المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأولدلالة نصوص الكتاب والسنة على خلود النار - دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية - عرض ونقد

[عبد الله بن صالح الغصن]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أسباب اختيار البحث:

- ‌خطة البحث:

- ‌ منهج في كتابة البحث

- ‌[شكر وتقدير]

- ‌[التمهيد]

- ‌ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

- ‌1 - اسمه ونسبه:

- ‌2 - مولده ونشأته:

- ‌3 - عصره:

- ‌أولاً: الناحية السياسية:

- ‌ثانياً: الناحية الاجتماعية:

- ‌ثالثاً: الناحية العلمية:

- ‌4 - محن الشيخ:

- ‌5 - وفاته رحمه الله:

- ‌6 - مؤلفاته:

- ‌7 - بعض ثناء الناس عليه:

- ‌منهج شيخ الإسلام في تقرير العقيدة والاستدلال عليها:

- ‌الفصل الأول: المناوئون لشيخ الإسلام، ودعاواهم حول منهجه

- ‌المبحث الأول: المناوئون لشيخ الإسلام

- ‌المطلب الأول: أقسام المناوئين

- ‌المطلب الثانيالمنهج العام للمناوئين

- ‌المطلب الثالثاعتراف خصومه بقدره

- ‌المبحث الثانيدعاوى المناوئين حول منهج شيخ الإسلام ابن تيمية ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعاوى المناوئين حول منهج شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌المطلب الثانيمناقشة دعاوى المناوئين حول منهج ابن تيمية

- ‌الفصل الثانيدعوى التجسيم والتشبيه

- ‌المبحث الأول:قول أهل السنة في مسألة التجسيم والتشبيه

- ‌المطلب الأول: التعريف بالمشبهة

- ‌المطلب الثانياعتقاد السلف نفي التمثيل والتشبيه

- ‌المطلب الثالثرد السلف دعوى أن الإثبات يستلزم التشبيه

- ‌المبحث الثانيدعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام أخذ التشبيه ممن قبله، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام أخذ التشبيه ممن قبله

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى قوله بالجهة والتحيز ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى قوله بالجهة والتحيز

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الثالث: دعوى القول بقدم العالم

- ‌المبحث الأولمعتقد أهل السنة في إمكان حوادث لا أول لها

- ‌المطلب الأولالتسلسل: تعريفه، أقسامه، حكم كل قسم

- ‌المطلب الثانيالصفات الاختيارية

- ‌المطلب الثالثشرح حديث عمران بن حصين رضي الله عنه

- ‌المبحث الثانيدعوى أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لهايستلزم القول بقدم العالم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لها يستلزم القول بقدم العالم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الرابعدعوى نهي ابن تيمية عن زيارة القبور

- ‌المبحث الأولعقيدة أهل السنة في زيارة القبور وشد الرحل إليها

- ‌المبحث الثانيالزعم أن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور ومناقشته

- ‌المطلب الأولالزعم بأن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور

- ‌المطلب الثانيمناقشة دعوى أن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام ينتقص من منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام ينتقص من منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ومناقشتها

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى مخالفة ابن تيمية الصحابة في قولهم بجواز بناء المساجد على القبور ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى مخالفة ابن تيمية الصحابة في قولهم بجواز بناء المساجد على القبور

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الخامسدعوى أن ابن تيمية يساوي في المنزلة بين قبور الأنبياءوقبور غيرهم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن ابن تيمية يساوي في المنزلة بين قبور الأنبياءوقبور غيرهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الخامسمسألة التوسل

- ‌المبحث الأول: عقيدة أهل السنة والجماعة في التوسل

- ‌المبحث الثانيدعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين،وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين،وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدمجواز التوسل بالنبي، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدم جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين،وإهانته لهم، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين، وإهانته لهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل السادسموقف شيخ الإسلام من الصحابة

- ‌المبحث الأولعقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة

- ‌المبحث الثانيدعوى تخطئة شيخ الإسلام الصحابة بما فيهمالأئمة الخلفاء الأربعة، ومناقشتها

- ‌المطلب الأول دعوى تخطئة شيخ الإسلام الصحابة بما فيهم الأئمة الخلفاء الأربعة

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى تكلف شيخ الإسلام الغمز على أهل البيت،وتعمية مناقبهم، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى تكلف شيخ الإسلام الغمز على أهل البيت، وتعمية مناقبهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى رد الأحاديث الصحيحة في مقام المبالغةفي توهين كلام الشيعة ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى رد الأحاديث الصحيحةفي مقام المبالغة في توهين كلام الشيعة

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل السابعمسألة دوام النار

- ‌المبحث الأولدلالة نصوص الكتاب والسنة على خلود النار

- ‌المبحث الثانيدعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌المبحث الأولدلالة نصوص الكتاب والسنة على خلود النار

‌المبحث الأول

دلالة نصوص الكتاب والسنة على خلود النار

دلت النصوص على خلود النار، من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة: فمن الكتاب قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ} [البقرة: 161 - 162] . ففي هذه الآية دلالة على أن عذاب أهل النار لا ينقطع أبداً، ولا يخفف عنهم العذاب فيها فهم في عذاب مستمر.

قال ابن جرير الطبري (ت - 310هـ) رحمه الله: (خبر من الله تعالى ذكره، عن دوام العذاب أبداً من غير توقيت ولا تخفيف)(1) .

وقال ابن عطية (2) رحمه الله: (ثم أعَلَم - تعالى - برفع وجوه الرفق عنهم؛ لأن العذاب إذا لم يخفف ولم يؤخر فهو النهاية)(3) .

وقال ابن كثير (ت - 774هـ) رحمه الله: (لا يخفف عنهم العذاب فيها أي لا ينقص عما هم فيه، ولا هم ينظرون أي لا يغير عنهم ساعة واحدة، ولا يفتر بل هو متواصل دائم فنعوذ بالله من ذلك)(4) .

(1) جامع البيان 2/63.

(2)

ابن عطية: عبد الحق بن غالب بن عطية المحاربي الغرناطي، أبو محمد، أكثر الرواية عن أبيه، مفسر فقيه، عارف بالأحكام، له كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ت سنة 542هـ.

انظر في ترجمته: تاريخ قضاة الأندلس للنباهي ص109، بغية الوعاة للسيوطي 2/73.

(3)

المحرر الوجيز 2/33.

(4)

تفسير القرآن العظيم 1/353.

ص: 579

وقال أبو السعود (1) رحمه الله: (ولا هم ينظرون: إيثار الجملة الاسمية لإفادة دوام النفي واستمراره أي لا يمهلون، ولا يؤجلون)(2) .

وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 167] . أي أن هؤلاء الكفار وإن ندموا، واشتدت ندامتهم على أعمالهم الخبيثة، فلا ينفعهم ذلك، ولن يخرجوا من النار، ويؤكد الطبري (ت - 310هـ) رحمه الله هذا المعنى راداً على من زعم أن النار تفنى بقوله:(وفي هذه الآية الدلالة على تكذيب الله الزاعمين أن عذاب الله أهل النار من أهل الكفر منقضٍ، وأنه إلى نهاية، ثم هو بعد ذلك فانٍ؛ لأن الله - تعالى ذكره - أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية، ثم ختم الخبر عنهم بأنهم غير خارجين من النار، بغير استثناء منه وقتاً دون وقت، فذلك إلى غير حد ولا نهاية)(3) .

ويقول القرطبي (ت - 671هـ) رحمه الله عن هذه الآية: (دليل على خلود الكفار فيها، وأنهم لا يخرجون منها)(4) .

وقال عز وجل: {ِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً} [النساء: 168 - 169] ، فهذا مصير الكفار، وطريقهم في الآخرة: جهنم يدخلونها، ويخلدون فيها لا يخرجون منها، وهذا يسير على الله عز وجل فلا يقدر أحد من الكفار أن يمتنع من ذلك، ولا يستطيع أحد أن يمنع الله من ذلك الفعل، فالخلق خلقه، والأمر أمره، يقول الطبري (ت - 310هـ) رحمه الله عن هذه الآية (يقول: مقيمين فيها أبداً) (5) .

(1) أبو السعود: محمد بن محمد بن مصطفى العمادي، من علماء الترك المستعربين، مفسر شاعر، تقلد القضاء في أماكن عدة، وأضيف إليه الإفتاء، كان حاضر الذهن سريع البديهة، ت سنة 982هـ.

