الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية، وأسكننا وإياه في الفردوس الأعلى من جنته (1) .
منهج شيخ الإسلام في تقرير العقيدة والاستدلال عليها:
ابن تيمية رحمه الله أحد الأئمة الأعلام، الذين نشروا معتقد السلف ودافعوا عنه، وهو يعد من أكبر شُرّاح اعتقاد السلف، المستدلين لمسائله وجزئياته وتفصيلاته، ما بين رسائل صغيرة، وكتب، ومجلدات ضخمة، ولا يكاد القارئ لكتب ابن تيمية رحمه الله يقرأ في كتاب من كتبه التي ألفها في العلوم الأخرى إلا ويجد داخل هذه الكتب بحوثاً نفيسة في الاعتقاد، لما يرى من أهمية نشر الاعتقاد الحق، وبثّه بوسائل مختلفة وطرق شتى.
إن ابن تيمية رحمه الله الذي جدد للأمة عقيدتها في القرن الثامن الهجري لم يكن ينصر نحلة معينة، أو يؤيد مذهباً وطريقة غير طريقة السلف الصالح التي معتمدها كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد صرّح رحمه الله بهذا في مواضع متعددة من كتبه، فمما قاله حين نوظر؛ لأجل العقيدة الواسطية:
(مع أني في عمري إلى ساعتي هذه لم أدع أحداً قط في أصول الدين إلى مذهب حنبلي وغير حنبلي، ولا انتصرت لذلك، ولا أذكره في كلامي، ولا أذكر إلا ما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها)(2) .
وقد كان رحمه الله يركز على الاعتقاد؛ لأن أمره خطير عظيم، ولذا لما التمس منه تلميذه البزار (ت - 749هـ) أن يؤلف نصاً في الفقه يجمع فيه اختياراته
(1) مصادر ترجمة ابن تيمية رحمه الله كثيرة، وممن جمع عدداً كبيراً منها: علي حسن عبد الحميد في تحقيق كتابه التذكرة والاعتبار للواسطي ص13 - 14، ومحمد العجمي في تحقيقه ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية من ذيل تاريخ الإسلام للذهبي ص21، وممن حاول إحصاء الدراسات والكتب التي ترجمت لشيخ الإسلام في القديم والحديث محمد الشيباني في أوراق مجموعة من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ص188 - 200، ومقدمة تحقيق الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/23 - 28.
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية 3/229، وانظر: الرد على الأخنائي ص152.
وترجيحاته، ويكون عمدة في الإفتاء بيّن له ابن تيمية رحمه الله أن الفروع أمرها قريب، بخلاف الأصول، إذ كثير من أهل الأهواء الذين أسسوا الطوائف والفرق الضالة، كان قصدهم إبطال الشريعة، فأوقعوا الناس في التشكيك في أصول دينهم.
ولذا قال رحمه الله: (فلما رأيت الأمر على ذلك بان لي أنه يجب على كل من يقدر على دفع شبههم وأباطيلهم، وقطع حجتهم وأضاليلهم أن يبذل جهده ليكشف رذائلهم....)(1) .
إلى أن قال: (فهذا ونحوه هو الذي أوجب أني صرفت جُلّ همي إلى الأصول، وألزمني أن أوردت مقالاتهم، وأجبت عنها بما أنعم الله تعالى به من الأجوبة العقلية والنقلية)(2) .
وسأحاول تلمس أبرز معالم منهجه في تقرير العقيدة - إجمالاً -، ثم أبرز معالم منهجه رحمه الله في الاستدلال عليها بشيء من الاختصار.
أما منهجه في تقرير العقيدة فيمكن أن يتضح من معالم متعددة أبرزها:
1 -
تعظيم نصوص الشريعة، وإجلالها، والصدور عنها، لقول الله تبارك وتعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65] .
وقال سبحانه وتعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] .
وقد وصف رحمه الله أهل العلم والإيمان بأنهم (يجعلون كلام الله وكلام رسوله هو الأصل الذي يعتمد عليه، وإليه يرد ما تنازع الناس فيه، فما وافقه كان حقاً، وما خالفه كان باطلاً)(3) .
(1) الأعلام العلية ص34.
(2)
الأعلام العلية ص35.
(3)
درء تعارض العقل والنقل 1/277.
وجعل رحمه الله من طريقة أهل السنة والجماعة: (اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.... ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤثرون كلام الله على كلام غيره من كلام أصناف الناس
…
) (1) .
فهذه هي طريقته، وهذا هو منهجه: تعظيم النصوص، من الكتاب والسنة، بوجود مهابتها في النفس، والتسليم لها، واستنباط الحكم الشرعي منها وفق القواعد المرعية عند أهل العلم بها.
2 -
دعم النصوص الشرعية، وتأييدها بأقوال سلف الأمة، وعلمائها المعتبرين، ويظهر هذا الأمر من إكثار ابن تيمية رحمه الله من النقل عنهم، وجعل أقوالهم حجة يستند إليها في توضيح النص وبيانه.
وقد أخذ ابن تيمية رحمه الله على نفسه أن لا يقول بقول إلا وهو مسبوق إليه، فلا ينفرد بقول لم يقل به أحد قبله، فضلاً عن مخالفة إجماع المسلمين في أي مسألة من المسائل.
قال رحمه الله عن نفسه: (..أن المجيب - ولله الحمد - لم يقل قط في مسألة إلا بقول سبقه إليه العلماء، فإن كان قد يخطر له ويتوجه له فلا يقوله وينصره إلا إذا عرف أنه قد قاله بعض العلماء.. فمن كان يسلك هذا المسلك كيف يقول قولاً يخرق به إجماع المسلمين، وهو لا يقول إلا ما سبقه إليه علماء المسلمين)(2) .
