاً (1) .
ومن الافتراء والكذب عليه: أن مخالفيه ادعوا أنه يحرم زيارة القبور مطلقاً، فحُرّف كلامه رحمه الله ونُقل عنه ما لم يقله (2) ، وقد أجاب شيخ الإسلام رحمه الله عن هذه الدعوى مبيناً خطر الكذب المتعمد، وبين أن من تكلم في الدين بغير الاجتهاد المسوغ له الكلام وأخطأ فإنه كاذب آثم (3) .
وبعد استطراد عن خطر الكذب، وأنواعه، نقل ابن تيمية رحمه الله كلام الأخنائي (ت - 763هـ) ضده في أنه يحرم زيارة القبور مطلقاً، في جواب له كان قد كتبه قبل سنين، فأجاب ابن تيمية رحمه الله بقوله: (هذا الكلام مع قلّته، فيه من الكذب الباطل، والافتراء ما يلحق صاحبه بالكذابين المردودي الشهادة، أو الجهال البالغين في نقص الفهم والبلادة، وكان له أن يحكي لفظ المجيب بعينه، ويبين ما فيه من الفساد، وإن ذكر معناه فيسلك طريق الهدى والسداد.
فأما أن يذكر عنه ما ليس فيه، ولا يذكر ما فيه، فهذا خروج عن الصدق والعدل إلى الكذب والظلم؛ وذلك أن الجواب ليس فيه تحريم زيارة القبور ألبتة، لا قبور الأنبياء والصالحين ولا غيرهم، ولا كان السؤال عن هذا) (4) .
وحين نوظر رحمه الله في العقيدة الواسطية، بيّن للحاضرين جميعاً أنه يعلم بما زوره عليه أعداؤه، وأنه لا يرتضي هذا التزوير، ولا يمثل هذا المكتوب المزوّر شيئاً من عقيدته حتى ينظر فيه هو ويقره، فقال:(وكان قد بلغني أنه زُوِّر عليّ كتاب إلى الأمير ركن الدين الجاشنكير، أستاذ دار السلطان، يتضمن ذكر عقيدة محرفة، ولم أعلم بحقيقته، لكن علمت أنه مكذوب)(5) .
(1) انظر: البداية والنهاية 14/22.
(2)
انظر: العقود الدرية لابن عبد الهادي ص328.
(3)
انظر: الرد على الأخنائي ص9 - 12.
(4)
الرد على الأخنائي ص12 - 13.
(5)
حكاية المناظرة في العقيدة الواسطية (ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 3/161) .
وبعد أن ذكر رحمه الله للحاضرين شيئاً من معتقده قال: (أنا أعلم أن أقواماً يكذبون عليّ، كما قد كذبوا عليّ غير مرة، وإن أمليت الاعتقاد من حفظي ربما يقولون كتم بعضه، أو داهن، أو دارى، فأنا أحضر عقيدة مكتوبة، من نحو سبع سنين قبل مجيء التتر إلى الشام)(1) .
2 -
التلبيس والتضليل: وهذا نوع آخر من أنواع الكذب والتزوير على ابن تيمية رحمه الله يستخدمه بعض خصومه، وصورته: أن يتحدث المخالف لعقيدة السلف في مسألة من المسائل المبتدعة، ثم يستشهد لنصرة ما يقوله ويقرره من الابتداع بكلام شيخ الإسلام رحمه الله فيظن الناظر أن ابن تيمية رحمه الله يقول بهذا القول، ولا يظهر هذا التلبيس إلا عند التحقيق، وذلك بالرجوع إلى النص في الكتاب الأصلي لابن تيمية رحمه الله ليجد الناظر أن المخالف قد اجتزأ النص، وبتره، فصار كلاماً آخر غير الكلام الذي يريده قائله، أو أن يستدل المخالف بنص مجمل مشتبه وليس هو موضع تقرير المسألة التي نقموا عليه فيها، ويترك النصوص المبينة المحكمة التي تفصل تلك المسألة وتقررها وفق القواعد العلمية المرعية عند أهل الشأن.
ومن الأمثلة على هذا التلبيس: دعوى أن شيخ الإسلام رحمه الله لا يأخذ بخبر الواحد في أمور الاعتقاد، والاستشهاد لهذا بكلام له رحمه الله (2) .
