المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى - دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية - عرض ونقد

[عبد الله بن صالح الغصن]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أسباب اختيار البحث:

- ‌خطة البحث:

- ‌ منهج في كتابة البحث

- ‌[شكر وتقدير]

- ‌[التمهيد]

- ‌ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

- ‌1 - اسمه ونسبه:

- ‌2 - مولده ونشأته:

- ‌3 - عصره:

- ‌أولاً: الناحية السياسية:

- ‌ثانياً: الناحية الاجتماعية:

- ‌ثالثاً: الناحية العلمية:

- ‌4 - محن الشيخ:

- ‌5 - وفاته رحمه الله:

- ‌6 - مؤلفاته:

- ‌7 - بعض ثناء الناس عليه:

- ‌منهج شيخ الإسلام في تقرير العقيدة والاستدلال عليها:

- ‌الفصل الأول: المناوئون لشيخ الإسلام، ودعاواهم حول منهجه

- ‌المبحث الأول: المناوئون لشيخ الإسلام

- ‌المطلب الأول: أقسام المناوئين

- ‌المطلب الثانيالمنهج العام للمناوئين

- ‌المطلب الثالثاعتراف خصومه بقدره

- ‌المبحث الثانيدعاوى المناوئين حول منهج شيخ الإسلام ابن تيمية ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعاوى المناوئين حول منهج شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌المطلب الثانيمناقشة دعاوى المناوئين حول منهج ابن تيمية

- ‌الفصل الثانيدعوى التجسيم والتشبيه

- ‌المبحث الأول:قول أهل السنة في مسألة التجسيم والتشبيه

- ‌المطلب الأول: التعريف بالمشبهة

- ‌المطلب الثانياعتقاد السلف نفي التمثيل والتشبيه

- ‌المطلب الثالثرد السلف دعوى أن الإثبات يستلزم التشبيه

- ‌المبحث الثانيدعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام أخذ التشبيه ممن قبله، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام أخذ التشبيه ممن قبله

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى قوله بالجهة والتحيز ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى قوله بالجهة والتحيز

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الثالث: دعوى القول بقدم العالم

- ‌المبحث الأولمعتقد أهل السنة في إمكان حوادث لا أول لها

- ‌المطلب الأولالتسلسل: تعريفه، أقسامه، حكم كل قسم

- ‌المطلب الثانيالصفات الاختيارية

- ‌المطلب الثالثشرح حديث عمران بن حصين رضي الله عنه

- ‌المبحث الثانيدعوى أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لهايستلزم القول بقدم العالم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لها يستلزم القول بقدم العالم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الرابعدعوى نهي ابن تيمية عن زيارة القبور

- ‌المبحث الأولعقيدة أهل السنة في زيارة القبور وشد الرحل إليها

- ‌المبحث الثانيالزعم أن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور ومناقشته

- ‌المطلب الأولالزعم بأن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور

- ‌المطلب الثانيمناقشة دعوى أن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام ينتقص من منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام ينتقص من منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ومناقشتها

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى مخالفة ابن تيمية الصحابة في قولهم بجواز بناء المساجد على القبور ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى مخالفة ابن تيمية الصحابة في قولهم بجواز بناء المساجد على القبور

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الخامسدعوى أن ابن تيمية يساوي في المنزلة بين قبور الأنبياءوقبور غيرهم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن ابن تيمية يساوي في المنزلة بين قبور الأنبياءوقبور غيرهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الخامسمسألة التوسل

- ‌المبحث الأول: عقيدة أهل السنة والجماعة في التوسل

- ‌المبحث الثانيدعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين،وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين،وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدمجواز التوسل بالنبي، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدم جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين،وإهانته لهم، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين، وإهانته لهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل السادسموقف شيخ الإسلام من الصحابة

- ‌المبحث الأولعقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة

- ‌المبحث الثانيدعوى تخطئة شيخ الإسلام الصحابة بما فيهمالأئمة الخلفاء الأربعة، ومناقشتها

- ‌المطلب الأول دعوى تخطئة شيخ الإسلام الصحابة بما فيهم الأئمة الخلفاء الأربعة

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى تكلف شيخ الإسلام الغمز على أهل البيت،وتعمية مناقبهم، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى تكلف شيخ الإسلام الغمز على أهل البيت، وتعمية مناقبهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى رد الأحاديث الصحيحة في مقام المبالغةفي توهين كلام الشيعة ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى رد الأحاديث الصحيحةفي مقام المبالغة في توهين كلام الشيعة

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل السابعمسألة دوام النار

- ‌المبحث الأولدلالة نصوص الكتاب والسنة على خلود النار

- ‌المبحث الثانيدعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

‌المطلب الثاني

مناقشة الدعوى

يتميز الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - بميزات عن غيرهم من سائر البشر، قد اختصهم الله بها تشريفاً لهم ورفعة منزلة.