وهو رحمه الله يسلك هذا المنهج؛ لأنه يرى أن الحق دائماً مع السنة والآثار الصحيحة، فحين تحدث رحمه الله عن السلف قال: (الصواب معهم دائماً، ومن وافقهم كان الصواب معه دائماً لموافقته إياهم، ومن خالفهم فإن الصواب معهم
(1) الواسطية (ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 3/157) .
(2)
الرد على الأخنائي ص195.
دونه في جميع أمور الدين، فإن الحق مع الرسول، فمن كان أعلم بسنته، وأتبع لها كان الصواب معه، وهؤلاء هم الذين لا ينتصرون إلا لقوله، ولا يضافون إلا إليه، وهم أعلم الناس بسنته وأتبع لها) (1) .
وبين رحمه الله أن كلام السلف مؤتلف غير مختلف، فلا يتعارض؛ لوحدة المنهج والمصدر، فإذا اجتمع بعضه إلى بعض زال الإشكال الوارد في الأذهان، ولذا حين تحدث رحمه الله عن بعض مسائل الصفات قال:(فكلام أئمة السنة والجماعة كثير في هذا الباب، متفق غير مختلف، وكله صواب، ولكن قد يبين بعضهم في بعض الأوقات ما لا يبينه غيره لحاجته في ذلك)(2) .
وقال رحمه الله مثنياً على كلام السلف، وموافقته النصوص:(ومن تدبر كلام أئمة السنة المشاهير في هذا الباب علم أنهم كانوا أدق الناس نظراً، وأعلم الناس في هذا الباب بصحيح المنقول، وصريح المعقول، وأن أقوالهم هي الموافقة للمنصوص والمعقول، ولهذا تأتلف ولا تختلف، وتتوافق ولا تتناقض، والذين خالفوهم لم يفهموا حقيقة أقوال السلف والأئمة، فلم يعرفوا حقيقة المنصوص والمعقول، فتشعبت بهم الطرق، وصاروا مختلفين في الكتاب، مخالفين للكتاب)(3) .
ثم ذكر قول الله تبارك وتعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة: 176] ، ولذا فإن المعطلة النفاة لا يجدون نصاً واحداً من نصوص السلف والأئمة يؤيد قولهم وينصره، بل أقوال السلف متفقة متحدة على بيان القول الحق قول أهل السنة والجماعة، ورد مذاهب الضلال، وسبل أهل الغواية (4) ، وصرّح رحمه الله في أن المادة العلمية، والترجيحات المرضية في
(1) منهاج السنة النبوية 5/182.
(2)
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 4/349 - 350.
(3)
درء تعارض العقل والنقل 2/301.
(4)
انظر: درء تعارض العقل والنقل 4/24، 7/37.
المسائل العقدية المذكورة في كتبه إنما هي من كتب أئمة السلف، ولم يكتف بهذا الإجمال، بل ذكر هذه الكتب في مواضع متعددة من كتبه ورسائله العقدية (1)، ومن الكتب التي كان يعتمد عليها: كتب السنة والرد على الجهمية لجمع من السلف، ومنهم عبد الله بن محمد الجعفي (2) ،
والدارمي (3) ، وعبد الرحمن بن أبي حاتم (4) ، وعبد الله بن الإمام أحمد (5) ، وأبو بكر بن الأثرم (6) ، وحنبل بن إسحاق (7) ، والخلال (8) ،
والإمام
(1) انظر على سبيل المثال: ص28 - 30، منهاج السنة النبوية 2/363 - 367، 7/35 - 36، درء تعارض العقل والنقل 2/20 - 23، 7/108 - 109، شرح العقيدة الأصفهانية ص27 - 28، شرح حديث النزول 228 - 230.
(2)
الجعفي: عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن اليمان الجعفي مولاهم، البخاري، حافظ حجة، لقب بالمسندي، لاعتنائه بالأحاديث المسندة، ت سنة 229هـ.
انظر في ترجمته: التاريخ الكبير للبخاري 5/189، سير أعلام النبلاء للذهبي 10/658، شذرات الذهب لابن العماد 2/67.
(3)
الدارمي: عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد الدارمي التميمي، الإمام الحافظ الناقد، طاف بالأقاليم في طلب الحديث، له مصنفات في الرد على المبتدعة، ت سنة 280هـ.
انظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء للذهبي 13/319، طبقات الشافعية للسبكي 2/302، شذرات الذهب لابن العماد 2/176.
(4)
ابن أبي حاتم: عبد الرحمن بن محمد بن أبي حاتم بن إدريس بن المنذر الحنظلي، أبو محمد، من كبار الحفاظ، له تصانيف منها الجرح والتعديل، والرد على الجهمية، ت سنة 327هـ.
انظر في ترجمته: طبقات الحنابلة لأبي يعلى 2/55، فوات الوفيات للكتبي 2/287.
(5)
عبد الله: بن أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، أبو عبد الرحمن البغدادي، ولد الإمام أحمد، وهو ثقة.
انظر في ترجمته: تهذيب التهذيب لابن حجر 5/141.
(6)
أبو بكر بن الأثرم: أبو بكر أحمد بن محمد بن هاني الطائي الإسكافي، من أصحاب الإمام أحمد، حافظ إمام جليل القدر، ت سنة 261هـ.
انظر في ترجمته: طبقات الحنابلة لأبي يعلى 1/66، شذرات الذهب لابن العماد 2/141.
(7)
حنبل بن إسحاق: حنبل بن إسحاق، أبو علي، الحافظ، ابن عم الإمام أحمد بن حنبل، كان ثقة ثبتاً، ت سنة 273هـ.
