المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌582 - باب في كفارة من أتى حائضا - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ٢٦

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحيض والنفاس

- ‌أَبْوَابُ الْحَيْضِ

- ‌557 - بَابُ بَدْءِ الْحَيْضِ

- ‌558 - بَابُ مَا جَاءَ فِي أَحْدَاثِ نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ التِي مِنْ أَجْلِهَا سُلِّطَتْ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضَةُ

- ‌559 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي الذَّنْبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُعْقِبَ بَنَاتُ آدَمَ بِالْحَيْضِ

- ‌560 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ الحَيْضَ مِنَ الشَّيْطَانِ

- ‌561 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ الحَيْضَ كَفَّارَةٌ

- ‌562 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي حَيْضِ المَرْأَةِ مِنْ دُبُرِهَا

- ‌563 - بَابُ الْحَيْضِ عَلَامَةُ الْبُلُوغِ

- ‌564 - بَابُ مَنِ اتَّخَذَ ثِيَابَ الْحَيْضِ سِوَى ثِيَابِ الطُّهْرِ

- ‌565 - بَابُ الحَائِضِ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ

- ‌566 - بَابُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ

- ‌567 - بَابُ الحَائِضِ تَسْمَعُ آيَةَ السَّجْدَةِ

- ‌568 - بَابُ الحَائِضِ تَذْكُرُ اللهَ

- ‌569 - بَابُ شُهُودِ الحَائِضِ خُطْبَةَ العِيدِ وَاعْتِزَالِهَا الصَّلَاةَ

- ‌570 - بَابٌ فِي رُقْيَةِ الحَائِضِ

- ‌571 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي نَهْيِ الحَائِضِ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ

- ‌572 - بَابُ قِرَاءَةِ الرَّجُلِ فِي حِجْرِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ

- ‌573 - بَابُ دُخُولِ الحَائِضِ المَسْجِدَ

- ‌574 - بَابُ مَنْ قَالَ: لَا تَدْخُلُ الحَائِضُ المَسْجِدَ

- ‌575 - بَابُ طَهَارَةِ جِسْمِ الحَائِضِ، وَجَوَازِ مُؤَاكَلَتِهَا وَمُشَارَبَتِهَا

- ‌576 - بَابُ طَهَارَةِ عَرَقِ الْحَائِضِ

- ‌577 - بَابُ غَسْلِ الْحَائِضِ رَأْسَ زَوْجِهَا وَتَرْجِيلِهِ

- ‌578 - بَابُ اسْتِخْدَامِ الْحَائِضِ

- ‌579 - بَابُ الْحَائِضُ تَخْتَضِبُ

- ‌580 - بَابُ تَحْرِيمِ إِتْيَانِ الْحَائِضِ

- ‌581 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ الوَلَدَ الذِي تَحْمِلُ بِهِ المَرْأَةُ مِنْ وَطْءٍ فِي الحَيْضِ- قَدْ يُصَابُ بِالجُذَامِ

- ‌582 - بَابٌ فِي كَفَّارَةِ مَنْ أَتَى حَائِضًا

- ‌583 - بَابُ الِاضْطِجَاعِ مَعَ الْحَائِضِ

- ‌584 - بَابُ مَا جَاءَ فِي مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ إِذَا اتَّزَرَتْ

- ‌585 - بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيَانِ مَوْضِعِ الاتِّزَارِ

- ‌586 - بَابُ صِفَةِ الثَّوْبِ الذِي تُبَاشَرُ فِيهِ الحَائِضُ

- ‌587 - بَابُ مَا جَاءَ فِي أَنَّ لِلَّرجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ الحَائِضِ كُلَّ مَا سِوَى الفَرْجِ

- ‌588 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي الاسْتِدْفَاءِ بِالحَائِضِ

- ‌589 - بَابُ مَا رُوِي فِي أَنَّ لَيْسَ لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ إِلَّا مَا فَوْقَ الإِزَارِ

- ‌590 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ لَيْسَ لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ الحَائِضِ إِلَّا مَا فَوْقَ السُّرَّةِ

- ‌591 - بَابُ مَا رُوِي فِي اعْتِزَالِ فِرَاشِ الحَائِضِ

- ‌592 - بَابُ مَا جَاءَ فِي مُبَاشَرَةِ الحَائِضِ بِغَيْرِ إِزَارٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ

- ‌593 - بَابُ مُدَّةِ الْحَيْضِ

- ‌594 - بَابُ إِذَا حَاضَتِ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَض، وَمَا يُصَدَّقُ النِّسَاءُ فِي الحَيْضِ، فِيمَا يُمْكِنُ

- ‌595 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي الأَمْرِ بِدَفْنِ دَمِ الحَيْضِ

- ‌596 - بَابُ وُجُوبِ الاغْتِسَالِ مِنَ الحَيْضِ إِذَا طَهُرَتِ المَرْأَةُ

- ‌597 - بَابُ الْحَائِضِ كَيْفَ تَتَطَهَّرُ

- ‌598 - بَابُ نَقْضِ الْمَرْأَةِ شَعْرَهَا عِنْدَ غُسْلِ الْمَحِيضِ

- ‌599 - بَابُ امْتِشَاطِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ

- ‌600 - بَابُ الطِّيبِ لِلمَرَأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ المَحِيضِ

الفصل: ‌582 - باب في كفارة من أتى حائضا

‌582 - بَابٌ فِي كَفَّارَةِ مَنْ أَتَى حَائِضًا

3289 -

حَدِيثُ ابْنِ عَبَاسٍ:

◼ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ:((يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ)).

[الحكم]:

مختلف فيه.

فضَعَّفه: الشافعي، وابن المنذر، وابن السَّكَن، وأبو بكر بن إسحاق الفقيه، والبيهقي، وابن عبد البر، وابن العربي، والقاضي عياض، وعبد الحق الإشبيلي، والمنذري، وابن الصلاح، والنووي، وابن كثير، والعراقي. ونَقَل النووي اتفاقَ الحفاظ على تضعيفه!

بينما صححه: الحاكم، وابن القطان، وابن دقيق العيد، وابن التركماني، وابن عبد الهادي، وابن الملقن، وابن حجر، وأحمد شاكر، والألباني.

والراجح: أنه ضعيف لا يثبت.

[التخريج]:

[د 264، 2157 "واللفظ له" / ن 294، 374 / كن 347، 9247، 9248، 9252، 9253 / جه 616 / حم 2032، 2121، 2122، 2595، 2843، 3145 / مي 1130/ ك 622 / ش 12509 / طب (11/ 382، 401 - 402/ 12066، 12130 - 12133) / غر 86 / منذ

ص: 256

796 / جا 108، 109، 111 / طوسي 117، 118 / مشكل 4226، 4227، 4228، 4229، 4237 / قط 3746، 3747 / فقط (أطراف 2858) / هق 1526، 1528 - 1530، 1537، 1543/ هقع 14020/ صمد 63 / طهم 30 / معر 2459 / خطك (ص 224) / عد (6/ 382 - 383) / كر (34/ 72) / تحقيق 296 / تد (1/ 465) / كما (16/ 451)].

[التحقيق]:

الحديث بهذه السياقة مداره على مِقسم مولى ابن عباس، عن ابن عباس، به.

وقد جاء عنه من طرق:

الأول - وهو أشهرها -:

رواه أحمد (2032).

ورواه أبو داود (264، 2157) وغيره عن مُسَدد.

ورواه النسائي (294، 374) وغيره عن الفلاس.

ورواه ابن ماجه (616) وغيره عن بندار.

