المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأولعقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة - دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية - عرض ونقد

[عبد الله بن صالح الغصن]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أسباب اختيار البحث:

- ‌خطة البحث:

- ‌ منهج في كتابة البحث

- ‌[شكر وتقدير]

- ‌[التمهيد]

- ‌ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

- ‌1 - اسمه ونسبه:

- ‌2 - مولده ونشأته:

- ‌3 - عصره:

- ‌أولاً: الناحية السياسية:

- ‌ثانياً: الناحية الاجتماعية:

- ‌ثالثاً: الناحية العلمية:

- ‌4 - محن الشيخ:

- ‌5 - وفاته رحمه الله:

- ‌6 - مؤلفاته:

- ‌7 - بعض ثناء الناس عليه:

- ‌منهج شيخ الإسلام في تقرير العقيدة والاستدلال عليها:

- ‌الفصل الأول: المناوئون لشيخ الإسلام، ودعاواهم حول منهجه

- ‌المبحث الأول: المناوئون لشيخ الإسلام

- ‌المطلب الأول: أقسام المناوئين

- ‌المطلب الثانيالمنهج العام للمناوئين

- ‌المطلب الثالثاعتراف خصومه بقدره

- ‌المبحث الثانيدعاوى المناوئين حول منهج شيخ الإسلام ابن تيمية ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعاوى المناوئين حول منهج شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌المطلب الثانيمناقشة دعاوى المناوئين حول منهج ابن تيمية

- ‌الفصل الثانيدعوى التجسيم والتشبيه

- ‌المبحث الأول:قول أهل السنة في مسألة التجسيم والتشبيه

- ‌المطلب الأول: التعريف بالمشبهة

- ‌المطلب الثانياعتقاد السلف نفي التمثيل والتشبيه

- ‌المطلب الثالثرد السلف دعوى أن الإثبات يستلزم التشبيه

- ‌المبحث الثانيدعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام أخذ التشبيه ممن قبله، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام أخذ التشبيه ممن قبله

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى قوله بالجهة والتحيز ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى قوله بالجهة والتحيز

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الثالث: دعوى القول بقدم العالم

- ‌المبحث الأولمعتقد أهل السنة في إمكان حوادث لا أول لها

- ‌المطلب الأولالتسلسل: تعريفه، أقسامه، حكم كل قسم

- ‌المطلب الثانيالصفات الاختيارية

- ‌المطلب الثالثشرح حديث عمران بن حصين رضي الله عنه

- ‌المبحث الثانيدعوى أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لهايستلزم القول بقدم العالم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لها يستلزم القول بقدم العالم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الرابعدعوى نهي ابن تيمية عن زيارة القبور

- ‌المبحث الأولعقيدة أهل السنة في زيارة القبور وشد الرحل إليها

- ‌المبحث الثانيالزعم أن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور ومناقشته

- ‌المطلب الأولالزعم بأن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور

- ‌المطلب الثانيمناقشة دعوى أن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام ينتقص من منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام ينتقص من منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ومناقشتها

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى مخالفة ابن تيمية الصحابة في قولهم بجواز بناء المساجد على القبور ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى مخالفة ابن تيمية الصحابة في قولهم بجواز بناء المساجد على القبور

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الخامسدعوى أن ابن تيمية يساوي في المنزلة بين قبور الأنبياءوقبور غيرهم ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن ابن تيمية يساوي في المنزلة بين قبور الأنبياءوقبور غيرهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل الخامسمسألة التوسل

- ‌المبحث الأول: عقيدة أهل السنة والجماعة في التوسل

- ‌المبحث الثانيدعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين،وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين،وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدمجواز التوسل بالنبي، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدم جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين،وإهانته لهم، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين، وإهانته لهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل السادسموقف شيخ الإسلام من الصحابة

- ‌المبحث الأولعقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة

- ‌المبحث الثانيدعوى تخطئة شيخ الإسلام الصحابة بما فيهمالأئمة الخلفاء الأربعة، ومناقشتها

- ‌المطلب الأول دعوى تخطئة شيخ الإسلام الصحابة بما فيهم الأئمة الخلفاء الأربعة

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الثالثدعوى تكلف شيخ الإسلام الغمز على أهل البيت،وتعمية مناقبهم، ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى تكلف شيخ الإسلام الغمز على أهل البيت، وتعمية مناقبهم

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌المبحث الرابعدعوى رد الأحاديث الصحيحة في مقام المبالغةفي توهين كلام الشيعة ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى رد الأحاديث الصحيحةفي مقام المبالغة في توهين كلام الشيعة

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الفصل السابعمسألة دوام النار

- ‌المبحث الأولدلالة نصوص الكتاب والسنة على خلود النار

- ‌المبحث الثانيدعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار ومناقشتها

- ‌المطلب الأولدعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار

- ‌المطلب الثانيمناقشة الدعوى

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌المبحث الأولعقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة

‌المبحث الأول

عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة

الصاحب: مشتق من الصحبة، وهو اسم فاعل من صحب يصحب، والجمع: أصحاب، وأصاحيب، وصحب، وصحاب، وصحبة، وصحبان، وأما لفظ الصحابة فهو في الأصل مصدر ثم صارت جمعاً مفرده صاحب، ولم يجمع فاعل على فَعَالة إلا هذا.