انظر في ترجمته: شذرات الذهب لابن العماد 8/398، الفوائد البهية للكنوي ص81.

(2)

إرشاد العقل السليم 1/183.

(3)

جامع البيان 2/80.

(4)

الجامع لأحكام القرآن 2/207.

(5)

جامع البيان 4/371.

ص: 580

ومن أدلة أهل السنة على عدم فناء النار من القرآن، قول الله تبارك وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [المائدة: 36 - 37] ، فقد أخبر الله عن الكفار أنهم باقون في النار وعذابهم دائم لا يتخلف ولا ينقطع، يقول شيخ المفسرين أبو جعفر ابن جرير الطبري (ت - 310هـ) رحمه الله:(يريد هؤلاء الذين كفروا بربهم يوم القيامة أن يخرجوا من النار بعد دخولها، وما هم بخارجين منها، (ولهم عذاب مقيم) يقول: لهم عذاب دائم ثابت لا يزول عنهم، ولا ينتقل أبداً) (1) .

وقال ابن عطية (ت - 546هـ) رحمه الله: (أخبر - تعالى - عن هؤلاء الكفار أنهم ليسوا بخارجين من النار بل عذابهم فيها مقيم متأبد)(2) .

وقال القرطبي (ت - 671هـ) رحمه الله: (معناه: دائم ثابت لا يزول ولا يحول)(3) .

ومنها قوله تعالى: {َيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَاّ مَا شَاء اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ} [الأنعام: 128] ، فبين الله عز وجل أن مصير عبدة الأوثان هو النار يستقرون فيها أبداً، ويفسر ابن جرير (ت - 310هـ) رحمه الله الاستثناء في الآية بقوله:(يعني إلا ما شاء الله من قَدْر مدة ما بين مبعثهم من قبورهم إلى مصيرهم إلى جهنم، فتلك المدة التي استثناها الله من خلودهم في النار)(4) ، وهناك أقوال أخرى في معنى الاستثناء

(1) جامع البيان 4/568.

(2)

المحرر الوجيز 5/94 - 95.

(3)

الجامع لأحكام القرآن 6/159، وانظر: التسهيل لابن جزي 1/316.

(4)

جامع البيان 5/343.

ص: 581

في هذه الآية ليس هذا موضع ذكرها (1) .

ومن الأدلة - أيضاً - قول الله تبارك وتعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَاّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [هود: 106 - 107] ، وهذه الآية هي التي أطال فيها المفسرون.

ويفسر ابن جرير (ت - 310هـ) رحمه الله ربط خلود أهل النار في النار بدوام السماوات والأرض بأنها للتأبيد (ذلك أن العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبداً قالت: هذا دوام السماوات والأرض، بمعنى أنه دائم أبداً.. فخاطبهم - جل ثناؤه - بما يتعارفون به بينهم)(2)، ويشهد لذلك قول زهير:(3)

ألا لا أرى على الحوادث بواقيا

ولا خالداً إلا الجبال الرواسيا (4)

وقيل: إنها سماوات الآخرة وأرضها لبقائها على الأبد (5)، ودليل ذلك قول الله عز وجل:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: 48]، وقوله تعالى:{وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء} [الزمر: 74] .

وأما الاستثناء في هذه الآية فقد توقف عنده المفسرون طويلاً (6)، وحاصل أقوالهم ما يلي:

(1) انظر: التفصيل فيها: النكت والعيون للماوردي 2/169، زاد المسير لابن الجوزي 4/160 - 161، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 7/84، محاسن التأويل للقاسمي 7/2498 - 2504.

(2)

جامع البيان 7/114، وانظر: المحرر الوجيز 9/225. تفسير الرازي 18/64.

(3)

زهير بن أبي سلمى بن رباح بن قرط بن غطفان وقيل: من مزينة، يقال: إنه لم يتصل الشعر في ولد أحد من الفحول في الجاهلية ما اتصل في ولد زهير، ت سنة 13 قبل الهجرة.

انظر في ترجمته: طبقات فحول الشعراء للجمحي 1/51، الشعر والشعراء لابن قتيبة ص23.

(4)

ديوان زهير ص107.

(5)

انظر: النكت والعيون للماوردي 2/504.

(6)

ذكر الماوردي في النكت والعيون 2/504 ثمانية أقوال وهي ما سأذكرها هنا، وذكر ابن الجوزي في زاد المسير 4/160 سبعة أقوال للمفسرين، وذكر القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 9/99 أحد عشر قولاً.

ص: 582

1 -

خالدين فيها ما دامت سماء الدنيا وأرضها إلا ما شاء ربك من الزيادة عليها بعد فناء مدتها.

2 -

ما دامت سماوات الآخرة وأرضها إلا ما شاء ربك من قدر وقوفهم في القيامة.

3 -

ما دامت السماوات والأرض، أي مدة لبثهم في الدنيا.

4 -

خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك من أهل التوحيد أن يخرجهم منها بعد إدخالهم إليها، فيكونون أشقياء في النار سعداء في الجنة، ويشهد لهذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«يدخل ناس جهنم حتى إذا صاروا كالحمحمة (1) أخرجوا منها وأدخلوا الجنة فيقال لهم: الجهنميون» (2) ، ويرى الطبري (ت - 310هـ) وابن كثير (ت - 774هـ) - رحمهما الله - أن هذا هو القول الصواب (3) .

5 -

إلا ما شاء الله من أهل التوحيد أن لا يدخلهم إليها.

6 -

إلا ما شاء ربك من كل من دخل النار من موحد ومشرك أن يخرجه منها إذا شاء.

7 -

أن الاستثناء راجع إلى قوله: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود: 106] إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي ليست بزفير ولا شهيق ممالم يسم ولم يوصف، ومما قد سُمّي ووصف، ثم استأنف {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} [هود: 107] .

(1) الحمحمة: أي الأسود الشديد السواد، انظر: لسان العرب لابن منظور 12/157، مادة (حمم) ، القاموس المحيط للفيروزآبادي 4/102، مادة (حم) .

(2)

أخرج الحديث البخاري في صحيحه 11/416 كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، ومسلم في صحيحه 1/170، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، وباب إثبات الشفاعة.

(3)

انظر: جامع البيان 7/116، تفسير القرآن العظيم 3/578.

ص: 583

8 -

أن الاستثناء واقع على معنى: لو شاء ربك أن لا يخلدهم لفعل، ولكن الذي يريده، ويشاؤه، ويحكم به تخليدهم (1) .

وقد أجاب ابن عطية (ت - 546هـ) رحمه الله على من فهم من هذا الاستثناء أن جهنم تخرب، ويعدم أهلها بقوله:(هذا قول مختل، والذي روي ونقل عن ابن مسعود وغيره، إنما هو الدرك الأعلى المختص بعصاة المؤمنين، وهو الذي يسمى جهنم، وسمي الكل به تجوزاً)(2) .

وقال أبو السعود (ت - 951هـ) رحمه الله عن الاستثناء في الآية: (استثناء من الخلود على طريقة قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56] ، وقوله: {وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] ، وقوله تعالى: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] ، غير أن استحالة الأمور المذكورة معلومة بحكم العقل، واستحالة تعلق المشيئة بعدم الخلود معلومة بحكم النقل يعني أنهم مستقرون في النار في جميع الأزمنة إلا زمان مشيئة الله - تعالى - لعدم قرارهم فيها، إذ لا إمكان لتلك المشيئة ولا لزمانها بحكم النصوص القاطعة الموجبة للخلود فلا إمكان لانتهاء مدة قرارهم)(3) .

ومن الأدلة القرآنية على عدم فناء النار قول الحق تبارك وتعالى: {وَمَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} [الإسراء: 97] ، وهذه الآية تفيد بقاء أهل النار في النار أو أن النار باقية، لقوله:(كلما) التي تفيد التعميم والاستمرار، ومعنى (خبت) عند المفسرين وجهان:

(1) انظر: النكت والعيون للماوردي 2/504، معاني القرآن للنحاس 3/381 - 382.

(2)

المحرر الوجيز 9/226.

(3)

إرشاد العقل السليم 4/242، وانظر: الآثار من أقوال المفسرين حول هذه الآية في الدر المنثور للسيوطي 3/340 - 350.