أربعتهم: عن يحيى بن سعيد القطان. وقرنه أحمد بغندر، وقرنه بندار بغندر وابن أبي عدي. ثلاثتهم: عن شعبة، حدثني الحكم، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مِقسم، عن ابن عباس، به مرفوعًا.

وكذا رواه عن شعبة مرفوعًا وهب بن جرير عند ابن الجارود (108)، والنضر بن شُميل عند البيهقي (1526)، ومعاذ العنبري، ذكره الحربي فيما

ص: 257

نقله مغلطاي في (شرح ابن ماجه 3/ 166).

وهذا إسناد ظاهره الصحة، فرجاله ثقات، رجال الصحيح، وقد مشى على ظاهره الحاكم، فقال:((هذا حديث صحيح، فقد احتجا جميعًا بمِقسم بن نجدة. فأما عبد الحميد بن عبد الرحمن، فإنه أبو الحسن عبد الحميد بن عبد الرحمن الجزري، ثقة مأمون)) (المستدرك 622).

قال الألباني: "وقد أخطأ الحاكم في موضعين:

الأول: قوله: إن مقسم بن نجدة احتج به الشيخان! وليس كذلك، فإن مسلمًا لم يَرْوِ له البتة. والآخر: قوله: إن عبد الحميد بن عبد الرحمن هذا هو أبو الحسن الجزري! بل هو أبو عمر المدني .. ، وأما أبو الحسن الجزري فهو شامي مجهول

، والسبب في وقوع الحاكم في هذا الخطأ: أن أبا الحسن الجزري هذا ممن روى هذا الحديث عن مِقسم، كما يأتي)) (صحيح أبي داود 2/ 16، 17).

وقال ابن القطان: ((فأما طريق أبي داود هذا فصحيح، فإن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب اعتمده أهل الصحيح، منهم البخاري، ومسلم، ووثقه النسائي، ويحق له، فقد كان محمود السيرة في إمارته على الكوفة لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، ضابطًا لما يرويه، ومَن دونه في الإسناد لا يُسأل عنهم)) (بيان الوهم 5/ 277، 278).

وقال نحوه ابن دقيق بعد أن ذكر أن هذا الطريق هو أقوى طرقه، ثم نقل عن الميموني أن أحمد قال في عبد الحميد:((ولي الكوفة لعمر بن عبد العزيز، والناس قديمًا قد حملوا عنه))، وقال -أي: أحمد-: ((ليس به بأس)).

ثم قال ابن دقيق: ((وكلُّ مَن في الإسناد قبله من رجال الصحيحين))

ص: 258

(الإمام 3/ 257).

قلنا: قد أُعل هذا الحديث بأربع علل:

الأولى: أنه معل بالوقف.

فقد اختُلف على شعبة في رفعه ووقفه، وقد أشار إلى ذلك أبو داود عقب الرواية المرفوعة، فقال:((وربما لم يرفعه شعبة)).

قال ابن القطان: ((وهذا ليس فيه توهين له؛ لاحتمال أن يكون عنده فيه المرفوع والموقوف، ويكون ابن عباس رضي الله عنه قد رواه، ورآه، فحمله، وأفتى به)) (بيان الوهم 5/ 277).

وهذا بِغَضّ النظر عن بعده؛ لاتحاد المخرج، فهو غير صحيح بمرة، وبيان ذلك فيما يلي:

رَفَع هذا الحديث عن شعبة القطان وغندر وغيرهما ممن سميناهم آنفًا.

وخالفهم جماعة آخرون من أصحاب شعبة:

فرواه الدارمي (1129) من طريق أبي الوليد الطيالسي،

ورواه النسائي في (الكبرى 9099) والدارمي (1130) والخطيب في (الكفاية ص 224) من طريق سعيد بن عامر.

ورواه ابن الجارود (110) والبيهقي في (الكبرى 1528) من طريق عبد الرحمن بن مهدي،

ورواه الطحاوي في (المشكل 10/ 429) من طريق حجاج بن المنهال.

ورواه البيهقي في (الكبرى 1527) والخطيب في (الكفاية ص 224) من طريق سليمان بن حرب،

ص: 259

ورواه البيهقي أيضًا (1527) من طريق عفان بن مسلم.

وذكره أحمد في (المسند عقب رقم 2032) عن بهز،

وذكره الحربي عن وكيع، كما في (شرح ابن ماجه لمغلطاي 3/ 166).

ثمانيتهم: عن شعبة، عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس موقوفًا في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال:((يَتَصَدقُ بدينَار أَو نصف دينَار)).

وفي رواية أبي الوليد وحجاج: قال شعبة: ((شك الحكم)). أي: في متنه.

وجاء في رواية سعيد بن عامر: قال شعبة: ((أما حفظي فمرفوع، وقال فلان وفلان: إنه (أي: الحكم) كان لا يرفعه))، فقال بعض القوم: يا أبا بسطام، حَدِّثنا بحفظك، ودعنا من فلان. فقال:((والله ما أُحب أني حدثت بهذا، وسكتُّ عن هذا، وأني عُمِّرت في الدنيا عمر نوح في قومه)).

بينما جاء في رواية ابن مهدي: ((قيل لشعبة: إنك كنت ترفعه! ! قال: إني كنت مجنونًا فصححت)). وذكره الحربي، وزاد فيه من قول شعبة:((إني رجعت إلى إيقافه)).

قال الحربي: ((فإن [كان] ذلك من قول شعبة صحيحًا، فكأنه رجع عن رفعه)) (شرح ابن ماجه 3/ 166).

قلنا: قد صح ذلك عنه؛ ولذا قال البيهقي: ((فقد رجع شعبة عن رفع الحديث وجعله من قول ابن عباس)) (السنن عقب حديث 1528).

قال ابن القطان: ((نظن أنه رضي الله عنه لما أكثر عليه في رفعه إياه، توقى رفعه، لا

ص: 260

لأنه موقوف، لكن إبعادًا للظنة عن نفسه. وأبعد من هذا الاحتمال أن يكون شك في رفعه في ثاني حال فوقفه، فإن كان هذا، فلا نبالي ذلك أيضًا، بل لو نسي الحديث بعد أن حَدَّث به لم يضره.

فإن أبيت إلا أن يكون شعبة رجع عن رفعه، فاعلم أن غيره من أهل الثقة والأمانة أيضًا قد رواه عن الحكم مرفوعًا كما رواه شعبة فيما تقدم، وهو عمرو بن قيس المُلَائي، وهو ثقة، قال فيه عن الحكم ما قاله شعبة من رفعه إياه، إلا أن لفظه:(فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِنِصْفِ دِينَارٍ))، ولم يذكر (دينارًا)، وذلك لا يضره، فإنه إنما حكى قضية معينة، [قال فيه:(وَاقَعَ رَجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَصَدَّقَ بِنِصْفِ دِينَارٍ)]، فهذه حال يجب فيها نصف دينار (! )، وهو مؤكِّد لما قلناه: من أن (دينارًا)، و (نصف دينار)، إنما هو باعتبار حالين، لا تخيير ولا شك)) (بيان الوهم 5/ 279) مع (الإمام 3/ 265، 266).

قلنا: سبق في رواية أبي الوليد وحجاج الموقوفة أن شعبة قال عقبه: ((شك الحكم)). اهـ. أي: في متنه.

ويؤيده ما رواه عبد الرزاق (1272)، عن ابن جريج، قال:((كان الحكم بن عتيبة عن مقسم يقول: لا أدري قال مقسم: (دينارًا)، أو قال:(نصف دينار))).

وعليه، فقوله في الحديث:((أو))، ليس مرفوعًا، لا على التخيير، ولا باعتبارين كما ظن ابن القطان، وإنما هو شك من راويه الحكم بن عتيبة.

