المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌580 - باب تحريم إتيان الحائض - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ٢٦

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحيض والنفاس

- ‌أَبْوَابُ الْحَيْضِ

- ‌557 - بَابُ بَدْءِ الْحَيْضِ

- ‌558 - بَابُ مَا جَاءَ فِي أَحْدَاثِ نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ التِي مِنْ أَجْلِهَا سُلِّطَتْ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضَةُ

- ‌559 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي الذَّنْبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُعْقِبَ بَنَاتُ آدَمَ بِالْحَيْضِ

- ‌560 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ الحَيْضَ مِنَ الشَّيْطَانِ

- ‌561 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ الحَيْضَ كَفَّارَةٌ

- ‌562 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي حَيْضِ المَرْأَةِ مِنْ دُبُرِهَا

- ‌563 - بَابُ الْحَيْضِ عَلَامَةُ الْبُلُوغِ

- ‌564 - بَابُ مَنِ اتَّخَذَ ثِيَابَ الْحَيْضِ سِوَى ثِيَابِ الطُّهْرِ

- ‌565 - بَابُ الحَائِضِ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ

- ‌566 - بَابُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ

- ‌567 - بَابُ الحَائِضِ تَسْمَعُ آيَةَ السَّجْدَةِ

- ‌568 - بَابُ الحَائِضِ تَذْكُرُ اللهَ

- ‌569 - بَابُ شُهُودِ الحَائِضِ خُطْبَةَ العِيدِ وَاعْتِزَالِهَا الصَّلَاةَ

- ‌570 - بَابٌ فِي رُقْيَةِ الحَائِضِ

- ‌571 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي نَهْيِ الحَائِضِ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ

- ‌572 - بَابُ قِرَاءَةِ الرَّجُلِ فِي حِجْرِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ

- ‌573 - بَابُ دُخُولِ الحَائِضِ المَسْجِدَ

- ‌574 - بَابُ مَنْ قَالَ: لَا تَدْخُلُ الحَائِضُ المَسْجِدَ

- ‌575 - بَابُ طَهَارَةِ جِسْمِ الحَائِضِ، وَجَوَازِ مُؤَاكَلَتِهَا وَمُشَارَبَتِهَا

- ‌576 - بَابُ طَهَارَةِ عَرَقِ الْحَائِضِ

- ‌577 - بَابُ غَسْلِ الْحَائِضِ رَأْسَ زَوْجِهَا وَتَرْجِيلِهِ

- ‌578 - بَابُ اسْتِخْدَامِ الْحَائِضِ

- ‌579 - بَابُ الْحَائِضُ تَخْتَضِبُ

- ‌580 - بَابُ تَحْرِيمِ إِتْيَانِ الْحَائِضِ

- ‌581 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ الوَلَدَ الذِي تَحْمِلُ بِهِ المَرْأَةُ مِنْ وَطْءٍ فِي الحَيْضِ- قَدْ يُصَابُ بِالجُذَامِ

- ‌582 - بَابٌ فِي كَفَّارَةِ مَنْ أَتَى حَائِضًا

- ‌583 - بَابُ الِاضْطِجَاعِ مَعَ الْحَائِضِ

- ‌584 - بَابُ مَا جَاءَ فِي مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ إِذَا اتَّزَرَتْ

- ‌585 - بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيَانِ مَوْضِعِ الاتِّزَارِ

- ‌586 - بَابُ صِفَةِ الثَّوْبِ الذِي تُبَاشَرُ فِيهِ الحَائِضُ

- ‌587 - بَابُ مَا جَاءَ فِي أَنَّ لِلَّرجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ الحَائِضِ كُلَّ مَا سِوَى الفَرْجِ

- ‌588 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي الاسْتِدْفَاءِ بِالحَائِضِ

- ‌589 - بَابُ مَا رُوِي فِي أَنَّ لَيْسَ لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ إِلَّا مَا فَوْقَ الإِزَارِ

- ‌590 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ لَيْسَ لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ الحَائِضِ إِلَّا مَا فَوْقَ السُّرَّةِ

- ‌591 - بَابُ مَا رُوِي فِي اعْتِزَالِ فِرَاشِ الحَائِضِ

- ‌592 - بَابُ مَا جَاءَ فِي مُبَاشَرَةِ الحَائِضِ بِغَيْرِ إِزَارٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ

- ‌593 - بَابُ مُدَّةِ الْحَيْضِ

- ‌594 - بَابُ إِذَا حَاضَتِ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَض، وَمَا يُصَدَّقُ النِّسَاءُ فِي الحَيْضِ، فِيمَا يُمْكِنُ

- ‌595 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي الأَمْرِ بِدَفْنِ دَمِ الحَيْضِ