وليس الأمر فقط في قبورهم، بل حتى في قبض أرواحهم، فهم صلوات الله وسلامه عليهم يأتيهم ملك الموت يستأذنهم في قبض أرواحهم، ويخيرهم.

ومن ذلك ما روته عائشة (ت - 58هـ) رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول: «إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة» ، ثم يُحيا - أو يخير - فلما اشتكى، وحضره القبض، ورأسه على فخذ عائشة غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ثم قال: «اللهم في الرفيق الأعلى» ، فقلت: إذاً لا يجاورنا، فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح)(1) .

وعن أبي سعيد (ت - 74هـ) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر، فقال: «عبدٌ خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده» ، فبكى أبو بكر وبكى، فقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا به)(2) .

(1) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، رقم الحديث 4437.

(2)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 1/558 كتاب الصلاة باب الخوخة والممر في المسجد، ومسلم في صحيحه 4/1854 كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، واللفظ له.

ص: 392

وللأنبياء خصائص عديدة في قبورهم لا يشركهم فيها أحد غيرهم، قد أقر بها ابن تيمية رحمه الله وأوْضَحَهَا، إلا أن الإشكال عند المناوئين لابن تيمية رحمه الله أنهم يعادون عقيدة السلف كاملة عن طريق القدح في أعلامها، والدعاة إليها، فهم يتهمون ابن تيمية رحمه الله بهذه التهمة؛ لأنه لم يوافقهم على بدعهم الضالة الباطلة، فهو لا يقول بجواز التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد مماته، ولا الاستغاثة به، وما دام الأمر كذلك فقد افتروا عليه بأنه يساوي في المنزلة بين قبور الأنبياء وقبور غيرهم (1) .

وقبل بيان بعض خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم بعد دفنه، ينبه ابن تيمية رحمه الله إلى بعض التنبيهات المهمة ومنها:

1 -

أنه لا يشرع لقبره أي جنس من أنواع العبادات لم تشرع لغيره من القبور، بل لا يعمل عند قبره إلا ما يعمل عند قبور غيره من حيث السلام على المقبور والدعاء له (2) .

2 -

أن السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم عند قبره ليس من خصائصه، بل هو كالسلام على غيره من المؤمنين، فليس لهذا السلام مزية عن غيره من القبور.

يقول ابن تيمية رحمه الله: (وأما من سلم عليه عند قبره فإنه يرد عليه ذلك كالسلام على سائر المؤمنين ليس هو من خصائصه، ولا هو السلام المأمور به الذي يسلم الله على صاحبه عشراً كما يصلي على من صلى عليه عشراً)(3) .

3 -

عدم جواز شد الرحل، والسفر إلى قبره، وقبور غيره من الأنبياء كغيرها من قبور المؤمنين، للنهي العام عن شد الرحل إلا إلى المساجد الثلاثة،

(1) انظر: جلاء العينين للألوسي ص462.

(2)

انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 2/825.

(3)

الرد على الأخنائي ص133.

ص: 393

وعدم وجود دليل ينص على جواز شد الرحل لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن تيمية رحمه الله:(أما السفر إلى مجرد زيارة قبر الخليل، أو غيره من مقابر الأنبياء والصالحين ومشاهدهم وآثارهم فلم يستحبه أحد من أئمة المسلمين لا الأربعة ولا غيرهم)(1) .

4 -

أنه لا يجوز التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد مماته في قبره، ولا بث الشكوى إليه، والاستغاثة به، أو الاستشفاع به عند الله، وهذا ما سيتضح تفصيلاً في الفصل القادم.

5 -

أن قبور الأنبياء لا تستلم، ولا يتمسح بها، ولا يمرغ الخد عليها، ولا تستحب الصلاة عندها لذاتها، ولا تجوز الصلاة إليها، ولهذا يقول شيخ الإسلام - غفر الله له -:(اتفق السلف على أنه لا يستلم قبراً من قبور الأنبياء وغيرهم، ولا يتمسح به، ولا يستحب الصلاة عنده، ولا قصده للدعاء عنده، أو به؛ لأن هذه الأمور كانت من أسباب الشرك وعبادة الأوثان)(2) .