وكما شك الحكم في متنه، فقد شك أيضًا في رفعه.

فقد ذكر أبو حاتم الرازي أن يحيى بن سعيد أسنده عن شعبة، وحكى أن

ص: 261

شعبة قال: ((أسنده لي الحكم مرة، ووقفه مرة)) (العلل 1/ 583/ 121).

فهذا دليل على أن الحكم نفسه هو الذي وقفه! وأنه كان يشك فيه، فحَدَّث به مرة موقوفًا، ومرة مرفوعًا، ورواه شعبة على الوجهين؛ ولذا اختلف عليه أصحابه، فلا مجال هنا للترجيح بين أصحاب شعبة كما صنع ابن القطان وابن سيد الناس وغيرهما.

ولهذا السبب نفسه، اختلف بقية أصحاب الحكم عليه في رفعه: فمنهم من رفعه، ومنهم من وقفه، إلا أنهم خالفوا جميعًا شعبة في سنده، فأسقطوا منه عبد الحميد بن عبد الرحمن!

وكذا رواه الطحاوي في (المشكل 4226) عن يحيى بن عثمان بن صالح، حدثنا بكر بن خلف، حدثنا يزيد بن زريع، عن شعبة، حدثنا الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس به مرفوعًا.

وهذا خطأ على شعبة، لعله من يحيى شيخ الطحاوي، فقد تُكلم فيه، وله ما يُنْكَر. وجميع أصحاب شعبة مَن رفعه منهم أو وقفه، فقد ذكروه بواسطة عبد الحميد بين الحكم ومقسم، وإنما أسقطه غير شعبة من أصحاب الحكم، سواء من رفعه منهم، ومن وقفه.

فأما من رواه عن الحكم ووقفه فجماعة، منهم:

الأعمش كما عند ابن أبي شيبة (12511) والدارمي (1135).

وأبو عوانة كما عند الطحاوي في (المشكل 10/ 430).

والأجلح بن عبد الله عند ابن المنذر (793)، والطحاوي في (المشكل 10/ 430).

ص: 262

وأبو عبد الله الشقري عند النسائي في (الكبرى 9250)، وابن عدي (5/ 396)، وغيرهما.

رووه عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس، بنحوه موقوفًا، إلا أن لفظ أبي عوانة:((يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، فَإِن لَمْ يَجِدْ، فَبِنِصْفِ دِينَارٍ))! . ولفظ الأجلح عند ابن المنذر: ((إِذَا كَانَ فِي فَوْرِ الدَّمِ فَدِينَارٌ، وَإِذَا كَانَ فِي آخِرِهِ فَنِصْفُ دِينَارٍ))! ، وعند الطحاوي:((يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ دِينَارٍ))! .

وذكر الحربي فيمن وقفه عن الحكم أيضًا: المسعودي وخالد الحَذَّاء وابن أبي ليلى، (شرح ابن ماجه 3/ 166).

وأما من رفعه من أصحاب الحكم:

فرَقَبَة بن مَصْقَلة عند ابن الأعرابي (2459) والطبراني (12131) وغيرهما.

وعمرو بن قيس عند النسائي في (الكبرى 9249)، والطبراني (12129) وغيرهما.

ومطر الوراق في مشيخة ابن طهمان (30)، وعنه الطبراني (12132) وغيره.

وسفيان بن حسين عند الطبراني (12130).

وليث بن أبي سليم عند الطبراني (12133).

رووه عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس به مرفوعًا، بالشك، إلا أن ابن قيس قال فيه:((يَتَصَدقَ بنصف دينَار))! ، ورواه الخطيب في (التاريخ 6/ 177) بلفظ:((يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ))! ! ولم يذكر الشك فيهما.

وكل هؤلاء جعلوه من رواية الحكم عن مقسم.

ص: 263

وقد أعله أبو حاتم الرازي بالانقطاع، فقال:((لم يسمع الحكم من مقسم هذا الحديث)) (علل ابن أبي حاتم 1/ 582).

وقد عورض هذا بما رواه ابن أبي خيثمة في (التاريخ/ السِّفر الثالث 634)، والبغوي في (الجعديات 317) عن علي بن المديني، أنه سمع يحيى القطان يقول:((كان شعبة يقول: أحاديث الحكم عن مقسم كتاب إلا خمسة أحاديث)). قلت ليحيى: عدها شعبة؟ قال: نعم. قلت ليحيى: ما هي؟ قال: ((حديث (الوتر)، وحديث (القنوت)، وحديث (عزمة الطلاق)، و (جزاء مثل ما قَتَل من النَّعَم)، و (الرجل يأتي امرأته وهي حائض). قال يحيى:(والحجامة للصائم) ليس بصحيح)).

ولكن ذكر العلائي في (جامع التحصيل 141) أنه في رواية أخرى عدَّ حديث الحجامة للصائم منها، وأن حديث الرجل يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار ليس بصحيح)).

ولم نقف على هذه الرواية، فإن ثبتت فقد رُفع الخلاف، وإلا فإنما ينفي شعبة أن تكون هذه الأحاديث عن كتاب، وأبو حاتم لم يقل: إنه عن كتاب، وإنما نفى السماع؛ لأن الحكم قد رواه عن مقسم بواسطة كما رواه شعبة نفسه، فكيف يظن مع ذلك أن شعبة يثبت سماعه له من مقسم؟ !

فرواية شعبة هي نفسها دليل على ترجيح كلام أبي حاتم، لاسيما وأن شعبة كان لا يحمل عن شيوخه ما دلسوه، بخلاف غيره؛ ولذا فالظاهر أن الحكم دلسه لأصحابه إلا شعبة، فبينه له لتثبته؛ ولذا قال البيهقي:((وفي رواية شعبة عن الحكم دلالة على أن الحكم لم يسمعه من مقسم، إنما سمعه من عبد الحميد)) (السنن، عقب رقم 1529).

ص: 264

وكما قال ابن دقيق -وهو ممن صححه-: ((إذا تبين برواية أن الحكم لم يسمع من مقسم وسمعه من عبد الحميد، أُخذ بها)) (الإمام 3/ 268).

فإن قيل: وما فائدة ذلك ما دامت الواسطة بينهما ثقة؟ فسواء كان عن الحكم عن مقسم، فهو عن ثقة، أو كان عن الحكم عن عبد الحميد، فهو عن ثقة أيضًا، فليس ذلك بمؤثر.

قلنا: فائدة هذا البيان أنه سيأتي أن مقسمًا اختُلف عليه في وصله وإرساله، فلو ثبتت رواية الحكم عن مقسم كان الحكم في عداد من وصله، وربما اعتبر متابعًا لعبد الحميد على ما رُوي عن قتادة عن عبد الحميد عن مقسم كما سيأتي. وبهذا البيان خرج الحكم من دائرة الترجيح بين الوصل والإرسال كما سيأتي.

العلة الثانية: إعلاله بمقسم.

وبهذا أعله ابن حزم، فقال:((لا يصح منه شيء، وأما حديث مقسم فمقسم ليس بالقوي، فسقط الاحتجاج به)) (المحلى 2/ 189).

وقال في موضع آخر: ((ومقسم ضعيف)) (المحلى 10/ 80).

وتعقبه ابن القيم، فقال:((وأما أبو محمد ابن حزم فإنه أعل الحديث بمقسم وضَعَّفه، وهو تعليل فاسد، وإنما علته المؤثرة وقفه)) (تهذيب السنن/ مع عون المعبود 1/ 306).