ومعاني الصحبة في اللغة تدور حول: الملازمة، والانقياد (1) .

وأما تعريف الصحابي اصطلاحاً: فأصح التعريفات: تعريف المحدثين (2) ، وقد اختلفوا فيه اختلافاً كثيراً.

ومن ذلك قول ابن المديني (ت - 234هـ) رحمه الله: (من صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (3) .

ومن ذلك قول الإمام البخاري (ت - 256هـ) رحمه الله: (من صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه)(4) .

(1) انظر: لسان العرب لابن منظور 1/519 مادة (صحب) ، القاموس المحيط للفيروزآبادي 1/95 مادة (صحبه) .

(2)

كما أن للأصوليين تعريفاً آخر يشترطون فيه طول الصحبة، وكثرة اللقاء للأخذ عنه وهذا ليس بلازم على الصحيح.

انظر: مقدمة ابن الصلاح 146، التقييد والإيضاح للعراقي ص297 - 298، تيسير التحرير لأمير بادشاه 3/66، إرشاد الفحول للشوكاني ص70 - 71.

(3)

انظر: فتح الباري لابن حجر 7/5.

(4)

صحيح البخاري (مع شرحه فتح الباري لابن حجر 7/3) .

ص: 485

وأصح التعريفات عند المحدثين هو حد الحافظ ابن حجر (ت - 852هـ) قال رحمه الله: (الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام)(1) .

ويشرح التعريف، ويذكر محترزاته بأنه يدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه، أو لم يرو عنه، ومن غزا معه، أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه ومن لم يره لعارض كالعمى (2) .

ويخرج بقيد الإيمان من لقيه كافراً ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أخرى.

ويخرج بلفظة (به) : من لقيه مؤمنا بغيره، كمن لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة.

وأما ورقة بن نوفل فقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به بعد بعثته، فلا يصح أن يمثل به على أنه مؤمن بغير النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه مات على ذلك.

وأما اشتراط الموت على الإسلام: فيخرج به من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ثم ارتد ومات على ردته والعياذ بالله، كعبد الله بن جحش، وربيعة بن أمية الجمحي، وابن خطل (3) .

وأما من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم ثم ارتد ثم آمن ولقيه في حياته فهذا صحابي اتفاقاً كعبد الله بن سعد بن أبي السرح (4) ،

وإن عاد من ردته إلى الإسلام في

(1) الإصابة في تمييز الصحابة 1/7.

(2)

وأما ما ذكره البغدادي في الكفاية ص99 من أن سعيد بن المسيب يشترط في الصحبة أن يقيم الصحابي مع النبي سنة أو سنتين أو يشهد غزوة أو غزوتين فهذا لا يصح عن ابن المسيب ففي سنده الواقدي وهو ضعيف، بل قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال 3/666 (استقر الإجماع على وهن الواقدي) .

(3)

ابن جحش تنصر، ومات على نصرانيته، وأما ابن خطل فقد قتل وهو متعلق بأستار الكعبة مرتداً، وأما ربيعة فقد ارتد في خلافة عمر، وتنصر، وفر إلى بلاد الروم، انظر: الإصابة لابن حجر 1/8.

(4)

عبد الله بن سعد بن أبي السرح بن الحارث القرشي العامري، أبو يحيى، كان أخا عثمان من الرضاعة، أسلم بعد فتح مكة، شهد فتح مصر، وأمره عثمان عليها، ولما وقعت الفتنة سكن عسقلان ت بها سنة 36هـ.

انظر في ترجمته: الإصابة لابن حجر 2/316.

ص: 486

حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، أو بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كقرة بن هبيرة (1) ، والأشعث بن قيس (2) ، فهو صحابي على الصحيح (3) .

وتعرف صحبة الصحابي بأحد أمور أربعة: إما بالتواتر على أنه صحابي كأبي بكر (ت - 13هـ) وعمر (ت - 23هـ) وبقية العشرة.

وإما بالاستفاضة والشهرة: وهذه منزلة أقل من الأولى.

وإما أن يثبت أحد الصحابة لآخر الصحبة، فتثبت له بشهادة صحابي آخر.

وإما بإخباره عن نفسه بأنه صحابي. إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة، فالصحابة كلهم عدول، ولذا قال الحافظ العراقي (4) في ألفيته:

وتعرف الصحبة باشتهار أو

تواتر أو قول صاحب ولو

قد ادعاها وهو عدل قبلا

وهم عدول وقيل لا من دخلا (5)

(1) قرة بن عامر بن سلمة العامري القشيري، له صحبة، أحد الوجوه من الوفود، وهو الجد الأعلى للصمة بن عبد الله بن الطفيل بن قرة، أحد شعراء بني أمية المشاهير، ارتد قرة ثم أسر فاعتذر عن ارتداده؛ لأنه كان له مال وولد، فخاف عليهم ولم يرتد في الباطن.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 3/253، الإصابة لابن حجر 3/234.

(2)

الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي، أبو محمد، أمير كنده في الجاهلية والإسلام، وفد على النبي بعد ظهور الإسلام فأسلم وشهد اليرموك، امتنع عن تأدية الزكاة، وأتي به إلى أبي بكر فحسن إسلامه، وأبلى البلاء الحسن، ت سنة 40هـ.

