المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى - دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية - عرض ونقد

[عبد الله بن صالح الغصن]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أسباب اختيار البحث:

- ‌خطة البحث:

- ‌ منهج في كتابة البحث

- ‌[شكر وتقدير]

- ‌[التمهيد]

- ‌ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

- ‌1 - اسمه ونسبه:

- ‌2 - مولده ونشأته:

- ‌3 - عصره:

- ‌أولاً: الناحية السياسية:

- ‌ثانياً: الناحية الاجتماعية:

- ‌ثالثاً: الناحية العلمية:

- ‌4 - محن الشيخ:

- ‌5 - وفاته رحمه الله:

- ‌6 - مؤلفاته:

- ‌7 - بعض ثناء الناس عليه:

- ‌منهج شيخ الإسلام في تقرير العقيدة والاستدلال عليها:

- ‌الفصل الأول: المناوئون لشيخ الإسلام، ودعاواهم حول منهجه

- ‌المبحث الأول: المناوئون لشيخ الإسلام

- ‌المطلب الأول: أقسام المناوئين

- ‌المطلب الثانيالمنهج العام للمناوئين

- ‌المطلب الثالثاعتراف خصومه بقدره

- ‌المبحث الثانيدعاوى المناوئين حول منهج شيخ الإسلام ابن تيمية ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعاوى المناوئين حول منهج شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌المطلب الثانيمناقشة دعاوى المناوئين حول منهج ابن تيمية

- ‌الفصل الثانيدعوى التجسيم والتشبيه

- ‌المبحث الأول:قول أهل السنة في مسألة التجسيم والتشبيه

- ‌المطلب الأول: التعريف بالمشبهة

- ‌المطلب الثانياعتقاد السلف نفي التمثيل والتشبيه

- ‌المطلب الثالثرد السلف دعوى أن الإثبات يستلزم التشبيه

- ‌المبحث الثانيدعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام أخذ التشبيه ممن قبله، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام أخذ التشبيه ممن قبله

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى قوله بالجهة والتحيز ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى قوله بالجهة والتحيز

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الثالث: دعوى القول بقدم العالم

- ‌المبحث الأولمعتقد أهل السنة في إمكان حوادث لا أول لها

- ‌المطلب الأولالتسلسل: تعريفه، أقسامه، حكم كل قسم

- ‌المطلب الثانيالصفات الاختيارية

- ‌المطلب الثالثشرح حديث عمران بن حصين رضي الله عنه

- ‌المبحث الثانيدعوى أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لهايستلزم القول بقدم العالم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لها يستلزم القول بقدم العالم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الرابعدعوى نهي ابن تيمية عن زيارة القبور

- ‌المبحث الأولعقيدة أهل السنة في زيارة القبور وشد الرحل إليها

- ‌المبحث الثانيالزعم أن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور ومناقشته

- ‌المطلب الأولالزعم بأن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور

- ‌المطلب الثانيمناقشة دعوى أن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام ينتقص من منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام ينتقص من منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ومناقشتها

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى مخالفة ابن تيمية الصحابة في قولهم بجواز بناء المساجد على القبور ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى مخالفة ابن تيمية الصحابة في قولهم بجواز بناء المساجد على القبور

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الخامسدعوى أن ابن تيمية يساوي في المنزلة بين قبور الأنبياءوقبور غيرهم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن ابن تيمية يساوي في المنزلة بين قبور الأنبياءوقبور غيرهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الخامسمسألة التوسل

- ‌المبحث الأول: عقيدة أهل السنة والجماعة في التوسل

- ‌المبحث الثانيدعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين،وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين،وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدمجواز التوسل بالنبي، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدم جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين،وإهانته لهم، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين، وإهانته لهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل السادسموقف شيخ الإسلام من الصحابة

- ‌المبحث الأولعقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة

- ‌المبحث الثانيدعوى تخطئة شيخ الإسلام الصحابة بما فيهمالأئمة الخلفاء الأربعة، ومناقشتها

- ‌المطلب الأول دعوى تخطئة شيخ الإسلام الصحابة بما فيهم الأئمة الخلفاء الأربعة

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى تكلف شيخ الإسلام الغمز على أهل البيت،وتعمية مناقبهم، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى تكلف شيخ الإسلام الغمز على أهل البيت، وتعمية مناقبهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى رد الأحاديث الصحيحة في مقام المبالغةفي توهين كلام الشيعة ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى رد الأحاديث الصحيحةفي مقام المبالغة في توهين كلام الشيعة

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل السابعمسألة دوام النار

- ‌المبحث الأولدلالة نصوص الكتاب والسنة على خلود النار

- ‌المبحث الثانيدعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

‌المطلب الثاني

مناقشة الدعوى

الحديث في هذا المطلب سوف ينحصر - بإذن الله - في مسألتين:

المسألة الأولى: موقف ابن تيمية من آل البيت عموماً.

المسألة الثانية: بيان موقف ابن تيمية رحمه الله من علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه خصوصاً، لإفراد خصوم ابن تيمية رحمه الله الحديث عنه كثيراً.

أما الأولى: فموقف ابن تيمية رحمه الله من آل البيت واضح جلي لمن استعرض كتبه: فهو يعتقد اعتقاد أهل السنة والجماعة فيهم وهو محبتهم والثناء عليهم، وقد قرر وجوبها وفرضيتها في مواضع متعددة من كتبه، يقول رحمه الله:(محبتهم عندنا فرض واجب يؤجر عليه..)(1)، وقال:(ولا ريب أن محبة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم واجبة)(2) ، وكلما زادت محبة الرسول صلى الله عليه وسلم في قلب امريء مسلم فإنه تزيد محبته لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإن أكثر من عرف حق آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر الصديق (ت - 13هـ) رضي الله عنه، وذلك لمحبته رسول الله صلى الله عليه وسلم المحبة الكاملة، يقول ابن تيمية رحمه الله:(وكان رضي الله عنه من أعظم المسلمين رعاية لحق قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل بيته، فإن كمال محبته للنبي صلى الله عليه وسلم أوجب سراية الحب لأهل بيته، إذ كان رعاية أهل بيته مما أمر الله ورسوله به)(3)، وذكر قول الصديق:(ارقبوا محمداً في آل بيته)(4)، وقال: (والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 4/487.

(2)

منهاج السنة النبوية 7/102، وانظر: مجموع فتاوى ابن تيمية3/154، 27/471 - 472.

(3)

منهاج السنة النبوية 8/581 - 582.

(4)

سبق تخريجه ص505.

ص: 534

أحب إلي أن أصل من قرابتي) (1) .