قلنا: لم ينفرد ابن حزم بتضعيف مقسم، فقد سبقه إليه ابن سعد في (الطبقات 8/ 31 - 32). وقال الساجي:((تكلم الناس في بعض روايته)) (تهذيب التهذيب 10/ 289).

قلنا: ولكن مَن وثقه أكثر وأعلم، ومع ذلك، فإعلاله به له موضع من

ص: 265

النظر، فهذا الحديث مما تفرد به مقسم عن ابن عباس، وليس أهلًا لذلك التفرد فيما يبدو؛ فقد قال مهنا:((سألت أحمد، قلت: من أصحاب ابن عباس؟ قال: ستة. قلت: من هم؟ قال: مجاهد، وطاووس، وعطاء بن أبي رباح، وجابر بن زيد، وعكرمة، وسعيد بن جبير. قلت: مقسم؟ قال: مقسم دون هؤلاء)) (التهذيب 28/ 463).

فأين هؤلاء الأئمة الستة عن هذا الحديث؟ !

فكيف، وقد خالفه عطاء فوقفه على ابن عباس فيما أسنده البيهقي (1544)، وقال:((إن كان محفوظًا، فهو من قول ابن عباس يصح)) (السنن 1/ 318).

فتعقبه ابن دقيق بأنه: ((تمريض عجيب، فإن رواته عن آخرهم ثقات)) (الإمام 3/ 255).

قلنا: الظاهر أنه أعله بما علقه عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء قال:((لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللهَ عز وجل).

قال ابن دقيق: ((وذلك مفتقر إلى تصحيح الرواية عن عبد الرزاق)) (الإمام 3/ 256).

قلنا: هو في مصنفه (1280)، وفيه:((لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ بِكَفَّارَةٍ مَعْلُومَةٍ)). فهذا عن عطاء أصح.

وعليه، فقد انفرد به مقسم دون أصحاب ابن عباس، وهذا مما يوهنه، لاسيما وقد اختُلف عليه فيه، كما تراه فيما يلي:

العلة الثالثة: الاختلاف في وصله وإرساله ورفعه ووقفه على مقسم.

فقد رواه عن مقسم اثنان من الثقات، وجماعة من الضعفاء.

ص: 266

فأما الثقتان فعبد الحميد وعلي بن بَذيمة، ورواه قتادة عن مِقسم أيضًا، لكنه لم يسمعه منه، وإنما أخذه من عبد الحميد ودلسه كما سيأتي.

فأما عبد الحميد، فرواه عنه الحكم واختُلف عليه في رفعه ووقفه كما سبق.

وأما ابن بذيمة، فرواه الثوري عنه عن مقسم مرسلًا:((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ رَجُلًا أَتَى امْرَأَتَهُ حَائِضًا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِنِصْفِ دِينَارٍ)).

رواه عبد الرزاق (1273) وغيره كما سيأتي.

ولم يُختلف عن ابن بذيمة في ذلك، إلا ما رُوي عنه من طريق بعض الضعفاء كما سيأتي.

وابن بذيمة وثقوه، ولم يأخذوا عليه سوى التشيع، فليست رواية عبد الحميد المختلف فيها بأولى من رواية ابن بذيمة التي لم يُختلف عليه فيها.

وأما من رواه عن مقسم من الضعفاء، فـ:

- خصيف الجزري، وقد اضطرب فيه ما بين رفع ووقف وإرسال.

- ابن أبي المخارق، واختُلف عليه فيه، والأكثر على رفعه، وأعله ابن عيينة بالوقف.

- يعقوب بن عطاء، وقد رفعه.

- أبو الحسن الجزري وابن أبي ليلى، ووقفاه.

وقد اختلفوا جميعًا في متنه، ومنهم من اضطرب فيه، وسيأتي تخريج رواياتهم جميعًا.

ص: 267

العلة الرابعة: إعلاله بعبد الحميد.

وبهذا أعله الإمام أحمد وأبو بكر ابن إسحاق الفقيه.

ففي كتاب الخلال: قال أحمد: ((لو صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كنا نرى عليه الكفارة. قيل له: في نفسك منه شيء؟ قال: نعم؛ لأنه من حديث فلان))، أظنه قال: عبد الحميد)) (شرح ابن ماجه 3/ 162).

وقال أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه: ((جملة هذه الأخبار مرفوعها وموقوفها يرجع إلى عطاء العطار وعبد الحميد وعبد الكريم أبي أمية، وفيهم نظر)) (سنن البيهقي عقب رقم 1544).

قلنا: فأما كلام أحمد، فهو مخالف لما قاله أبو داود في (المسائل 177):((سمعت أحمد سئل عن الرجل يأتي امرأته وهي حائض، قال: ما أحسن حديث عبد الحميد فيه! قلت: فتذهب إليه؟ قال: نعم، إنما هو كفارة. قلت: فدينار أو نصف دينار؟ قال: كيف شئت)).

ونقله ابن عبد البر في (الاستذكار 3335) و (التمهيد 3/ 175).

وأما قول أبي بكر ابن إسحاق، فتعقبه ابن دقيق قائلًا:((لا نعارضه في عطاء وعبد الكريم، ولكن أي نظر له في عبد الحميد، وقد احتج به الشيخان في ((الصحيح))، ووثقه النسائي، وذكره ابن حبان في ((ثقات أتباع التابعين))؟ ! وأي دليل على العدالة أعظم من ولاية أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه له وتقديمه على الحكم في أمور المسلمين؟ ولم يبلغنا شيء يكدر، إلا ما ذكر الخلال بعد ما تقدم من روايته عن الميموني، فقال: ((وقال غير الميموني عنه -يعني عن أحمد-: لو صح الحديث

)) إلخ.

قال ابن دقيق: ((وهذا لا يلزم الرجوع إليه لوجهين:

ص: 268

أحدهما: أن ذلك الغير مجهول. وقد روى أبو داود عن أحمد بن حنبل أنه قال: ((ما أحسن حديث عبد الحميد فيه! )) قيل له: أتذهب إليه؟ قال: ((نعم، إنما هو كفارة)).

الثاني: أن ذلك الغير لم يجزم بأن فلانًا هو عبد الحميد، بل قال: أظنه. وبالظن لا يُقدح فيمن تُيُقن تعديله)) (الإمام 3/ 269، 270).

وقال العراقي: ((إنما نشأ ضعف هذا الحديث من اضطرابه والاختلاف في رفعه ووقفه ووصله وإرساله واضطراب لفظه، لا من حال عبد الحميد؛ فقد وثقه النسائي والعجلي وابن حبان وأبو بكر بن أبي داود والحاكم فقال فيه: ((ثقة مأمون))، والاعتماد في تعديل الرواة وجرحهم على أئمة الحديث لا على الفقهاء وقد اعترض صاحب الإمام علي أبي بكر الضبعي في قوله: إن عبد الحميد فيه نظر، نعم اختَلف فيه كلام أحمد بالنسبة لهذا الحديث .. ))، فذكر الروايتين السابقتين عن أحمد، ثم قال:((وقد صححه الحاكم وأبو الحسن القطان، وضَعَّفه الجمهور كما بينته في المستخرج على المستدرك)) (ذيل الميزان ص 142).

ولم نجده في الجزء المطبوع من المستخرج، والله المستعان.

وعليه، فيَسْلَم لنا من العلل: الإعلال بالوقف أو الإرسال، وتَفَرُّد مقسم به.

ولعل الترمذي لم يحسنه لذلك، رغم أنه ساقه من وجهين عن مقسم كما سيأتي، وعلق عليه قائلًا: ((حديث الكفارة في إتيان الحائض قد رُوي عن ابن عباس موقوفًا ومرفوعًا، وهو قول بعض أهل العلم. وبه يقول أحمد وإسحاق. وقال ابن المبارك: يستغفر ربه ولا كفارة عليه. وقد رُوي مثل

ص: 269

قول ابن المبارك عن بعض التابعين منهم: سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي، وهو قول عامة علماء الأمصار)).