ومنها النقل عن ابن تيمية رحمه الله أنه يثني على الأشاعرة، وأنهم أنصار أصول الدين (3) .
ومنها النقل عن ابن تيمية رحمه الله أنه يجيز التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم في حياته،
(1) حكاية المناظرة في العقيدة الواسطية (ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 3/162)، وانظر: العقود الدرية لابن عبد الهادي ص200.
(2)
انظر: مقدمة السقاف لتحقيق دفع شبه التشبيه لابن الجوزي ص45.
(3)
انظر مفاهيم يجب أن تصحح للمالكي ص38، وقد رد عليه الشيخ صالح آل الشيخ: في هذه مفاهيمنا ص230، وبين أن هذا نقل نقله ابن تيمية رحمه الله عن العز بن عبد السلام.
والتلبيس هو: أن المقصود - أيضاً - جوازه بعد مماته (1) ، وغيرها من الأمثلة الكثيرة التي يدعيها أعداء ابن تيمية رحمه الله (2) ، في أنه يوافقهم على عقائدهم الفاسدة، وهذا أسلوب آخر من أساليب تشويه الكلام الحق، حيث لما رأى أولئك أن ابن تيمية رحمه الله له القبول في الأرض، وأن كلامه في المسائل العلمية يوافقه الصواب - غالباً -، أرادوا أن يبثوا عقائدهم الفاسدة ببيان موافقة ابن تيمية رحمه الله لما يعتقدونه ويقررونه، ولذا فإن هذا التلبيس يُلحظ في المتأخرين أكثر منه عند المتقدمين.
3 -
التحذير من الاغترار به علانية: حيث لم يتمكن أعداء ابن تيمية رحمه الله أن يواجهوه في المسائل العلمية، ولم يستطيعوا أن يقفوا معه في مناظرة منطقية، وظنوا أنهم بحبسه وسجنه وإهانته يستطيعون النيل منه، ولكن الحق يعلو، ومنزلة ابن تيمية رحمه الله في قلوب الناس تزيد، وقلوب الناس تخفق، وتلهج بالدعاء كلما سمعوا بإرادة الضر والوشاية بشيخ الإسلام رحمه الله، فاتخذ المناوئون أسلوباً آخر في حربه، وحرب معتقد السلف الصالح - رضوان الله عليهم - ألا وهو التحذير من قراءة كتبه، والتحذير من الاغترار بعلمه، والمناداة بفساد عقيدته في المجالس والأسواق، وفي مؤلفاتهم، ولكن الحق يعلو وينتصر، والباطل يظهر عواره ويخمد ولو بعد حين، فأعز الله شيخ الإسلام، وخلّد ذكره، ونشر علمه، وأخزى الله أعداءه، وأذلهم، وأعمى أبصارهم.
ومن أوسع ما رأيت في التحذير من كتب ابن تيمية رحمه الله ما كتبه يوسف
(1) انظر: مفاهيم يجب أن تصحح للمالكي ص55، وانظر الرد عليه في: هذه مفاهيمنا لآل الشيخ ص83 - 85.
(2)
انظر من الأمثلة: المنح الوهبية لداود بن سليمان ص13، حقيقة التوسل والوسيلة لموسى علي ص216، 266، 275، شفاء الفؤاد بزيارة خير العباد للمالكي ص93، وغيرها.
النبهاني (1) ، فقد جاء بأسلوب ناصح مشفق، يحذّر من خداع الشيطان، ومن كلام ابن تيمية رحمه الله في مسائل عقدية كالسفر لزيارة قبور الصالحين، والاستغاثة بهم (2) .
4 -
نسبة الأولية له في ابتداع الضلالات: وهذا - أيضاً - من منهج خصوم شيخ الإسلام في التعامل مع ما يحمل من مبادئ وعقائد، فادعوا عليه بأنه أول من قال بإمكان حوادث لا أول لها، وبأنه أول من منع شد الرحل إلى زيارة قبور الصالحين، وأنه أول من أفتى بعدم جواز التوسل بالصالحين، وأنه أول من قال بالتجسيم، وغيرها من المسائل العقدية التي يرون أنه خالف فيها إجماع الأمة (3) .