وقد توقف رحمه الله في كلام نفيس له حول أفضلية أهل البيت على غيرهم ممن هو دونهم؛ بأنه ليس للنسب فقط - وإن كان النسب له اعتبار - وإنما لاجتماع النسب مع الإيمان والتقوى، كما قال الله عز وجل عن آل الأنبياء بعد ذكره جملة منهم:{وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 87]، فحصول الفضيلة لهم كان بمجموع الأمرين: هدايتهم إلى الصراط المستقيم، واجتباؤهم وتفضيلهم على غيرهم في النسب، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» (2)، وقال صلى الله عليه وسلم:«إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» (3) .

يقول رحمه الله: (لا ريب أن لآل محمد صلى الله عليه وسلم حقاً على الأمة لا يشركهم فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر بطون قريش، كما أن قريشاً يستحقون من المحبة والموالاة ما لا يستحقه غير قريش من القبائل.. وأما نفس ترتيب الثواب والعقاب على القرابة، ومدح الله عز وجل للشخص المعين، وكرامته عند الله تعالى فهذا لا يؤثر فيه النسب، وإنما يؤثر فيه الإيمان والعمل الصالح، وهو التقوى، كما قال تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] .. وهذا لا ينافي ما ذكرناه من أن بعض الأجناس والقبائل أفضل من بعض، فإن هذا التفضيل معناه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الناس

(1) سبق تخريجه ص505.

(2)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 6/525 كتاب المناقب، باب يا أيها الناس إنا خلقناكم، ومسلم في صحيحه 4/2031 - 2032 كتاب البر والصلة، باب الأرواح جنود مجندة.

(3)

الحديث أخرجه مسلم في صحيحه 4/1782 كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي، والترمذي في سننه 5/583 كتاب المناقب، باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 535

معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» ، فالأرض إذا كان فيها معدن ذهب، ومعدن فضة؛ كان معدن الذهب خيراً؛ لأنه مظنة وجود أفضل الأمرين فيه، فإن قُدِّر أنه تعطل ولم يُخرج ذهباً، كان ما يخرج الفضة أفضل منه) (1) .

وبين أن الأمر وسط فلا تلغى فضيلة النسب جملة، ولا تجعل هي المعيار الوحيد لقرب العبد من ربه أو بعده منه فقال: (هذا هو الأصل المعتبر في هذا الباب دون من ألغى فضيلة الأنساب مطلقاً، دون من ظن أن الله تعالى يفضل الإنسان بنسبه على من هو مثله في الإيمان والتقوى، فضلاً عمّن هو أعظم إيماناً وتقوى، فكلا القولين خطأ وهما متقابلان، بل الفضيلة بالنسب فضيلة جملة، وفضيلة لأجل المظنة والسبب، والفضيلة بالإيمان والتقوى فضيلة تعيين وتحقيق وغاية

) (2) .

وقد نبّه رحمه الله إلى منهج الوسطية عند أهل السنة والجماعة في محبة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز الغلو فيهم، وإعطاؤهم فوق منزلتهم؛ لأن هذا شرك بهم، كما أنه لا يجوز انتقاص قدرهم، وغمطهم حقهم، سواء كان ذلك تحقيراً لهم، وعدم اعتراف بحقهم، أو كان ذلك من باب مقابلة الغلو بالإجحاف والتقصير، يقول - قدس الله روحه -:(الغالية في الأنبياء وأهل البيت والمشايخ، تجدهم مشركين بهم، لا متبعين لهم في خبرهم وأمرهم، فخرجوا عن حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)(3)، ويقول رحمه الله في ضرب الأمثلة لمن قابل البدعة ببدعة مثلها:(كما قد يصير بعض الجهال المتسننة في إعراضه عن بعض فضائل علي وأهل البيت؛ إذا رأى أهل البدعة يغلون فيها)(4) .

وأهل البيت عقيدتهم هي عقيدة الصحابة، أهل السنة والجماعة، ودينهم

(1) منهاج السنة النبوية 4/599 - 602.

(2)

منهاج السنة النبوية 4/603.

(3)

درء تعارض العقل والنقل 5/285.

(4)

مجموع فتاوى ابن تيمية 6/26.

ص: 536

الصدق والتقوى، لا الكذب والتقية - كما تزعمه الرافضة -، وهذا ما يقرره شيخ الإسلام رحمه الله بقوله:(إن أئمة أهل البيت كعليّ وابن عباس ومن بعدهم، كلهم متفقون على ما اتفق عليه سائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان من إثبات الصفات والقدر)(1) .

ويقول: (وأئمة المسلمين من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم متفقون على القول الوسط، المغاير لقول أهل التمثيل، وقول أهل التعطيل)(2) .

إن لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حقوقاً على المسلمين، وإن عليهم حقوقاً - أيضاً - فمنها: استحقاقهم الفيء (3) ، وأن الصدقة لا تحل لهم (4) ، ومما يتميزون به أن إجماع العترة حجة (5) ، ومما يتميزون به - أيضاً - وجوب الصلاة عليهم، لقوله صلى الله عليه وسلم:«قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» (6) ، وفي حديث أبي حميد الساعدي (7)«وعلى أزواجه وذريته» (8)، يقول رحمه الله: (الصلاة والسلام على آل محمد، وأهل بيته تقتضي أن يكونوا أفضل من سائر أهل

(1) منهاج السنة النبوية 2/100.

(2)

منهاج السنة النبوية 2/243، وانظر: ص46.

(3)

انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمة 4/600.

(4)

انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية 4/594.

(5)

انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 28/493.

(6)

سبق تخريجه ص397 - 398.

(7)

أبو حميد الساعدي: عبد الرحمن بن سعد، وقيل: عبد الرحمن بن عمرو بن سعد، شهد أحداً وما بعدها، توفي في آخر خلافة معاوية وأول خلافة يزيد.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 4/42، الإصابة لابن حجر 4/46.

(8)

الحديث أخرجه مسلم في صحيحه 1/306 كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي بعد التشهد، وابن ماجه في سننه 1/293 كتاب إقامة الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومالك في الموطأ 1/165 كتاب قصر الصلاة في السفر، باب ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 537

البيوت، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة الذين يقولون: بنو هاشم أفضل قريش، وقريش أفضل العرب، والعرب أفضل بني آدم) (1) .

وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم من آل بيته - على الصحيح - كما يقول ابن تيمية رحمه الله: (هل أزواجه من أهل بيته؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد:

أحدهما: أنهن لسن من أهل البيت، ويروى هذا عن زيد بن أرقم (2) ، والثاني - وهو الصحيح - أن أزواجه من آله) (3) .

وقال: (ودليل ذلك أن أزواجه هم ممن يصلى عليه كما ثبت ذلك في الصحيحين)(4) .