- ‌596 - بَابُ وُجُوبِ الاغْتِسَالِ مِنَ الحَيْضِ إِذَا طَهُرَتِ المَرْأَةُ

- ‌597 - بَابُ الْحَائِضِ كَيْفَ تَتَطَهَّرُ

- ‌598 - بَابُ نَقْضِ الْمَرْأَةِ شَعْرَهَا عِنْدَ غُسْلِ الْمَحِيضِ

- ‌599 - بَابُ امْتِشَاطِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ

- ‌600 - بَابُ الطِّيبِ لِلمَرَأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ المَحِيضِ

الفصل: ‌580 - باب تحريم إتيان الحائض

‌580 - بَابُ تَحْرِيمِ إِتْيَانِ الْحَائِضِ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فاعتزلوا النساء في المَحيض ولا تقربوهن حتى يَطهُرنَ}

3282 -

حَدِيثُ أَنَسٍ:

◼ عَنْ أَنْسٍ رضي الله عنه: أَنَّ اليَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأةُ فِيهِمْ، [أَخْرَجُوهَا مِنَ الْبَيْتِ، وَ] لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، [وَلَمْ يُشَارِبُوهَا]، وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ.

فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إِلى آخِرِ الآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(([جَامِعُوهُنَّ فِي البُيُوتِ، وَ] اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ)). (فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُؤَاكِلُوهُنَّ وَيُشَارِبُوهُنَّ وَيُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، وَأَنْ يَصْنَعُوا بِهِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَا خَلَا الجِمَاعَ)1.

فَبَلَغَ ذَلِكَ اليَهُودَ، فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ!

فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، فَقَالَا: يَا رَسُوَل اللهِ، إِنَّ اليَهُودَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، أفَلَا نُجَامِعُهُنَّ (أَفَلَا نَنْكِحُهُنَّ) 2 [في المَحِيضِ]؟ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا، فَخَرَجَا، فَاسْتَقْبَلَهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَرْسَلَ فِي آثَارِهِمَا، فَسَقَاهُمَا،

ص: 227

فَعَرَفَا أَنْ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا.

[الحكم]:

صحيح (م).

[التخريج]:

[م (302/ 16) "واللفظ له" / د 258، 2154 "والزيادات والرواية الثانية له ولغيره" / ت 3214/ ن 293 مختصرًا، 373 "والرواية الأولى له ولغيره" / ..... ].

سبق تخريجه في (باب طهارة جسم الحائض، وجواز مؤاكلتها ومشاربتها)، حديث رقم (؟ ؟ ؟ ؟ ).

ص: 228

3283 -

حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ:

◼ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ:((جَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكْتُ! قَالَ: ((وَمَا أَهْلَكَكَ؟ )) قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي اللَّيْلَةَ. قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا. قَالَ: فَأُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآيَةُ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223][يَقُولُ: ] أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ، وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ)).

[الحكم]:

حسن. وحَسَّنه: الترمذي - وتبعه الضياء المقدسي، وعبد الحق الإشبيلي، وابن كثير، والعيني، والمباركفوري -، والألباني. وصححه: ابن حبان وابن حجر وأحمد شاكر.

[الفوائد]:

الظاهر أن قوله: ((أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ، وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ)) موقوفٌ من تفسير ابن عباس؛ ولذا أتبعه ابن القيم بقوله: ((قال أبو عبد الله الحاكم: وتفسير الصحابي في حكم المرفوع)) (تهذيب سنن أبي داود/ مع عون المعبود 6/ 141).

[التخريج]:

[ت 3218 "واللفظ له" / كن 8977، 11040 "والزيادة له ولغيره" / حم 2703 / حب 4207 / عل 2736 / بز 5143 / طب 12317/ طبر (3/ 758، 759) / مشكل 6127 / حا 2134 / مسخ 469 / معر 55 / هق 14240 / ضيا (10/ 99، 100/ 95، 96) / بغت (1/ 295) / حد (ص 77، 78)].

ص: 229

[السند]:

قال الترمذي (3218): حدثنا عبد بن حميد، قال: حدثنا الحسن بن موسى، قال: حدثنا يعقوب بن عبد الله الأشعري، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، به.

ورواه أحمد وغيره: عن الحسن -وهو الأشيب-، به.

وقد توبع الحسن: فرواه أبو يعلى والبزار والنسائي في (الكبرى) وابن حبان والطبراني وغيرهم من طرق عن يونس بن محمد المؤدب، عن يعقوب الأشعري القُمي، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد حسن، فيه رجلان مختلَف فيهما:

الأول: يعقوب القُمِّيّ، فقد لَيَّنه الدَّارَقُطْنِيّ بقوله:((ليس بالقوي)) (العلل 1/ 311)، وقال في موضع آخر:((ضعيف)) (العلل 7/ 116)، وتبعه ابن الجوزي في (العلل المتناهية 1/ 72).

بينما وثقه ابن معين (سؤالات ابن الجنيد 653)، وقال في موضع آخر:((صالح الحديث)) (التمهيد 2/ 301)، وقال النسائي:((ليس به بأس))، وقال الطبراني:((كان ثقة)) (تهذيب التهذيب 11/ 391)، وذكره ابن حبان في (الثقات 7/ 645)، وقال الخليلي:((مشهور، روى عنه الكبار)) (الإرشاد 2/ 785) وقال الذهبي: ((صالح الحديث)) (المغني 7192)، و (مَن تُكلم فيه وهو موثق 385)، وقال في موضع آخر:((صدوق)) (الكاشف 6393).