انظر في ترجمته: الطبقات الكبرى لابن سعد 6/99 شذرات الذهب لابن العماد 1/49.

(3)

انظر: الإصابة لابن حجر 1/8.

(4)

العراقي: عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي، أبو الفضل الحافظ من كبار حفاظ الحديث، تجول في الأمصار طلباً للعلم، مؤلف مكثر، ت سنة 806هـ.

انظر في ترجمته: شذرات الذهب لابن العماد 7/55، البدر الطالع للشوكاني 1/352.

(5)

ألفية العراقي (ضمن شرحها فتح المغيث للسخاوي 3/80)، وانظر: تدريب الراوي للسيوطي 2/213.

ص: 487

وقد أثنى الله عز وجل على الصحابة الكرام، فتارة يثنى على السابقين منهم، وتارة يثني على الذين جاهدوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وتارة يثني عليهم بمجموعهم.

قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100] .

وقال - سبحانه -: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117] .

وقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الفتح: 29] .

وقال عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7] .

وقال: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد: 10] .

ومن فضلهم في السنة ما حدث به أبو سعيد الخدري (ت - 74هـ) رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس، فيقال لهم: فيكم من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، فيقولون: نعم فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس، فيقال لهم: هل فيكم من رأى من

ص: 488

صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم فيفتح لهم» (1) .

وقال عليه الصلاة والسلام: «خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» (2) .

وقال عليه الصلاة والسلام: «لا يدخل النار - إن شاء الله - من أصحاب الشجرة أحد» (3) .

وأما ذكر فضل الصحابة في كلام السلف فكثير أذكر منه أمثلة: كقول الإمام الشافعي (ت - 204هـ) رحمه الله: (قد أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن والتوراة والإنجيل، وسبق لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل ما ليس لأحد بعدهم، فرحمهم الله، وهنأهم بما آتاهم من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين أدوا إلينا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاماً وخاصاً، وعزماً وإرشاداً، وعرفوا من سننه ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل، وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا

) (4) .

وقال ابن أبي حاتم (ت - 327هـ) رحمه الله: (أما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل، وعرفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونصرته، وإقامة دينه، وإظهار حقه، فرضيهم له صحابة، وجعلهم لنا أعلاماً وقدوة: فحفظوا عنه صلى الله عليه وسلم ما بلغهم عن الله - عز

(1) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 7/3 كتاب فضائل أصحاب النبي، باب فضائل أصحاب النبي، ومسلم في صحيحه 4/1962 كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة، واللفظ له.

(2)

سبق تخريجه ص105.

(3)

الحديث أخرجه مسلم في صحيحه 4/1942 كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة، وأحمد في مسنده 3/350 من حديث جابر رضي الله عنه.

(4)

مناقب الشافعي للبيهقي 1/442 - 443.

ص: 489

وجل - وما سن وشرع، وحكم وقضى، وندب وأمر، ونهى وحظر وأدب، ووعوه وأتقنوه، ففقهوا في الدين، وعلموا أمر الله ونهية، ومراده بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله، وتلقفهم منه، واستنباطهم عنه، فشرفهم الله عز وجل بما من عليهم، وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة، فنفى عنهم الشك والكذب، والغلط والريبة والغمز) (1) .

وقال ابن أبي زيد القيرواني (2) :

(وأن خير القرون الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآمنوا به، ثم الذين يلونهم)(3) .

وبعد إثبات فضل الصحابة - رضوان الله عليهم - على غيرهم، تبقى مسألة وهي: هل الصحابة يتفاضلون فيما بينهم، أم أنهم في منزلة سواء؟.

الصحيح: أن الصحابة - رضوان الله عليهم - يتفاضلون بينهم كغيرهم من سائر الخليقة، وأنهم ليسوا على درجة واحدة (4) .

ودليل هذا التفاضل ما ثبت في كتاب الله عز وجل من التفريق بين الصحابة الذين آمنوا قبل الفتح، وبين الصحابة الذين آمنوا بعدهم، فأثبت أن الأوائل أعظم درجة عند الله، وإن كانوا جميعاً لهم فضل وأجر الصحبة، كما قال عز وجل:{لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10] .

(1) الجرح والتعديل 1/7 - 8.

(2)

ابن أبي زيد القيرواني: عبد الله بن أبي زيد بن عبد الرحمن القيرواني، أبو محمد، كان من أهل العلم والورع، وكان فصيح اللسان، مالكي المذهب، ت سنة 386هـ.

انظر في ترجمته: شجرة النور الزكية لمخلوف ص96.

(3)

المقدمة (ضمن شرحها للأمين الحاج أحمد ص18) .

(4)

يرى بعض المعتزلة ومن وافقهم التوقف في مسألة التفاضل بين الصحابة بحجة أنا لا نعرف كمية أجورهم وثوابهم، ومدى قبول أعمالهم، انظر: المغني في التوحيد والعدل للقاضي عبد الجبار 20/117 - 118، وهذا القول مخالف للكتاب والسنة كما سيأتي.