5 -
النقل من بعض، والاعتماد على المتقدمين دون التحقيق: فهذه الشبه التي يلوكها أعداء ابن تيمية رحمه الله هي من نقل المتأخر عن المتقدم، دون الرجوع إلى كتب صاحب الشأن، وهي موجودة متوفرة، فينقلون في مواضع متعددة عن ابن تيمية رحمه الله كلاماً هو ليس له، وإذا طولبوا بصحة النقل، وعزو الكلام إلى مصدره وقائله، سكتوا وفغروا أفواههم، ثم أحالوا إلى كتب أعدائه ومخالفيه، وهذا منهج عند التحقيق ليس بسوي ولا مرْضي.
ويعجب القارئ حين يقرأ كتب المخالفين، ويتأمل نسبتهم الكلام والمسائل إلى ابن تيمية رحمه الله إذ لا تكاد تجد عند المتأخر جديداً يذكر، فلا
(1) النبهاني: يوسف بن إسماعيل النبهاني، عالم معاصر، متصوف، رحل إلى مصر، وتولى القضاء، وله مؤلفات كثيرة، ت سنة 1350هـ.
انظر في ترجمته: الأعلام للزركلي 9/289، معجم المؤلفين لكحالة 13/275.
(2)
انظر: شواهد الحق ص65 - 66، رفع الاشتباه في استحالة الجهة على الله له - أيضاً - ص224، التوفيق الرباني لجماعة من العلماء ص6.
(3)
انظر: السيف الصقيل للسبكي ص63، دفع شبه من شبه وتمرد للحصني ص45، سعادة الدارين للسمنودي 1/82، كشف النقاب للطباطبائي ص15، محق التقول للكوثري (ضمن مقالاته ص468) ، وقد أجبت عنها في مواضعها من البحث.
يعدو الأمر إما زيادة في كذب، أو سوء فهم، أو سوء قصد، أو الإسفاف والإغراق في السباب والشتائم.
وقد ينقل الواحد منهم كلاماً للمتقدمين لم يفهمه، وقد أُتي من سوء فهمه، فيعرضه عرضاً يتبين معه قلة علمه، مثال ذلك ما حصل للنبهاني (ت - 1350هـ) من خلط حين ظن أن القصيدة النونية التي رد عليها السبكي (ت - 756هـ) غير القصيدة النونية المشهورة لابن القيم (1) ، فهي قصيدة أخرى حسب ظنه (2) .
ويظهر نقلهم من بعض، سواء كان ذلك النقل بعزو أو ليس بعزو، وسواء كان ذلك النقل حرفياً، أو كان نقلاً بالمعنى، إذا تتبع المنصف كلام أوائل المخالفين لابن تيمية رحمه الله ثم من جاء بعدهم، ثم من جاء بعدهم إلى هذا العصر، فلا يجد - مع كثرة الكتابات - وزناً علمياً لها، سوى التشويش، وكلمات الإثارة، البعيدة عن الوزن العلمي للعلوم والمعارف.
6 -
كثرة الإلزامات الباطلة: لما كان المخالفون لابن تيمية رحمه الله يبحثون عن زلات كبار في صلب المعتقد من كلامه ولم يجدوا، اضطروا بعد ذلك إلى استخدام أسلوب الإلزام الفاسد، وذلك يكون:
إما بالقول بأن لازم القول قول، ويلزمون ما ليس لازماً، لكنها الأهواء، فيجعلون على سبيل المثال: لازم القول بإمكان حوادث لا أول لها: القول بقدم العالم، ولازم القول بمنع جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته: القول بعدم محبته صلى الله عليه وسلم، وهكذا (3) .
(1) ابن القيم: محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي، المعروف بابن قيم الجوزية، العلامة الفقيه الأصولي المجتهد المحدث، لازم شيخ الإسلام ابن تيمية، وحبس معه في قلعة دمشق، ت سنة 751هـ.
انظر في ترجمته: شذرات الذهب لابن العماد 6/168، البدر الطالع للشوكاني 2/143، ابن قيم الجوزية لعبد العظيم شرف الدين ص67 - 74، ابن قيم الجوزية وجهوده في الدفاع عن عقيدة السلف لعبد الله بن محمد ص59 - 79.
(2)
انظر: شواهد الحق ص206.
(3)
قد أجبت عن كل في موضعه من البحث.