وهذا هو الراجح، والمعتمد: أنه صدوق حسن الحديث، والله أعلم.

الثاني: جعفر بن أبي المغيرة، وثقه أحمد كما في (العلل 4393)، وأقره

ص: 230

ابن شاهين في (الثقات 167)، وقال ابن معين:((ليس به بأس)) (معرفة الرجال برواية ابن محرز 436)، وذكره ابن حبان في (الثقات 6/ 134)، وخرج حديثه في صحيحه، وكذلك الحاكم، وأبو علي الطوسي (إكمال تهذيب الكمال 3/ 233).

بينما ذكر له ابن منده حديثه عن ابن جبير، عن ابن عباس قال:((الْكُرْسِيُّ عِلْمُهُ)). ثم قال: ((ولم يتابع عليه جعفر، وليس هو بالقوي في سعيد بن جبير)) (الرد على الجهمية، ص 21).

قلنا: إن أراد في هذا الحديث خاصة لمخالفته أصحاب سعيد فيه، فلا بأس، وإلا فلا، فعامة حديثه عن سعيد، ومع ذلك وثقه النقاد بإطلاق، ولو كان ضعيفًا فيه لبينوا ذلك، وقد قال الذهبي فيه:((كان مختصًّا بسعيد، وكان صدوقًا)) (التاريخ 3/ 388)، ومَن أكثر عن شيخ، فلا يضره أن يهم في حديث أو أكثر من حديثه.

وهذا الحديث قد حسنه الترمذي، فقال:((هذا حديث حسن غريب)).

وأقره الضياء في (المختارة 10/ 101)، وعبد الحق في (الأحكام الكبرى 4/ 59)، وابن كثير في (التفسير 1/ 590)، والعيني في (العمدة 18/ 116)، والمباركفوري في (التحفة 8/ 259).

وصححه ابن حبان، وابن حجر في (الفتح 8/ 191)، وأحمد شاكر في تحقيقه لـ (المسند 2703).

وحَسَّنه الألباني في (المشكاة 3191)، و (التعليقات الحسان 6/ 275)، و (آداب الزفاف، ص 103).

وللحديث شواهد عدة دون ذكر ((الحيضة))، مع اختلاف في سبب نزول الآية:

ص: 231

منها: ما رواه البخاري (4528) ومسلم (1435) عَنِ ابْن المُنكَدِرِ، سَمِعْتُ جَابِرًا رضي الله عنه، قَالَ:((كَانَتِ اليَهُودُ تَقُولُ: إِذَا جَامَعَهَا مِنْ وَرَائِهَا جَاءَ الوَلَدُ أَحْوَلَ. فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}))، ولفظ مسلم:((كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: إِذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا [ثُمَّ حَمَلَتْ]، كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ. فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ})).

وَزَادَ مسلم في رواية (1435/ 119) من طريق الزهري، عن ابن المنكدر:((إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبِّيَةٍ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ)). وقيل: إنها مدرجة.

ورواه أبو عوانة (4726) وغيره من طريق ابن جريج، عن ابن المنكدر، وزاد في الحديث: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْفَرْجِ)).

ومنها: ما أخرجه أبو داود (2153)، والحاكم (2830) -وصححه- من طريق ابن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: ((إِنَّ ابْنَ عُمَرَ -وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ- أَوْهَمَ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا الحَيُّ مِنَ الأَنْصَارِ -وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ- مَعَ هَذَا الْحَيِّ مِنَ يَهُودَ -وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ- وَكَانُوا يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلًا عَلَيْهِمْ فِي الْعِلْمِ، فَكَانُوا يَقْتَدُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَأْتُوا النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى حَرْفٍ، وَذَلِكَ أَسْتَرُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ، فَكَانَ هَذَا الحَيُّ مِنَ الأَنْصَارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ.

وَكَانَ هَذَا الحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ شَرْحًا مُنْكَرًا، وَيَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ.

ص: 232

فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْهُمُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: إِنَّمَا كُنَّا نُؤتَى عَلَى حَرْفٍ، فَاصْنَعْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَاجْتَنِبْنِي! حَتَّى شَرِيَ أَمْرُهُمَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] أَيْ: مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ)).

وهذا ليس فيه سوى عنعنة ابن إسحاق.

فإن أمكن التوفيق بين هذه الأحاديث فيما يخص سبب نزول الآية فبها ونعمت، وإلا فما في الصحيح أَولى، والمراد هنا اتفاق الأحاديث في تفسير الآية، والله أعلم.

ص: 233

3284 -

حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ:

◼ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مَنْ أَتَى [امْرَأَةً] حَائِضًا، أَوْ [أَتَى] امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، أَوْ [أَتَى] كَاهِنًا (عَرَّافًا) 1 [فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ]، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ (فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) 2)).