6 -

أن الداعي لا يتحرى الدعاء عند القبر لظنه أن الدعاء يستجاب في هذه البقعة أكثر منه في غيرها، بل نص العلماء على خلاف ذلك كما قال ابن تيمية رحمه الله:

(ومع هذا لم يقل أحد منهم إن الدعاء مستجاب عند قبره، ولا أنه يستحب أن يتحرى الدعاء متوجهاً إلى قبره صلى الله عليه وسلم، بل نصوا على نقيض ذلك، واتفقوا كلهم على أنه لا يدعى مستقبل القبر)(3) .

وقال - أيضاً - بعد أن ذكر أن الدعاء عند بقعة - بحكم الاتفاق لا قصداً - فإنه لا بأس به: (الثاني: أن يتحرى الدعاء عندها، بحيث يستشعر أن الدعاء

(1) الفتاوى الكبرى 2/219.

(2)

مجموع فتاوى ابن تيمية 27/31.

(3)

الفتاوى الكبرى 4/362.

ص: 394

هناك أجوب منه في غيره، فهذا النوع منهي عنه، إما نهي تحريم أو تنزيه، وهو إلى التحريم أقرب) (1) .

وإذا سلم الزائر لقبر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يشرع له أن يحدث دعاء جديداً خاصاً بقبر المصطفى صلى الله عليه وسلم (2) .

وبعد هذه التنبيهات المهمة التي ينبه عليها ابن تيمية رحمه الله كثيراً في كتبه، يحسن أن أذكر وأتلمس بعض الخصائص التي يتميز بها الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في قبره عن غيره من آحاد المسلمين أو الصالحين، وذلك باستعراض ما كتبه شيخ الإسلام في هذا المجال من فتاوى، أو مباحث ومؤلفات، فإلى بعض الخصائص:

الأولى: أن قبره صلى الله عليه وسلم لايوصل إليه، بل هو داخل حجرته، ويسلم عليه الزائر لمسجده من بعد، فلا يستطاع الوصول إلى قبره الشريف، ولهذا قيل في أحد تخريجات كراهة مالك (ت - 179هـ) قول بعض الناس: زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الزيارة الحقيقية التي يقف الزائر فيها على قبر المزور غير متحققة في قبر نبينا صلى الله عليه وسلم ويوضح ابن تيمية رحمه الله هذا المعنى بقوله: (ومما يوضح هذا أن الشخص الذي يقصد اتباعه زيارة قبره يجعلون قبره بحيث يمكن زيارته، فيكون له باب يدخل منه إلى القبر، ويجعل عند القبر مكان للزائر إذا دخل بحيث يتمكن من القعود فيه، بل يوسع المكان ليسع الزائرين، ومن اتخذه مسجداً جعل عنده صورة محراب، أو قريباً منه، وإذا كان الباب مغلقاً جعل له شباكاً على الطريق ليراه الناس فيه فيدعونه.

وقبره صلى الله عليه وسلم بخلاف هذا كله: لم يجعل للزوار طريق إليه بوجه من الوجوه، ولا قبر في مكان كبير يسع الزوار، ولا جعل للمكان شباك يرى منه القبر، بل منع الناس من الوصول إليه والمشاهدة له) (3) .

(1) اقتضاء الصراط المستقيم 2/683.

(2)

انظر: الرد على الأخنائي لابن تيمية ص106.

(3)

الرد على الأخنائي ص102، وانظر: قاعدة عظيمة ص44.

ص: 395

وقال في كلام له نفيس: (لا تمكن زيارة قبره، فإنه دفن في بيته، وحجب قبره عن الناس، وحيل بين الزائر وبين قبره، فلا يستطيع أحد أن يزور قبره كما تزار سائر القبور

ولهذا لم ينقل عن أحد من السلف أنه تكلم بزيارة قبره فإن ذلك غير ممكن، ولهذا كرهها من كرهها؛ لأن مسماها باطل....) (1) .

مع أن الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم عند قبره حسنٌ، لكن لو تمكن الناس منها لاتخذوها عيداً، ولأدت إلى الشرك، ولهذا نهي عن القرب من قبره، ودخول حجرته صلى الله عليه وسلم (2) .