ولذلك فإن محبتهن واجبة، وبغضهن وسبّهن محرم:

يقول رحمه الله: (ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة، خصوصاً خديجة (5) رضي الله عنها أم أكثر أولاده، وأول من آمن به، وعاضده على أمره، وكان لها منه المنزلة العالية.

والصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» (6)(7) .

(1) منهاج السنة النبوية 7/243 - 244.

(2)

زيد بن أرقم بن زيد بن قيس الخزرجي، استصغر يوم أحد، وأول مشاهده الخندق، وقيل: المريسيع، غزا مع النبي سبع عشرة غزوة، له قصة في نزول سورة المنافقون، شهد صفين مع علي، ت سنة 66هـ.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 1/556، الإصابة لابن حجر 1/560.

(3)

منهاج السنة النبوية 7/75 - 76.

(4)

منهاج السنة النبوية 7/78.

(5)

خديجة بنت خويلد بن أسد القرشية، زوج النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين، وأول من صدق ببعثته، كانت تدعى قبل البعثة: الطاهرة، كانت موسرة، لها أثر كبير في تثبيت النبي أول الدعوة، ت سنة 10 من البعثة.

انظر في ترجمتها: الاستيعاب لابن عبد البر 4/279، الإصابة لابن حجر 4/281.

(6)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 7/106 كتاب فضائل أصحاب النبي، باب فضل عائشة، ومسلم في صحيحه 4/1895 كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عائشة.

(7)

العقيدة الواسطية (ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 3/154) .

ص: 538

وأما من قذف أمهات المؤمنين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: سواء كانت عائشة (ت - 58هـ) رضي الله عنها أو غيرها، فهو كافر؛ لأن هذا فيه عار وغضاضة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأذى له أعظم من أذاه بنكاحهن بعده (1) .

ولا يزال ابن تيمية رحمه الله يثني على آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعتقد أن أفضل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الرسول عليه الصلاة والسلام (2) .

وأما أفضل آل بيته من بعده فهو علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه ثم حمزة (3) ، وجعفر (4) ، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب (5) ؛ وهؤلاء هم السابقون للإسلام (6) .

وأما أعلم آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم فهو علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه ثم ابن عباس (ت - 68هـ) رضي الله عنهما كما بين ذلك في منهاج السنة (7) .

وأما موقف ابن تيمية رحمه الله من فاطمة (ت - 11هـ) رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مثل موقف أهل السنة، والجماعة تجاهها، حيث هي من أهل بيت

(1) انظر: الصارم المسلول لابن تيمية ص565. 567.

(2)

انظر: منهاج السنة النبوية 7/241، مجموع فتاوى ابن تيمية 27/472.

(3)

حمزة بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي، أبو عمارة، عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأخوه من الرضاعة، أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب، شهد بدراً، وأول لواء في الإسلام له في سرية، توفي في غزوة أحد سنة 3هـ.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 1/271، الإصابة لابن حجر 1/353.

(4)

جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب، أبو عبد الله، ابن عم النبي، وأحد السابقين، وأخو علي شقيقه، كان يحب المساكين، وأشبه الناس برسول الله، هاجر إلى الحبشة، وأسلم على يديه النجاشي، توفي في غزوة مؤتة سنة 8هـ.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 1/210، الإصابة لابن حجر 1/237.

(5)

عبيدة بن الحارث القرشي المطلبي، أسلم قديماً، وكان رأس بني عبد مناف يومئذ، شهد بدراً وجرح فيها ومات بعد ذلك.

انظر: ترجمته: الطبقات الكبرى لابن سعد 3/37، الإصابة لابن حجر 2/449.

(6)

انظر: منهاج السنة 6/194.

(7)

7/100.

ص: 539

رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن السابقين إلى الإسلام، ويعتقد أنها سيدة نساء العالمين (1) .

وأن تزويجها لعلي (ت - 40هـ) رضي الله عنه فضل له، لا لها (2)، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم محبته لها في أحاديث متعددة منها قوله:«إنما ابنتي بضعة مني يَريبني مارابها ويؤذيني ما آذاها» (3)، وفي مقام بيانه صلى الله عليه وسلم عدم قبوله الشفاعة في حدود الله حتى في أقرب قريب وحبيب ضرب لذلك مثلاً بأقرب الناس إليه وهي فاطمة حيث قال صلى الله عليه وسلم:«إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» (4) ، وبين رحمه الله أن الرافضة يذمونها بما ظاهره المدح (5) .

وأما موقفه من الحسن (6)، والحسين (7) رضي الله عنهما فهو: - كمن سبقهما -،

(1) انظر: منهاج السنة النبوية 4/63.

(2)

انظر: منهاج السنة النبوية 4/36.

(3)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 9/327 كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب فاطمة، ومسلم في صحيحه 4/1902 كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، واللفظ له.

(4)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 7/87 كتاب فضائل أصحاب النبي، باب ذكر أسامة بن زيد، ومسلم في صحيحه 3/1315 - 1316 كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف غيره، واللفظ له.

(5)

انظر فيما سبق: منهاج السنة النبوية 4/245 - 248، 250، 253، 587.

(6)

الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي، سبط رسول الله وريحانته، أبو محمد، أمير المؤمنين، لما مات أبوه كره القتال فتنازل عن الخلافة لمعاوية حقناً لدماء المسلمين فبايع معاوية رضي الله عنه، وعاش بعد ذلك عشر سنين، ت سنة 49هـ، وقيل غير ذلك.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 1/369، الإصابة لابن حجر 1/329.

(7)

الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي، أبو عبد الله، سبط رسول الله وريحانته، شهد مع أبيه الجمل وصفين وقتال الخوارج، ومكث مع أخيه بعد وفاة أبيه إلى أن سلم الأمر إلى معاوية، واستمر معه إلى أن مات الحسن، ثم خرج إلى الكوفة وقتل سنة 61هـ.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 1/378، الإصابة لابن حجر 1/332.

ص: 540

واحتج بالحديث الصحيح في فضل الحسن (ت - 49هـ) رضي الله عنه وهو قوله صلى الله عليه وسلم عنه: «اللهم إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه» (1) .

وقال عن الحسين (ت - 61هـ) رضي الله عنه: (والحسين رضي الله عنه ولعن قاتله قُتل مظلوماً شهيداً في خلافته (2)(3) .

وقال عنهما في مقام الثناء عليهما، والاعتذار لهما: (الحسن تخلى عن الأمر وسلمه إلى معاوية، ومعه جيوش العراق، وما كان يختار قتال المسلمين قط، وهذا متواتر من سيرته

والحسين رضي الله عنه ما خرج يريد القتال، ولكن ظن أن الناس يطيعونه، فلما رأى انصرافهم عنه، طلب الرجوع إلى وطنه، أو الذهاب إلى الثغر..) (4) .