انظر في ترجمته: شذرات الذهب لابن العماد 2/163.
(8)
الخلال: أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال، أبو بكر، شيخ الحنابلة في عصره، إمام فقيه، كثير الرحلة، واسع العلم، شديد الاعتناء بالآثار، ت سنة 311هـ.
انظر في ترجمته: طبقات الحنابلة لأبي يعلى 2/12، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/785، شذرات الذهب لابن العماد 2/261.
الطبري (1) ، وابن أبي زمنين (2) ، وابن منده (3) ، وأبو حفص بن شاهين (4) ، وأبو ذر الهروي (5) ، وأبو داود السجستاني (6) ،
وابن أبي عاصم (7) .
(1) الطبري: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري، الإمام المحدث المؤرخ الفقيه، الأصولي المجتهد، عالم بالقراءات، بصير بالمعاني، فقيه في أحكام القرآن، عالم بالسنن، ت سنة 310هـ.
انظر في ترجمته: وفيات الأعيان لابن خلكان 3/332، سير أعلام النبلاء للذهبي 14/267، طبقات الشافعية للسبكي 3/120.
(2)
ابن أبي زمنين: محمد بن عبد الله بن عيسى بن محمد المري الأندلسي، صاحب قرطبة، متبحر في العلم، وصنف في الزهد والرقائق من أئمة السلف في الاعتقاد، له كتاب أصول السنة، ت سنة 399هـ.
انظر في ترجمته: ترتيب المدارك للقاضي عياض 7/183، شجرة النور الزكية لمخلوف ص101.
(3)
ابن منده: محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده الأصبهاني، أبو إسحاق، الإمام الحافظ، محدث الإسلام، ومن أوسع العلماء رحلة، وأكثرهم حديثاً وشيوخاً، من كتبه: الإيمان، التوحيد، ت سنة 395هـ.
انظر في ترجمته: طبقات الحنابلة لأبي يعلى 2/167، سير أعلام النبلاء للذهبي 17/28.
(4)
أبو حفص بن شاهين: عمر بن أحمد بن شاهين، أبو حفص، الحافظ الثقة المصنف، ت سنة 385هـ.
انظر في ترجمته: تاريخ بغداد للخطيب 11/265، سير أعلام النبلاء للذهبي 16/431.
(5)
أبو ذر الهروي: عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير الأنصاري الهروي، أبو ذر، الحافظ، الثقة الفقيه المالكي، صنف في المستخرج على الصحيحين، ودرس الكلام على الباقلاني، ت سنة 434هـ.
انظر في ترجمته: تبيين كذب المفتري لابن عساكر ص255، شذرات الذهب لابن العماد 3/254.
(6)
أبو داود: سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني، صاحب السنن، أحد حفاظ الحديث، كان ناسكاً، عفيفاً صالحاً، فقيهاً عالماً بعلل الحديث، أخذ العلم عن الإمام أحمد، وابن معين، ومسدد بن مسرهد، ت سنة 275هـ.
انظر في ترجمته: تاريخ بغداد للخطيب 9/55، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/138.
(7)
ابن أبي عاصم: أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني، أبو بكر بن أبي عاصم، من أهل البصرة، حافظ كبير، وإمام من أئمة أهل السنة له كتاب السنة، ت سنة 287هـ.
انظر في ترجمته: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/67، شذرات الذهب لابن العماد 2/195.
وكذلك التوحيد لابن خزيمة (1) ، والشريعة للآجري (2) ، والإبانة لابن بطة (3) ، وشرح أصول السنة للالكائي (4) ، واعتقاد السلف أصحاب الحديث للصابوني (5) .
إضافة إلى كتب التفاسير المعتمدة التي تنقل تفاسير السلف كتفسير عبد الرزاق (6) ،
(1) ابن خزيمة: محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة السلمي النيسابوري، الحافظ الحجة، إمام الأئمة في عصره، صاحب التصانيف النافعة، من أشهرها كتاب التوحيد، ت سنة 311هـ.
انظر في ترجمته: طبقات الشافعية للسبكي 3/109، شذرات الذهب لابن العماد 2/262.
(2)
الآجري: أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله البغدادي الآجري، إمام محدث قدوة، صاحب سنة واتباع، من أشهر كتبه: الشريعة، ت سنة 360هـ.
انظر في ترجمته: وفيات الأعيان لابن خلكان 3/419، سير أعلام النبلاء للذهبي 16/133.
(3)
ابن بطة: عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري الحنبلي، الإمام القدوة العابد الفقيه، صاحب كتاب الإبانة، من أعلام أهل السنة، ت سنة 387هـ.
انظر في ترجمته: طبقات الحنابلة لأبي يعلى 2/144، سير أعلام النبلاء للذهبي 16/529.
(4)
اللالكائي: هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي اللالكائي، أبو القاسم، الإمام الحافظ المجود المفتي، برع في المذهب الشافعي له كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، ت سنة 418هـ.
انظر في ترجمته: تاريخ بغداد للخطيب 14/70، سير أعلام النبلاء للذهبي 17/419.
(5)
الصابوني: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل الصابوني النيسابوري، أبو عثمان، الحافظ المفسر المحدث الفقيه، شيخ الإسلام، كثير السماع والحفظ والتصنيف له كتاب اعتقاد السلف وأصحاب الحديث، ت سنة 449هـ.
انظر في ترجمته: تذكرة الحفاظ للذهبي 3/1127، طبقات الشافعية للسبكي 4/271.
عبد الرزاق: عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني، مولى حمير من أهل صنعاء، إمام محدث، صاحب المصنف، كان يحفظ نحو سبعة عشر ألف حديث، ت سنة 211هـ.