الثانية: أن الأنبياء لا يبلون، فلا تأكل الأرض أجسادهم، ولذلك فإن تراب قبورهم طاهر، ودليل ذلك ما رواه أوس بن أوس (3) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أكثروا عليّ من الصلاة فيه - أي يوم الجمعة -، فإن صلاتكم معروضة علي» ، قال رجل: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ - يعني بليت - قال: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» (4) .

يقول ابن تيمية رحمه الله: (مقابر الأنبياء لا تنتن، بل الأنبياء لا يبلون، وتراب قبورهم طاهر)(5) .

الثالثة: أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون، وقد دفن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في

(1) قاعدة عظيمة ص68 - 69.

(2)

انظر: قاعدة عظيمة ص70، الجواب الباهر ص9، الرد على الأخنائي ص102.

(3)

أوس بن أوس الثقفي، صحابي جليل، روى له أصحاب السنن الأربعة أحاديث صحيحة.

انظر في ترجمته: الطبقات الكبرى لابن سعد 6/50، الاستيعاب لابن عبد البر 1/79، الإصابة لابن حجر 1/79.

(4)

الحديث أخرجه أبو داود في سننه 1/635 كتاب الصلاة، باب فضل يوم الجمعة، وابن ماجه في سننه 1/524 كتاب الجنائز، باب وفاته ودفته صلى الله عليه وسلم واللفظ له، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/273.

(5)

مجموع فتاوى ابن تيمية 27/160.

ص: 396

مكانه الذي مات فيه، في بيته، في حجرة عائشة (ت - 58هـ) رضي الله عنها (1) .

ويروى في هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لن يقبر نبي إلا حيث يموت» (2) .

الرابعة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعى له من بعد ومن قرب، ويسلم عليه - أيضاً - من بعد ومن قرب، بخلاف غيره، فإنه لا يسلم عليه إلا عند قبره، وسلامنا على الرسول صلى الله عليه وسلم من بُعد أو قرب يبلغه صلى الله عليه وسلم ويعرض عليه، وهذا ما دلت عليه النصوص:

كقوله صلى الله عليه وسلم: «إن لله عز وجل ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام» (3) .

وعن أبي هريرة (ت - 57هـ) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» (4) .

قال ابن تيمية رحمه الله: (وقد أمرنا الله أن نصلي عليه، وشرع لنا ذلك في كل صلاة أن نثني على الله بالتحيات، ثم نقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.

وهذا السلام يصل إليه من مشارق الأرض ومغاربها، وكذلك إذا صلينا عليه فقلنا: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم

(1) انظر: الرد على الأخنائي ص102.

(2)

الحديث أخرجه ابن ماجه في سننه 1/520، كتاب الجنائز، باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم، وأحمد في مسنده 1/206 - 207 تحقيق الأرناؤوط. وقال الأرناؤوط: حديث قوي بطرق، وابن الجوزي في مثير الغرام الساكن 2/290 - 291.

(3)

الحديث أخرجه النسائي في سننه 1/380 كتاب الصلاة، باب التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم وصححه الألباني في صحيح الجامع 1/434.

(4)

الحديث أخرجه أبو داود في سننه 2/534 كتاب المناسك، باب زيارة القبور.

وقال السيوطي: حديث صحيح. انظر: صحيح الجامع 2/1211.

ص: 397

إنك حميد مجيد) (1)

) (2) .

فالرسول صلى الله عليه وسلم يشعر بالسلام عليه، ويبلغ به من قبل الملائكة.

قال رحمه الله: (وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم يشعر بالسلام عليه، فهذا حق، وهو يقتضي أن حاله بعد موته أكمل من حاله قبل مولده)(3) .

وقال - أيضاً -: (فهذه الأحاديث تدل على أن الصلاة والسلام يعرضان عليه، وأن ذلك يصل حيثما كنا)(4) .

لكن هل يسمع صلاة وسلام البعيد أم يعرضان عليه، وتبلغه بهما الملائكة؟.

الصواب الذي عليه عامة أهل العلم، وهو مقتضى الأحاديث الصحيحة: أنه يبلغ ذلك ويعرض عليه.

وأما قول القائل: إنه يسمع الصلاة من البعيد فممتنع.

فإنه إن أراد وصول صوت المصلي إليه فهذه مكابرة.