ص: 490

وأفضل الصحابة على الإطلاق أبو بكر الصديق (ت - 13هـ) رضي الله عنه ثم عمر الفاروق (ت - 23هـ) رضي الله عنه ثم عثمان بن عفان (ت - 35هـ) رضي الله عنه ثم علي بن أبي طالب (ت - 40هـ) رضي الله عنه وترتيبهم في الفضل هو ترتيبهم في الخلافة على قول جمهور الصحابة، والمخالف للجمهور يرى أفضلية علي (ت - 40هـ) رضي الله عنه على عثمان (ت - 35هـ) رضي الله عنه لا أحقيته بالخلافة؛ لأن ترتيب الخلافة مما لا يعلم فيه مخالف من أهل السنة والجماعة.

ومما يدل على أفضلية أبي بكر الصديق (ت - 13هـ) رضي الله عنه ما جاء عن أبي سعيد الخدري (ت - 74هـ) رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: «إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله» ، قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن من أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي، لا تخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سُدَّ إلا بابُ أبي بكر» (1) .

وأما أفضلية عمر (ت - 23هـ) رضي الله عنه فيدل عليها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «رأيتني دخلت الجنة، فإذا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة (2) فقلت من هذا؟ فقال: هذا بلال (3) ،

ورأيت قصراً بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقال: لعمر،

(1) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 1/558 كتاب الصلاة، باب الخوخة والممر في المسجد، ومسلم في صحيحه 4/1854 كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

(2)

الخشفة: الحركة والحس، وقيل: الصوت، والحس الخفي.

انظر: لسان العرب لابن منظور 9/71 مادة (خشف) القاموس المحيط للفيروزآبداي 3/137 مادة (خشف) .

(3)

بلال بن رباح الحبشي، أبو عبد الله، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السابقين إلى الإسلام، شهد المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ت سنة 20هـ.

انظر في ترجمته: الطبقات الكبرى لابن سعد 3/174، سير أعلام النبلاء للذهبي 1/347.

ص: 491

فأردت أن أدخله فأنظر إليه، فذكرت غيرتك» ، فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار (1) .

وعن أبي هريرة (ت - 57هـ) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون (2) ، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر» (3) .

وأما أدلة تفضيل عثمان بن عفان (ت - 35هـ) رضي الله عنه فكثيرة منها: ما رواه عبد الله بن عمر (ت - 72هـ) رضي الله عنهما قال: (كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم)(4) .

وعن أبي موسى الأشعري (ت - 42هـ) رضي الله عنه قال: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطاً، وأمرني بحفظ باب الحائط، فجاء رجل يستأذن، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة» ، فإذا أبو بكر، ثم جاء آخر يستأذن فقال: «ائذن له وبشره بالجنة» فإذا عمر، ثم جاء آخر يستأذن، فسكت هنيهة ثم قال: «ائذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه» فإذا عثمان بن عفان)(5) .

وأما فضائل علي بن أبي طالب (ت - 40هـ) رضي الله عنه فكثيرة، ومما ورد في فضله من أحاديث: قول الرسول صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: «لأعطين الراية رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله» (6) .

(1) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 7/40 كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب واللفظ له، ومسلم في صحيحه 4/1862 - 1863 كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر.

(2)

المحدَّث: الملهم وهو الذي يُلقى في نفسه الشيء فيخبر به حدساً وفراسة، انظر: لسان العرب لابن منظور 2/134، مادة (حدث) .

(3)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 7/42 كتاب فضائل أصحاب النبي، باب مناقب عمر، ومسلم في صحيحه 4/1564، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر.

(4)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 7/16 كتاب فضائل أصحاب النبي، باب فضل أبي بكر بعد النبي، وأبو داود في سننه 5/24 - 25 كتاب السنة باب في التفضيل.

(5)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 7/43 كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر، ومسلم في صحيحه 4/1867 كتاب فضائل الصحابة.

(6)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 7/70 كتاب فضائل أصحاب النبي، باب مناقب علي بن أبي طالب، ومسلم في صحيحه /1871 كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي واللفظ له، وابن ماجه في سننه 1/43 - 44 المقدمة، باب من فضائل علي بن أبي طالب.

ص: 492

وقال له صلى الله عليه وسلم: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي» (1) .

وقد تواترت النصوص عن أئمة أهل السنة والجماعة في بيان أفضلية الخلفاء الأربعة على غيرهم من الصحابة، وأن ترتيبهم في الفضل هو ترتيبهم في الخلافة، وقد جعلوا ذلك ديناً يدينون الله به، وجزءاً من معتقدهم، فأثبتوه في عقائدهم، ولعلي أستشهد ببعض قولهم للتمثيل على هذه القاعدة المهمة في معتقد أهل السنة في الصحابة الكرام:

فقد قال الطبري (ت - 310هـ) رحمه الله: (أفضل أصحابه صلى الله عليه وسلم الصديق أبو بكر رضي الله عنه، ثم الفاروق - بعده - عمر، ثم ذو النورين عثمان بن عفان، ثم أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب - رضوان الله عليهم أجمعين -)(2) .

وقال الإسماعيلي (ت - 371هـ) رحمه الله: (ويثبتون خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم باختيار الصحابة إياه، ثم خلافة عمر بعد أبي بكر رضي الله عنه باستخلاف أبي بكر إياه.