ص: 584

أحدهما: كلما طفئت أوقدت.

ثانيهما: كلما سكن التهابها زدناهم سعيراً والتهاباً، وسكون التهابها من غير نقصان في آلامهم، ولا تخفيف من عذابهم (1) .

وقال تعالى: {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى} [طه:74] .

فهذه الآية دلالتها على عدم فناء النار، واستمرار العذاب فيها، مثل دلالة قوله تعالى:{لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر: 36]، وقوله:{وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [الأعلى: 11 - 13]، ويذكر الماوردي (2) رحمه الله أن هذا السياق يحتمل وجهين:

أحدهما: لا ينتفع بحياته، ولا يستريح بموته.

الثاني: أن نفس الكافر معلقة بحنجرته، كما أخبر الله عنه، فلا يموت بفراقها ولا يحيا باستقرارها (3) .

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان: 65 - 66] ، فعذاب الآخرة ملازم دائم لمن هو خالد في النار من الكفار، ولذا يقول الطبري (ت - 310هـ) رحمه الله:(إن عذاب جهنم كان غراماً ملحاً دائماً لازماً غير مفارق من عذِّب به من الكفار، ومهلكاً له)(4)، ومنه سمي الغريم لملازمته لغارمه. ومنه قول الأعشى (5) :

(1) انظر: النكت والعيون للماوردي 3/275.

(2)

الماوردي: علي بن محمد بن حبيب البصري الشافعي، أبو الحسن، الإمام العلامة، صاحب التصانيف، اتهم بالاعتزال، ت سنة 450هـ.

انظر في ترجمته: وفيات الأعيان لابن خلكان 2/444، طبقات الشافعية للسبكي 5/267.

(3)

انظر: النكت والعيون 3/415.

(4)

جامع البيان 9/410.

(5)

الأعشى: ميمون بن قيس من بني ضبيعة، كان جاهلياً، أدرك الإسلام في آخر عمره رحل إلى النبي في صلح الحديبية، وقابله أبو سفيان، وصالحه على أن يرجع من عامه ومعه مائة ناقة حمراء، فرجع، ومات في طريقه سنة 7هـ.

انظر في ترجمته: الشعر والشعراء لابن قتيبة 44، المؤتلف والمختلف للآمدي ص12.

ص: 585

إن يعاقب يكن غراماً وإن يعـ

ـط جزيلاً فإنه لا يبالي (1)

وقال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة: 20] ، ففي هذه الآية دلالة على استقرار الكفار في النار، وأنها دائمة، فكلما أرادوا أن يخرجوا من شدة العذاب، ولأن لهب جهنم يدفعهم إلى أعلاها، ثم يضربون بمقامع من حديد ليعودوا فيها، ويقال لهم من باب التقريع والتوبيخ: ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون (2) ، وهم مستمرون في ذلك أبد الآباد.

ومن الآيات قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً} [الأحزاب: 64 - 65] ، فالكافر في السعير، ومكثه مؤبد فيها، لا يخرج منها أبداً، يقول ابن جرير (ت - 310هـ) رحمه الله:(ماكثين في السعير أبداً إلى غير نهاية)(3) ويقول ابن كثير (ت - 774هـ) رحمه الله: (ما كثين مستمرين فلا خروج لهم منها، ولا زوال لهم عنها)(4) .

ومن الأدلة لأهل السنة والجماعة على عدم فناء النار - قول الله تعالى -: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف: 74 - 78] ، فهم خالدون في عذاب دائم لا يخفف عنهم، ولا يخرجون منه، جزاء وفاقاً، فينادون خازن النار طالبين الموت، فيتركهم ولا يجيبهم ما شاء الله من السنين

(1) ديوان الأعشى ص171.

(2)

انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 12/28، 14/107، تفسير القرآن العظيم لابن كثير 5/414.

(3)

جامع البيان 10/335.

(4)

تفسير القرآن العظيم 5/517.

ص: 586

ثم يأتيهم الجواب الذي يزيدهم في العذاب، ويخبرهم بالبقاء في النار والمكوث فيها، فيلجأ الكفار مستغيثين بربهم {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 107] ، - فيرد عليهم - رب العزة والجلال - {قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] (1) .

وقال تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلْطَّاغِينَ مَآباً * لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} [النبأ: 21 - 23] ، أي أن النار موضع أهل الكفر، وهي مآلهم ومرجعهم، فإذا دخلوا فيها لا يخرجون منها، فهم لا بثون مقيمون فيها أبداً.

وذكر المفسرون لهذه الآيات معنيين:

المعنى الأول: أن الأحقاب مُدَدٌ طويلة، وآجال متعددة لا تنقطع، ولا نهاية لها، قال الماوردي (ت - 450هـ) رحمه الله:(كلما مضى حقب جاء حقب، وكذلك إلى الأبد)(2)

وقال القرطبي (ت - 671هـ) رحمه الله في كلام طويل له: (ماكثين في النار ما دامت الأحقاب، وهي لا تنقطع، فكلما مضى حقب جاء حقب.. والمعنى في الآية: لابثين فيها أحقاب الآخرة التي لا نهاية لها.. وذكر الأحقاب لأن الحُقُب كان أبعد شيء عندهم، فتكلم بما تذهب إليه أذهانهم ويعرفونها، وهي كناية عن التأبيد، أي يمكثون فيها أبداً.. وإنما المعنى - والله أعلم - ما ذكرناه أولاً: أي لابثين فيها أزماناً ودهوراً، كلما مضى زمن يعقبة زمن، ودهر يعقبه دهر، هكذا أبد الآبدين من غير انقطاع)(3)، وقال القاسمي (4) رحمه الله: (أي

(1) انظر: معالم التنزيل للبغوي 4/146، تفسير كلام المنان للسعدي 6/662.

(2)

النكت والعيون 6/186.

(3)

الجامع لأحكام القرآن 19/177، وانظر: معالم التنزيل للبغوي 4/438.

(4)

القاسمي: جمال الدين بن محمد بن سعيد بن قاسم الحلاق، إمام الشام في عصره، علماً بالدين، وتضلعاً في فنون الأدب، كان سلفي العقيدة، انقطع في آخر حياته للتأليف وإلقاء الدروس، ت سنة 1332هـ.

انظر في ترجمته: الأعلام للزركلي 2/131.

ص: 587

دهوراً متتابعة إلى غير نهاية) (1) .

وأما المعنى الثاني فهو: أنهم يلبثون أحقاباً ومدداً طويلة على نوع من العذاب، ثم يحدث الله لهم أنواعاً أخرى من العذاب، ويميل إلى هذا الإمام الطبري (ت - 310هـ) رحمه الله إذ يقول:(يحتمل أن يكون معنى ذلك: لابثين فيها أحقاباً في هذا النوع من العذاب أنهم: {لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً} [النبأ: 24 - 25] ، فإذا انقضت تلك الأحقاب صار لهم من العذاب أنواع غير ذلك، كما قال - جل ثناؤه - في كتابه: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ *جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ * هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص~: 55 - 58] ، وهذا القول عندي أشبه بمعنى الآية)(2)، وقال الشوكاني (ت - 1250هـ) رحمه الله:(الأحقاب وقت لشربهم الحميم والغساق، فإذا انقضت فيكون لهم نوع آخر من العذاب)(3) . وكلا المعنيين يدل على التأبيد والخلود، فلا انقضاء لعذابهم، ولا يخفف عنهم من عذابها. نسأل الله السلامة والعافية.

والآيات في إثبات خلود أهل النار في النار، وأنهم لا يخرجون منها كثيرة جداً - غير ما ذكرت - فمنها قول الله سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 39]، وقال - سبحانه -:{بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81]، ومنها قوله تبارك وتعالى:{وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]، وقال عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ

(1) محاسن التأويل 17/6037، وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 7/199، فتح القدير للشوكاني 5/366.

(2)

جامع البيان 12/405.

(3)

فتح القدير 5/366، وللمفسرين أقوال أخرى حول هذه الآية، لكنها ضعيفة، انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 19/179، فتح القدير للشوكاني 5/366.

ص: 588

أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257]، وقال سبحانه:{وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275]، وقال تعالى:{خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ} [آل عمران: 88]، وقال:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللهِ شَيْئاً وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 116]، وقال:{وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء: 14]، وقال تعالى:{أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 63]، وقال - سبحانه -: {وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا

هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [التوبة: 68]، وقال تعالى:{وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن: 23] .