وإما بالقول بأن لازم قول التلميذ قول الشيخ، فكل قول يقول به أحد تلامذة شيخ الإسلام رحمه الله فإنه يقول به لا محالة، وهذا ليس بصحيح، إذ بعض تلاميذه رحمه الله قد وصل إلى مرحلة الاجتهاد، فلا يقلده فيما وقع فيه من أخطاء وقد يزل التلميذ في أخطاء لا يقره عليها شيخه، ولم يأخذها عن شيخه.
وإما بذم ما لزم منه ذم ابن تيمية رحمه الله فكل ما يترتب على ذم ابن تيمية رحمه الله فهو مذموم عندهم، مثال ذلك أن ابن تيمية رحمه الله كان يذكر كثيراً الكتب التي يعتمد عليها في باب الاعتقاد، التي ألفها أئمة السلف، فلما كان لازم القدح بعقيدة ابن تيمية رحمه الله القدح في عقائد السلف، فعلوا ذلك غير مبالين، ولهم في ذلك طرق. إما أن يقدحوا في صحة نسبة الكتب إلى مؤلفيها، ويرون أنها كذب مختلق على من اشتهر أنهم ألفوها (1) .
وإما أن يذموا الكتاب ويقدحوا في الكتاب من أساسه، كما فعلوا في كتاب (التوحيد) للحافظ ابن خزيمة (ت - 311هـ) ، حيث أطلقوا عليه كتاب الشرك (2) .
وإما أن يرموا مؤلفيه بأنهم كانوا من السلف، ثم اختلطوا وتأثروا فلا يقبل منهم ما أُلف بعد تغيرهم، ويقولون ذلك احترازاً من القدح بهذا الشخص؛ لأنه إذا ذكر السلف فهو في عدادهم، كما فعلوا مع الدارمي (ت - 280هـ) رحمه الله إذ زعموا أنه كان على معتقد أهل السنة والجماعة، ثم أصبح مختل العقل عند تأليفه النقض (3) .
7 -
التناقض والاضطراب: وذلك أن هدف المناوئين لابن تيمية رحمه الله هو
(1) انظر على سبيل المثال: السيف الصقيل للسبكي حاشية الكوثري ص108 - 110، المقالات للكوثري ص391 - 399.
(2)
انظر: السيف الصقيل للسبكي حاشية الكوثري ص51، مقالات الكوثري ص399 - 406، وقد كان أول من أطلق عليه ذلك الرازي في تفسيره 27/150.
(3)
انظر: السيف الصقيل للسبكي حاشية الكوثري ص72.
النيل منه، والحط من مكانته، وانتقاصه بأي أسلوب، فقد كانت هذه النتيجة، وهي التناقض بين بعضهم البعض، فبعضهم يدّعي أن ابن تيمية رحمه الله يقول بقول، والآخر يدعي أنه يقول بخلافه، والاختلاف بين ما يدّعونه على شيخ الإسلام رحمه الله وبين ما هو موجود ومقرر في كتبه ورسائله وفتاواه:{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم: 23] .
ومن الأمثلة على ذلك: ما رمي به من أنه يقول بقول الرافضة، مع أنه رحمه الله له من الكتابات ما يعد من أقوى ما رُد عليهم كمنهاج السنة النبوية، وفي مقابل ذلك ما ادعي عليه أنه يبالغ في توهين كلام الشيعة (1) .
ومن الأمثلة: قول بعض مخالفيه بأنه يأخذ بخبر الواحد في الاعتقاد، ذاكراً ذلك على سبيل الذم والتنقص، وفي مقابل ذلك ما قاله بعضهم أنه لا يحتج بخبر الآحاد في الاعتقاد (2) .
ومن الأمثلة أيضاً: رميه رحمه الله بالقول بوحدة الوجود (3) ، مع أنه رحمه الله كان يرد عليهم، كرده على نصر المنبجي (ت - 719هـ) ، وقبله ابن عربي (ت - 638هـ) .
ومن أوسع ما كتبه رحمه الله في الرد على هذه العقيدة الفاسدة ما ذكره في كتابه (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) في مواضع كثيرة جداً متفرقة من الكتاب.