انظر في ترجمته: التاريخ الكبير للبخاري 6/130، طبقات الحنابلة لأبي يعلى 1/209، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/385.
(6)
عبد بن حميد: عبد بن حميد بن نصر، أبو محمد، الإمام الحافظ الحجة، له كتاب في التفسير كبير، ت سنة 249هـ.
انظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء للذهبي 12/235، شذرات الذهب لابن العماد 2/120.
وعبد بن حميد، وغيرهما، وكذلك الكتب المؤلفة في السنة التي تنقل أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، وآثار السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
3 -
تقرير العقيدة بأسلوب ميسر، وعبارات واضحة، مدعماً ما يقول بما يتيسر من آيات الكتاب العزيز، والسنة النبوية المطهّرة، ثم بعض أقوال السلف في فهمهم لنصوص الوحيين لهذه المسألة المطروحة.
ويحسن التنبيه إلى أن كتب الاعتقاد التي ألفها تنقسم ثلاثة أقسام:
أ - كتب تعنى بعرض اعتقاد السلف من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة دون ذكر للشُبه، مثل العقيدة الواسطية.
ب - وكتب تعنى بالرد على شبه المخالفين، ومناقشتها، سواء كان المخالفون من الملل الأخرى كالنصارى في رده عليهم في (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) ، أو كانوا من المنتسبين إلى الإسلام من الفرق الإسلامية ككتابه (بيان تلبيس الجهمية) وكتابه (درء تعارض العقل والنقل) وغيرهما.
جـ - وكتب تجمع بين العرض والرد، فيذكر مسائل الاعتقاد، وأقوال السلف فيها، ثم يذكر الشبه ومناقشتها من كلام السلف وتعليقه عليها كالحموية، وعلى سبيل المثال مما قرّره ابن تيمية رحمه الله في الاعتقاد بوضوح قوله في العقيدة الواسطية: (هذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة - أهل السنة والجماعة - وهو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره.
ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]
…
وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون، فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) (1) .
وقال رحمه الله: (ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت فيؤمنون بفتنة القبر، وبعذاب القبر وبنعيمه
…
إلى أن تقوم القيامة الكبرى، فتعاد الأرواح إلى الأجساد، وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه، وعلى لسان رسوله، وأجمع عليها المسلمون، فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين
…
وتنصب الموازين، فتوزن فيها أعمال العباد:{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 102، 103] ، وتنشر الدواوين - وهي صحائف الأعمال - فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله، أو من وراء ظهره
…
وأصناف ما تضمنته الدار الآخرة من الحساب، والثواب والعقاب، والجنة والنار، وتفاصيل ذلك مذكورة في الكتب المنزلة من السماء
…
) (2) .
وقال عن الإيمان: (ومن أصول أهل السنة: أن الدين والإيمان قول وعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، وأن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية
…
) (3) .
وعن الصحابة قال رحمه الله: (ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة
(1) العقيدة الواسطية (ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 3/129 - 130) .
(2)
العقيدة الواسطية (ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 3/145 - 148) .
(3)
العقيدة الواسطية (ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 3/151) .
قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله به في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10]
…
ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم) (1) .
وذكر أموراً من اعتقاد أهل السنة والجماعة: كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحج والجهاد، والجمع والأعياد مع الأمراء، والنصح للأمة، والصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا عند القضاء، وأن أهل السنة يدعون إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال (2) .
وذكر أن أهل السنة والجماعة يندبون إلى أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ويأمرون ببر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل، والرفق بالمملوك، وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي، والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق، ويأمرون بمعالي الأخلاق، وينهون عن سفسافها (3) .
وهذا العرض لاعتقاد السلف كله واضح ميسر، لم يتعمد الغريب من الكلمات، أو الإيغال في المصطلحات الكلامية وغيرها، بل قرر ذلك كله بعبارات واضحة، وجمل موجزة.
4 -
شمولية عرض العقيدة وتقريرها في كتبه رحمه الله، وذلك لربطه بعض القضايا ببعض، ولكثرة إنتاجه العقدي، فلا تكاد تجد مسألة من مسائل الاعتقاد إلا وله رحمه الله إسهام واضح فيها، بدءاً بأركان الإيمان الستة على وجه التفصيل، وتقرير أنواع التوحيد الثلاثة والاستدلال لها، إضافة إلى المسائل المتعلقة بالاعتقاد مثل: الاعتقاد الحق في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكرامات الأولياء،
(1) العقيدة الواسطية (ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 3/152) .
(2)
انظر: العقيدة الواسطية لابن تيمية (ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 3/158) .
(3)
انظر: العقيدة الواسطية لابن تيمية (ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 3/158 - 159) .
واعتقاد أهل السنة والجماعة في ولاة الأمور، ووجوب طاعتهم، وتحريم الخروج عليهم، إلى غير ذلك من مسائل الاعتقاد التي بثها رحمه الله في تضاعيف كتبه، ويكفي في معرفة ذلك النظر في الأجزاء الأولى من مجموع فتاواه فهي دواوين كبيرة لشرح معتقد السلف والاستدلال له.
وقد كان تركيزه رحمه الله على توحيد الألوهية كبيراً؛ ذلك أنه أصل دعوة الرسل، وسبب إنزال الكتب، فبيّن رحمه الله أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اعتنى بتقرير هذا التوحيد، وحماية جنابه (1) ، ويظهر اهتمام ابن تيمية رحمه الله وحرصه على توحيد الألوهية ما ألفه في هذا الجانب، فقد بلغت مؤلفات عدة كلها في تقرير هذا التوحيد وبيانه، والدفاع عنه، إضافة إلى استطراداته عن توحيد الألوهية في كتبه الأخرى، ورسائله الصغيرة التي تعنى بتقرير هذا التوحيد.