وقال: (والحسن والحسين من أعظم أهل بيته اختصاصاً به)(5) ، ثم ذكر الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أدار كساءه على علي، وفاطمة، والحسن والحسين ثم قال:«اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً» (6) .

وقال رحمه الله عن علي بن الحسين (7) : (من كبار التابعين، وساداتهم علماً وديناً)(8) .

(1) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 10/332 كتاب اللباس، باب السخاب للصبيان، ومسلم في صحيحه 4/1883، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل الحسن والحسين.

(2)

أي في خلافة يزيد بن معاوية.

(3)

منهاج السنة النبوية 8/141.

(4)

منهاج السنة النبوية 4/42.

(5)

منهاج السنة النبوية 8/561.

(6)

الحديث أخرجه مسلم في صحيحه 4/1883 كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بيت النبي عن عائشة، والترمذي في سننه، كتاب فضائل الصحابة حديث 3205 واللفظ له، والدارمي في سننه 5/663 كتاب المناقب، باب مناقب أهل بيت النبي عن أم سلمة.

(7)

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن زين العابدين، ضرب به المثل في الحلم والورع والعبادة، كثير الصدقة، ت سنة 94هـ.

انظر في ترجمته: الطبقات الكبرى لابن سعد 5/162، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/429.

(8)

منهاج السنة النبوية 4/48، وانظر: ص48 - 50.

ص: 541

وقال: (وأما ثناء العلماء على علي بن الحسين ومناقبه فكثيرة

) (1) .

وأما أبو جعفر الباقر (2)، فقد قال عنه ابن تيمية رحمه الله:(من خيار أهل العلم والدين، وقيل: إنما سمي الباقر، لأنه بقر العلم؛ لا لأجل بقر السجود جبهته)(3) .

وقال رحمه الله عن جعفر الصادق (ت - 148هـ) : (من خيار أهل العلم والدين..)(4) .

وقال عنه: (فإن جعفر بن محمد من أئمة الدين باتفاق أهل السنة)(5) .

وقال عن أبي جعفر الباقر (ت - 114هـ) وجعفر الصادق (ت - 148هـ) - رحمهما الله -:

(ولا ريب أن هؤلاء من سادات المسلمين، وأئمة الدين، ولأقوالهم من الحرمة والقدر ما يستحقه أمثالهم)(6) .

ونقل في توثيق موسى بن جعفر (7)، قول أبي حاتم الرازي (ت - 277هـ) رحمه الله عنه:(ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين)(8) .

وأما من بعد هؤلاء من الأئمة الاثني عشر فلم يؤخذ عنهم من العلم ما

(1) منهاج السنة النبوية 7/534، وذكر بعد ذلك أقوال أهل العلم في الثناء عليه.

(2)

أبو جعفر الباقر: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، تابعي جليل، كان إماماً مجتهداً، كثير العبادة، كبير الشأن، ت سنة 114هـ.

انظر في ترجمته: حلية الأولياء لأبي نعيم 3/180، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/87.

(3)

منهاج السنة النبوية 4/50.

(4)

منهاج السنة النبوية 4/52.

(5)

منهاج السنة النبوية 2/245

(6)

منهاج السنة النبوية 5/162 - 163.

(7)

موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسين، من أعبد أهل زمانه، وأحد كبار العلماء، سكن المدينة ثم بغداد ثم عاد إلى المدينة، ت سنة 183هـ.

انظر في ترجمته: تاريخ بغداد للخطيب 13/27، ميزان الاعتدال للذهبي 4/201.

(8)

انظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 8/139 نقل ذلك عن أبيه.

ص: 542

يذكر به أخبارهم في كتب المشهورين بالعلم وتواريخهم (1) .

وفي الجملة: فمحبة ابن تيمية رحمه الله لآل البيت ظاهرة، وثناؤه عليهم متواصل، سواء كان ذلك في فضائلهم العامة التي يشتركون فيها جميعاً، أو كان ذلك في فضائل بعضهم على بعض، أو على سائر الأمة، يقول رحمه الله مقرراً حقوقهم بكلام عام:(ولا ريب أن لآلِ محمد صلى الله عليه وسلم حقاً على الأمة لا يشركهم فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر بطون قريش، كما أن قريشاً يستحقون من المحبة والموالاة ما لا يستحقه غير قريش من القبائل، كما أن جنس العرب يستحق من المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر أجناس بني آدم.. ولا ريب أنه قد ثبت اختصاص قريش بحكم شرعي، وهو كون الإمامة فيهم دون غيرهم، وثبت اختصاص بني هاشم بتحريم الصدقة عليهم، وكذلك استحقاقهم من الفيء عند أكثر العلماء، وبنو المطلب معهم في ذلك.. فهم مخصوصون بأحكام لهم وعليهم، وهذه الأحكام تثبت للواحد منهم وإن لم يكن رجلاً صالحاً)(2) .

وفي المقابل فإن الرافضة يلمزون أهل السنة والجماعة جميعهم بالوقيعة في أهل البيت، وبغضهم، كما فعلوا ذلك بابن كثير (ت - 774هـ) رحمه الله وغيره (3) .

المسألة الثانية: موقف ابن تيمية رحمه الله من علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

أثنى ابن تيمية رحمه الله على الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب (ت - 40هـ) رضي الله عنه وذكر فضائله، ومناقبه، وأنصفه من خصومه، ولكي أعطي صورة سريعة ومجملة حول موقفه منه يحسن بي أن أذكر النقاط التالية:

1 -

علي بن أبي طالب (ت - 40هـ) رضي الله عنه أفضل الأمة بعد الخلفاء الأوائل

(1) انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية 4/56.

(2)

مناج السنة النبوية 4/599، وانظر: الوصية الكبرى لابن تيمية ص42.

(3)

انظر: الغدير 3/218.

ص: 543

الثلاثة، وذلك موافق للنصوص الشرعية (1) .

2 -

أنه آخر الخلفاء الراشدين، وأن ذلك مما اتفقت عليه الأمة، يقول ابن تيمية رحمه الله:(وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه آخر الخلفاء الراشدين المهديين، وقد اتفق عامة أهل السنة من العلماء والعباد والأمراء والأجناد على أن يقولوا: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم (2) .

وقد أثبت الرسول صلى الله عليه وسلم أن خلافته خلافة نبوة، كما ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله في مواضع متعددة (3)، من حديث سفينة (4) المشهور قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء» قال سفينة رضي الله عنه: أمسك: مدة أبي بكر سنتان، وعمر عشر، وعثمان اثنتا عشرة، وعليّ كذا) (5) ، أي ست سنوات.

قال ابن تيمية رحمه الله: (عليّ آخر الخلفاء الراشدين، الذين هم ولايتهم خلافة نبوة ورحمة، وكلٌ من الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم يشهد له بأنه من أفضل أولياء الله المتقين)(6) .