ثم خلافة عثمان رضي الله عنه باجتماع أهل الشورى وسائر المسلمين عليه عن أمر عمر، ثم خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ببيعته من بايع من البدريين عمار بن ياسر (3) ، وسهل بن حنيف (4) ، ومن تبعهما من سائر الصحابة، مع

(1) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 7/71 كتاب فضائل أصحاب النبي، باب مناقب علي، ومسلم في صحيحه 4/1871 كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي.

(2)

صريح السنة ص24.

(3)

عمار بن ياسر الكناني، أبو اليقظان، أحد الصحابة الشجعان، ومن السابقين إلى الإسلام، شهد المشاهد، ت سنة 37هـ.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 2/476، الإصابة لابن حجر 2/512.

(4)

سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم الأنصاري الأوسي، أبو سعد، من السابقين، شهد بدراً وما بعدها، وثبت يوم أحد وبايع على الموت، شهد صفين مع علي، ت سنة 38هـ.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 2/92، الإصابة لابن حجر 2/87.

ص: 493

سابقته وفضله) (1) .

وقال ابن أبي زمنين (ت - 399هـ) رحمه الله: (ومن قول أهل السنة أن أفضل هذه الأمة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر، وأفضل الناس بعدهما عثمان وعلي)(2) .

وقال الصابوني (ت - 449هـ) رحمه الله: (ويشهدون ويعتقدون أن أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وأنهم الخلفاء الراشدون)(3) .

وقال الحافظ عبد الغني المقدسي (ت - 600هـ) رحمه الله: (ونعتقد أن خير هذه الأمة، وأفضلها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه الأخص، وأخوه في الإسلام، ورفيقه في الهجرة والغار: أبو بكر الصديق، ووزيره في حياته، وخليفته بعد وفاته عبد الله بن عثمان بن عتيق بن أبي قحافة، ثم بعده الفاروق، أبو حفص عمر بن الخطاب الذي أعز الله به الإسلام، وأظهر الدين، ثم بعده ذو النورين أبو عبد الله عثمان بن عفان الذي جمع القرآن، وأظهر العدل والإحسان، ثم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه علي بن أبي طالب - رضوان الله عليهم أجمعين - فهؤلاء الخلفاء الراشدون، والأئمة المهديون)(4) .

وأخيراً أذكر قول ابن قدامة (ت - 620هـ) رحمه الله: (وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام، وأفضل أمته أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى رضي الله عنهم أجمعين -)(5) .

(1) اعتقاد أهل السنة ص46 - 47.

(2)

أصول السنة (مع تخريجه رياض الجنة ص270) .

(3)

عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص289.

(4)

عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي ص85 - 86.

(5)

لمعة الاعتقاد ص31.

ص: 494

وقد اختلف أهل العلم في عدد طبقات الصحابة وأيها أفضل (1) ؟، والصحيح أنهم على اثنتي عشرة طبقة وهم:

الطبقة الأولى: من أسلم بمكة متقدماً كالخلفاء الراشدين وغيرهم رضي الله عنهم.

الطبقة الثانية: أصحاب دار الندوة.

الطبقة الثالثة: الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة.

الطبقة الرابعة: الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة الأولى، يقال: فلان عَقَبي.

الطبقة الخامسة: أصحاب العقبة الثانية وأكثرهم من الأنصار.

الطبقة السادسة: أول المهاجرين الذين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بقباء، قبل أن يدخلوا المدينة ويبنى المسجد.

الطبقة السابعة: أهل بدر، الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم:«لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» (2) .

الطبقة الثامنة: المهاجرة الذين هاجروا بين بدر والحديبية.

الطبقة التاسعة: أهل بيعة الرضوان الذين أنزل الله تعالى فيهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] .

الطبقة العاشرة: المهاجرة بين الحديبية والفتح كخالد بن الوليد (3) ،

(1) انظر: الخلاف بشيء من البسط: صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة للكبيسي ص103 - 116.

(2)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 7/305 كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدرا، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، رقم 2494، واللفظ له.

(3)

خالد بن الوليد بن عبد الله القرشي المخزومي، أبو سليمان، سيف الله، أحد أشراف قريش في الجاهلية، أسلم بعد خيبر، وشهد مؤته، وشهد مع النبي فتح مكة، له مواقف بطولية في فتوحات المسلمين، ت سنة 21هـ.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 1/405، الإصابة لابن حجر 1/415.

ص: 495

وعمرو بن العاص (1) وغيرهما.

الطبقة الحادية عشرة: الذين أسلموا يوم الفتح، وهم جماعة من قريش.

الطبقة الثانية عشرة: صبيان وأطفال رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وفي حجة الوداع وغيرها، وعدادهم في الصحابة (2) .

ونشهد لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، كالخلفاء الأربعة الراشدين، وبقية العشرة المبشرين بالجنة، وهم طلحة بن عبيد الله (3) ، والزبير بن العوام (4) ، وسعد بن أبي وقاص (5) ، وسعيد بن زيد (6) ، وعبد الرحمن بن

(1) عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشي السهمي، أبو عبد الله، صحابي جليل، أسلم قبل الفتح، ومن فرسان قريش، تولى إمارة مصر، وكان شاعراً حسن الشعر، ت سنة 42هـ.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 2/508، الإصابة لابن حجر 3/2.