ومن مؤلفاته رحمه الله في تقرير هذا التوحيد:
أ - قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة.
ب - الرد على البكري (2) .
جـ - الرد على الأخنائي (3) .
د - قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان، وعبادات أهل الشرك والنفاق.
(1) انظر: الجواب الباهر في زوار المقابر ص62.
(2)
البكري: علي بن يعقوب بن جبريل البكري الشافعي المصري، أبو الحسن، فقيه من أهل القاهرة، كان من جملة من ينكر على شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة الزيارة وغيرها، ت سنة 724هـ.
انظر في ترجمته: البداية والنهاية لابن كثير 14/114، شذرات الذهب لابن العماد 6/64.
(3)
الأخنائي: محمد بن محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران الأخنائي، تاج الدين، ولي نظر الخزانة، ثم ولي قضاء المالكية بعد عمه إلى أن مات، كان ينقم على ابن تيمية ويكيد له، وقد رد عليه ابن تيمية وهو مؤلف نفيس، ت سنة 763هـ.
انظر في ترجمته: البداية والنهاية لابن كثير 14/291، الدرر الكامنة لابن حجر 5/12.
هـ - الجواب الباهر في زوار المقابر.
وقد وُجدت بحوث طيبة في بعض كتبه عن توحيد الألوهية، مثل: اقتضاء الصراط المستقيم، والتدمرية، والصارم المسلول، وغيرها، وهناك فتاوى متعددة جُمعت في الجزء الأول من مجموع الفتاوى.
5 -
حين يقرر ابن تيمية رحمه الله معتقد السلف يركز على منهج الوسطية عند أهل السنة والجماعة، وذلك لقول الحق تبارك وتعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة: 143] ، وهذا منهج كامل في أمور الاعتقاد كلها، بل في جميع الأمور، كما قال رحمه الله عن أهل السنة والجماعة:(هم الوسط في فرق الأمة، كما أن الأمة هي الوسط في الأمم، فهم وسط في باب صفات الله بين أهل التعطيل الجهمية (1) ، وأهل التمثيل المشبهة (2) .
وهم وسط في باب أفعال الله تعالى: بين القدرية (3) ، والجبرية (4) .
(1) الجهمية: أتباع الجهم بن صفوان القائل بالجبر، وإنكار الأسماء والصفات، وأن الإيمان هو المعرفة فقط، وأن الجنة والنار تفنيان.
انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (1/338) ، الفرق بين الفرق للبغدادي ص211، التنبيه والرد للملطي ص110 - 154، البرهان للسكسكي ص34، الملل والنحل للبغدادي ص145 - 148، فرق معاصرة لغالب عواجي 2/795 - 820، جامع الفرق والمذاهب الإسلامية لمهنا وخريس ص73، 74.
(2)
المشبهة: اسم لطوائف متعددة سيأتي التعريف بهم مفصلاً.
(3)
القدرية: مذهب ينسب خلق أفعال العباد إلى أنفسهم، ويسلبون من الله عز وجل أي قدرة أو تأثير في أفعال العباد، ومن أشهر فرق القدرية: المعتزلة.
انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي ص24، التنبيه والرد للملطي ص176 - 187، الفرق الإسلامية في بلاد الشام لعطوان ص15 - 79.
(4)
الجبرية: من الجبر وهو نفي الفعل عن العبد مطلقاً، وإسناده إلى الله عز وجل، فلا اختيار للإنسان في أفعاله، وهم صنفان: صنف نفوا عن العبد الفعل والقدرة عليه كالجهمية، وصنف أثبتوا للعبد قدرة غير مؤثرة أصلاً كالأشاعرة.
انظر: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص89 - 92، الملل والنحل للشهرستاني تحقيق بدران 1/79، جامع الفرق والمذاهب الإسلامية لمهنا وخريس ص70، الفرق الإسلامية لعطوان ص81 - 105.
وفي باب وعيد الله: بين المرجئة (1) ، والوعيدية من القدرية وغيرهم.
وفي باب أسماء الإيمان والدين: بين الحرورية (2) ، والمعتزلة (3) ، وبين المرجئة والجهمية.
وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: بين الروافض (4) ، والخوارج (5)(6) .
(1) المرجئة: من الرجاء أو من الإرجاء وهو التأخير، ذلك أن الإيمان عندهم هو الاعتقاد بالقلب دون الإقرار باللسان والعمل بالجوارح، فهم يؤخرون العمل عن مسمى الإيمان، فيقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وأجمعوا على أنه لا يدخل النار إلا الكفار فقط.
انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري 1/213 - 234، التبصير في الدين للإسفراييني ص97 - 99، البرهان للسكسكي ص33 - 47، التنبيه والرد للملطي ص57 - 61.
(2)
الحرورية: نسبة إلى حروراء بلد في العراق، وهم الخوارج، نسبوا إليها لتجمعهم فيها في بداية أمرهم، وسيأتي بعد قليل التعريف بالخوارج.
(3)
المعتزلة: سمو بذلك - على الصحيح - لاعتزال واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري لقول واصل بأن مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر، بل في منزلة بين المنزلتين، وللمعتزلة أصول خمسة هي: التوحيد، العدل، المنزلة بين المنزلتين، الوعد والوعيد، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم فرق كثيرة.
انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري 1/235، الفرق بين الفرق للبغدادي 20 - 21، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص34، مذاهب الإسلاميين لبدوي 1/37، المعتزلة وأصولهم الخمسة لعواد المعتق، والمعتزلة لزهدي جار الله، وانظر: من كتب المعتزلة: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار، فضل المعتزلة وطبقات المعتزلة للبلخي والقاضي عبد الجبار والجشمي.
(4)
الرافضة: هم الذين رفضوا إمامة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ورفضوا أكثر الصحابة وقيل في سبب تسميتهم بالرافضة أنهم رفضوا إمامة زيد بن علي، وأقواله في تفضيل الشيخين، وهم أردأ وأسوأ فرق الشيعة، ومن فروعهم مذهب الإمامية الاثنى عشرية.
انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري 1/88 - 134، جامع الفرق والمذاهب الإسلامية لمهنا وخريس ص104، تاريخ الفرق الإسلامية للغرابي ص288 - 289، الزينة للرازي الفاطمي ص270 - 271.
(5)
الخوارج: هم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه في حرب صفين، وصاروا فرقة لها أصولها التي منها: تكفير مرتكب الكبيرة، والتبري من علي وعثمان رضي الله عنهما والخروج على الإمام إذا خالف السنة وغير ذلك، وهم فرق كثيرة.
انظر: التنبيه والرد للملطي 62 - 84، تاريخ الفرق الإسلامية للغرابي ص264 - 284، الخوارج لعامر النجار ص37 - 135.
(6)
العقيدة الواسطية (ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 3/141) .
وأهل السنة والجماعة وسط في باب محبة الأنبياء بين من يغلو في حبهم، ويعظمهم كتعظيم الله، ويرى أن لهم تصرفاً ببعض أمور الكون، وبين من يفرّط في حقهم، ويغمطهم، ويرى أن بعض الناس أفضل منهم، وهذا موجود في طوائف من الصوفية.
ومن الأمثلة على الوسطية، وتقريرها عند ابن تيمية رحمه الله ما ذكره عن وسطية أهل السنة والجماعة في صفات الله عز وجل:(ومذهب السلف بين مذهبين، وهدى بين ضلالتين: إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات، فقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، رد على أهل التشبيه والتمثيل، وقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] ، رد على أهل النفي والتعطيل، فالممثل أعشى، والمعطل أعمى: الممثل يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً)(1) .
6 -
التسليم للغيبيات، وتفويض كيفياتها إلى الله عز وجل: وهذا موافق للكتاب والسنة، ولما عليه سلف الأمة، فقد جعل الله من صفات المتقين قوله:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3] ، ومن تمام إيمانهم بالغيب أنهم يفوضون ما لا يعلمونه مما لم يرد به النص إلى عالمه وخالقه.
وقد قال عز وجل: في تمام التسليم للأوامر الشرعية، ولو لم تظهر لنا حكمتها:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65] .
وقال الإمام الشافعي (2)
رحمه الله (آمنت بما جاء عن الله على مراد الله، وبما
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 5/196.
(2)
الشافعي: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان الشافعي المطلبي، أبو عبد الله، أحد الأئمة الأربعة فإليه ينسب المذهب الشافعي، إمام فقيه، ت سنة 204هـ.
انظر في ترجمته: حلية الأولياء لأبي نعيم 9/63، مناقب الشافعي للبيهقي، ومناقب الشافعي للرازي، تهذيب التهذيب لابن حجر 9/25.
جاء عن رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) .
ويقرر ابن تيمية رحمه الله مسلك التسليم، وتفويض الكيفيات في الغيبيات سواء كانت من الصفات، أم من أمور الآخرة مما لم يرد نص في تحديد كيفياتها، وهذا هو حال المؤمنين، يقول رحمه الله: (كل ما فعله علمنا أن له فيه حكمة، وهذا يكفينا من حيث الجملة، وإن لم نعرف التفصيل، وعدم علمنا بتفصيل حكمته بمنزلة عدم علمنا بكيفية ذاته
…
وعدم علمنا بالحكمة في بعض الجزئيات لا يقدح فيما علمناه من أصل حكمته) (2) .
وقال - أيضاً - في التدمرية: (القاعدة الثانية: أن ما أخبر به الرسول عن ربه عز وجل فإنه يجب الإيمان به، سواء عرفنا معناه، أو لم نعرف؛ لأنه الصادق المصدوق فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به وإن لم يفهم معناه)(3) .
وأما منهج ابن تيمية رحمه الله في الاستدلال على اعتقاد السلف: فمما ينبغي التنويه إليه قبل ذكر المنهج أن أبين أن مصادر التلقي في الاعتقاد عنده هي الكتاب والسنة، فالعقيدة توقيفية يعتمد فيها على الوحي والنقل لا على الأهواء والعقول، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59] .
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحجرات: 1] .
وقال سبحانه وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] ، إلى غيرها من الآيات.
يقول ابن تيمية رحمه الله: (أصل جامع في الاعتصام بكتاب الله ووجوب
(1) انظر: ذم التأويل لابن قدامة ص11.
(2)
تفصيل الإجمال (ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 6/128)، وانظر: وسطية أهل السنة بين الفرق لمحمد باكريم باعبد الله.
(3)
ص65.
اتباعه وبيان الاهتداء به في كل ما يحتاج إليه الناس من دينهم. وأن النجاة والسعادة في اتباعه، والشقاء في مخالفته) (1) ، وقال عن الأصل الثاني (فصل في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيّن جميع الدين أصوله وفروعه، باطنه وظاهره، علمه وعمله، فإن هذا الأصل هو أصل أصول العلم والإيمان)(2) .
ولأجل معرفة معالم منهج ابن تيمية رحمه الله في الاستدلال للعقيدة يحسن ذكر النقاط التالية:
1 -
وجوب رد التنازع إلى الكتاب والسنة، والإذعان لهما، والسمع والطاعة لأمرهما، واجتناب نهيهما، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59] .