وإن أراد أنه هو يكون بحيث يسمع أصوات الخلائق من بعيد فليس هذا إلا لله رب العالمين الذي يسمع أصوات العباد كلهم، قال تعالى:{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80]، وقال:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة: 7] ، وليس لأحد من البشر بل ولا من الخلق يسمع أصوات العباد كلهم (5) .

وأما سلام القريب: فإن الذي يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه عليه الصلاة والسلام يسمعه بخلاف البعيد، كما قال ابن تيمية رحمه الله: (لكن إذا صلى وسلم

(1) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 6/407 - 408 كتاب الأنبياء، باب يزفون النسلان في المشي، ومسلم في صحيحه 1/305 كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي بعد التشهد.

(2)

الجواب الباهر ص8 - 9.

(3)

الرد على البكري 1/64.

(4)

الرد على البكري 1/119.

(5)

انظر: الرد على الأخنائي ص134.

ص: 398

عليه من بعيد بلغ ذلك، وإذا سلم عليه من قريب سمع هو سلام المسلم عليه) (1) .

وقال رحمه الله عن المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إنه يسمع سلام القريب، ويبلغ سلام البعيد وصلاته)(2) .

لكن السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم الذي تعبدنا الله به في الصلاة أفضل من السلام عليه صلى الله عليه وسلم عند قبره.

وهذا مما يدل عليه الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة أن السلام الذي لا يوجب الرد كما في الصلاة، أفضل من السلام الذي يوجب الرد.

والسلام الذي لا يوجب الرد هو الذي يسلم الله على العبد بكل مرة عشراً، وأما السلام الموجب للرد فإنه صلى الله عليه وسلم يرد على المسلم، كما كان يرد السلام على من سلم عليه في حياته؛ ولأن السلام الذي لا يوجب الرد مأمور به في الصلاة، وفي كل صلاة، وأما السلام الذي يوجب الرد فهو في مكان مخصوص، وفي زمن مخصوص لا يحصل إلا في بعض الأوقات، فإن الصحابة - رضوان الله عليهم - لم يكن أحدهم يأتي إلى القبر ويسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم كلما دخل المسجد النبوي؛ لأنه غير مأمور به شرعاً.

ولأن السلام الذي يوجب الرد هو حق المسلم عموماً فيشرك الرسول صلى الله عليه وسلم غيره في هذا السلام، كما قال تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] ولهذا كان الصحابة والتابعون يعلمون أن السلام والصلاة غير الموجبة للرد أفضل من الذي يرد جوابه (3) .

ومن وجهة أخرى: فإن رد الرسول صلى الله عليه وسلم السلام على من سلم عليه لا يوجب الدعاء له بالسلامة من عذاب الدنيا والآخرة، وهذا معلوم بالضرورة،

(1) منهاج السنة النبوية 2/443، وانظر: الرد على الأخنائي لابن تيمية ص31.

(2)

الرد على البكري 1/120.

(3)

انظر: قاعدة عظيمة لابن تيمية ص42 - 43.

ص: 399

فقد كان المنافقون يسلمون عليه صلى الله عليه وسلم ويرد عليهم، ويرد على المسلمين أصحاب الذنوب وغيرهم، ولكن السلام فيه أمان (1) .

الخامسة: أن ما يفعله الناس في زيارة غير قبر الرسول صلى الله عليه وسلم عند قبور من يزورونهم، من السلام والدعاء، فإنه يفعل مثله وأكثر منه للرسول صلى الله عليه وسلم في مواضع متعددة من العبادات المأمور بها، كالصلوات الخمس، وبعد الأذان، وعند دخول المسجد، وعند الخروج منه، وعند كل دعاء، فلا يختص السلام على الرسول أو الصلاة عليه عند قبره فقط، بل قد تبين أن الصلاة والسلام على الرسول عند غير قبره أفضل منه عند قبره.

قال ابن تيمية رحمه الله: (وأما النبي صلى الله عليه وسلم فله خاصة لا يماثله أحد من الخلق، وهو أن المقصود عند قبر غيره من الدعاء له هو مأمور في حق الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس، وعند دخول المساجد، والخروج منها، وعند الأذان، وعند كل دعاء)(2) .

السادسة: أن الأنبياء أحياء في قبورهم، وحياتهم أكمل من حياة الشهداء، إذ أثبت الله - سبحانه - حياة الشهداء بقوله:{وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} [البقرة: 14]، وقال:{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] .