3 -

أن محبته من السنة ومن الإيمان، يقول ابن تيمية رحمه الله: (وأما

(1) انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية 6/330، مجموع فتاوى ابن تيمية 4/421.

(2)

الوصية الكبرى ص41، وانظر: منهاج السنة النبوية له 4/404، مجموع فتاوى ابن تيمية 4/437.

(3)

انظر: منهاج السنة النبوية 1/515، 537، 4/522، 1/243.

(4)

سفينة مولى رسول الله، كان اسمه مهران وقيل غير ذلك، واختلف في اسمه اختلافاً كبيراً وصل إلى واحد وعشرين قولاً، كان أصله من فارس، اشترته أم سلمة فأعتقته، واشترطت عليه أن يخدم النبي.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 2/129، الإصابة لابن حجر 2/58.

(5)

الحديث أخرجه الترمذي في سننه 4/503 كتاب الفتن، باب ما جاء في الخلافة، وأبو داود في سننه 5/36 كتاب السنة، باب الخلفاء واللفظ له، وصححه الألباني في صحيح الجامع 1/630.

(6)

منهاج السنة النبوية 7/453.

ص: 544

علي رضي الله عنه فإن أهل السنة يحبونه ويتولونه، ويشهدون بأنه من الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين) (1) .

4 -

أنه من أهل الجنة وأنه يموت شهيداً (2) .

5 -

أن سيرته فيها العلم والعدل والبر والرشاد، كما يقول عنه شيخ الإسلام:(وأما عثمان وعلي رضي الله عنهما فهما من الخلفاء الراشدين، وسيرتهما سيرة العلم والعدل والهدى والرشاد والصدق والبر)(3)، ويقول - أيضاً -:(وكانت سيرة أبي بكر في قسم الأموال: التسوية، وكذلك سيرة علي رضي الله عنه، فلو بايعوا علياً أعطاهم ما أعطاهم أبو بكر، مع كون قبيلته أشرف القبائل..)(4) .

6 -

أثبت له ابن تيمية رحمه الله كثيراً من الصفات الحميدة، وقررها، فمنها:

أ - أنه يحب الله، ويحبه الله، كما يقول ابن تيمية رحمه الله: (وأما علي رضي الله عنه فلا ريب أنه ممن يحب الله ويحبه الله

) (5) .

ب - أثبت له صفة الزهد بقوله: (وأما زهد علي رضي الله عنه في المال فلا ريب فيه)(6) .

جـ - أثبت له صفة الصدق بقوله: (نحن نعلم أن علياً كان أتقى لله من أن يتعمد الكذب)(7) .

7 -

جواز الدعاء له بالصلاة عليه؛ وذلك لدخوله في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أفضلهم، فدخوله من باب أولى حين الصلاة على محمد وآله في قولنا: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم

) .

(1) منهاج النسة النبوية 6/18، وانظر: الوصية الكبرى له ص43.

(2)

انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 4/431، 25/306.

(3)

الأموال المشتركة ص65.

(4)

منهاج السنة النبوية 2/53

(5)

منهاج السنة النبوية 7/218، وانظر: ص366.

(6)

منهاج السنة النبوية 7/489.

(7)

منهاج السنة النبوية 7/88، وانظر: الأموال المشتركة له ص65.

ص: 545

وأما الصلاة عليه منفرداً: فإن كان لا على سبيل الدوام والاستمرار فهذا جائز على الصحيح.

وأما إن كانت الصلاة عليه بحيث يجعل ذلك شعاراً مقروناً باسمه، مضاهاة للنبي صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يجوز وهو بدعة، سواء كان المصلى عليه علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه أو كان غيره من الصحابة أو القرابة (1) .

ونجد من دعاء ابن تيمية رحمه الله له، أنه يعقب اسمه بقوله: عليه السلام مراراً (2) .

8 -

يدافع عنه ابن تيمية رحمه الله وينصفه من خصومه، ويعتقد أن سبه ولعنه من البغي الذي تستحق به الطائفة التي تلعنه، أو تسبه أن يقال لها: الطائفة الباغية (3) ثم ذكر حديث أبي سعيد (ت - 74هـ) رضي الله عنه فقال حين ذكر بناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل ينفض التراب عنه ويقول:«ويح عمار! تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» (4) .

وفي حديث آخر أن عماراً حين جعل يحفر الخندق جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه ويقول: «بؤس ابن سمية تقتلك فئة باغية» (5) .

قال ابن تيمية رحمه الله: (وهذا أيضاً يدل على صحة إمامة علي، ووجوب

(1) انظر في هذه المسألة: مجموع فتاوى ابن تيمية 4/420، 496، الفتاوى الكبرى له 1/474.

(2)

انظر: على سبيل المثال: الاستقامة 1/361، الصفدية 1/292، منهاج السنة النبوية 1/132.

(3)

انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 4/437.

(4)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 1/541 كتاب الصلاة، باب التعاون في بناء المساجد.

(5)

الحديث أخرجه مسلم في صحيحه 4/2235 - 2236 كتاب الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء.

ص: 546

طاعته، وأن الداعي إلى طاعته داع إلى الجنة، والداعي إلى مقاتلته داع إلى النار..) (1) .

9 -

أنه أفضل وأقرب إلى الحق من معاوية (ت - 60هـ) رضي الله عنهما فيما حصل بينهما، مع أن كلا الطائفتين معها بعض الحق، فبعد ذكره حديث أبي سعيد الخدري (ت - 74هـ) رضي الله عنه قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تمرق مارقة عند فُرقةٍ من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق» (2) . قال: (وفي هذا الحديث دليل على أنه مع كل طائفة حق، وأن علياً رضي الله عنه أقرب إلى الحق)(3) .

وقال رحمه الله: (ولو قدح رجل في علي بن أبي طالب بأنه قاتل معاوية، وأصحابه، وقاتل طلحة والزبير، لقيل له: علي بن أبي طالب أفضل وأولى بالعلم والعدل من الذين قاتلوه، فلا يجوز أن يجعل الذين قاتلوه هم العادلين، وهو ظالم لهم)(4) .

وقال - أيضاً -: (ولم يسترب أئمة السنة، وعلماء الحديث: أن علياً أولى بالحق، وأقرب إليه، كما دل عليه النص، وإن استرابوا في وصف الطائفة الأخرى بظلم أو بغي، ومن وصفها بالظلم والبغي لما جاء من حديث عمار، جعل المجتهد في ذلك من أهل التأويل)(5) .

10 -

وأما عن تخصيص علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه بعلم من علم الغيب، فليس بصحيح، فكل ما ينقل عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم خصه بعلم الباطن فهذا كذب عليه،

(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 4/437.