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24] .
وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51]، وقال سبحانه وتعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65]، وقال:{بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} [النساء: 60، 61] ، وقد بيّن ابن تيمية رحمه الله وجوب رد التنازع إلى الله ورسوله، وأن من لم يتحاكم إليهما فهو دليل على ضلاله ونفاقه، وأن الأمة لا تجتمع إلا على هذين المصدرين، وأنه يلزم لمن لم يتحاكم إليهما أن لا يكونا هدى
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 19/76.
(2)
معارج الوصول (ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 19/155) .
للناس، ولازم ذلك أن يكون ترك الناس بلا رسالة خيراً لهم منها (1) .
2 -
نفي التعارض بين نصوص الكتاب ونصوص السنة: فهما وحي من الله عز وجل كما قال سبحانه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]، وقال عز وجل:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ} [الزمر: 23]، وقال:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء: 82] ، وبين ابن تيمية رحمه الله أن كلام الله متشابه متماثل، يصدق بعضه بعضاً، فإذا أمر بأمر لم يأمر بنقيضه في موضع آخر، وإذا نهى عن شيء لم يأمر به في موضع آخر، بل ينهى عنه.
وكذلك إذا أخبر بثبوت شيء لم يخبر بثبوت نقيض ذلك، وإذا أخبر بنفي شيء لم يثبته بل ينفيه، أو ينفي لوازمه (2) .
وقد بيّن رحمه الله أن النصوص لا تتعارض في نفس الأمر، إلا في الأمر والنهي إذا كان أحدهما ناسخاً، والآخر منسوخاً، وأما الأخبار فلا يجوز تعارضها.
وأما إذا تعارض عند أحد خبران أو أمران أحدهما عام والآخر خاص، وقُدّم الخاص على العام، فإنه يعلم أن ذلك ليس بتعارض في الحقيقة.
وإذا كان في كلام الله ورسوله كلام مجمل أو ظاهر قد فُسر معناه أو بينه كلام آخر متصل به، أو منفصل عنه، لم يكن في هذا خروج عن كلام الله ورسوله، ولا عيب في ذلك ولا نقص
…
(3) .
3 -
نفي التعارض بين نصوص الشرع وبين العقل: وهذا الموضوع قد أسهب في بيانه ابن تيمية رحمه الله عرضاً ورداً، بل يمكن القول: إن أكثر مناقشاته للمتكلمين كانت في بيان هذه المنهجية الفاصلة بين أهل السنة وبين مخالفيهم،
(1) انظر: درء تعارض العقل والنقل 1/58، الفتوى الحموية الكبرى ص21 - 23.
(2)
انظر: التدمرية ص104.
(3)
انظر: درء تعارض العقل والنقل 5/231 - 233.
وقد أوضح رحمه الله أن معارضة القرآن بمعقول أو قياس ليس من فعل السلف. ولم يكونوا يستحلونه، وإنما ابتدع ذلك لما ظهرت الجهمية والمعتزلة ونحوهم (1) .
ويحيل رحمه الله وجود تعارض بين النص الصحيح، والعقل الصريح؛ لأن هذا لا يمكن، فالنص الصحيح موافق للعقل الصريح، وكذلك العكس، يقول رحمه الله (وهذه حال المؤمنين للرسول، الذين علموا أنه رسول الله الصادق فيما يخبر به، يعلمون من حيث الجملة أن ما ناقض خبره فهو باطل، وأنه لا يجوز أن يعارض خبره دليل صحيح لا عقلي ولا سمعي)(2) ، وقد فصّل رحمه الله هذا الموضوع في درء تعارض العقل والنقل، وبيان تلبيس الجهمية، وكثير من كتبه الأخرى.
4 -
الأخذ في أبواب الاعتقاد بظواهر النصوص. والمراد بالظاهر هو: ما يتعرف إليه الذهن من المعاني على معناها الظاهر، وأنه ليس لها معنى باطن يخالف ظاهرها، وقد نبّه شيخ الإسلام رحمه الله إلى أن بعض النفاة يستخدمون الألفاظ المعروفة في غير معانيها، فيصرفونها عن حقيقتها، ومن هذه الألفاظ لفظة:(الظاهر) فيجعلون ظواهر النصوص غير مرادة؛ لأنها تقتضي - بزعمهم - التجسيم والتشبيه، وبيّن خطأهم في اللفظ والمعنى (3) .
قال رحمه الله: (ومن قال: إن ظاهر شيء من أسمائه وصفاته غير مراد فقد أخطأ؛ لأنه ما من اسم يسمى الله تعالى به إلا والظاهر الذي يستحقه المخلوق غير مراد به، فكأن قول هذا القائل يقتضي أن يكون جميع أسمائه وصفاته قد أريد بها ما يخالف ظاهرها، ولا يخفى ما في هذا الكلام من الفساد)(4) .
(1) انظر: الاستقامة 1/23.
(2)
درء تعارض العقل والنقل 5/255.
(3)
انظر: الفتوى الحموية الكبرى ص106 - 110، مجموع فتاوى ابن تيمية 33/175.
(4)
مجموع فتاوى ابن تيمية 6/357.
وعلى هذا فإن الواجب هو الأخذ بظواهر النصوص في باب الاعتقاد، واعتقاد أنها هي المرادة؛ لأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا - سبحانه - باللسان العربي المبين:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 193 - 195] ، فوجب قبوله على ظاهره، وأن المعنى الظاهر المتبادر إلى الذهن هو المراد (1) .