فالظاهر أنه يميل إلى إعلاله بالوقف، والله أعلم.

الطريق الثاني:

رواه أحمد (2121، 2843) عن يزيد بن هارون، وأيضًا (2122) عن عبد الوهاب، وأيضًا (3145) عن غندر.

ورواه النسائي في (الكبرى 9253) من طريق عبدة.

والطوسي (118) من طريق عبد الأعلى، والطحاوي في (المشكل 4227) من طريق أسباط. كلهم عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن مقسم عن ابن عباس، قال:((أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ، أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ)).

وفي رواية: أَنَّ رَجُلًا غَشِيَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ((فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ، أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ)).

وزاد في رواية عبد الأعلى: ((كَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: إِذَا كَانَ وَاجِدًا فَدِينَارٌ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ دِينَارٍ)).

وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح، ولكن قتادة كان يدلس وقد عنعن.

قال الطحاوي: ((قتادة إنما حَدَّث سعيدًا بهذا الحديث عن مقسم تدليسًا، لا بسماعه إياه منه)) (المشكل 10/ 432).

ورواه البيهقي من طريق عبد الوهاب، ثم قال:((لم يسمعه قتادة من مقسم))

ص: 270

(السن 1530).

قلنا: رواه النسائي في (الكبرى 9252) من طريق رَوح بن عبادة، وعبد الله بن بكر السهمي.

ورواه الطحاوي في (المشكل 4228) من طريق عبادة بن صهيب.

قالوا: حدثنا ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن عبد الحميد، عن مقسم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:((أَنَّ رَجُلًا غَشِيَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ، أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ)).

وروح والسهمي ثقتان من رجال الصحيح، وهما ممن رووا عن سعيد قبل اختلاطه.

وعلى هذا، فقد رجع الحديث إلى عبد الحميد.

ولكن قال الطحاوي والبيهقي: ((قتادة لم يسمعه من عبد الحميد أيضًا)) (المشكل 10/ 432)، و (السنن الكبرى عقب رقم 1531).

واستدلا على ذلك بما رواه ابن أبي خيثمة في (تاريخه - السِّفر الثالث 635)، والطبراني (12065)، والطحاوي في (المشكل 4229)، وابن عدي في (الكامل 3/ 329)، والبيهقي (1532)، من طريق هدبة بن خالد، ثنا حماد بن الجعد، ثنا قتادة، حدثني الحكم بن عتيبة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مقسم، عن ابن عباس، مرفوعًا بلفظ:((يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِنِصْفِ دِينَارٍ))! وقد بَيَّن عبد الأعلى كما سبق أن هذا إنما هو من تفسير قتادة.

ولفظ الطحاوي: ((يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ)).

ص: 271

قال الطحاوي: ((فوقفنا بذلك على أن قتادة لم يسمعه من عبد الحميد؛ فإنه إنما حَدَّث به عن الحكم عن عبد الحميد، والله أعلم أَسَمِعه من الحكم أم لا؟ )) (المشكل 10/ 433).

وقال البيهقي: ((كذا رواه حماد بن الجعد عن قتادة عن الحكم مرفوعًا، وفي رواية شعبة عن الحكم دلالة على أن ذلك موقوف)) (السنن عقب رقم 1532).

وقال ابن دقيق: ((الروايات عن قتادة يُحكم فيها بالزائد، فإنه كان يرسل ويقطع ويُسنِد، فإذا تبين برواية أنه لم يسمع من عبد الحميد وأنه سمع من الحكم، أُخذ بها .. ، وقد أتى حماد بن الجعد بالأمر بينًا، وصرح بالتحديث فيما بين القوم)) (الإمام 3/ 268).

قلنا: وعلى هذا فقد رجع الحديث إلى الحكم!

ولكن حماد بن الجعد هذا وإن مشاه أبو حاتم، فقد لَيَّنه أبو زرعة، وضَعَّفه ابن معين وأبو داود والنسائي وغيرهم كما في (تهذيب التهذيب 3/ 5)، فروايته ليست بعمدة.

وأيضًا، فقد قال أبو زرعة:((حديث قتادة عن مقسم، ولا أعلم قتادة روى عن عبد الحميد شيئا، ولا عن الحكم)) (العلل 1/ 583).

فكأنه يرجح رواية عبدة وعبد الأعلى ومن تابعهما عن سعيد؛ فإنهما من أثبت الناس فيه.

ومع ذلك، فلا تزال علته قائمة، وهي عنعنة قتادة، فهو مدلس ولا يُعرف بالرواية عن مقسم، فاحتمال تدليسه وأنه أخذه عن الحكم أو غيره من الضعفاء وارد جدًّا. ويرجح أخذه عن الحكم أنه رواه بالشك مثل الحكم،

ص: 272

وقد سبق أن الحكم هو الشاك فيه.

وقد رُوي عن ابن أبي عروبة على وجه آخر، والظاهر أنه طريق ثالث:

فرواه الجارود (111) من طريق عبد الله بن بكر. والطوسي (117) من طريق عبد الأعلى. والبيهقي (1522) من طريق عبد الوهاب بن عطاء.

كلهم عن سعيد بن أبي عروبة، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس، مرفوعًا بلفظ:((يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ)).

زاد الطوسي والبيهقي: قال سعيد: ((وكان يفسر مقسم: إذا كان في الدم فدينار، وإن كان قد انقطع الدم فنصف دينار))، ولفظ البيهقي:((وفسر ذلك مقسم فقال: إن غشيها في الدم فدينار، وإن غشيها بعد انقطاع الدم قبل أن تغتسل فنصف دينار)).

وعبد الكريم هذا هو ابن أبي المخارق، وهو واهٍ جدًّا، ضَعَّفه عامة النقاد، ومنهم من قال فيه:((متروك))، كالنسائي والدَّارَقُطْنِيّ، ونقل ابن عبد البر الإجماع على ضعفه. (تهذيب التهذيب 6/ 377).

وقد رُوي عنه بألفاظ أخرى ستأتي، وقد رواه عنه ليث بن أبي سليم بمثل رواية ابن أبي عروبة. خرجه الطبراني (12133)، وليث واهٍ أيضًا.

ورواه البيهقي (1539) من طريق أبي قلابة الرَّقَاشي، ثنا روح بن عبادة، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن عبد الكريم أبي أمية، عن عكرمة، عن ابن عباس، مرفوعًا بلفظ:((يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفِ دِينَارٍ))! . قال: ((وفسره مقسم فقال: إذا كان في إقبال الدم فدينار، وإذا كان في انقطاع الدم فنصف دينار، وإذا لم تغتسل فنصف دينار))!

وهذا فيه تخليط سندًا ومتنًا، والرقاشي كثير الخطأ، قاله الدَّارَقُطْنِيّ، ولا

ص: 273

يَثبت عن عكرمة.

وقد رواه النسائي في (الكبرى 9251)، من طريق أشعث بن سَوَّار، عن الحكم، عن عكرمة، عن ابن عباس به موقوفًا بلفظ:((بدينار أو بنصف دينار)).

وأشعث: "ضعيف"، كما في (التقريب 524)، وقد أخطأ فيه على الحكم، فلا يَثبت من روايته عن عكرمة.

الطريق الثالث:

رواه الدَّارَقُطْنِيّ في (السنن 3745)، والطحاوي (4237)، والبيهقي (1543) من طريق أبي بكر بن عياش، عن يعقوب بن عطاء، عن مقسم، عن ابن عباس به مرفوعًا.