أما المفترون على ابن تيمية رحمه الله بأنه لا يرى حياة الأنبياء فهذا باطل، بل هو صرح بحياتهم في قبورهم، لكن لما لم يوافقهم رحمه الله على ما ابتدعوه في الدين من جواز التوسل به بعد موته، أو الاستغاثة به، قالوا: بأنه لا يرى حياة الأنبياء في قبورهم؛ لأن هذا لازم حياة الأنبياء - كما يزعمون -.

قال ابن تيمية رحمه الله بعد أن تحدث عن تحريم اتخاذ قبور الأنبياء مساجد

(1) انظر: الرد على الأخنائي لابن تيمية ص106 - 107.

(2)

الجواب الباهر ص23.

ص: 400

مستدلاً بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم: (فهذه نصوصه الصريحة توجب تحريم اتخاذ قبورهم مساجد، مع أنهم مدفونون فيها، وهم أحياء في قبورهم)(1) .

ودليل حياة الأنبياء في قبورهم قوله صلى الله عليه وسلم: «الأنبياء أحياء في قبورهم» (2) .

ولكن هل هذه الحياة في القبور حياة حقيقية لها لوازمها من الحاجة إلى الأكل والشرب وفعلهما، والنوم والحركة وغيرها، أم أنها حياة خاصة يقصد بها تشريف الأنبياء، وتخصيصهم عن غيرهم بمنزلة لم تكن لغيرهم؟.

أقول بادئ الأمر: إن الله سبحانه وتعالى قد أخبر وأثبت في كتابه العزيز موت الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] .

وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144]، وقال:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: 34] .

وقام أبو بكر الصديق (ت - 13هـ) رضي الله عنه بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:(أما بعد فمن كان منكم يعبد محمداً، فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)(3) .

فموت الأنبياء حق، وانقطاع أحكام الدنيا عنهم بعد موتهم لا مرية فيه، حتى المخالف يقر بذلك، ولكن ما هذه الحياة البرزخية التي تكون للأنبياء بعد موتهم؟

(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 27/502.

(2)

الحديث أخرجه أبو يعلى في مسنده 6/147 رقم 3425 من حديث أنس بن مالك، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/211: رجاله ثقات، وانظر: المطالب العالية لابن حجر 3/269 أحاديث الأنبياء.

(3)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 7/19 كتاب فضائل الصحابة، باب لو كنت متخذاً خليلاً.

وكتاب الجنائز رقم (1165) .

ص: 401

بعد معرفتنا أن الأنبياء يموتون، وأن أحكام الدنيا لا يقومون بها بعد موتهم.

إن الحديث عن البرزخ من علم الغيب، والحديث عن تفصيلات تعلق الروح بالبدن في البرزخ هو من علم الغيب - أيضاً -، ما لم يرد نص صحيح صريح يبين هذه التفصيلات ويذكرها لنا، وإلا فالتوقف هو المنهج السوي، ورد العلم إلى عالمه أسلم وأعلم وأحكم.

لكن أهل العلم ذكروا أن للروح مع البدن تعلقات بحسب أحوالها:

أحدها: تعلق الروح بالبدن في بطن الأم للجنين.

الثاني: تعلق الروح بالبدن بعد خروجه إلى وجه الأرض مستيقظاً.

الثالث: تعلق الروح بالبدن في حال النوم، فلها به تعلق من وجه ومفارقة من وجه.

الرابع: تعلق الروح بالبدن في البرزخ - وهذا ما نحن نبحث فيه -، فإن الروح إذا فارقت البدن بالموت وتجردت عنه، فإنها لا تفارقه فراقاً كلياً بحيث لا يبقى لها التفات إليه ألبتة، بل الأحاديث والآثار تدل على أن الميت ترد روحه وقت سلام المسلم عليه، وهذا الرد إعادة خاصة، لا يوجب حياة البدن إلى يوم القيامة.

وحياة الشهداء في هذه المرحلة أكمل من حياة غيرهم من سائر المؤمنين، وحياة الأنبياء أكمل من حياة الشهداء.

الخامس: تعلق الروح بالبدن يوم البعث، وهذا أكمل أنواع تعلق الروح بالبدن، فهو تعلق لا يقبل البدن معه موتاً ولا نوماً ولا فساداً (1) .

فأرواح الأنبياء في البرزخ في أعلى عليين، وهم متفاوتون في منازلهم في العلو، إلا أن أرواحهم لها تعلق بأجسادهم وأبدانهم، فترد إليها إذا سلم عليهم

(1) انظر: الروح لابن القيم ص67، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز 2/578 - 579.