والآيات كثيرة وصريحة في بيان أن أهل النار خالدون في النار خلوداً مؤبداً، وأن العذاب لا يخفف عنهم، وأنهم لا يخرجون من النار، وأنه كلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها زيادة لهم في العذاب، وأن هذا العذاب ليس مصروفاً عنهم، وأنهم ليس لهم في الآخرة إلا النار فلا يخرجون منها، وأنهم لا يقضى عليهم فيموتوا، وأن عذابهم مقيم دائم، وأن النار مؤصدة عليهم، نسأل الله أن يحفظنا بحفظه، وأن يجيرنا من عذاب النار، إنه سميع مجيب.

وأما الأحاديث الدالة على بقاء النار، واستمرار عذاب الكفار فيها فهي كثيرة - أيضاً - ومنها: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون» (1)، قال الإمام النووي (ت - 676هـ) رحمه الله: (الظاهر والله أعلم من معنى الحديث أن الكفار الذين هم أهل النار، والمستحقون

(1) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه 1/172 كتاب الإيمان، باب إثبات الشفاعة، وابن ماجه في سننه 2/14441، كتاب الزهد، باب ذكر الشفاعة.

ص: 589

للخلود لا يموتون فيها، ولا يحيون حياة ينتفعون بها، ويستريحون معها، كما قال الله تعالى:{لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا} [فاطر: 36]، وكما قال تعالى:{ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [الأعلى: 13] ، وهذا جار على مذهب أهل الحق أن نعيم أهل الجنة دائم وأن عذاب أهل الخلود في النار دائم) (1) .

وقال عليه الصلاة والسلام: «يجاء بالموت يوم القيامة، كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال. يا أهل الجنة، هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون، وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: ويقال: يا أهل النار: هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون (2) وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح، قال: ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39] ، وأشار بيده إلى الدنيا» (3) .

وقال صلى الله عليه وسلم: «يُدخل الله أهل الجنة الجنة، ويُدخل أهل النار النار، ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت كل خالد فيما هو فيه» (4) .

وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وصار أهل النار إلى النار، أُتي بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادٍ: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى

(1) شرح النووي على صحيح مسلم 3/38.

(2)

أي يمدون أعناقهم، ويرفعون رؤوسهم للنظر، انظر: فتح الباري لابن حجر 11/420.

(3)

الحديث أخرجه مسلم في صحيحه 4/2188 كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء.

(4)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 11/406 كتاب الرقاق، باب يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب، ومسلم في صحيحه 4/2189 كتاب الجنة، باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء.

ص: 590

فرحهم، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم» (1) .

وقال صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل: «.. فأقول: يارب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن - أي وجب عليه الخلود -» (2) .

قال الإمام النووي (ت - 676هـ) رحمه الله: (أي وجب عليه الخلود، وبيّن مسلم رحمه الله أن قوله: أي وجب عليه الخلود هو تفسير قتادة (3) الراوي (4)، وهذا التفسير صحيح ومعناه: من أخبر القرآن أنه مخلد في النار وهم الكفار، كما قال الله تعالى:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48، 116] ، وفي هذا دلالة لمذهب أهل الحق، وما أجمع عليه السلف أنه لا يخلد في النار أحد مات على التوحيد والله أعلم) (5) . وقال الحافظ ابن حجر (ت - 852هـ) رحمه الله في معنى إلا من حبسه القرآن:(أي من أخبر القرآن أنه يخلد في النار)(6) .

وأما أقوال سلف الأمة وعلمائها في تقرير عقيدة خلود النار وبقائها أبد الآباد، وأنها لا تفنى، فهي متواترة يتلقاها اللاحق عن السابق، ولعلي أتوقف قليلاً؛ لأذكر نماذج من مقولاتهم في تقرير هذه العقيدة:

قال إمام أهل السنة الإمام أحمد (ت - 241هـ) رحمه الله: (وإن الله خلق الجنة

(1) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 11/415 كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، ومسلم في صحيحه 4/2189، كتاب الجنة، باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء، واللفظ له.

(2)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 11/417 - 418 كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، ومسلم 1/181 - 182 كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها.

(3)

قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي البصري، ولد أكمه، اشتهر بقوة الحفظ وسرعته، عالم أهل البصرة إمام في النسب، ورأس في العربية واللغة، ت سنة 117هـ.

انظر في ترجمته: تهذيب التهذيب لابن حجر 8/351، شذرات الذهب لابن العماد 1/153.

(4)

انظر: صحيح مسلم 1/181، وانظر: فتح الباري لابن حجر 11/440.

(5)

شرح النووي على صحيح مسلم 3/58 - 59.

(6)

فتح الباري شرح صحيح البخاري 11/440.

ص: 591

قبل الخلق، وخلق لها أهلاً، ونعيمها دائم، ومن زعم أنه يبيد من الجنة شيء فهو كافر، وخلق النار قبل خلقه الخلق، وخلق لها أهلاً وعذابها دائم) (1) .

وقال أبو زرعة الرازي (ت - 264هـ)، وأبو حاتم الرازي (ت - 273هـ) - رحمهما الله -:(والجنة حق، والنار حق، وهما مخلوقان لا يفنيان أبداً، والجنة ثواب لأوليائه، والنار عقاب لأهل معصيته إلا من رحم الله عز وجل (2) .

وقال الطحاوي (3) رحمه الله: (والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً، ولا تبيدان)(4) .

وقال الإمام البربهاري (ت - 329هـ) رحمه الله: (وكل شيء مما أوجب الله عليه الفناء يفنى، إلا الجنة والنار، والعرش والكرسي، والصور، والقلم، واللوح ليس يفنى شيء من هذا أبداً)(5) .

وقال الإمام الآجري (ت - 360هـ) رحمه الله: (وقد ذكر الله عز وجل في كتابه أهل النار الذين هم أهلها، يخلدون فيها أبداً.. وأن أهل النار الذين هم أهلها في العذاب الشديد أبداً)(6) .

وقال ابن أبي زمنين (ت - 399هـ) رحمه الله: (وأهل السنة يؤمنون بأن الجنة

(1) انظر: طبقات الحنابلة لأبي يعلى 1/344، الرد على الزنادقة للإمام أحمد (ضمن عقائد السلف جمع النشار وطالبي ص101) ، المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل للأحمدي 2/225 - 226.

(2)

انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي 1/177، عقيدة أبي حاتم الرازي وأبي زرعة الرازي للحداد ص201.

(3)

الطحاوي: أحمد بن سلامة بن سلمة الأزدي الطحاوي الحنفي، أبو جعفر، الإمام الحافظ، محدث الديار المصرية وفقيهها، كان ثقة ثبتاً، كان شافعياً ثم تحول إلى المذهب الحنفي، ت سنة 321هـ.

انظر في ترجمته: وفيات الأعيان لابن خلكان 1/53، سير أعلام النبلاء للذهبي 15/27.

(4)

العقيدة الطحاوية ص12، وقال ابن أبي العز في شرح الطحاوية 2/620:(هذا قول جمهور الأئمة من السلف والخلف) .

(5)

شرح السنة ص33.

(6)

الشريعة ص399 - 400.

ص: 592

والنار لا يفنيان، ولا يموت أهلوها

ولو لم يذكر الله تبارك وتعالى الخلود إلا في آية واحدة لكانت كافية لمن شرح الله صدره للإسلام، ولكن ردد ذلك ليكون له الحجة البالغة) (1) .

وقال الإمام الصابوني (ت - 449هـ) رحمه الله: (ويشهد أهل السنة: أن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما باقيتان، لا يفنيان أبداً، وأن أهل الجنة لا يخرجون منها أبداً، وكذلك أهل النار الذين هم أهلها خلقوا لها، لا يخرجون منها أبداً)(2) .

وقد نقل ابن حزم (ت - 456هـ) رحمه الله الاتفاق والإجماع على أن الجنة والنار باقيتان، لا تفنيان، فقال:(اتفقت فرق الأمة كلها على أنه لا فناء للجنة ولا لنعيمها، ولا للنار ولا لعذابها..)(3) .