(2)

الحديث أخرجه مسلم في صحيحه 2/744 - 745 كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، وأبو داود في سننه 5/50 كتاب السنة حديث 4667.

(3)

الوصية الكبرى ص42، وانظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان له 73 - 74.

(4)

منهاج السنة النبوية 6/264.

(5)

مجموع فتاوى ابن تيمية 4/439، وانظر: ص433، 438، 466، وانظر: الجواب الصحيح له 6/114، السياسة الشرعية له 135، منهاج السنة النبوية 4/358، 383، 395.

ص: 547

كيف وقد قال الله عز وجل: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65]، وقوله:{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ} [الأنعام: 59] .

يقول ابن تيمية رحمه الله بعد أن بين أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له علم خاص باطن يخص به أحداً، بخلاف ما يظهره لعامة الناس:(وكل من كان عارفاً بسنته وسيرته علم أن ما يروى خلاف هذا فهو مختلق كذب، مثل ما يذكره بعض الرافضة عن علي أنه كان عنده علم خاص باطن يخالف هذا الظاهر)(1) .

ثم قال: (وقد أجمع أهل المعرفة بالمنقول على أن ما يروى عن علي وعن جعفر الصادق من هذه الأمور التي يدعيها الباطنية كذب مختلق)(2) .

وقال رحمه الله: (وأما ما يرويه أهل الكذب والجهل من اختصاص علي بعلم انفرد به عن الصحابة فكله باطل

، وما يقوله بعض الجهال أنه شرب من غُسل النبي صلى الله عليه وسلم فأورثه علم الأولين والآخرين، من أقبح الكذب البارد، فإن شرب غُسل الميت ليس بمشروع، ولا شرب علي شيئاً، ولو كان هذا يوجب العلم لشركه في ذلك كل من حضر، ولم يرو هذا عن أحد من أهل العلم، وكذلك ما يذكر أنه كان عنده علم باطن امتاز به عن أبي بكر وعمر وغيرهما: فهذا من مقالات الملاحدة الباطنية) (3) .

وقد قال علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه: (والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما عهد إليّ النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يعهده إلى الناس، إلا ما في هذه الصحيفة، - وكان فيها العقل (4) ، وفكاك الأسرى، وأن لا يقتل مسلم بكافر -، إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في الكتاب) (5) .

(1) درء تعارض العقل والنقل 5/25.

(2)

درء تعارض العقل والنقل 5/26.

(3)

مجموع فتاوى ابن تيمية 4/412 - 413، وانظر: منهاج السنة النبوية 8/10، 139 - 150.

(4)

العقل: الدية؛ لأن القاتل يكلف أن يسوق إبل الدية إلى فناء المقتول ثم يعقلها، انظر: المصباح المنير للفيومي ص422 - 423.

(5)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 1/204 كتاب العلم باب كتابة العلم، والدارمي في سننه 2/190 كتاب الديات، باب لا يقتل مسلم بكافر. بنحوه.

ص: 548

وفي الجملة: فثناء ابن تيمية رحمه الله على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب (ت - 40هـ) رضي الله عنه مبثوث في كتبه، قد أقره معترفاً به، مستدلاً على ذلك بنصوص الكتاب والسنة، يقول رحمه الله:(وعلي رضي الله عنه فضّله الله وشرّفه بسوابقه الحميدة، وفضائله العديدة)(1) .

وقال: (وكتب أهل السنة من جميع الطوائف مملوءة بذكر فضائله ومناقبة، وبذم الذين يظلمونه من جميع الفرق، وهم ينكرون على من سبه، وكارهون لذلك)(2) .

ومع كل هذا الثناء، والاعتراف بقدره، وموافقة أهل السنة في عقيدتهم فيه، إلا أن المناوئين لابن تيمية رحمه الله يتهمونه بأنه يبغض علياً، وأنه ينتقص حقه، ويخفي فضائله، وحال المناوئين معه كما قال الشاعر:

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد

وينكر الفم طعم الماء من سقم (3)

وابن تيمية رحمه الله وإن كان قد أثنى على علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه إلا أنه لم يغل فيه، ولم يغمطه حقه، بل كان وسطاً، ففي مناقشاته للرافضة يحاول كثيراً إقناعهم بالمنهج الوسط ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وذلك ببيان فضائل الخلفاء الثلاثة الذين سبقوا علياً (ت - 40هـ) رضي الله عنه وخصائصهم، وأنهم أفضل منه، لأن الرافضة لا يثنون على علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه إلا وينتقصون الخلفاء الثلاثة قبله، فكل فضيلة تثبت له، يقابلها توهين وتحقير وتنقيص لفضائل الثلاثة قبله، ويظن الرافضة - أيضاً - أن علياً (ت - 40هـ) رضي الله عنه إذا كان أفضل آل البيت فمعناه أنه أفضل الأمة، وأنهم إذا سمعوا فضيلة له ظنوا أنها لا تكون إلا لأفضل الأمة،

(1) منهاج السنة النبوية 7/474.

(2)

منهاج السنة النبوية 4/396، وانظر في أقوال القادحين في علي: منهاج السنة النبوية 4/389، 401، ومواقف الناس من علي: جامع الرسائل 1/262، منهاج السنة النبوية 1/535، 4/326، 7/452، وأقوال الناس في إمامة علي: منهاج السنة النبوية 1/537، 4/106.

(3)

انظر: ديوان البوصيري ص245.

ص: 549

ثم يزيدون في فضائله آثاراً كاذبة، ونصوصاً مختلقة، يقول ابن تيمية رحمه الله:(وليس إذا كان علي أفضل أهل البيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون أفضل الناس بعده)(1) .

ويقول: (والرافضة لفرط جهلهم، وبعدهم عن ولاية الله وتقواه ليس لهم نصيب كثير من كرامات الأولياء، فإذا سمعوا مثل هذا عن علي ظنوا أن هذا لا يكون إلا لأفضل الخلق)(2) .

ثم إن الرافضة ومن وافقهم - أيضاً لفرط جهلهم - لا يفرقون بين الخصائص والمناقب، فهم يظنون أن كل منقبة وفضيلة لعلي (ت - 40هـ) رضي الله عنه إنما هي من خصائصه بالضرورة، وهذا خطأ ظاهر ينبه عليه ابن تيمية رحمه الله كثيراً بأن هذه الصفة ليست من خصائصه، من باب بيان الحق، وعدم تنقيص بقية الصحابة الذين يشركونه في هذه الصفة، فيظن المخالف أن شيخ الإسلام رحمه الله ينتقص من علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه وابن تيمية رحمه الله لم ينتقص علياً (ت - 40هـ) رضي الله عنه ولا غيره من الصحابة، بل عمله هذا دليل على عدم انتقاص أحد من الصحابة في مقام الثناء على أحد غيره، ولعلّي أذكر بعض الأمثلة على هذه القاعدة - أي التفريق بين الخصائص والمناقب - حتى تتضح الرؤية أكثر:

أ - أن استخلافه على المدينة في غزوة تبوك ليس من خصائصه، بل هو من فضائله، ولم يكن استخلافه على المدينة في غزوة تبوك، لأجل أن المتخلف عن الغزوة أفضل من غيرهم، أو أكثر من غيرهم من المتخلفين في الغزوات الأخرى.