[الحكم]:

ضعيف. وضَعَّفه جدًّا: البخاري، وأقرَّه الترمذي. وأنكره: البزار. وضَعَّفه: العقيلي، وابن عدي، والطوسي، وحمزة الكناني، والبغوي، وابن طاهر المقدسي، وابن العربي، وعبد الحق الإشبيلي، وابن القطان، والمنذري، وابن سيد الناس، والذهبي، وابن كثير، وابن الملقن، وابن حجر، والمناوي.

[فائدة]:

قال الترمذي: ((معنى هذا عند أهل العلم على التغليظ، وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ أَتَى حَائِضًا فَليَتَصَدّقْ بِدِينَارٍ))

(1)

، فلو كان إتيان الحائض كفرًا، لم يؤمر فيه بالكفارة)) (الجامع 1/ 243).

[التخريج]:

[د 3856 "والزيادات والرواية الثانية له ولغيره" / ت 136 "واللفظ له" / جه 615 / كن 9164، 9165/ حم 9290، 10167/ مي 1159/ صلاة 15 "والرواية الأولى له" / حق 482 / بز 9502/ جا 107/ طح (3/ 44/ 4415، 4416) / مشكل 6130/ طبر (شرح ابن بطال 9/ 440) / طوسي 117 / هق 14239 / عق (1/ 556) / علت 76/ منذ

(1)

وهو حديث ضعيف، انظر تخريجه وتحقيقه في الباب التالي.

ص: 234

791 / تخ (3/ 16) / عد (3/ 267) / هقع 14067، 14068/ زمنين (السنة 160) / إبا 1014 / خلا 1251، 1252، 1427].

[التحقيق]:

الحديث بهذا السياق له طريقان:

الأول:

رواه أحمد (9290) عن عفان.

ورواه ابن راهويه (482) عن النضر.

ورواه أحمد (10167)، وابن أبي شيبة - عند ابن ماجه (615) وغيره-، وابن راهويه - عند النسائي في (الكبرى 9164) -، ثلاثتهم: عن وكيع.

ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل. وعن مسدد، عن يحيى وهو القطان.

ورواه الترمذي والنسائي في (الكبرى 9165) من طريق يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وبَهز بن أَسَد،

ورواه أبو نعيم الفضل بن دكين في (الصلاة) -وعنه الدارمي وغيره -،

كلهم: عن حماد بن سلمة، عن حكيم الأثرم، عن أبي تميمة الهُجيمي، عن أبي هريرة، به.

فمداره عند الجميع على حماد بن سلمة، به.

وقد أُعل هذا الطريق بثلاث علل:

الأولى: تفرد حكيم الأثرم به، وهو لا يحتمل ذلك؛ لاختلاف النقاد فيه:

ص: 235

فقد وثقه ابن المديني وأبو داود، وقال النسائي:((ليس به بأس)) (تهذيب التهذيب 2/ 452)، وذكره ابن حبان في (الثقات 6/ 215).

بينما ضعفه ابن معين كما في (الضعفاء لابن شاهين 152) و (الإكمال لمغلطاي 4/ 127)، وقال البزار:((حكيم منكر الحديث))، وقال أيضًا:((في حديثه شيء)(المسند 8/ 423، 16/ 295)، وسيأتي بقية كلامه، وذكره العقيلي في (الضعفاء 393)، وكذلك ابن عدي، وقال:((حكيم الأثرم يُعرف بهذا الحديث، وليس له (غيره)

(1)

إلا اليسير)) (الكامل 3/ 267). وقال الحافظ حمزة الكناني - كما سيأتي -: ((حكيم ليس بالمشهور)).

ولخص ابن حجر حاله، فقال:((فيه لِين)) (التقريب 1481).

فمثله لا يُحتمل تفرده بهذا الحديث، لاسيما وقد جاء عن أبي هريرة من طرق أخرى دون ذكر الحائض، كما سنذكره فيما بعد؛ ولذا أنكره عليه عدد كبير من أهل العلم:

فرواه البخاري في ترجمته، ثم قال:((هذا حديث لا يتابَع عليه)) (التاريخ الكبير 3/ 17).

وأقره: العقيلي في (الضعفاء 1/ 555)، وابن عدي في (الكامل 3/ 266)، والمنذري في (الترغيب والترهيب 3/ 199)، و (مختصر سنن أبي داود 5/ 371)، وابن القطان في (بيان الوهم والإيهام 3/ 326)، وابن طاهر في (الذخيرة 5032)، وابن كثير في (التفسير 1/ 595)، وابن الملقن في (البدر المنير 7/ 651).

(1)

كذلك في طبعة (دار الكتب العلمية 2/ 512)، وهو الصواب، وتصحفت في طبعة الرشد والفكر إلي (غيرها).

ص: 236

وقال الترمذي: ((سألت محمدًا عن هذا الحديث، فلم يعرفه إلا من هذا الوجه، وضَعَّف هذا الحديث جدًّا)) (العلل الكبير ص 59).