وقال في مراتب الإجماع: (وأن النار حق، وأنها دار عذاب أبداً، لا تفنى ولا يفنى أهلها أبداً بلا نهاية، وأنها أعدت لكل كافر مخالف لدين الإسلام)(4)، وقال الأصبهاني (ت - 535هـ) رحمه الله:(والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان؛ لأنهما خلقتا للأبد لا للفناء)(5) .

وقال - أيضاً -: (وليس تفنى الجنة والنار والعرش والكرسي واللوح والقلم، والصور، ليس يفنى شيء من هذه الأشياء)(6) .

وقال الحافظ عبد الغني المقدسي (ت - 600هـ) رحمه الله: (والإيمان بأن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً، خلقتا للبقاء لا للفناء، وقد صح في ذلك أحاديث عدة)(7) .

(1) أصول السنة ص139 - 140.

(2)

عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص364.

(3)

الفصل في الملل والأهواء والنحل 4/83.

(4)

مراتب الإجماع ص173.

(5)

الحجة في بيان المحجة 2/263.

(6)

الحجة في بيان المحجة 2/436.

(7)

عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي ص76.

ص: 593

وقال ابن قدامة (ت - 620هـ) رحمه الله: (والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان، فالجنة مأوى لأوليائه، والنار عقاب لأعدائه، وأهل الجنة مخلدون)(1) .

وقال القرطبي (ت - 671هـ) رحمه الله بعد أن ذكر الأحاديث الدالة على الخلود لأهل الدارين فيها: (هذه الأحاديث مع صحتها نص في خلود أهل النار فيها، لا إلى غاية ولا إلى أمد، مقيمين على الدوام والسرمد من غير موت ولا حياة، ولا راحة ولا نجاة

، فمن قال: إنهم يخرجون منها، أو أن النار تبقى خالية بجملتها خاوية على عروشها، وأنها تفنى وتزول فهو خارج عن مقتضى العقول، ومخالف لما جاء به الرسول، وما أجمع عليه أهل السنة والأئمة العدول) (2) .

وقال مرعي الحنبلي (ت - 1033هـ) رحمه الله: (اعلم - وفقك الله تعالى - أن مذهب أهل الحق هو الحق في كل مسألة، ومذهبهم أن الجنة والنار موجودتان الآن خلافاً للمعتزلة، وإنما هما باقيتان لا يفنيان، ولا يفنى أهلهما خلافاً للجهمية حيث ذهبوا إلى أنهما يفنيان ويفنى أهلهما)(3) .

وقال السفاريني (4) رحمه الله: في الدرة المضية:

واجزم بأن النار كالجنة في

وجودها وأنها لم تتلف (5)

وقال الصنعاني (6)

رحمه الله: (إن هذه المسألة وهي فناء النار لا تعرف في

(1) لمعة الاعتقاد ص31.

(2)

التذكرة في أحوال الموتى والآخرة ص527.

(3)

توقيف الفريقين على خلود أهل الدارين ص41.

(4)

السفاريني: محمد بن أحمد بن سالم السفاريني، شمس الدين، عالم بالحديث والأصول، من المحققين، من أشهر كتبه: لوامع الأنوار البهية، وغذاء الألباب، أفتى بسفارين وتوفي بها سنة 1188هـ.

انظر في ترجمته: سلك الدرر للمرادي 4/31، تاريخ عجائب الآثار للجبرتي 1/468.

(5)

الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية (ضمن شرحها لوامع الأنوار البهية للمؤلف 2/230) .

(6)

الصنعاني: محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الصنعاني، أبو إبراهيم، المعروف بالأمير، إمام مجتهد من اليمن، يلقب بالمؤيد بالله، من أشهر مصنفاته: سبل السلام، ت سنة 1182هـ.

انظر في ترجمته: البدر الطالع للشوكاني 2/133، الأعلام للزركلي 6/263.

ص: 594

عصر الصحابة، ولا دارت بينهم، فليس نفي ولا إثبات، بل الذي عرفوه فيها هو ما في الكتاب والسنة من خلود أهل النار أبداً، وأن أهلها ليسوا منها بمخرجين، وعرفوا ما ثبت من خروج عصاة الموحدين) (1) .

وقال صديق حسن خان (2) رحمه الله: (والجنة دار أوليائه، والنار عقابه لأعدائه، وأهل الجنة فيها مخلدون، والمجرمون في عذاب جهنم {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف: 75] ، وقد خلقت الجنة وما فيها، وخلقت النار وما فيها، خلقهما الله عز وجل قبل القيامة، وخلق لهما، ولا يفنيان أبداً)(3) .

وقال الشيخ حافظ حكمي (4) رحمه الله:

والنار والجنة حق وهما

موجودتان لا فناء لهما (5)

ويعتقد الشيح حافظ (ت - 1377هـ) رحمه الله في الجنة والنار: (دوامهما وبقاؤهما بإبقاء الله لهما، وأنهما لا تفنيان أبداً، ولا يفنى من فيهما)(6) .

هذه نقولات لبعض مقولات سلف الأمة وعلمائها تبين عقيدة أهل السنة والجماعة في أبدية الجنة، وأبدية النار، وأن الله خلقهما للبقاء، لا للفناء، وقد

(1) رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار ص116هـ.

(2)

صديق حسن بن علي بن لطف الله الحسيني القنوجي البخاري، أبو الطيب، إمام علامة محدث مفسر، صنف في فنون كثيرة، ونصر السنة، ت سنة 1307هـ.

انظر في ترجمته: الأعلام للزركلي 7/36، معجم المؤلفين لكحالة 10/90.

(3)

قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر ص138.

(4)

حافظ حكمي: حافظ بن أحمد بن علي الحكمي، عالم محقق معاصر، له مؤلفاته في علوم متعددة، نثراً وشعراً. ت سنة 1377هـ.

انظر في ترجمته: المستدرك على معجم المؤلفين لكحالة 1/183، مقدمة معارج القبول لابنه أحمد.

(5)

سلم الوصول إلى علم الأصول (ضمن شرحه معارج القبول للمؤلف 2/279) .

(6)

معارج القبول 2/285.

ص: 595

آثرت إكثار النقل عن أئمة أهل السنة والجماعة، على مختلف العصور ليتبين أن هذه المسألة - أي أبدية النار - هي من العقائد المتواترة، المجمع عليها، والراسخة على مر العصور بين علماء أهل السنة والجماعة، ومن اعتمد على غير هذا القول فهو مائل عن الجادة، وغاية مستنده ومعتمده النصوص الضعيفة، أو الاستدلالات الواهية، أو الأقيسة العقلية الفاسدة وهذا ما سيتبين في هذا المبحث - إن شاء الله -:

وقبل مناقشة القائلين بفناء النار يحسن بي أن أعرض لمذاهب الناس في هذه المسألة، وهي ما نقلها أهل العلم في كتبهم، وهي ثمانية مذاهب:

الأول: أن كل من دخل النار لا يخرج منها أبد الآباد، وهذا قول الخوارج والمعتزلة، بناء على أصلهم الفاسد، في تكفير مرتكب الكبيرة، وإنكار الشفاعة.

الثاني: أن أهل النار يعذبون فيها، ثم تنقلب طبيعتهم، وتبقى طبيعة نارية يتلذذون بها؛ لموافقتها لطبعهم، وهذا قول إمام الاتحادية ابن عربي الطائي (ت - 638هـ)(1) .

الثالث: أن أهل النار يعذبون فيها إلى وقت محدود، ثم يخرجون منها، ويخلفهم فيها قوم آخرون، وهذا القول حكاه اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد أكذبهم الله - تعالى - في كتابه الكريم فقال:{وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَاّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 80 - 81] .

الرابع: أن أهل النار يخرجون من النار بعد حين، ثم تبقى النار على حالها ليس فيها أحد (2) .

(1) انظر: فصوص الحكم 1/169 - 170.

(2)

ذكر ابن القيم رحمه الله في حادي الأرواح ص249 أن شيخ الإسلام حكاه، ولم ينسبه لأحد.

ص: 596

الخامس: أن النار تفنى بنفسها؛ لأنها حادثة، وما ثبت حدوثه استحال بقاؤه، وهذا قول الجهم (ت - 128هـ) ، ومن وافقه، وهؤلاء يقولون بفناء الجنة والنار.