8 -
كثرة السب والشتم:
وهذه بضاعة المفاليس الذين لا يملكون علماً تقف عنده الأذهان، وتعترف له النفوس المنصفة، فيعوضون نقصهم هذا بأنواع من السباب والشتائم، تتأذى منه أفئدة المؤمنين، فمنها: رميه بالخداع والمكر والنفاق،
(1) انظر: دفع شبه من شبه وتمرد للحصني ص63.
(2)
انظر: شواهد الحق للنبهاني ص232، مقدمة تحقيق السقاف لدفع شبه التشبيه لابن الجوزي ص45.
(3)
انظر: مقالات الكوثري ص446.
والزندقة (1) ، ووصفه بالخبث، والدعاء عليه، ورميه بالجهل، وسوء الفهم، والحقد الدفين في قلبه (2) .
ومنها - أيضاً -: رميه بقلة العقل، وضعفه، كما ذكر ذلك ابن بطوطة (ت - 779هـ) في رحلته (3) وغيره (4) .
وقد أجاب عنها الإمام الذهبي (ت - 748) رحمه الله وهو المنصف في موقفه من ابن تيمية رحمه الله قائلاً: (وقد تعبت بين الفريقين، فأنا عند محبيه مقصر، وعند عدوه مسرف مكثر)(5)، قال رحمه الله وكأنه يرد على هذه المقولة:(لا يؤتى من سوء فهم، بل له الذكاء المفرط، ولا من قلة علم فإنه بحر زخّار، بصير بالكتاب والسنة)(6) .
وحين عاتب الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله أبا الحسن السبكي (ت - 756) على ما
(1) الزندقة: كلمة فارسية معربة، ومعناها: النفاق الأكبر، والإلحاد الأعظم، والزنادقة هم الذين لا يؤمنون بالآخرة، ووحدانية الخالق، وتطلق الزندقة على القائلين بدوام الدهر، وقد كانت المانوية المزدكية تسمى الزنادقة أو الزنديقية، وأصل هذه الكلمة بالفارسية نسبة إلى (زند وبازند) وهما كتابان وضعهما المجوس في مصالح الدنيا وعمارة العالم.
انظر: المقالات والفرق للقمي ص64، 193، بغية المرتاد لابن تيمية 338، الإيمان له ص 203، الرد على الرافضة للمقدسي ص134 - 135، لسان العرب لابن منظور 10/147 مادة (زندق) .
(2)
انظر: دفع شبه من شبه للحصني ص45 - 63، 94، 107، 121، مقدمة تحقيق أحمد محمد مرسي للبرهان الجلي لأحمد الغماري ص25، والبرهان الجلي ص56، 57، 58، 76.
(3)
انظر: تحفة النظار في غرائب الأمصار ص112.
(4)
انظر: السيف الصقيل للسبكي ص21، الجوهر المنظم للهيتمي ص28، فيض الوهاب للقليوبي 4/120، الرد المحكم المبين لعبد الله الغماري ص50.
(5)
ذيل تاريخ الإسلام (ضمن ثلاث تراجم نفيسة مستلة منه ص27) .
(6)
ذيل تاريخ الإسلام (ضمن ثلاث تراجم نفيسة مستلة منه ص25)، وانظر: الرد الوافر لابن ناصر الدين ص70.
صدر منه تجاه ابن تيمية رحمه الله كتب أبو الحسن السبكي (ت - 756هـ) جواباً يعتذر فيه، ومما قاله في الاعتراف بذكائه قوله:(أما قول سيدي في الشيخ، فالمملوك يتحقق كبر قدره، وزخارة بحره، وتوسعه في العلوم الشرعية والعقلية، وفرط ذكائه واجتهاده، وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف..)(1) .
9 -
إطلاق ألفاظ الكفر: وقد كثرت مقولات السب والشتم على ابن تيمية رحمه الله من قبل مناوئيه ومخالفيه، حتى تجاوزوا فأطلقوا أن ألفاظه كفرية، وأنه لا يقول بها إلا كافر، وتمادوا فأطلقوا عليه أحكاماً بالكفر، وأنه لا دين له، وأنه من المشركين، والملاحدة، واتهامه بالخروج من الدين (2) .