وقال الترمذي في (الجامع 1/ 243): ((لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم

وضَعَّف محمد هذا الحديث من قِبل إسناده)).

وقال البزار: ((وهذا الحديث لا نعلمه رواه بهذا اللفظ إلا حكيم الأثرم

وحكيم منكر الحديث، لا يُحتج بحديث له إذا انفرد به، وهذا مما تفرد به)) (المسند 16/ 295).

وقال البزار أيضًا: ((وحكيم الأثرم بصري، حَدَّث عنه عوف وحماد بن سلمة، ولكن في حديثه شيء لأنه حَدَّث عنه حماد بن سلمة بحديث منكر)) (المسند 8/ 423).

وأورده العقيلي في (الضعفاء 1/ 555)، وأنكره تبعًا للبخاري أيضًا.

وكذا أورده ابن عدي في (الضعفاء)، ثم قال:((وحكيم الأثرم يعرف بهذا الحديث وليس له غيره إلا اليسير)) (الكامل 3/ 267).

وعلق الحافظ أبو القاسم حمزة الكناني راوي سنن النسائي على هذا الحديث قائلًا: ((حكيم الأثرم ليس بالمشهور، ولا أعلم روى عنه غير حماد بن سلمة))، انظر حاشية (السنن الكبرى 11/ 90).

وأورده الدَّارَقُطْنِيّ في (الغرائب)، ثم قال:((تفرد به حكيم الأثرم عن أبي تميمة، وتفرد به حماد بن سلمة عنه)) (أطراف الغرائب 5429).

وانظر بقية أقوال العلماء عقب العلة التالية.

العلة الثانية: عدم تحقق سماع أبي تميمة الهجيمي - واسمه: طريف بن

ص: 237

مجالد - من أبي هريرة. وبهذا أعله البخاري فقال: ((ولا يُعرف لأبي تميمة سماع من أبي هريرة)) (التاريخ 3/ 17).

وأقره: العقيلي في (الضعفاء 1/ 555)، وابن عدي في (الضعفاء 3/ 266 - 267)، والمنذري في (الترغيب 3/ 199)، و (مختصر سنن أبي داود 5/ 371)، وابن القطان في (البيان 3/ 326)، وابن طاهر في (الذخيرة 5032)، وابن كثير في (التفسير 1/ 595)، والعلائي في (الجامع 309)، وابن الملقن في (البدر 7/ 651)، والولي العراقي في (تحفة التحصيل ص 158)، وابن حجر في (التلخيص 3/ 370).

وقد ضعف الحديث عدد من العلماء، غير مَنْ تقدموا:

فقال الطوسي: ((هذا حديث يضعف من قبيل إسناده)) (الأحكام 1/ 363).

وقال ابن العربي: ((ضعيف)) (العارضة 1/ 217).

ونقل عبد الحق عن الترمذي تضعيف البخاري له وأقره، (الأحكام الكبرى 1/ 518)، و (الوسطى 1/ 210).

وتعقبه ابن القطان، فقال:((لم يبين علته، وهو حديث لا يُعرف إلا بحكيم الأثرم، يرويه عن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي هريرة. وحكيم هذا لا يُعرف له غير هذا الحديث إلا اليسير، قاله أبو أحمد ابن عدي. وقال البخاري: وهو لا يتابَع عليه. قال: ولا يُعرف لأبي تميمة سماع لأبي هريرة. وقال محمد بن يحيى النيسابوري -هو الذهلي- قلت: لعلي بن المديني: حكيم الأثرم من هو؟ قال: أعيانا هذا)) (بيان الوهم 3/ 326، 327).

قلنا: كذا تمسك ابن القطان وغيره بكلام ابن المديني هذا، وقد سبق أن ابن المديني وثق حكيمًا.

ص: 238

فأما هذا الذي ذكره الذهلي عنه فمحمول على أنه لم يعرف نسبه، يدل عليه قول ابن خلفون في ثقاته:((قال إسماعيل بن إسحاق القاضي عن علي بن المديني: ((حكيم الأثرم لا أدري ابن من هو؟ وهو ثقة)) (الإكمال 4/ 128).

وقال البغوي: ((سنده ضعيف))، قال المناوي:((وهو كما قال)) (الفيض 6/ 24).

وقال ابن سيد الناس: ((ففيه ثلاث علل: التفرد الذي أشار إليه - يعني الترمذي - وهو عن غير ثقة، وهذا موجب للضعف. الثانية: ضعف راويه. الثالثة: الانقطاع بين أبي تميمة وأبي هريرة. وعلّة رابعة: وهي نكارة متنه لمخالفته ما ثبت من الكفارة في ذلك، وقد أشار إليها الترمذي رحمه الله (النفح الشذي 3/ 204).

وقال الذهبي: ((ليس إسناده بالقائم)) (الكبائر، ص 178، ط. دار ابن كثير/ دمشق).