(2)

انظر: معرفة علوم الحديث للحاكم ص22 - 24 وقد ذكرها السخاوي مختصرة في فتح المغيث 3/124، وهذا التقسيم اعتباري استقرائي يختلف من عالم لآخر، ومن أشهر التقسيمات أنهم على ثلاث طبقات: 1 - من أسلم قبل الفتح وهم السابقون. 2 - من أسلم بعد الصلح وقبل الفتح. 3 - من أسلم بعد فتح مكة، والله أعلم.

(3)

طلحة بن عبيد الله بن عثمان القرشي التميمي أبو محمد، صحابي جليل، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى، ت سنة 36هـ.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 2/219، والإصابة لابن حجر 2/229.

(4)

الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد القرشي، أبو عبد الله، حواري الرسول وابن عمته، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، ت سنة 36هـ.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 1/580، الإصابة لابن حجر 1/546.

(5)

سعد بن أبي وقاص بن أهيب القرشي الزهري، أبو إسحاق، أحد العشرة المبشرين بالجنة آخرهم موتاً وأحد الستة أصحاب الشورى، وأول من رمى بسهم في سبيل الله، من مجابي الدعوة، ت سنة 55هـ.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 1/18 والإصابة لابن حجر 2/33.

(6)

سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، أسلم قبل دخول النبي دار الأرقم، لم يشهد بدراً لأنه لم يكن في المدينة وقتها، ت سنة 50هـ.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 2/2، الإصابة لابن حجر 2/46.

ص: 496

عوف (1) ،

وأبو عبيدة بن الجراح (2) رضوان الله عليهم أجمعين -.

وقد شهد الرسول صلى الله عليه وسلم لغير العشرة مثل ثابت بن قيس بن شماس (3) ،

وعبد الله بن سلام (4) ، وغيرهما كثير من الصحابة من الرجال والنساء (5) .

وفي الجملة فإن معتقد أهل السنة في هذا، ما ذكره الحافظ عبد الغني المقدسي (ت - 600هـ) رحمه الله قوله:(كل من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة شهدنا له، ولا نشهد لأحد غيرهم، بل نرجو للمحسن، ونخاف على المسيء، ونكل علم الخلق إلى خالقهم)(6) .

(1) عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، أبو محمد، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، أسلم قبل دخول النبي دار الأرقم، وهاجر الهجرتين، شهد بدراً وما بعدها، ت سنة 32هـ.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 2/293، الإصابة لابن حجر 2/416.

(2)

أبو عبيدة: عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال القرشي الفهري، أبو عبيدة، مشهور بكنيته، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد العشرة السابقين إلى الإسلام، هاجر الهجرتين، شهد بدراً وما بعدها، أمين هذه الأمة، ت سنة 18هـ.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 3/192، الإصابة لابن حجر 2/253.

(3)

ثابت بن قيس بن شَمَّاس بن زهير الأنصاري، أبو محمد، أول مشاهده أحد، وشهد ما بعدها، بشره النبي بالجنة، قتل يوم اليمامة في خلافة أبي بكر.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 1/192، الإصابة لابن حجر 1/195.

وأحاديث تبشيره بالجنة انظرها في صحيح البخاري 8/454 كتاب التفسير، باب لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، ومسلم 1/110 كتاب الإيمان، باب مخافة أن يحبط عمل المؤمن.

(4)

عبد الله بن الحارث الخزرجي الأنصاري، أبو يوسف، من بني قينقاع، أسلم أول ما قدم النبي إلى المدينة: نزلت فيه آيات، ت سنة 43هـ.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر 2/382، الإصابة لابن حجر 2/320.

وأحاديث تبشيره بالجنة انظرها في صحيح البخاري 7/160 كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب عبد الله بن سلام، ومسلم في صحيحه 4/1930 كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد الله بن سلام.

(5)

انظر: تفصيل ذلك في عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام لناصر الشيخ 2/775 - 789.

(6)

عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي ص91 - 92.

ص: 497

وهكذا قال ابن قدامة (ت - 620هـ) رحمه الله بعد أن ذكر العشرة المبشرين بالجنة (1) .

ومن الإيمان بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجوب محبتهم، ودوام الدعاء لهم، كما قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] .

وقال صلى الله عليه وسلم: «آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار» (2) .

وقال عليه الصلاة والسلام في الأنصار: «لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله» (3) .

قال ابن أبي زمنين (ت - 399هـ) رحمه الله: (ومن قول أهل السنة أن يعتقد المرء المحبة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأن ينشر محاسنهم وفضائلهم)(4) .

وقال الصابوني (ت - 449هـ) رحمه الله: (من أحبهم وتولاهم ودعا لهم، ورعى حقهم، وعرف فضلهم فاز في الفائزين)(5) .

وقال ابن قدامة (ت - 620هـ) رحمه الله: (ومن السنة تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبتهم، وذكر محاسنهم، والترحم عليهم، والاستغفار لهم)(6) .

(1) انظر: لمعة الاعتقاد ص33.

(2)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 7/113 كتاب مناقب الأنصار، باب حب الأنصار من الإيمان، ومسلم في صحيحه 1/85 كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي من الإيمان.