هذه أبرز معالم منهج المخالفين لابن تيمية رحمه الله تجاهه، وإذا أردنا تتبع أسباب هذا الهجوم المتواصل منذ وفاة شيخ الإسلام إلى هذا العصر، فيمكننا معرفة أهم هذه الأسباب وأشهرها، وهي كالتالي:
أ - الخلاف العقدي: وهذا - في نظري - أبرز الأسباب وأقواها، فشيخ الإسلام رحمه الله جاهد البدعة، وقمعها، ونصر السنة وأيّدها، بكل ما يملك من إمكانات: بالفتوى، والرسالة، والكتب الكبار التي تبين خطر المذاهب البدعية، وترد على أعلامها، وبالمناظرة والحوار، وجاهدهم بالنفس - أيضاً -، وذلك لمعرفته رحمه الله بخطرهم، ونخرهم في جسم الأمة، فجاهد أهل الكلام بجميع طوائفهم وفرقهم، ورد على المتصوفة وجميع فرق الباطنية (3) ، وهدم
(1) انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/392 - 393، الرد الوافر لابن ناصر الدين ص100.
(2)
انظر: دفع شبه من شبه وتمرد للحصني 38، 45، 107، حاشية الكوثري على السيف الصقيل للسبكي ص167، تحقيق السقاف لدفع شبه التشبيه لابن الجوزي ص245، البرهان الجلي لأحمد الغماري ص55 - 56، المقالات السنية للحبشي ص70 - 71.
(3)
الباطنية: تيار يضم مجموعة من الفرق، ينظمها القول بأن للنصوص ظاهراً وباطناً، وأن المقصود هو علم الباطن، وكان من أول من قال بهذا في الإسلام: عبد الله بن ميمون القداح، ومحمد بن الحسين الملقب بدندان.
انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي ص281 - 312، التبصير في الدين للإسفراييني ص140 - 147، الملل والنحل للشهرستاني تحقيق بدران 1/170 - 178.
أصول الفلاسفة بالأدلة النقلية والعقلية، وأوذي لأجل وقوفه وبيانه الحق في مسألة التوسل، ومسألة شد الرحل
…
فكانت هذه الوقفات الشجاعة سبباً في أن يقف المستفيدون من هذه البدع التي هدمها شيخ الإسلام في وجهه ويعادوه، ويكيدوا له المكائد بجميع صنوفها وأشكالها.
ب - الحسد: وهذا هو الذي أحرق قلوب ضعاف الإيمان من أعداء ابن تيمية رحمه الله من الفقهاء، والقضاة؛ ذلك أن مما يُعجب من ابن تيمية رحمه الله أن الناس تتجه إلى فتاواه، وتقبلها وتأخذ بها، فأثار هذا الأمر حفيظة ضعاف الإيمان لينالوا منه، ويحطوا من قدره، وينزلوا من مكانته في قلوب الناس، أو قلوب بعض الولاة الذين لا يقبلون إلا قوله.
ولقد تنبه الحافظ ابن كثير (ت - 774هـ) رحمه الله إلى هذا السبب، فكان يجعله سبباً لكثير من الفتن والبلايا التي تعرض لها ابن تيمية رحمه الله (1) .
وقال الحافظ ابن حجر (ت - 852هـ) رحمه الله: (برز في كل فن على أبناء جنسه، ولم تر عين من رآه مثله، ولا رأت عينه مثل نفسه، كان يتكلم في التفسير، فيحضر مجلسه الجم الغفير، ويردون من بحره العذب النمير، يرتعون من ريع فضله في روضة وغدير، إلى أن دب إليه من أهل بلده داء الحسد
…
) (2) .
وفي تقريظ لكتاب (الرد الوافر) جعل البلقيني (3) داء الحسد أهم وأبرز
(1) انظر على سبيل المثال: البداية والنهاية 14/35، 37، 49.
(2)
الدرر الكامنة 1/167.
(3)
البلقيني: صالح بن عمر بن رسلان البلقيني الشافعي، شيخ الإسلام، من العلماء الكبار، ولي قضاء الديار المصرية، وعزل وأعيد ست مرات، توفي وهو على القضاء، ت سنة 868هـ.
انظر في ترجمته: النجوم الزاهرة للأتابكي 16/333، شذرات الذهب لابن العماد 7/307.
الأسباب في عداوة من عادى ابن تيمية رحمه الله وأطال في ذلك (1) .