ويعقوب بن عطاء: "ضعيف"، كما في (التقريب 7826)، ولذا قال البيهقي عقبه:((يعقوب بن عطاء لا يُحتج بحديثه)) (الكبرى عقب رقم 1543) و (المعرفة 14026).

وأبو بكر بن عياش متكلم في حفظه أيضًا.

الطريق الرابع:

رواه الدَّارَقُطْنِيّ في (السنن 3746) وابن عدي في (الكامل 6/ 382 - 383) من طريق محمد بن حِمْيَر، عن عبد الله بن محرر، عن عبد الكريم بن مالك، وخصيف، وعلي بن بذيمة، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ، فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ)).

ص: 274

وهذا إسناد ساقط؛ فعبد الله بن محرر متروك كما في (التقريب).

والمحفوظ عن ابن بذيمة ما رواه الثوري عنه عن مقسم مرسلًا كما سبق، وكذا رواه الثوري عن خصيف، ولخصيف فيه ألوان كما سنذكره فيما بعد.

هذا، والحديث قد ردَّه جماهير أهل العلم:

فقال الشافعي فيمن أتى امرأته حائضًا أو بعد تولية الدم ولم تغتسل: ((يستغفر الله تعالى، ولا يعود حتى تطهر وتحل لها الصلاة، وقد رُوي فيه شيء لو كان ثابتًا أخذنا به، ولكنه لا يثبت مثله)) (السنن الكبرى للبيهقي عقب رقم 1546)، و (السنن الصغرى عقب رقم 162).

وقال ابن المنذر: ((هذا خبر قد تُكلم في إسناده

، فإن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوجب ما ذكرناه، وجب الأخذ به .. ، وإن لم يثبت الخبر -ولا أحسبه يثبت-، فالكفارة لا يجوز إيجابها إلا أن يوجبها الله أو يَثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوجبها)) (الأوسط 2/ 340).

وقال أبو علي بن السكن: ((هذا حديث مختلف في إسناده ولفظه، ولا يصح مرفوعًا، لم يصححه البخاري، وهو صحيح من كلام ابن عباس)) (بيان الوهم 5/ 277).

قال ابن عبد الهادي: ((وقد خالفه أبو الحسن بن القطان في هذا، ورد عليه، وصحح الحديث مرفوعًا، وطريقته في مثل هذا معروفة)) (شرح العلل ص 110).

قلنا: وعلى كلام ابن القطان مآخذ ذكرنا بعضها.

وقال الخطابي: ((قال أكثر العلماء: لا شيء عليه، ويستغفر الله، وزعموا أن هذا الحديث مرسل، أو موقوف على ابن عباس، ولا يصح متصلًا

ص: 275

مرفوعًا، والذِّمَم بريئة إلا أن تقوم الحجة بشغلها)) (المعالم 1/ 83).

وقال ابن عبد البر: ((حجة من لم يوجب عليه إلا الاستغفار والتوبة - اضطراب هذا الحديث عن ابن عباس مرسلًا. والذِّمَم على البراءة، لا يجب أن يثبت فيها شيء لمسكين ولا غيره إلا بدليل لا مدفع فيه. وذلك معدوم في هذه المسألة)) (الاستذكار 3342) و (التمهيد 3/ 178).

وقال ابن العربي: ((لا خفاء بضعف هذا الحديث؛ لأنه تارة يوقف على ابن عباس، وتارة يسند، وتارة يرسل عن مقسم عن النبي صلى على الله عليه وسلم، وتارة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة يُروى على الشك: ((دينار أو نصف دينار))، وتارة يروى على التفرقة في أن المرئي أول الدم أو آخره، مع رواة مجهولين وآخرين غير معدلين حَسَب ما تقرر في موضعه)) (عارضة الأحوذي 1/ 217، 218).

وقال القاضي عياض: ((والحديث عندهم مضطرب غير محفوظ)) (الإكمال 2/ 126).

وذكر عبد الحق عن الترمذي أَنه قال: ((رُوي موقوفًا))، ثم قال:((كذا قال: (رُوي موقوفًا)، ولم يذكر ضعف الإسناد، وهذا الحديث في الكفارة لا يُروى بإسناد يُحتج به)) (الأحكام الوسطى 1/ 210).

وقال المنذري: ((وهذا الحديث قد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه)) (مختصر سنن أبي داود 1/ 175).

وضَعَّفه إمام الحرمين، كما نقله ابن الملقن في (البدر المنير 3/ 100).

وضعفه الغزالي في (الوسيط)، وقال ابن الصلاح في (شرح مشكله): "هذا الحديث ضعيف من أصله لا يصح رفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو

ص: 276

موقوف على ابن عباس من قوله، وقد كان شعبة رواه مرفوعًا، ثم رجع عن رفعه، ووقفه على ابن عباس،

وقد حكم الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري بأنه حديث صحيح، ولا التفات إلى ذلك منه؛ فإنه خلاف قول غيره من أئمة الحديث، وهو معروف بالتساهل في مثل ذلك" (شرح مشكل الوسيط 1/ 262).

وكذا قال النووي: ((هو حديث ضعيف باتفاق الحفاظ)) (شرح صحيح مسلم 3/ 205).

وقال أيضًا: ((واتفق المحدثون على ضعف حديث ابن عباس هذا واضطرابه، ورُوي موقوفًا ورُوي مرسلًا وألوانًا كثيرة. وقد رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، ولا يجعله ذلك صحيحًا. وذكره الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين وقال: هو حديث صحيح. وهذا الذي قاله الحاكم خلاف قول أئمة الحديث والحاكم معروف عندهم بالتساهل في التصحيح. وقد قال الشافعي في أحكام القرآن: هذا حديث لا يثبت مثله. وقد جمع البيهقي طرقه وبَيَّن ضعفها بيانًا شافيًا وهو إمام حافظ متفق على إتقانه وتحقيقه فالصواب أنه لا يلزمه شئ والله أعلم" (المجموع 2/ 360).

وضَعَّفه في (الخلاصة 605) أيضًا، وقال:((لا تغتر بقول الحاكم: (إنه حديث صحيح) فإنه معروف بالتساهل في التصحيح، واتفق الحفاظ على ضعف هذا الحديث واضطرابه وتلونه، والله أعلم)) (الخلاصة 1/ 230 - 232).

وتعقبه ابن عبد الهادي، فقال: ((وقد صحح هذا الحديث الحاكم أبو عبد الله، وأبو الحسن ابن القطان وغيرهما. وقد وهِم من حكى الاتفاق على

ص: 277

ضعفه)) (شرح العلل، ص 108).

قلنا: لم يهم النووي، فلا يُعرف قبل ابن القطان من صححه سوى الحاكم، وهو قد استثناه، وتعقبه، وحتى صنيع ابن القطان لا يُتعقب على النووي به؛ لأنه مات قبل أن يولد النووي بثلاث سنوات تقريبًا، فلعل كتابه في زمن النووي لم يكن اشتهر بعد، والله أعلم.

وقال ابن كثير: ((لم يصح عندهم رفع هذا الحديث، فإنه قد رُوي مرفوعًا كما تقدم وموقوفًا، وهو الصحيح عند كثير من أئمة الحديث)) (التفسير 1/ 587).

وقال أبو المحاسن الحنفي: ((هذا حديث مضطرب)) (المعتصر من المختصر من مشكل الآثار 1/ 21).

وخالف ابن القطان كما سبق عنه، فصحح الحديث، وأقرّه ابن دقيق في (الإمام 3/ 258 - 269)، وتبعه ابن التركماني في (الجوهر النقي 1/ 314 - 319).