وقال مغلطاي: ((ولو سَلِم الحديث من شائبة الانقطاع لكان قول من صححه صحيحًا، والله تعالى أعلم. على أن ابن سعد يؤخذ من كلامه اتصاله، وذلك أنه لما ذكر طريف بن مجالد في الطبقة الثانية من البصريين الذين رووا عن عثمان وعلي وطلحة والزبير وأُبي بن كعب وأبي موسى؛ وصفه بالثقة، وقال: ((تُوفي سنة سبع وتسعين في خلافة سليمان بن عبد الملك))، ومَن أدرك مثل هؤلاء، فلا يبعد سماعه من أبي هريرة. على أن البخاري لم يجزم بعدم سماعه منه جريًا منه على قاعدته، مع أنه ليس مدلسًا، ولقيه له ممكن، فعنعنته تُحمل على السماع حتى يأتي ما يمنع ذلك صريحًا، والله تعالى أعلم، وسيأتي له إن شاء الله تعالى شواهد ومتابعات

ص: 239

في كتاب النكاح)) (شرح ابن ماجه 3/ 160).

قلنا: هكذا مال مغلطاي إلى تصحيح الحديث، مُعْرِضًا عن العلة الأولى، وكأنه اعتمد قول مَن وَثَّق حكيمًا، ومجيبًا عن العلة الثانية، بحمل عنعنة طريف على السماع؛ لإدراكه أبا هريرة، وإمكان لقيه مع عدم التدليس. وهذا ليس بشيء، فهذا خِلَاس الهَجَري قد أدرك أبا هريرة وعليًّا، وليس بمدلس، ومع ذلك جزم الإمام أحمد بأنه لم يسمع منهما، وكذا كان أناس من التابعين لا يُعرفون بتدليس، وكانوا يروون - إرسالًا - عن بعض الصحابة الذين لم يسمعوا منهم، مع إدراكهم لهم، فلعل هذا منهم.

ويدل عليه أن البخاري قال في ترجمة طريف: ((سمع أبا موسى، وعن أبي هريرة)) (التاريخ الكبير 4/ 355).

فأثبت سماعه لأبي موسى المتوفى سنة (50 هـ)، وتوقف في سماعه من أبي هريرة المتوفى سنة (57 هـ)، فهو لم يَخْفَ عليه إدراكه لأبي هريرة، ومع ذلك أعل الحديث بعدم ثبوت السماع. فالظاهر أن البخاري رأى أنه من المحتمل أن يكون أرسل عن أبي هريرة.

وليُعلم أن طريفًا لم يثبت سماعه من عثمان وعلي وطلحة والزبير وأُبي بن كعب كما يوحيه كلام مغلطاي.

هذا وقد صحح سنده أيضًا الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لـ (سنن الترمذي 1/ 244)، والألباني في (الإرواء 7/ 68)، ولم يتعرضا لعلة الانقطاع بشيء، واقتصرا على بيان ما ورد من توثيق في حكيم.

بل قال الألباني: ((وإن قال البخاري: (لا يتابَع في حديثه) يعني هذا، فلا يضره ذلك لأنه ثقة))! !

ص: 240

قلنا: بل يضره، ليس فقط لكونه تفرد به وهو مختلف فيه، بل وأيضًا لأن الراوي إذا شارك أحدًا من الحفاظ في حديث، فخالفه بأن وُجد حديثه أزيد من حديث الحافظ، أضر ذلك بحديثه، وهذا هو مقتضى كلام الشافعي في (الرسالة). وقد جاء هذا الحديث عن أبي هريرة من غير طريق حكيم بأنقص مما رواه حكيم المختلف فيه:

فرواه خلاس الهجري -وهو ثقة ثقة-، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَسَأَلَهُ فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم). فلم يذكر فيه إتيان الحائض ولا الإتيان في الدبر.

أخرجه أحمد (9536) وإسحاق (503) وغيرهما. ومن هذا الطريق صححه العراقي، وقواه الذهبي (الفيض 6/ 23)، ولكن خلاس متكلم في سماعه من أبي هريرة.

وورد نحوه في الكاهن والعراف شواهد كثيرة، ليس في شيء منها إتيان الحائض.

العلة الثالثة: أعله بها العقيلي، فقال عقبه:((وهذا رواه جماعة عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة موقوفًا)) (الضعفاء 1/ 556).

وتعقبه مغلطاي، فقال:((وكلام العقيلي لا يؤثر في صحة هذا الحديث، فإنه غيره)) (شرح ابن ماجه 3/ 160).

يعني: أن هذا طريق آخر غير طريق طريف فلا يعله، وهو كذلك، بالإضافة إلى أن ليث بن أبي سليم ضعيف، ولا يُعتد بمخالفته، ولكن علة الحديث ما سبق.

ص: 241

الطريق الثاني:

رواه الطحاوي (4415) قال: حدثنا ابن أبي داود قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا إسماعيل بن عياش، عن سهيل، عن الحارث بن مخلد، عن أبي هريرة، به.