ص: 402

المسلم ليردوا عليها السلام (1) .

وبعد ذلك يمكن أن يجاب على من قال بأنه صلى الله عليه وسلم حي حياة في قبره كحياته الدنيوية بأجوبة عدة منها:

1 -

أن من زعم أن الحياة البرزخية كالحياة الدنيا فقد كذب وظلم، فمن أبرز الفروق بين حياة البرزخ، وحياة الدنيا، أن الحي في الدنيا يحتاج إلى الأكل والشرب، والحركة والسكون، والنوم واليقظة، والكلام والرد، والأخذ والإعطاء، وكل هذا منتف في الحياة البرزخية، وأما إذا استثنى أولئك هذه الأمور فنقول: إن التخصيص لا بد له من مخصص، فلا بد من دليل يخرج هذا الفرع عن أصله، والبعض عن كلِّه ولا دليل لهم.

2 -

لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم حياً حياة كحياته الدنيوية لما ساغ له أن يبقى تحت الأرض، ولكنها سنة الله في الموتى، فلما انتفت الحياة الحقيقية بالموت ثبتت الحياة البرزخية مباشرة.

3 -

يلزم من القول بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم حياة كحياته في الدنيا أن يبقى يسمع أصحابه يختلفون في كثير من الأمور، ولكنه صلى الله عليه وسلم عاجز عن النطق وعن رد الجواب لمن سأله متلهفاً على سماع ذلك منه، وهذا وصف له بالنقص والعجز.

4 -

يلزم من القول بحياة الأنبياء كحياتهم الدنيوية، أن يكون لهم ثلاث موتات، ولغيرهم موتتان؛ لأنه بعد النفخ في الصور النفخة الأولى لا يبقى أحد ممن هو على وجه الأرض حياً، وقد قال تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68] ، ولم يرد دليل من الكتاب والسنة على أن الله يبعث النبي للناس من قبره قبل يوم القيامة.

(1) انظر: الروح لابن القيم ص184.

ص: 403

5 -

يلزم من القول بحياة الأنبياء حياة كالحياة الدنيوية تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله، ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» (1) .

6 -

ومما يلزم من ذلك - أيضاً -: تكذيب الصحابة في إقرارهم وتصديقهم بموت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنهم دفنوه حياً، وأنه عليه الصلاة والسلام قد جنى على نفسه حين مكنهم من نفسه وهو حي قادر على البيان والبلاغ.

7 -

أما من استدل على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بأن عقد نكاحه على أزواجه باق، بحيث لا يجوز لأحد أن يتزوج منهن، فهذا ليس فيه دليل على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره، بل ذلك خصوصية له صلى الله عليه وسلم حيث حرم على المؤمنين أن ينكحوا أزواجه من بعده كما قال تعالى:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً} [الأحزاب: 53]، وقوله:{مِنْ بَعْدِهِ} دليل على موته وقد أمر الله رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام أن يخير أزواجه بين أن يبقين معه ويردن الله ورسوله والدار الآخرة، وبين أن يقدمن الحياة الدنيا وزينتها، فيفارقنه فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة فكان جزاؤهن أن يكن أمهات المؤمنين في الدنيا، وأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة فلا يحل لأحد من المؤمنين أن ينكحهن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب: 28 - 29] .

8 -

وأما من قال بأن رد السلام من شأن الأحياء؛ لأن شأن الأموات حين

(1) الحديث أخرج البخاري في صحيحه 13/277 كتاب الاعتصام، باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين، ومسلم في صحيحه 3/1379 كتاب الجهاد، باب قول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركناه صدقة.

ص: 404

ترد روح الرسول صلى الله عليه وسلم إليه، فيجاب عنه بأن هذا حجة عليهم لا لهم؛ لأن رد الروح مفاده قبضها قبل ذلك، ثم إن رد الروح إنما هو بقدر رد السلام على من سلم عليه، وهذا ليس من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو عام لكل من سلم على أحد قبور الموتى من المؤمنين (1) .

وعلى كلٍ: فالرسول صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية لا يعلم كنهها إلا الله عز وجل وهذه الحياة أكمل من حياة الشهداء.

(1) انظر: جلاء العينين للآلوسي ص462 - 463، شرح نونية ابن القيم لهراس ص7 - 21 وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في نونيته أغلب الردود، أوضح الإشارة للنجمي ص234.

4/65 مادة (الوسيلة) .

ص: 405