جـ - الجهل بعقيدة السلف، واتباع الهوى:
ومن أفضل ما قيل في هذا، قول بهاء الدين السبكي (ت - 777هـ) :(والله يا فلان ما يبغض ابن تيمية إلا جاهل، أو صاحب هوى، فالجاهل لا يدري ما يقول، وصاحب الهوى يصده هواه عن الحق بعد معرفته به)(2) .
وقال الإمام الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله في وصف أعداء الشيخ: (الذم والمقت لأحد رجلين: رجل أفتى في مسألة بالهوى، ولم يبد حجة، ورجل تكلم في مسألة بلا خميرة من علم، ولا توسع في نقل، فنعوذ بالله من الهوى والجهل، ولا ريب أنه لا اعتبار بذم أعداء العالم، فإن الهوى والغضب يحملهم على عدم الإنصاف)(3) .
د - التعصب: سواء كان لمذهب أو شيخ، أو التعصب ضد مذهب، أو عالم برد كل ما جاء عنه سواء كان حقاً أو باطلاً، والتعصب دليل على الجهل ونتيجة له، فصاحبه بعيد عن الإنصاف والحق، وسأعرض مثالين من أمثلة التعصب الممقوت ضد ابن تيمية رحمه الله.
فالمثال الأول: ذم التقي الحصني (4) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهذا الرجل ممن اشتهر بالتعصب، وقد شهد عليه بهذا عدد كبير من العلماء
(1) انظر: الرد الوافر لابن ناصر الدين ص249 - 252.
(2)
انظر: الرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي ص99، الشهادة الزكية لمرعي الحنبلي ص24.
(3)
ذيل تاريخ الإسلام (ضمن ثلاث تراجم نفيسة مستلة منه، ومنها ترجمة شيخ الإسلام ص26)، وانظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 2/307، 309، 313.
(4)
التقي الحصني: أبو بكر محمد بن عبد المؤمن الحصني، نسبة إلى الحصن قرية من قرى حوران، الدمشقي الفقيه الشافعي، حط على ابن تيمية وبالغ في ذلك، وتلقى ذلك عنه الطلبة بدمشق، وثارت بسبب ذلك فتن كثيرة، ت سنة 829هـ.
انظر في ترجمته: الضوء اللامع للسخاوي 6/83، شذرات الذهب لابن العماد 7/188.
والمؤرخين، فقد كان شديد التعصب للأشاعرة، منحرفاً عن أهل السنة، وتفحش في ابن تيمية - كما يقول مترجموه - وتجهر بتكفيره من غير احتشام (1) ، ومثل هذا لا يؤخذ عنه قول فيمن أبغضه، فتعصبه قد أعماه عن قول الحق والعمل به، إلى ظلم الناس، وبخسهم حقوقهم.
وأما المثال الثاني: فهو العلاء البخاري (2) ، الذي يعرف بشدة التعصب لمذهبه الحنفي، ووُصف بضيق الصدر، وسرعة الغضب، وكان لجوجاً في المخاصمة، وذكر مترجموه - أنه إذا أبغض غلا فيه وزاد، فيه حدّة وتهوّر في الألفاظ، ومن تعصبه الذي ذم لأجله أنه حكم على من أطلق على ابن تيمية رحمه الله لقب شيخ الإسلام (3) بأنه كافر (4) .
(1) انظر: الضوء اللامع للسخاوي 6/83، إنباء الغمر بأبناء العمر لابن حجر 8/110 - 111.
(2)
العلاء البخاري: محمد بن محمد، (سبعة من آبائه اسمهم محمد) ، البخاري العجمي الحنفي، العلامة، نشأ ببخارى، ورحل إلى الأقطار، واجتهد في الأخذ عن العلماء، ممن غلا في بغض ابن تيمية، كان ملازماً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ت سنة 841هـ.
انظر في ترجمته: الضوء اللامع للسخاوي 1/284، النجوم الزاهرة للأتابكي 15/314، شذرات الذهب لابن العماد 7/241.