والمتن بهذا الإسناد باطل، رُكِّب عليه خطأ، فهو مع وهاء إسناده مقلوب المتن، والواهم فيه إسماعيل بن عياش، وهو شامي لا يُحتج به إلا في روايته عن أهل بلده. أما في روايته عن المدنيين وغيرهم فمخلط، يأتي بالمناكير. قال فيه البخاري وغيره:((منكر الحديث عن أهل الحجاز وأهل العراق)) (علل الترمذي الكبير ص 58).

وهذا الحديث من روايته عن حجازي (مدني)؛ وهو سهيل بن أبي صالح، والمحفوظ عن سهيل بلفظ آخر:

فقد رواه الثوري عن سهيل به بلفظ: ((مَلعُونٌ مَن أَتَى امرَأَتَهُ في دُبُرهَا)) رواه أحمد (9733).

ورواه من طريق معمر (7684) ووهيب (8532)، كلاهما عن سهيل به بلفظ:((لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا))، ولفظ معمر:((إِنَّ الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا، لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِ)).

وهو أيضًا ضعيف، فالحارث بن مخلد "مجهول الحال"(التقريب 1047).

[تنبيهات]:

1 -

روى هذا الحديث ابن أبي شيبة في (المصنف 17077) عن الفضل بن دكين، عن حماد بن سلمة، عن حكيم الأثرم، عن أبي تميمة الهُجيمي، عن أبي هريرة به موقوفًا.

ص: 242

وهذا غريب، فالحديث عند الفضل في كتاب (الصلاة) مرفوعًا، وكذا رواه عنه الدارمي وغيره كما سبق.

2 -

ذكر مغلطاي أن عبد الحق قال عن هذا الحديث في الكبرى: ((لا يصح)) (شرح ابن ماجه 3/ 159).

والذي في (الكبرى 1/ 519) أنه قال ذلك في طريقين لحديث آخر ذكره عقب هذا الحديث.

3 -

ذكر الألباني أن المناوى نقل عن الحافظ العراقى أنه قال عن هذا الحديث في أماليه: ((حديث صحيح)). وعن الذهبي أنه قال: ((إسناده قوي)) (الإرواء 7/ 69).

والذي في (الفيض 6/ 23) أنهما قالا ذلك في حديث خلاس عن أبي هريرة الذي أشرنا إليه آنفًا، والمذكور عنده قبل هذا الحديث. فأما حديثنا فنقل عن الذهبي ما ذكرناه عنه آنفًا، ولم ينقل فيه عن العراقي شيئًا.

ص: 243

3285 -

حَدِيثُ جَابِرٍ:

◼ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في قَوْلِ اللهِ تبارك وتعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} فَقَالَ: ((إِنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ. وَكُنَّ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَا يَدَعْنَ أَزْوَاجَهُنَّ يَأْتُونَهُنَّ مِنْ أَدْبَارِهِنَّ، فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلُوهُ عَنْ إِتْيَانِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ تبارك وتعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}: حَتَّى الأَطْهَارِ، {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}: الاغْتِسَالُ، {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، إِنَّمَا الْحَرْثُ مِنْ حَيْثُ الْوَلَدُ)).

[الحكم]:

إسناده ضعيف جدَّا بهذا السياق والتمام. وأصله في الصحيحين مقتصرًا على قول اليهود ونزول الآية.

[التخريج]:

[بز (كشف 2192)].

[السند]:

قال البزار: حدثنا محمد بن عبيد الله بن يزيد الحراني، حدثني أبي، حدثني سابق بن عبد الله الرَّقِّي، عن خُصَيْف، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه ثلاث علل:

ص: 244

الأولى: ضعف خصيف، وهو ابن عبد الرحمن الجزري. قال الحافظ:((صدوق سيئ الحفظ، خلط بأخرة، ورُمِى بالإرجاء)) (التقريب 1718).

الثانية: جهالة عبيد الله بن يزيد الحراني. قال الحافظ: ((مجهول)) (التقريب 4351).

الثالثة: لِين محمد بن عبيد الله بن يزيد، لَينه أبو أحمد الحاكم. وقال أبو عروبة:((لم يكن يَعرف الحديث)) (الميزان 3/ 637).

ولذا قال الحافظ: ((صدوق فيه لين)) (التقريب 6112).

ورغم ذلك كله، حَسَّنه الحافظ في (مختصر زوائد البزار 2/ 145).

والحديث رواه الزهري وأيوب ومالك والثوري وابن عيينة وشعبة وأبو عوانة ومعمر وابن جريج وأبو حازم سلمة بن دينار

وغيرهم، عن ابن المنكدر، قال: سَمِعْتُ جَابِرًا رضي الله عنه قَالَ: ((كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: إِذَا جَامَعَهَا مِنْ وَرَائِهَا جَاءَ الوَلَدُ أَحْوَلَ. فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ})).

رواه البخاري (4528) ومسلم (1435) من طريق الثوري، وهذا لفظه عند البخاري، ولفظ الباقين نحوه.