السادس: أن الفناء يكون لحركات أهل النار، لا للنار، فيصير أهل النار جماداً، لا يحسون بألم، وهذا قول أبي الهذيل العلاف (ت - 235هـ)(1) .

السابع: أن الله يخرج منها من يشاء، كما ورد في السنة ثم يبقيها ما يشاء ثم يفنيها، فإنه جعل لها أمداً تنتهي إليه، وهؤلاء يقولون بفناء النار فقط (2) .

الثامن: أن الله - تعالى - يخرج منها من يشاء، كما ورد في السنة، ويبقي فيها الكفار، بقاءً أبدياً لا انقضاء له (3) .

هذه مذاهب الناس في أبدية النار، أو فنائها، وسيكون النقاش للمذهب السابع الذي يرى دخول الكفار، وعصاة المؤمنين في النار، ويرى أن عصاة المؤمنين يعذبون ما شاء الله أن يعذبوا، ثم يخرجون بعد انقضاء مدة تطهيرهم، أو يخرجون من النار، بشفاعة الشافعين، وأما الكفار فإنهم يمكثون في النار آماداً طويلة إلى أن يأذن الله بفناء النار، فتفني، وينتهي العذاب.

فالآيات التي استدل بها القائلون بفناء النار، وهي آية سورة هود، وسورة النبأ، وغيرها، وقد مرَّ في بداية هذا المبحث ذكرها، وذكر أقوال المفسرين في

(1) انظر: مناقشة هذا القول ص222.

(2)

ممن قال بهذا بعض المعاصرين مثل فيصل عبد الله في أطروحته التي تقدم بها لنيل درجة الماجستير إلى قسم العقيدة في جامعة أم القرى بعنوان (الجنة والنار والآراء فيهما) انظر: 228، وعبد الكريم الحميد في القول المختار لبيان فناء النار.

(3)

ذكر ابن القيم في حادي الأرواح ص248 - 249 سبعة أقوال، فلم يذكر القول الثامن، ونقلها عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري 11/421 - 422 وقال:(جمع بعض المتأخرين في هذه المسألة سبعة أقوال) ثم ذكرها، وزاد عليها ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية 2/624 - 625 القول الثامن الذي هو قول أهل السنة والجماعة.

ص: 597

بيان أنه لا دلالة لهم فيما استدلوا به، وإنما تدل على أن النار باقية لا تفنى كالجنة، ويمكن الوقوف بعض الوقفات - إضافة إلى ما ذُكر - في استدلالهم بالآيات على فناء النار:

أ - أن الآيات المجملة التي فرح بها القائلون بفناء النار، قد بينتها النصوص الأخرى من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية التي صرحت بأن أهل النار خالدون فيها أبداً، وظاهرها أنه خلود لا انقطاع له (1) .

ب - أن القائلين بفناء النار، قد فرّقوا بين النصوص الشرعية من حيث الدلالة من غير مفرِّق، أو مرجح، فقد ذكر الله الخلود في كتابه الكريم لأهل الجنة ولأهل النار، والخلود الذي علمنا به من النصوص الشرعية بقاء الجنة قد ذكر مثله في النار، وليس هناك دليل يصار إليه، وركن من الأدلة ركين يعتمد عليه في التفريق، خاصة إذا علمنا أن الخلود في كتب اللغة:(دوام البقاء في دار لا يخرج منها.. ودار الخلود الآخرة لبقاء أهلها فيها)(2) .

ج - أن الخلود في النصوص الشرعية مقابل بالموت الذي هو الفناء، فمن كان خالداً فهو لا يفنى كما قال سبحانه وتعالى:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 34 - 35] ، فالخلود دوام البقاء، والموت هو الفناء والزوال والانتهاء من هذه الدنيا.

د - أن الله عز وجل أخبر عن دوام النار، ودوام عذابها بنصوص أخرى بغير ألفاظ الخلود والتأبيد، فمما قاله - سبحانه -:{وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [المائدة: 37]، وقال:{إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى} [طه: 74]، وقال - سبحانه -: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا

(1) انظر: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب للشنقيطي ص107.

(2)

انظر: لسان العرب لابن منظور 3/164 مادة (خلد) .

ص: 598

مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة: 20]، وقوله - سبحانه - عن أهل النار:{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} [الزخرف: 77] ، وغيرها من الآيات الدالة على استمرار عذاب أهل النار إلى ما لا نهاية.

هـ - أن الآيات التي فيها الاستثناء بالمشيئة لا تستلزم فناء النار، وانقطاع عذاب أهلها من الكفار، بل لها معانٍ توقف المفسرون عندها - كما بينت ذلك - في عرضي للآيات، وأقوال المفسرين حولها في بداية هذا المبحث.

وأن آية سورة النبأ دليل على الخلود من حيث معنى الأحقاب - كما تقدم -، ومن حيث سياق الآيات بعدها، فقد قال الله عز وجل في نهاية السياق:{إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً} [النبأ: 40] . ففي هذه الآية دليل على أن الكافر يتمنى أن يكون تراباً، ولا يعذب في النار خالداً فيها، ولو كان يظن أن النار تفنى من الآن لظل على أمله، ورجائه في رحمة الله (1) .

وأما الأحاديث والآثار التي يستدل بها القائلون بفناء النار، فلأهل العلم وقفات حولها:

أولاً: حديث: «ليأتين على جهنم يوم كأنها زرع هاج، وآخر تخفق أبوابها) (2) ، وهذا حديث باطل موضوع، وآفته: جعفر بن الزبير، وأيضاً الراوي عنه: عبد الله بن مسعر بن كدام.

أما جعفر بن الزبير، فقد وضع أربعمائة حديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم،

(1) انظر: مجلة المنار 7/553 - 560 مقال (فناء النار والرد على ابن القيم) لعبد الظاهر أبو السمح، وانظر: تنبيه الأخيار للعلوان ص56 - 59.

(2)

انظر: الموضوعات لابن الجوزي 2/437 مع اختلاف في اللفظ.

ص: 599

وكذبه شعبة بن الحجاج (1)، وقال ابن معين (ت - 233هـ) رحمه الله: ليس بثقة. وقال البخاري (ت - 256هـ) رحمه الله: تركوه، وقال ابن عدي (ت - 365هـ) رحمه الله: الضعف على حديثه بيّن، وذكر الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله هذا الحديث، وقال: إسناده مظلم (2) .

وأما عبد الله بن مسعر فهو متروك - أيضاً - وذكر الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله حديثه هذا وقال: هذا باطل (3) .

ثانياً: الأثر المروي عن عمر بن الخطاب (ت - 23هـ) رضي الله عنه: (لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه) ، وهذا الأثر ضعيف بسبب الانقطاع بين عمر (ت - 23هـ) والحسن البصري (ت - 110هـ) رحمه الله فلم يسمع الحسن (ت - 110هـ) من عمر (ت - 23هـ) رضي الله عنه، ومراسيل الحسن عند الأئمة واهية؛ لأنه كان يأخذ عن كل أحد، كما قال ذلك ابن سيرين (ت - 110هـ) رحمه الله (4) ، وإذا سقط سند هذا الحديث، ولم نحتجّ به لضعفه، لم يكن بنا حاجة إلى أن نوجه دلالته على أن المقصود به نار الموحدين (5) .

ثالثاً: الأثر المروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص (ت - 65هـ) رضي الله عنهما قال: (ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد، وذلك بعدما يلبثون فيها أحقاباً) ، وهذا الأثر ضعيف لا يصح لا مرفوعاً ولا موقوفاً، وآفته: أبو

(1) شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي، أبو بسطام الواسطي، ثقة حافظ متقن، أمير المؤمنين في الحديث، ت سنة 160هـ.

انظر في ترجمته: تاريخ بغداد للخطيب 9/255، تهذيب التهذيب لابن حجر 4/338.

(2)

انظر: الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي 2/558 - 560، ميزان الاعتدال للذهبي 1/406 - 407.

(3)

انظر: ميزان الاعتدال للذهبي 2/502.

(4)

انظر: سنن الدارقطني 1/171.

(5)

انظر: رفع الأستار للصنعاني ص67 - 70، وانظر: تضعيف الأثر في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني 2/73 - 74، تحقيق شرح العقيدة الطحاوية للأرناؤوط 2/626 - 627.