يقول ابن تيمية رحمه الله: (وأما استخلافه لعليّ على المدينة، فذلك ليس من خصائصه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج في غزاة استخلف على المدينة رجلاً من

(1) منهاج السنة النبوية 7/242.

(2)

منهاج السنة النبوية 8/203.

ص: 550

أصحابه، كما استخلف ابن أم مكتوم (1)

تارة، وعثمان بن عفان تارة) (2) وذكر أمثلة متعددة لاستخلاف النبي صلى الله عليه وسلم أفراداً من الصحابة على المدينة في أسفاره وغزواته ثم قال: (واستخلاف علي لم يكن على أكثر ولا أفضل ممن استخلف عليهم غيره، بل كان يكون في المدينة في كل غزوة من الغزوات من المهاجرين والأنصار أكثر وأفضل ممن تخلف في غزوة تبوك، فإن غزوة تبوك لم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأحد بالتخلف فيها، فلم يتخلف فيها إلا منافق، أو معذور، أو الثلاثة الذين تاب الله عليهم

) (3) .

وقال: (وبالجملة فالاستخلاف على المدينة ليست من خصائصه، ولا تدل على الأفضلية، ولا على الإمامة، بل قد استخلف عدداً غيره، ولكن هؤلاء جهال ويجعلون الفضائل العامة المشتركة بين علي وغيره خاصة بعلي)(4) .

فشيخ الإسلام رحمه الله لم ينكر كونها منقبة لعلي (ت - 40هـ) رضي الله عنه لكنه يرد غلو الرافضة في حبه في مقابل تنقص غيره من الصحابة، فهو يثبتها فضيلة، لكنه دفاعاً عن بقية الصحابة لا يجعلها خاصية له دون غيره.

ب - أن ربط الإيمان بحبه، وربط النفاق ببغضه ليس من خصائصه، بل هو من فضائله، فقد رُبطا بغيره - أيضاً -، ولهما - أي الإيمان والنفاق - علامات وأسباب أخرى.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار» (5) .

(1) ابن أم مكتوم بن قيس بن زائدة القرشي، ويقال: اسمه عمرو، ابن خال خديجة أم المؤمنين، أسلم قديماً بمكة، كان من المهاجرين الأولين، استخلفه النبي مرات كثيرة، كان يؤذن لرسول الله مع بلال.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 2/259، الإصابة لابن حجر 2/523.

(2)

منهاج السنة النبوية 4/271 - 272.

(3)

منهاج السنة النبوية 4/272.

(4)

منهاج السنة النبوية 7/338.

(5)

سبق تخريجه ص498.

ص: 551

يقول ابن تيمية رحمه الله بعد ذكره بعض فضائل علي، ومنها هذه الفضيلة:(فهذه الأمور ليست من خصائص علي، لكنها من فضائله ومناقبه التي تعرف بها فضيلته، واشتهر رواية أهل السنة لها، ليدفعوا بها قدح من قدح في علي، وجعلوه كافراً أو ظالماً، من الخوارج وغيرهم)(1) .

جـ - أن القول بأنه أشجع الناس، أو أن من خصائصه أنه لم ينهزم قط، فهذا ليس بصحيح، فإن أشجع الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين عن أنس (ت - 93هـ) رضي الله عنه قال:(كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم راجعاً وقد سبقهم إلى الصوت، وهو يقول: «لم تراعوا» (2) .

وعن علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه قال: (كنا إذا احمر البأس ولقي القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه)(3) ،

ثم استعرض شيخ الإسلام رحمه الله شجاعة الخلفاء الثلاثة قبله، وشجاعة غيره من الصحابة بعد أن بين أن الشجاعة تفسر بشيئين:

(أحدهما: قوة القلب وثباته عند المخاوف، والثاني: شدة القتال بالبدن

) (4) .

ويقول ابن تيمية رحمه الله عن تخصيصه بأنه لم يهزم: (هو في ذلك كأبي بكر

(1) منهاج السنة النبوية 4/371.

(2)

أخرج الحديث البخاري في صحيحه 6/95 كتاب الجهاد، والسير، باب الحمائل وتعليق السيف، ومسلم في صحيحه 4/1802 - 1803، كتاب الفضائل، باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وابن ماجه في سننه 2/926 كتاب الجهاد باب الخروج في النفير بلفظ (لن تراعوا) .

(3)

الحديث أخرجه أحمد في مسنده 1/156 من حديث علي رضي الله عنه وأبو يعلى في مسنده 1/258، وصحح إسناده الأرناؤوط في تحقيقه مسند الإمام أحمد 2/453 - 454.

(4)

منهاج السنة النبوية 8/77.

ص: 552

وعمر وطلحة والزبير وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم فالقول في أنه ما انهزم، كالقول في أن هؤلاء ما انهزموا قط، ولم يعرف لأحد من هؤلاء هزيمة) (1) .

د - أن الصدق، والإيمان بالله ورسوله ليس من خصائصه، بل هو في عداد الصادقين، والمؤمنين بالله ورسوله، وإن كان من أفضلهم لكن ليس من خصائصه هاتان الصفتان (2) .

هـ - أن محبته لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم له ليس من خصائصه، بل من فضائله ومناقبه؛ لأنه يشركه فيها غيره من الصحابة، وقد يفوقه بعضهم بهذه الصفة، قال ابن تيمية رحمه الله في كلام عادل له، ومنصف للخلفاء الأربعة جميعاً عن هذه الصفة في مقام الرد على الرافضة:(وأما علي رضي الله عنه فلا ريب أنه ممن يحب الله، ويحبه الله، لكن ليس بأحق بهذه الصفة من أبي بكر وعمر وعثمان، ولا كان جهاده للكفار والمرتدين أعظم من جهاد هؤلاء، ولا حصل به من المصلحة للدين أعظم مما حصل بهؤلاء، بل كل منهم له سعي مشكور، وعمل مبرور، وآثار صالحة في الإسلام، والله يجزيهم عن الإسلام وأهله خير جزاء، فهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون، الذين قضوا بالحق، وبه كانوا يعدلون)(3) .