وتصحيحه هو ظاهر صنيع ابن سيد الناس في (النفح الشذي 3/ 216).

وكذا رجح صحته ابن الملقن في (البدر المنير 3/ 87)، وابن حجر في (التلخيص 1/ 293)، والمناوي في (الفيض 6/ 24)، والمباركفوري في (التحفة 1/ 357، 358)، وأحمد شاكر في تحقيقه لـ (المسند) و (جامع الترمذي)، والألباني في (صحيح أبي داود 2/ 15)، و (الإرواء 1/ 217)، وغيرهما من كتبه.

وانظر بقية رواياته فيما يلي.

ص: 278

رِوَايَةُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الدَّمِ الأَحْمَرِ وَالأَصْفَرِ فِي قِيمَةِ الكَفَّارَةِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم [فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ] قَالَ:((إِذَا كَانَ دَمًا أَحْمَرَ (عَبِيطًا) فَدِينَارٌ، وَإِذَا كَانَ دَمًا أَصْفَرَ (فِيهِ صُفْرَةٌ) فَنِصْفُ دِينَارٍ)).

[الحكم]:

ضعيف، وضَعَّفه مَن سبق ذكرهم في الرواية الأولى، وأضف إليهم هنا: ابن عيينة، فقد أعله بالوقف، وضَعَّفه: ابن الجوزي والماوردي والذهبي وابن دقيق وابن حجر والألباني.

[اللغة]:

العَبيطُ مِنَ الدَّمِ: الْخَالِصُ الطَّرِيُّ. (مختار الصحاح، ص 199).

[التخريج]:

[ت 138 "واللفظ له" / كن 9255 "والزيادة والروايتان له ولغيره" / مي 1134/ بز 4750/ طب (11/ 402/ 12135) / عل 2432/ جعد 2976/ غيل 592/ مشكل 4231، 4232/ جريه 133/ طيل 377 / قط 3747، 3748 / هق 3748 / كر (36/ 451) / تحقيق 298/ بغ 315/ بغت (1/ 258) / إمام (3/ 270)].

[التحقيق]:

رواه الترمذي قال: حدثنا الحسين بن حريث، أخبرنا الفضل بن موسى، عن أبي حمزة السكري، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس به.

وتوبع عليه أبو حمزة:

فرواه النسائي في (الكبرى) من طريق سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم،

ص: 279

به.

ورواه ابن الجعد والدارمي والطبراني والبزار وأبو يعلى والطحاوي وغيرهم من طريق أبي جعفر الرازي عن عبد الكريم بن أبي المخارق به.

وهذا إسناد ضعيف؛ عبد الكريم هو ابن أبي المخارق، وقد سبق أنه واهٍ جدًّا، وضَعَّفه الحافظ في (التقريب 4156).

وقد اختُلف عليه في وقفه ورفعه، وبهذا أعله البيهقي، فقال:((رواه هشام الدستوائي عن عبد الكريم فوقفه))، فذكره ثم قال:((هذا أشبه بالصواب. وعبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية غير محتج به)) (السنن، عقب رقم 1540 و 1541).

ولذا قال عبد الحق: ((لا يصح)) (الأحكام الكبرى 1/ 519).

وقال أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه: ((جملة هذه الأخبار مرفوعها وموقوفها يرجع إلى عطاء العطار وعبد الحميد وعبد الكريم أبي أمية، وفيهم نظر)) (سنن البيهقي، عقب رقم 1544).

وأقره ابن دقيق في شأن عطاء وعبد الكريم (الإمام 3/ 269).

وقال ابن الجوزي: ((عبد الكريم هو البصري، ضعيف جدًّا، كان أيوب السختياني يرميه بالكذب، وقال أحمد ويحيى: ليس هو بشيء، وقال السعدي: غير ثقة، وقال الدَّارَقُطْنِيّ: متروك)) (التحقيق 1/ 253).

وقال الذهبي: ((وعبد الكريم ضُعف)) (التنقيح 1/ 86).

وقال ابن حجر: ((مداره على عبد الكريم أبي أمية، وهو مجمع على تركه، إلا أنه توبع في بعضها من جهة خصيف، ومن جهة علي بن بذيمة، وفيهما

ص: 280

مقال)) (التلخيص 1/ 292).

وسيأتي الكلام على هذه المتابعة قريبًا.

بينما تعقب ابن عبد الهادي على ابن الجوزي، فقال:((عبد الكريم ليس هو ابن أبي المخارق البصري، وإنما هو ابن مالك الجزري، أحد الثقات. كذا ذكره بعض مَن جَمَع الأطراف، وقد قيل: إنه أبو أمية .. ، فيحتمل أن يكون الجزري وأبو أمية روياه عن مقسم)) (التنقيح 1/ 396، 397).

ولعله يشير إلى المزي لصنيعه في (التحفة 5/ 247)، حيث عدّه من رواية الجزري عن مقسم. وتمسك به الشيخ شاكر، فرجح أنه الجزري، وصحح الحديث في تحقيقه لـ (جامع الترمذي 1/ 245 - 247).

قال ابن الملقن: ((ولو صحت هذه المقالة لكان الحديث من هذا الوجه صحيحًا؛ لأن عبد الكريم الجزري من الثقات الحفاظ المكثرين

، ثم رأيت الحافظ جمال الدين المزي جزم بهذه المقالة، فذكر هذا الحديث في ((أطرافه)) في ترجمة عبد الكريم الجزري، فقويت هذه المقالة، فلعل الحديث عنهما، والله أعلم بالصواب، والقلب إلى الأول أميل)) (البدر المنير 3/ 82).

قلنا: لا يثبت عن الجزري البتة، وإن كان بعضهم قد رواه وأخطأ فيه فجعله من روايته:

فرواه الدَّارَقُطْنِيّ (3746) وابن عدي (6/ 382 - 383) من طريق محمد بن حمير، عن عبد الله بن محرر، عن عبد الكريم بن مالك، وخصيف، وعلي بن بذيمة، عن مقسم، عن ابن عباس، مرفوعًا بلفظ:((مَنْ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتَهَ وَهِيَ حَائِضٌ، فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ)).

وهذا إسناد ساقط كما بيَّنَّاه آنفًا، فعبد الله بن محرر متروك، والمحفوظ

ص: 281

عن ابن بذيمة ما رواه الثوري عنه عن مقسم مرسلًا كما سبق.

وقد جاء ذكر الجزري في طريق نظيف:

فرواه الطحاوي في (المشكل 4231) عن محمد بن علي بن داود، قال: حدثنا داود بن مِهران الدباغ، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم الجزري، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سفيان: أُراه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فِي الدَّمِ الْعَبِيطِ تَصَدَّقَ بِدِينَارٍ، وَإِنْ كَانَتْ صُفْرَةً فَبِنِصْفِ دِينَارٍ)).

ثم قال الطحاوي: ((فكان هذا الحديث قد حَدَّث به ابن عيينة عن عبد الكريم الجزري وهو مقبول الرواية. وحَدَّث به أبو جعفر الرازي عن عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو مغمور في روايته. وكلاهما حَدَّث به عن مقسم عن ابن عباس، وشك فيه ابن عيينة أن يكون عبد الكريم رفعه له أم لا، ولم يشك فيه عبد الكريم أبو أمية أنه مرفوع)) (المشكل 10/ 435، 436).

كذا جزم بأنه الجزري الثقة! وأنه تابع ابن أبي المخارق.