ويتبع القول بالأخذ بظواهر النصوص: النهي عن التأويل المحدث عند المتأخرين الذي يصرفون فيه حقائق النصوص إلى غيرها، هروباً من الأخذ بظواهر النصوص إلى صرفها عن ظاهرها لمعنى آخر بدون قرينة تدل عليه، ففي نصوص الصفات أوّل المتكلمون هذه النصوص؛ خشية التشبيه بالمخلوقات، فوقعوا في تشبيه أشد منه وهو التشبيه بالمعدومات أو الممتنعات، يقول رحمه الله:(أما التأويل بمعنى صرف اللفظ عن مفهومه إلى غير مفهومه فهذا لم يكن هو المراد بلفظ التأويل في كلام السلف، وكان السلف ينكرون التأويلات التي تخرج الكلام عن مراد الله ورسوله، التي هي من نوع تحريف الكلم عن مواضعه، فكانوا ينكرون التأويل الباطل الذي هو التفسير الباطل)(2) .
5 -
الأخذ بأحاديث الآحاد في باب الاعتقاد: خبر الواحد يفيد العلم عند أهل السنة والجماعة إذا صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتلقى بالقبول، ويعمل به بدون تفريق بين العقائد وبين الأحكام التشريعية الفقهية، ومن الأدلة على قبول خبر الواحد، قول الله سبحانه وتعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] ، وحين أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل إلى اليمن من
(1) انظر: القواعد المثلى لابن عثيمين ص33 - 49.
(2)
الصفدية 1/291، وانظر: موقف الإمام ابن تيمية من قضية التأويل للجليند، ظاهرة التأويل وصلتها باللغة للسيد عبد الغفار، منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة لعثمان حسن 1/391 - 436، 2/437 - 470، 531 - 576.
يدعوهم إلى الإسلام أرسل إليهم معاذ بن جبل (1)، وقال: (ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله
…
) (2) ، وبه قامت الحجة على أهل اليمن وهو واحد (3) .
وبيّن ابن تيمية رحمه الله مواقف بعض العلماء من الاستدلال بالسنة المتواترة وغيرها، ثم يرجح أحدها فيقول:(وأئمة أهل السنة والحديث - من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم - يثبتون الصفات الخبرية، لكن منهم من يقول: لا نثبت إلا ما في القرآن والسنة المتواترة، وما لم يقم دليل قاطع على إثباته نفيناه، كما يقوله ابن عقيل (4) وغيره أحياناً (على اختلاف في قوله)(5)، ومنهم من يقول: بل نثبتها بأخبار الآحاد المتلقاة بالقبول، ومنهم من يقول: نثبتها بالأخبار الصحيحة مطلقاً، ومنهم من يقول: يعطى كل دليل حقه، فما كان قاطعاً في
(1) معاذ بن جبل: بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن، صحابي جليل، الإمام المقدم في علم الحلال والحرام، شهد المشاهد كلها، كان سمحاً، مجاب الدعوة، ت سنة 17هـ.
انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 3/355، الإصابة لابن حجر 3/426.
(2)
الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 3/357، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء.
(3)
انظر للاستزادة في حجية خبر الواحد: أخبار الآحاد في الحديث النبوي للجبرين، الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام للألباني، خبر الواحد في السنة لسهير مهنا، الأدلة والشواهد للهلالي، رد شبهات الإلحاد عن أحاديث الآحاد للراشد، حجية أحاديث الآحاد في الأحكام والعقائد للأمين الحاج محمد أحمد، وانظر: الرسالة للشافعي ص369، مختصر الصواعق المرسلة للموصلي 2/432، جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/32 وغيرها كثير.
(4)
ابن عقيل: علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي، المقريء الفقيه الأصولي، اشتغل بعلم الكلام، ويذكر أنه تاب منه، وقد رد عليه ابن قدامة في كتابه (تحريم النظر في كتب الكلام) وله مصنفات من أشهرها (الفنون) ، ت سنة 513هـ.
انظر في ترجمته: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 1/142، المنهج الأحمد للعليمي 2/215.
(5)
انظر المسودة لآل تيمية ص249.
الإثبات قطعنا بموجبه، وما كان راجحاً - لا قطعاً - قلنا بموجبه، فلا نقطع في النفي والإثبات إلا بدليل يوجب القطع، وإذا قام دليل يرجح أحد الجانبين بيّنا رجحان أحد الجانبين، وهذا أصح الطرق) (1) .
وقال رحمه الله: (مذهب أصحابنا أن الأخبار الآحاد المتلقاة بالقبول تصلح لإثبات أصول الديانات)(2) .
وبهذا يتضح أن ابن تيمية رحمه الله تعالى يوافق منهج أهل السنة والجماعة في تقرير مسائل الاعتقاد، وفي الاستدلال عليها، وأنه أحد علماء هذا المنهج، وأحد شُرّاحه على وفق ما أراده الله ورسوله (3) .
(1) درء تعارض العقل والنقل 3/383 - 384.
(2)
المسودة لآل تيمية ص248.
(3)
ممن اعتنى بهذا الموضوع: الأصول الفكرية عند شيخ الإسلام ابن تيمية لخالد العك ص87 - 178، العقيدة السلفية بين الإمام ابن حنبل وابن تيمية للسيلي ص35 - 145، منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في تقرير عقيدة التوحيد للبريكان (رسالة دكتوراه مقدمة إلى قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) ، موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة لسليمان الغصن 1/61 - 73، قواعد المنهج السلفي لمصطفى حلمي ص185 - 208، منهج علماء الحديث والسنة في أصول الدين له ص199 - 233، معالم الانطلاقة الكبرى للمصري ص65 - 78، منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في الدعوة للحوشاني 1/125 - 171.