وفي الجملة فإن الشيعة يجعلون كل فضيلة لعلي خاصية له، وهذا معلوم بطلانه وخطؤه ببديهة العقل، ولذا يقول ابن تيمية رحمه الله:(وهكذا الأمر مع الشيعة: يجعلون الأمور المشتركة بين علي وغيره التي تعمه وغيره، مختصة به، حتى رتبوا عليه ما يختص به من العصمة والإمامة والأفضلية وهذا كله منتفٍ)(4) .

(1) منهاج السنة النبوية 8/91.

(2)

انظر: منهاج السنة النبوية 5/20، 7/266 - 271.

(3)

منهاج السنة النبوبة 7/218 - 219، وانظر: 5/20

(4)

منهاج السنة النبوية 7/338، وقد بين رحمه الله أن فضائل علي مشتركة ليست خصائص له في مواضع متعددة من منهاج السنة النبوية، انظر: 5/6 - 7 - 7/172، 239، 8/421، 540.

ص: 553

هذه نماذج مختصرة في بيان فضائل علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه ومناقبه، التي يشترك معه فيها غيره من الصحابة رضي الله عنهم قد بينها ابن تيمية رحمه الله مثنياً بها على الجميع، ومحباً لجميع الصحابة في إثبات هذه الفضائل لهم، لكن الرافضة لما كان من منهجهم أنهم لا يثبتون منقبة لعلي (ت - 40هـ) رضي الله عنه إلا ويتبعونها بالغمز واللمز على غيره من الصحابة، سواء كانوا أفضل منه أو أقل منه في مرتبة الفضل، قابلهم ابن تيمية رحمه الله في مقام المناظرة لهم بأن لا يذكر فضيلة لعلي (ت - 40هـ) رضي الله عنه إلا ويذكر من شاركه من الصحابه فيها، ويركز على الخلفاء الراشدين الثلاثة قبله، مبيناً فضلهم، ومنزلتهم، وأنهم أحق بهذه الصفات والمناقب منه، فصفاتهم أكمل من صفاته، وإن كان هو أفضل من بقية الصحابة من غير الخلفاء الثلاثة قبله، فما من صفة ذم يذم بها الرافضة الخلفاء الراشدين الثلاثة، إلا ويلزمهم ابن تيمية رحمه الله بأن علياً (ت - 40هـ) رضي الله عنه أولى بالذم منهم، وما من صفة مدح من الرافضة له، إلا والثلاثة قبله أولى بالمدح منه، ويلاحظ أن ابن تيمية رحمه الله لم يذم علياً (ت - 40هـ) رضي الله عنه قط، لكن الرافضة يظنون أن بيان ابن تيمية رحمه الله مشاركة الصحابة علياً (ت - 40هـ) رضي الله عنه في بعض الصفات هو من باب الذم له، إلا أن ابن تيمية رحمه الله بين أن الرافضة هم الذين يذمون علياً (ت - 40هـ) رضي الله عنه في مواضع يظنون أنهم يمدحونه ويثنون عليه فيها، أو أنهم في المقابل يغلون في حبه، ويفرطون في ذلك (1) .

ومن الأمثلة على مقابلة ابن تيمية رحمه الله مدح الرافضة علياً (ت - 40هـ) رضي الله عنه بمدح الخلفاء الثلاثة، وذم الرافضة الخلفاء الثلاثة بأن علياً (ت - 40هـ) رضي الله عنه أولى بالذم - من باب الإلزام في المناظرة - ما يلي:

قال رحمه الله: (من العجب أن الرافضة تنكر سب علي، وهم يسبون أبا بكر وعمر وعثمان، ويكفرونهم ومن والاهم.

ومعاوية رضي الله عنه وأصحابه ما كانوا يكفرون علياً، وإنما يكفره الخوارج

(1) انظر: منهاج النبوية 7/491، 8/5، 158.

ص: 554

المارقون، والرافضة شر منهم، فلو أنكرت الخوارج السب لكان تناقضاً منها، فكيف إذا أنكرته الرافضة؟

ولا ريب أنه لا يجوز سب أحد من الصحابة: لا علي ولا عثمان ولا غيرهما، ومن سب أبا بكر وعمر وعثمان فهو أعظم إثماً ممن سب علياً

) (1) .

وقال رحمه الله: (وإن قالوا بجهلهم: إن هذا الذنب (2) كفر، ليكفروا بذلك أبا بكر، لزمهم تكفير علي، واللازم باطل فالملزوم مثله، وهم دائماً يعيبون أبا بكر وعمر وعثمان، بل ويكفرونهم بأمور قد صدر من علي ما هو مثلها، أو أبعد عن العذر منها، فإن كان مأجوراً أو معذوراً فهم أولى بالأجر والعذر) (3) .

وبيّن رحمه الله وسطيته في موقفه من الصحابة بين الخوارج والرافضة فقال: (وإذا كنا ندفع من يقدح في علي من الخوارج، مع ظهور هذه الشبهة (4) ، فلأن ندفع من يقدح في أبي بكر وعمر بطريق الأولى والأحرى.

وإن جاز أن يظن بأبي بكر أنه كان قاصداً للرئاسة بالباطل، مع أنه لم يعرف منه إلا ضد ذلك، فالظن بمن قاتل على الولاية - ولم يحصل مقصوده - أولى وأحرى

فإذا كنا نظن بعلي أنه كان قاصداً للحق والدين، وغير مريد علواً في الأرض ولا فساداً، فظن ذلك بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما أولى وأحرى..

أما أن يقال: إن أبا بكر كان يريد العلو في الأرض والفساد، وعلي لم يكن يريد علواً في الأرض ولا فساداً، مع ظهور السيرتين، فهذا مكابرة، وليس فيما تواتر من السيرتين ما يدل على ذلك..) (5) .

(1) منهاج السنة النبوية 4/468.

(2)

أي إيذاء فاطمة رضي الله عنها بنت الرسول صلى الله عليه وسلم.

(3)

منهاج السنة النبوية 4/253.

(4)

في القتال الدائر بين الصحابة في عهد علي رضي الله عنه.

(5)

منهاج السنة النبوية 7/454 - 455، ويلاحظ أن أكثر النصوص التي يزعم الرافضة أن ابن تيمية رحمه الله يبغض فيها علياً رضي الله عنه إنما هي من منهاج السنة، وهذا الكتاب رد على الرافضة، فأغلب النصوص التي فيها مقارنة علي بغيره هي في هذا الكتاب من باب الإلزام وإقامة الحجة على المخالف، ويكون في المناظرة والرد ما لا يكون في ابتداء الكلام والعرض.

ص: 555

وفي الجملة فإن محبة ابن تيمية رحمه الله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآل بيته، وعلي بن أبي طالب (ت - 40هـ) رضي الله عنهم ظاهرة معلومة، وواضحة لمن قرأ كتب شيخ الإسلام بإنصاف، وطلبٍ للحق، ولكنه الهوى يُعمي ويُصم {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ} [النجم: 23] .

ص: 556