ص: 600

أبلج يحيى بن سليم، وهذا الرجل ثقة في نفسه، إلا أن تضعيف الحفّاظ له جاء من قبل حفظه، فقال الحافظ ابن حجر (ت - 852هـ) رحمه الله عنه:(صدوق ربما أخطأ)(1) ، وقد جعل الإمام الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله هذا الحديث من بلاياه، وحكم عليه بأنه منكر (2) .

رابعاً: أثر أبي سعيد الخدري (ت - 74هـ) رضي الله عنه في قوله - تعالى -: {إِلَاّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [هود: 107] قال: هذه الآية قاضية على القرآن كله (3) .

وهذا الأثر وإن كان صحيحاً موقوفاً، إلا أنه لا دلالة فيه على فناء النار، بل كما يقول الإمام الصنعاني (ت - 1182هـ) رحمه الله:(غاية ما فيه أن كل وعيد في القرآن ذكر فيه الخلود لأهل النار، فإن آية الاستثناء حاكمة عليه، وهي عبارة مجملة لا تدل على المدعى بنوع من الدلالات الثلاث)(4) .

ويجاب - أيضاً - بأن هذا الأثر محمول على عصاة المؤمنين من الموحدين الذي يبقون في النار - ما شاء الله - ثم يخرجون منها بهذه المشيئة الربانية، وعلى هذا يبطل الاستدلال به على فناء النار.

خامساً: أثر عبد الله بن مسعود (ت - 32هـ) رضي الله عنه قال: (ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد) ، وهذا الأثر رواه ابن جرير (ت - 310هـ) رحمه الله في تفسيره (5) بإسناد تالف مظلم (6) ، وأما البغوي (7) رحمه الله فقد ذكره بدون إسناد، ثم قال:

(1) تقريب التهذيب 2/401 - 402.

(2)

ميزان الاعتدال 4/384 - 385.

(3)

انظر: جامع البيان للطبري 7/115 - 116، الأسماء والصفات للبيهقي 1/264، الدر المنثور للسيوطي 3/350.

(4)

رفع الأستار ص79، والدلالات الثلاث هي دلالة: التضمن، المطابقة، الالتزام.

(5)

انظر: جامع البيان للطبري 7/116.

(6)

انظر: تخريج الألباني لهذا الأثر في رفع الأستار للصنعاني ص76، وتخريج الأرناؤوط لشرح العقيدة الطحاوية 2/627.

(7)

البغوي: الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي، الإمام القدوة، الحافظ، المفسر، يلقب بـ: محيي السنة، وركن الدين، ت سنة 516هـ.

انظر في ترجمته: وفيات الأعيان لابن خلكان 1/402، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1257.

ص: 601

(ومعناه عند أهل السنة - إن ثبت - أنه لا يبقى فيها أحد من أهل الإيمان، وأما مواضع الكفار فممتلئة أبداً)(1) .

سادساً: الأثر المروي عن أنس بن مالك (ت - 93هـ) رضي الله عنه: (ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها، وما فيها من أمة محمد أحد) .

وهذا الأثر موضوع (2)، وآفته: العلاء بن زيدل، فقد كان يضع الحديث كما قال البخاري (ت - 256هـ) وغيره: منكر الحديث (3)، وقال أبو حاتم (ت - 277هـ) : هو متروك الحديث، قال ابن حبان (ت - 354هـ) : لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل التعجب (4)، وذكر ابن عدي (ت - 365هـ) هذا الحديث في ترجمته وقال:(منكر الحديث)(5)، وقال الذهبي (ت - 748هـ) : تالف، وذكر هذا الحديث (6) .

سابعاً: وأما الأثر المروي عن أبي هريرة (ت - 57هـ) رضي الله عنه قوله: (ما أنا بالذي لا أقول إنه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد) ، وقد ذكره بسنده ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله في حادي الأرواح (7) ، وإسناده صحيح (8) ، ومع هذا فإنه لا يدل على فناء النار، بل لم يفهم رواته منه ذلك؛ ولذا قال أحد رواة

(1) معالم التنزيل 2/403.

(2)

انظر: الحكم عليه في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني 2/71، تخريج الألباني لأحاديث رفع الأستار للصنعاني ص82.

(3)

انظر: ميزان الاعتدال للذهبي 3/99.

(4)

المجروحين 2/180 - 181.

(5)

الكامل في ضعفاء الرجال 5/1862 - 1863.

(6)

ميزان الاعتدال للذهبي 3/99 - 100.

(7)

ص252، وأورده ابن تيمية في الرد على من قال بفناء الجنة والنار ص70، وانظر: الدر المنثور للسيوطي 4/478.

(8)

انظر: تخريجه في حاشية تحقيق الألباني على رفع الأستار للصنعاني ص75، وتخريج شرح العقيدة الطحاوية للأرناؤوط 2/627.

ص: 602

الحديث وهو عبيد الله بن معاذ (1) كما في تتمة الأثر: (كان أصحابنا يقولون: يعني به الموحدين)(2) .

ويجاب - أيضاً - على هذا الأثر بما أجاب الإمام الصنعاني (ت - 1182هـ) رحمه الله بقوله: (فإن قوله: (ليس فيها أحد) دال على بقائها، فإنك إذا قلت: ليس في الدار أحد، فإنه دال على بقاء الدار لا على فنائها) (3) .

ولو سلمنا أن هذا الأثر فيه دلالة على فناء النار فهو قول صحابي، لا يقف أمام النصوص الصحيحة من القرآن والسنة، واتفاق العلماء على عدم فناء النار، وبقائها أبد الآباد (4) .

وبهذا نعلم أنه لم يصح حديث أو أثر يثبت فناء النار، وأما ما صح سنده مما استدل به من قال بفناء النار فإنه لا يدل على فناء النار: - كما تم بيانه - ولله الحمد والمنة (5) .

ومما ينبغي أن يعلم في مقام مناقشة القائلين بفناء النار: أن دوام عذاب أهل النار من الكفار هو من حكمة أحكم الحاكمين سبحانه وتعالى ولا ينافي ذلك حكمته، بل هو من حكمته، واستمرار عذابهم في النار لا يعارض رحمة أرحم الراحمين، فرحمته - سبحانه - لا تنافي حكمته، وحكمته عز وجل تقتضي دوام عذاب أهل النار من الكفار؛ لأن الله سبحانه وتعالى قضى وحكم في كتابه الكريم، وشرعه المطهر أن يستمر عذابهم، وقضاء الله سبحانه وتعالى مبني على حكمته - سبحانه - وفرقٌ بين عذاب الكفار الخُلَّص، وبين عذاب العصاة من المؤمنين، فعذاب الكفار هو للإهانة والانتقام فهو أبدي، وأما عذاب العصاة فهو للتطهير

(1) عبيد الله بن معاذ: بن نصر بن حسان العنبري. أبو عمرو الأنصاري. ثقة حافظ. (ت235هـ) . انظر: الكاشف للذهبي 2/231، تقريب التهذيب لابن حجر 1/539.

(2)

انظر: حادي الأرواح لابن القيم ص252، الدر المنثور للسيوطي 4/478، وانظر: رفع الأستار للصنعاني ص76.

(3)

رفع الأستار للصنعاني ص76.

(4)

انظر: تنبيه الأخيار للعلوان ص54.

(5)

انظر: إيثار الحق على الخلق لابن الوزير ص203، رفع الأستار للصنعاني ص116.

ص: 603

والتمحيص: فإذا مُحِصوا وطُهِروا خرجوا من النار (1) .

وأما من قال: إنه ليس من حكمته استمرار العذاب بالنسبة للكفار، فهذا ليس بصحيح، بل الحكمة هي وضع الشيء في موضعه، وليست هي اللين أو الضعف أو الرحمة لمن يستحقها ومن لا يستحقها، ولا يصح أن يقطع بأن هذا مخالف لحكمته حيث لم يرد نص يدل عليه، ولا هو مخالف لمجموع النصوص، أو هو مخالف لعدل الله عز وجل، وللأدلة العقلية، بل للمتأمل في حكمة الله عز وجل أن يقول: إن الحكمة تقتضي دوام عذاب الكفار.

ومن الحكم: دوام ظهور آثار أسماء الرب عز وجل التي بها تتحقق الألوهية، ويتحقق العقاب الرادع للكفار كالعزيز والقهار وغيرها.