(3)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 7/113 كتاب مناقب الأنصار، باب حب الأنصار من الإيمان، ومسلم في صحيحه 1/85 كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي من الإيمان.

(4)

أصول السنة (مع تخريجه رياض الجنة ص263) .

(5)

عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص292.

(6)

لمعة الاعتقاد ص34، وانظر في هذا المعنى: أصول السنة للحميدي (آخر المسند 2/546) .

ص: 498

ومن الإيمان والسنة: الإيمان والإقرار بعد التهم: وعدالة الصحابة ثابتة بالكتاب العزيز، والسنة المطهرة، وإجماع أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

قال الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة: 143]، ومعنى وسطا: أي عدولاً، كما قال:{قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم: 28]، أي اعدلهم. ويشهد لذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«يدعى نوح يوم القيامة فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من شهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيشهدون أنه قد بلّغ، ويكون الرسول عليكم شهيداً» ، فذلك قوله جل ذكره:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة: 143] ، والوسط العدل) (1) .

وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع للصحابة: «.. ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب» (2) ، وهذا فيه دلالة على عدالة الصحابة، كما قال ابن حبان (ت - 354هـ) رحمه الله:(وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب» أعظم دليل على أن الصحابة كلهم عدول ليس فيهم مجروح ولا ضعيف، إذ لو كان فيهم أحد غير عدل لاستثنى في قوله صلى الله عليه وسلم وقال: ألا ليبلغ فلان منكم الغائب، فلما أجملهم في الذكر بالأمر بتبليغ من بعدهم دل ذلك على أنهم كلهم عدول، وكفى بمن عدله رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفاً)(3) .

وأما الإجماع على عدالة الصحابة فقد حكاه غير واحد من أهل العلم:

فقد قال ابن عبد البر (ت - 463هـ) رحمه الله: (ونحن وإن كان الصحابة رضي الله عنهم قد

(1) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 8/171 - 172 كتاب التفسير، باب (وكذلك جعلناكم أمه وسطا) .

(2)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 3/573 كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى، وكتاب العلم رقم (105) .

(3)

الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 1/91.

ص: 499

كفينا البحث عن أحوالهم لإجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة على أنهم كلهم عدول) (1) .

وقال ابن الصلاح (ت - 642هـ) رحمه الله: (للصحابة بأسرهم خصيصة وهي أنه لا يُسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه؛ لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة، وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة)(2) .

ثم قال: (إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحساناً للظن بهم، ونظراً إلى ما تمهد لهم من المآثر، فكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك؛ لكونهم نقلة الشريعة، والله أعلم)(3) .

وهكذا قال ابن حجر العسقلاني (ت - 852هـ) ، والسخاوي (ت - 902هـ) - رحمهما الله - (4) ، وغيرهما.

ومن السنة والإيمان بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: عدم سبهم وتنقصهم، والتعرض لأعراضهم بسوء وقدح، وعدم الخوض فيما وقع بين الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين -.

يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] .

وهم داخلون من باب أولى في الوعيد العام على من آذى المؤمنين، وفي النهي عن الغيبة، في قول الله عز وجل:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب: 58]، وقال سبحانه: {وَلا يَغْتَبْ

(1) الاستيعاب في معرفة الأصحاب 1/9.

(2)

مقدمة ابن الصلاح ص146 - 147.

(3)

مقدمة ابن الصلاح ص147.

(4)

انظر: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 1/9، فتح المغيث للسخاوي 3/112.

ص: 500

بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12] .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه» (1) .

وقال عليه الصلاة والسلام: «دعوا لي أصحابي، فوالذي نفسى بيده لو أنفقتم مثل أحد ذهباً، أو مثل الجبال ذهباً لما بلغتم أعمالهم» (2) .

وقال عليه الصلاة والسلام: «من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» (3) .

وهم داخلون في الوعيد العام على سباب المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم:«سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» (4) .

وسأورد نماذج من كلام السلف، وأهل العلم يبين تحريم سب الصحابة، ووجوب الإمساك عما شجر بينهم، وإن كان فيها شيء من الطول والكثرة، وذلك لكي يتضح منها منهج أهل السنة والجماعة في الموقف مما شجر بين الصحابة - رضوان الله عليهم -، وليتقرر إطباق علماء الأمة المعتبرين قاطبة على وجوب حفظ اللسان تجاه الصحابة، وأن لا يذكروا إلا بخير:

(1) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 7/21 كتاب فضائل الصحابة، باب لو كنت متخذاً خليلاً، ومسلم في صحيحه 4/1967 كتاب فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم، واللفظ له.

(2)

أخرج الحديث أحمد في مسنده 3/266 من حديث أنس، وانظر: كنز العمال للهندي 11/530، وفيض القدير للمناوي 3/531، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/556.

(3)

الحديث أخرجه أبو نعيم في الحلية 7/103، وابن أبي عاصم في السنة ص469، وحسنه الألباني في تخريجه كتاب السنة لابن أبي عاصم، وانظر: صحيح الجامع له 2/1077، سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/446 - 447.

(4)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 1/110 كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله، ومسلم في صحيحه 1/81 كتاب الإيمان، باب بيان قول النبي:«سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» .