(3)
ذكر ابن ناصر الدين في الرد الوافر ص51 - 56 معاني شيخ الإسلام التي منها: أنه شاب على الإسلام، ومنها: أنه سمي بذلك لسلوكه طريقة أهله، ومنها: أنه شيخ وأكبر المشايخ في ذلك العصر، وغيرها، وهذا المصطلح إطلاق يعرف عند المتقدمين مثل إطلاق قاضي القضاة، ثم عدّد بعض من أطلق هذا اللقب من التابعين ومن بعدهم، وأما العلماء الذين لقبوا ابن تيمية بهذا اللقب فهم كُثر اعتنى بجمعهم ابن ناصر الدين في كتابه الرد الوافر، وانظر: تقريظات الكتاب - أيضاً - في آخره، وقد أطلق أعداء ابن تيمية رحمه الله هذا المصطلح على غيره انظر على سبيل المثال: المقالات للكوثري ص546، 578 - 582، 608، شواهد الحق للنبهاني ص289.
(4)
ولذا رد عليه الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي (ت 842هـ) بمصنف نفيس سماه: (الرد الوافر على من زعم بأن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر) .
والأمثلة كثيرة في هذا الباب على التعصب ضد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (1) .
هـ - قوة ابن تيمية في الحق: فقد كان رحمه الله جريئاً في قول الحق، والهجوم على أعدائه، والدفاع عنه، لا يخاف في الله لومة لائم، وكثيراً ما وصفه مترجموه في مناظراته مع الخصوم بقوة القلب، وبالشجاعة.
وقد كان - أيضاً - لا يحابي، ولا يداهن في دين الله عز وجل، ولا يطلب ود أحد من الناس في ترك إنكار المناكر والبدع، سواء كانت تلك صغيرة أم كبيرة، ويغضب إذا انتهكت محارم الله عز وجل ولا يقف أمام غضبه أحد، حتى يُغير ذلك المنكر ويُصلح.
وقد كان لهذه الطريقة أثرها الطيب في عصره، إذا اتضح الحق، وانكشفت البدعة، وزال لبسها عن أذهان الناس، وكان من نتائج هذه الطريقة أن كثر أعداؤه، بل وعاد بعض مادحيه ذاماً، يقول الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله.
(.. وإلا والله فلو لاطف الخصوم، ورفق بهم، ولزم المجاملة، وحسَّن المكالمة، لكان كلمة إجماع، فإن كبارهم وأئمتهم خاضعون لعلومه وفقهه
…
) (2) .
يقول البزار (ت - 749هـ) رحمه الله حول أسباب عداوة المناوئين لابن تيمية رحمه الله: (كان إذا وضح له الحق يعض عليه بالنواجذ، ولا يلتفت إلى معاند، فاتفق غالب الناس على معاداته، وجُلّ من عاداه قد تستروا باسم العلماء والزمرة الفاخرة، وهم أقبل الناس في الإقبال على الدنيا، والإعراض
(1) انظر: ما كتبه الكوثري والحبشي والسقاف حول ابن تيمية، فلا يقبلون منه خيراً مطلقاً، وكل كلامهم حوله إنما هو ذم له.
(2)
انظر: ترجمة ابن تيمية من ذيل تاريخ الإسلام للذهبي (ضمن ثلاث تراجم نفيسة مستلة منه ص24)، وانظر حول هذا المعنى: الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 2/394، 395، الدرر الكامنة لابن حجر 1/161.
عن الآخرة، وسبب عداوتهم له: أن مقصودهم الأكبر طلب الجاه والرياسة، وإقبال الخلق وراءه قد رقاه الله إلى ذروة السنام من ذلك بما أوقع له في قلوب الخاصة والعامة من المواهب التي منحه بها، وهم عنها بمعزل، فنصبوا عداوته، وأرادوا ستر ذلك عن الناس، حتى لا يفطن بهم، فعمدوا إلى اختلاق الباطل والبهتان عليه، والوقوع فيه خصوصاً عند الأمراء والحكام
…
) (1) .
رحمه الله، وغفر له، وأسكننا وإياه الفردوس الأعلى من الجنة (2) .
(1) الأعلام العلية ص67.
(2)
يرى بعض الباحثين أن الأسباب الحقيقية هي: حسد الأقران، ورغبة بعض المتآمرين على تصفية عناصر القوة، وما يسببه ابن تيمية من حرج للسلاطين، وأما غيرها من الأسباب كالخلافات العقدية فهي ذرائع معلنة للعامة لتبرر إبعاد ابن تيمية وسجنه، انظر: الفكر التربوي عند ابن تيمية لماجد كيلاني ص75 - 80.