ومن الحكم: جعل العقاب بحيث يترتب على العلم به غايته التي أُريد لأجلها من منع انتشار الكفر إلى حد يفسد الكون قبل أجله المسمى.

ومنها: جعل العقاب مناسباً للجريمة في عدم التناهي، لما علم من أن خبث الكفر لا حد له، هذا إضافة إلى ما ذكره أهل العلم من بعض الحكم من خلق الشرور (2) .

ومن حكمته - سبحانه - إنفاذ وعيد الكفار، بخلاف وعيد المؤمنين فيجوز إخلافه كما قال تعالى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48، 116] أي ما دون الشرك من المعاصي، وقد أوجب الله على نفسه إنفاذ الوعيد في حق الكفار كما قال تعالى:{قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [ق~: 28 - 29] .

وقال سبحانه: {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [لقمان: 33]، بعد قوله:{وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً} [لقمان: 33] ، وقال -

(1) انظر: دفع إيهام الاضطراب للشنقيطي ص111.

(2)

انظر: شفاء العليل لابن القيم ص497 - 499، الحكمة والتعليل للمدخلي ص205 - 210، مجلة المنار 5/383 - 384.

ص: 604

سبحانه -: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور: 7] ، هذا إضافة إلى أن النصوص الشرعية قد أكدت وقررت دوام النار وعذابها لأهلها من الكفار، والله أعلم (1) .

وفي الجملة فإن القائلين بفناء النار يمكن أن يكون النقاش معهم على طرق متعددة - كما سبق - ويمكن أن يقال لهم: أين يذهب أهل النار بعد فناء النار؟ إن قيل: يبقون بلا عذاب، فهذا لا دليل عليه، بل الدليل على خلافه، فقد أخبر الله عز وجل أن الناس يوم القيامة فريقان لا ثالث لهما {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7] ، وأخبر أن عذاب الكفار دائم لا يخفف عنهم، ولا هم ينظرون، وأنه لا يفتر عنهم، وأنهم ماكثون، وخالدون، ولو كانت النار تفنى لكان هذا من تخفيف العذاب عنهم.

وإن قيل: إنهم يموتون ويفنون بعد حين: فقد دل الدليل على خلافه؛ بأن أهل النار {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا} [فاطر: 36] ، وما ورد في الحديث الصحيح من ذبح الموت حين يؤتى به على صورة كبش، ويقال لأهل الجنة ولأهل النار: خلود فلا موت.

وإن قيل إنهم يخرجون منها: فقد دل الدليل على خلافه، ذلك أن الله عز وجل قال عنهم:{كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} [الحج: 22] ، ولم يحدد في النصوص مقرهم لو خرجوا منها، وهم - قطعاً - لا يذهبون إلى الجنة.

وتلاحظ الحرفية الزائدة، والظاهرية المتكلفة عند القائلين بفناء النار، فهم يذكرون أن الله سبحانه وتعالى أخبر بخلود أهل النار فيها، لكنه لم يخبر أنها لا تفنى!، وهل الخلود الأبدي إلا أبدية النار ودوام عذابها؟.

ويمكن أن يعكس عليهم الدليل فيقال: إن الله عز وجل لم يخبر عن النار أنها

(1) انظر: دفع إيهام الاضطراب للشنقيطي ص110 - 111، مقدمة الألباني لرفع الأستار للصنعاني ص42 - 43.

ص: 605

تفنى، بل ذكر المشيئة - كما ذكرها في الجنة -، ولأهل العلم تفسيرات لهذه المشيئة متعددة في خروج بعض أهل النار منها، بخلاف الجنة فمن دخلها فلا يخرج منها.

ثم إن القائلين بالفناء، غاية استدلالهم: إما بأحاديث وآثار غير صحيحة، وهذه لا يعوّل عليها في تقرير مسألة أو حكم شرعي، لاسيما الأحكام الاعتقادية التي هي من جملة اعتقاد المسلمين التي تتعلق باليوم الآخر والجزاء.

وإما بنصوص محتملة غير صريحة فهي من المتشابه المجمل. فترد إلى المحكم المبين وهي النصوص الواضحة.

ويحسن بعد مناقشة القائلين بفناء النار أن يُفرق بين قولهم هذا، وبين قول الجهمية القائلين بفناء الجنة والنار.

فمنشأ القولين مختلف: إذ منشأ قول الجهمية هو امتناع وجود مالايتناهى من الحوادث لا في الماضي ولا في المستقبل، وقد ناقشتهم في الفصل الثالث من هذا البحث.

يقول ابن أبي العز (1) رحمه الله: (وقال بفناء الجنة والنار الجهم بن صفوان إمام المعطلة، وليس له سلف قط، لا من الصحابة، ولا من التابعين لهم بإحسان، ولا من أئمة المسلمين، ولا من أهل السنة، وأنكره عليه عامة أهل السنة، وكفرّوه به، وصاحوا به وبأتباعه من أقطار الأرض، وهذا قاله لأصله الفاسد الذي اعتقده وهو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث..)(2) .

وأما منشأ قول القائلين بفناء النار - وحدها - فهو الاعتماد على نصوص مجملة، أو ضعيفة لا تقوم بها حجة، والاعتماد على تغليب جانب الرحمة على الحكمة، فمنشأ قول أكثر هؤلاء بهذا هو الاعتماد على أحاديث وآثار ظنوا أنها

(1) ابن أبي العز: علي بن علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي الحنفي، فقيه ولي القضاء بدمشق، له مؤلفات منها: شرح عقيدة الطحاوي، ت سنة 792هـ.

انظر في ترجمته: الدرر الكامنة لابن حجر 3/159، شذرات الذهب لابن العماد 6/326.

(2)

شرح العقيدة الطحاوية 2/621.

ص: 606

تدل على ما ذهبوا إليه، ولذا لم يحكم أهل السنة على القائلين بهذا القول إنهم مبتدعة، بل قالوا: إنه خطأ صدر عن اجتهاد - لما قام في أذهانهم من صحة الأدلة التي استدلوا بها - وهو مغفور لهم - بإذن الله تعالى - كما جاء في الحديث الصحيح «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد» (1)، يقول ابن تيمية رحمه الله في المسائل الاجتهادية: (وحقيقة الأمر: أنه إذا كان فيها - أي المسألة - نص خَفِيَ على بعض المجتهدين، وتعذر عليه علمه، ولو علمه لوجب عليه اتباعه، لكنه لما خفي عليه اتبع النص الآخر

والمجتهد المخطئ له أجر؛ لأن قصده الحق وطلبه بحسب وسعه، وهو لا يحكم إلا بدليل.. ففي الجملة: الأجر هو على اتباعه الحق بحسب اجتهاده، ولو كان في الباطن حق يناقضه هو أولى بالاتباع لو قدر على معرفته لكنه لم يقدر..) (2) .

ويفرق ابن تيمية رحمه الله بين العالم المتقدم الذي قال بقول يخالف الصواب، ويجانب الكتاب والسنة؛ لأجل أن الحجة لم تبلغه، فلم يعلم بالدليل المخالف لقوله، أو ظنه ضعيفاً، أو غير ذلك، وبين العالم الذي بلغته الحجة، وعلم الإسناد وصحته من ضعفه، وجمع الأدلة واتضحت له ثم هو يخالف ذلك كله إلى قول آخر، فالأول لا يبدع، والثاني يبدع، يقول رحمه الله:(إذا رأيت المقالة المخطئة قد صدرت من إمام قديم فاغتفرت لعدم بلوغ الحجة له فلا يغتفر لمن بلغته الحجة. ما اغتفر للأول، فلهذا يبدع من بلغته أحاديث عذاب القبر ونحوها إذا أنكر ذلك، ولا تبدع عائشة ونحوها ممن لم يعرف بأن الموتى يسمعون في قبورهم فهذا أصل عظيم فتدبره فإنه نافع)(3) .

(1) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 13/318 كتاب الاعتصام بالسنة، باب أجر الحاكم، ومسلم في صحيحه 3/1342 كتاب الأقضية، باب أجر الحاكم.

(2)

مجموع فتاوى ابن تيمية 20/25 - 31.

(3)

مجموع فتاوى ابن تيمية 6/61، وانظر: مقدمة الألباني لرفع الأستار للصنعاني ص32 - 33، البيان لأخطاء بعض الكتاب للفوزان ص146 - 147، تنبيه الأخيار للعلوان ص60 - 62.

ص: 607