ص: 501

فقال عمر بن عبد العزيز (ت - 101هـ) رحمه الله: (تلك دماء طهر الله يدي منها، أفلا أطهر منها لساني، مثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل العيون، ودواء العيون ترك مسها)(1) .

وقال الإمام مالك (ت - 179هـ) رحمه الله: (من يبغض أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في قلبه عليهم غل، فليس له حق في فيء المسلمين، ثم قرأ قول الله سبحانه وتعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} إلى قوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 7 - 10] ، وذكر بين يديه رجل ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ مالك هذه الآية: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} إلى قوله: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29] ، ثم قال: من أصبح من الناس في قلبه غل على أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد أصابته الآية)(2) .

وسئل الإمام أحمد (ت - 241هـ) رحمه الله: ما تقول فيما كان بين علي ومعاوية؟ قال: (ما أقول فيهم إلا الحسنى)(3) .

وقال البربهاري (ت - 329هـ) رحمه الله: (اعلم أنه من تناول أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه إنما أراد محمداً صلى الله عليه وسلم، وقد آذاه في قبره)(4) .

وقال ابن أبي زيد القيرواني (ت - 386هـ) رحمه الله: (وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر، والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب)(5) .

وقال الصابوني (ت - 449هـ) رحمه الله: (من أبغضهم وسبهم، ونسبهم إلى ما تنسبهم الروافض والخوارج - لعنهم الله - فقد هلك في الهالكين.. ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً لهم، ونقصاً فيهم)(6) .

(1) انظر: مناقب الشافعي للرازي ص136.

(2)

انظر: شرح السنة للبغوي 1/229.

(3)

انظر: مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص164.

(4)

شرح السنة ص54.

(5)

المقدمة (ضمن شرحها ص18) .

(6)

عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص292 - 294.

ص: 502

وقد انتقد ابن الصلاح (ت - 642هـ) رحمه الله ابن عبد البر (ت - 463هـ) رحمه الله إيراده ما شجر بين الصحابة، فحين أثنى على كتابه (الاستيعاب) قال بعد ذلك:(لولا ما شانه به من إيراده كثيراً مما شجر بين الصحابة)(1) .

وقال الإمام الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله: (تقرر الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين -، وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف، وبعضه كذب، وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا: فينبغي طيه وإخفاؤه، بل إعدامه، لتصفو القلوب، وتتوفر على حب الصحابة والترضي عنهم، وكتمان ذلك متعين عن العامة، وآحاد العلماء)(2) .

ثم جعل شروطاً لجواز الاطلاع على هذه الأمور، والبحث فيها بقوله:(وقد يرخص في مطالعة ذلك خلوةً: للعالم المنصف، العري من الهوى، بشرط أن يستغفر لهم، كما علمنا الله - تعالى - حيث يقول {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10] ، فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع منهم، وجهاد محّاء، وعبادة ممحصة)(3) .

ومن الإيمان بالصحابة: الإقرار بمنزلة أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيهم أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، وأن لهم مكانة خاصة بحكم قربهم منه صلى الله عليه وسلم (4) .

(1) مقدمة ابن الصلاح ص145.

(2)

سير أعلام النبلاء 10/92.

(3)

سير أعلام النبلاء 10/92، وانظر: الآثار في التحذير من الخوض في هذا الأمر: السنة للخلال 3/501 - 516، شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي 7/1246 - 1270، وانظر: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام لناصر الشيخ 2/700 - 879.

(4)

انظر: الخلاف في تحديد المراد بآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم في منهاج السنة النبوية لابن تيمية 4/595، 7/75، مجموع فتاوى ابن تيمية 22/460 - 462، الفتاوى الكبرى 1/194، جلاء الأفهام لابن القيم ص114.

ص: 503

ومما ورد فيهم في كتاب الله قوله عز وجل: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]، وقال سبحانه:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب: 33]، وقال عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً * يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً * يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} [الأحزاب: 28 - 32] .

ومن السنة قول المصطفى الكريم صلوات ربي وسلامه عليه حين قام خطيباً: «أما بعد: ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي» (1) .

وقد أمرنا بالصلاة عليهم في كل صلاة، وصيغتها ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:«اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» (2) .

وقد كان أبو بكر الصديق (ت - 13هـ) رضي الله عنه أعرف الناس بمنزلة أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد حث على إرضائهم، والقرب منهم، وعدم إيذائهم وسبهم

(1) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه 4/1873 كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي.

(2)

سبق تخريجه ص397 - 398.

ص: 504

بقوله: (ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته)(1) .

وقوله: (والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي)(2) .

وفضائلهم كثيرة متعددة: سواء كان الفضل العام لهم جميعاً، أو فضائلهم بأشخاصهم وأعيانهم مما لا يتسع المقام لذكره (3) .

(1) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 7/78 كتاب فضائل أصحاب النبي، باب مناقب قرابة النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 7/78 كتاب فضائل أصحاب النبي، باب مناقب قرابة النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

انظر: ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى للطبري المكي، حقائق عن آل البيت والصحابة للسامرائي، در السحابة في مناقب القرابة والصحابة للشوكاني،

ص: 505