ولفظ أبي حازم عند مسلم: ((كَانَتِ اليَهُودُ تَقُولُ: إِذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا [ثُمَّ حَمَلَتْ]، كَانَ الوَلَدُ أَحْوَلَ. فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ})).

وزاد الزهري في رواية عند مسلم (1435): ((إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبِّيَةٍ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ)). وقيل: إنها مدرجة.

ص: 245

وزاد ابن جريج عند أبي عوانة (4726) وغيره: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً، إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْفَرْجِ)).

ولم يَسُقْه واحد منهم بنحو هذه السياقة التي رواها خصيف.

ص: 246

3286 -

حَدِيثُ آخَرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ:

◼ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((الْمُؤَنَّثُونَ أَوْلادُ الْجِنِّ)).

قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: يَا أَبَا الفَضْلِ، كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: ((نَهَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَإِذَا أَتَاهَا سَبَقَهُ الشَّيْطَانُ إِلَيْهَا، فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَأَتَتْ

(1)

بِالمُؤَنَّثِ)).

[الحكم]:

منكر، وأنكره: ابن عدي، وأقره ابن طاهر والذهبي.

[اللغة]:

المؤنث: ذَكَرٌ في خلق أنثى. وبعضهم يقول: تأنث في أمره وتخنث. والأنيث من الرجال: المخنث، شبه المرأة. (لسان العرب 2/ 112).

[التخريج]:

[عد (10/ 569) / عساكر (أمالي - المجلس التاسع عشر ق 167/ب)].

[السند]:

رواه ابن عدي - ومن طريقه ابن عساكر في (الأمالي) - قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن الفرج الغافقي، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، حدثنا عمي، حدثني يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، به.

(1)

وقع في طبعة (الرشد)، وطبعة (دار الكتب العلمية 9/ 58):(فأنث)! ، والصواب المثبت كما جاء في بعض النسخ الخطية للكتاب، كما ذكر محقق (طبعة الرشد)، وكذا جاء في طبعة (دار الفكر 7/ 216)، فهذا الموافق للسياق.

ص: 247

وعم أحمد بن عبد الرحمن هو الإمام عبد الله بن وهب المصري.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف منكر؛ تفرد به يحيى بن أيوب الغافقي عن ابن جريج، وتفرد به أحمد عن عمه، وكل من أحمد ويحيى متكلم فيهما.

ولذا لما رواه ابن عدي في ترجمة يحيى الغافقي من (الكامل 2119) مع حديث آخر، قال عقبهما:((هذان الحديثان ليحيى بن أيوب، عن ابن جريج غير محفوظين، فأما حديث المؤنثين فلا أعلمه رواه غير ابن أخي ابن وهب، عن عمه، عن يحيى بن أيوب)) (الكامل 10/ 570).

ولذا قال ابن طاهر: ((وهذا الحديث الحمل فيه على يحيى بن أيوب)) (الذخيرة 5671).

وقال الذهبي في ترجمة يحيى الغافقي: ((ومن مناكيره

))، فذكر أحاديث، منها هذا الحديث، (الميزان 4/ 362، 363).

بينما عده الذهبي في (السير) من مناكير ابن أخي ابن وهب، فذكر بعض أحاديث له أنكرها عليه أهل العلم، منها هذا الحديث، ثم قال:((وقد روى ألوفًا من الحديث على الصحة، فخمسة أحاديث منكرة في جنب ذلك ليست بموجبة لتركه، نعم، ولا هو في القوة كيونس بن عبد الأعلى وبندار)) (السير 12/ 321 - 323).

قلنا: وقد اختُلف على أحمد في رفعه ووقفه:

فرواه إبراهيم بن إسماعيل بن فرج الغافقي كما سبق مرفوعًا.

والغافقي هذا لم نجد له ترجمة، وقد خولف في رفعه:

ص: 248

فرواه الطرسوسي في (كتاب تحريم الفواحش) - كما في كتاب (آكام المرجان في أحكام الجان، للشبلي ص 121) -: من طريق أحمد بن (حماد)

(1)

القاضي، حدثنا ابن أخي ابن وهب، حدثني عمي، عن يحيى، عن ابن جريج، عن عطاء عن ابن عَبَّاس، قَالَ:((المُخَنَّثُونَ أَوْلَادُ الجِنّ. قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّ اللهَ عز وجل وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم نَهَيَا أَنْ يَأْتِي الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَإِذَا أَتَاهَا سَبَقَهُ إِلَيْهَا الشَّيْطَانُ فَحَمَلَتْ، فَجَاءَتْ بِالْمُخَنَّثِ)).

وأحمد بن حماد هذا وثقه الخطيب في (التاريخ 2066)، فلعل روايته أصح.

وعلى أية حال فهو أيضًا من نفس الطريق الذي أنكره ابن عدي والذهبي، فلا يصح مرفوعًا ولا موقوفًا.

(1)

في المطبوع: (محمد).

ص: 249