وهذا خطأ، ولا ندري ممن؟ فجميع رجاله عنده ثقات، ولعل تعيينه من قِبل الطحاوي نفسه، والحديث حديث أبي أمية عبد الكريم بن أبي المخارق الضعيف، وليس لعبد الكريم بن مالك الجزري فيه ناقة ولا جمل.

فقد رواه الشافعي وأحمد وعلي بن حرب عن ابن عيينة، وبينوا أنه من حديث أبي أمية. وهؤلاء ثلاثة من الأئمة الحفاظ، إذا اتفقوا على حديث فلا عبرة بمن خالفهم.

فأما رواية الشافعي، فقد نقلها الماوردي في (الحاوي 1/ 385) بسنده ومتنه، وفيه:((عن سفيان (عن) أبي أمية)). وأبو أمية هو عبد الكريم بن

ص: 282

أبي المخارق.

ثم قال الماوردي: ((قال الشافعي: ((إن صح هذا الحديث قلت به)). قال الماوردي: ((وهو غير صحيح)) (الحاوي الكبير 1/ 385).

وأما رواية أحمد، فقد علقها عقب رواية قتادة في (المسند 2122)، وأسندها في العلل:

فروى عبد الله بن أحمد في (العلل 1036) -وعنه العقيلي في (الضعفاء 2/ 549) - عن أبيه، قال: حدثنا سفيان، عن عبد الكريم أبي أمية، عن مقسم، عن ابن عباس: ((إِذَا أَتَى امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ

)). قيل لسفيان: يا أبا محمد، هذا مرفوع؟ فأبى أن يرفعه وقال: أنا أعلم به. يعني: أبا أمية.

وكذا رواه علي بن حرب الطائي في (حديث ابن عيينة 2) عن سفيان عن عبد الكريم عن مقسم عن ابن عباس موقوفًا. ذكره عقب حديث صرح فيه بأن شيخه هو أبو أمية.

وهذا يدل على أن ابن عيينة كان يرى أن عبد الكريم هو المخطئ في رفعه.

قال ابن دقيق: ((واعلم أن هذا الحديث يُروى عن عبد الكريم غير منسوب .. ، فبلغني عن الوَقَّشِي أنه قال: ((عبد الكريم هذا هو ابن مالك أبو سعيد الجزري)). قلت: وعبد الكريم بن مالك، وعبد الكريم أبو أمية، كلاهما يَروي عن مقسم، وقد تبين في رواية روح بن عبادة، عن سعيد بن أبي عروبة، فقال: عن عبد الكريم أبي أمية .. ، وهذا يُضَعِّف قول الوقشي.

وروى ابن جريج هذا الحديث عن أبي أمية عبد الكريم البصري

ص: 283

والذي يُعتل به بعد الحكم بأن عبد الكريم هو أبو أمية البصري وجهان:

أحدهما: استضعاف عبد الكريم أبي أمية

والثاني: الاختلاف. فرواه هشام الدستوائي، عن عبد الكريم، فوقفه. أخرجه البيهقي من جهته، وسيأتي لفظه، وقال عقيبه:((وهذا أشبه بالصواب، وعبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية غير محتج به)) (الإمام 3/ 252، 253).

وجزم بأن صاحب الحديث هو أبو أمية كل من ابن الجوزي في (التلقيح 1/ 423)، وابن حجر في (النكت 5/ 247)، -ونسبه لابن دقيق، وابن عبد الهادي! - والألباني في (صحيح أبي داود 2/ 23، 24).

وقال الألباني أيضًا: ((عبد الكريم هذا هو ابن أبي المخارق أبو أمية البصري، كما هو مصرح به في رواية البيهقي والدَّارَقُطْنِيّ، وهو ضعيف، وليس هو ابن مالك الْجَزَرِي الثقة كما زعم غير واحد من المتقدمين وبعض المعاصرين، ثم إن الصواب في هذا اللفظ المفسر أنه موقوف على ابن عباس)) (ضعيف أبي داود 1/ 110).

قلنا: ورواه بعض الضعفاء، وذكر متابعتين لعبد الكريم:

فرواه الدَّارَقُطْنِيّ (3747) -ومن طريقه الجورقاني في (الأباطيل) -، والطبراني (فيما انتقاه ابن مردويه 133) -ومن طريقه ابن دقيق في (الإمام) -: من طريق محمد بن عبد العزيز الرملي، نا عبد الله بن يزيد بن الصلت، عن سفيان [الثوري]، عن عبد الكريم، وعلي بن بذيمة، وخصيف، عن مقسم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي الدَّمِ فَعَلَيْهِ دِينَارٌ، وَفِي الصُّفْرَةِ نِصْفُ دِينَارٍ)).

ص: 284

وعبد الله بن يزيد بن الصلت، قال فيه أبو زرعة:((منكر الحديث))، وقال أبو حاتم:((متروك الحديث))، وضَعَّفه النسائي، واعتمده الحافظ في (التقريب 3705).

والمحفوظ عن الثوري عن ابن بذيمة ما رواه عبد الرزاق، فأرسله عن مقسم كما سبق، وكذا رواه الثوري عن خصيف، ولخصيف فيه ألوان كما سيأتي.

ومن ذلك ما رواه النسائي في الكبرى (9263) وغيره من طريق حجاج عن خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفًا في الرجل يواقع امرأته وهي حائض، قال:((إِذَا وَاقَعَ فِي الدَّمِ الْعَبِيطِ تَصَدَّقَ بِدِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّفْرَةِ فَنِصْفُ دِينَارٍ)).

وخصيف هو ابن عبد الرحمن الجزري، سيئ الحفظ كما في (التقريب 1718).

* * *

ص: 285

رِوَايَةُ ((فَإِنْ لَمْ يَجِدْ دِينَارًا، فَنِصْفُ دِينَارٍ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ دِينَارًا فَنِصْفُ دِينَارٍ)).

[الحكم]:

ضعيف، وضَعَّفه مَن سبق ذكرهم في الرواية الأولى، وأضف إليهم هنا: ابن عدي وابن طاهر وابن دقيق والألباني.

[التخريج]:

[حم 2201، 2788 واللفظ له، 3428/ طب (11/ 334/ 11921)، (11/ 381/ 12065) / هق 1532، 1539، 1544/ عد (3/ 329)، (8/ 516) / معر 133، 2115/ مشكل 4234/ تخث (السِّفر الثالث 635)].

[التحقيق]:

الحديث بهذا اللفظ له طرق:

الأول:

رواه أحمد (2201) عن يونس، وأيضًا (2788) عن سريج، وأيضًا (3428) عن أبي كامل. ثلاثتهم: عن حماد بن سلمة، عن عطاء العطار، عن عكرمة، عن ابن عباس، به.

ورواه الطبراني (11921)، والطحاوي وابن الأعرابي والبيهقي (1544)، من طريق عطاء به.

وهذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه عطاء العطار وهو ابن عجلان الحنفي، قال عنه ابن حجر:((متروك، بل أطلق عليه ابن معين والفلاس وغيرهما الكذب))

ص: 286

(التقريب 4594).

وبه أعله البيهقي فقال: ((عطاء هو ابن عجلان، ضعيف متروك، وقد قيل عنه: عن عطاء وعكرمة عن ابن عباس. وليس بشيء)) (الكبرى، عقب رقم 1544).

قلنا: رواه ابن عدي في (الكامل 8/ 516)، من طريق علي بن الحسين بن واقد عن أبيه، حَدَّثَنِي عَطَاءٌ -رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ- عَنْ عَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنِ الذِي وَقَعَ عَلَى الحَائِضِ فَقَالَ:((تَصَدَّقْ بِدِينَارٍ)). قَالَ: لَا أَجِدُ. قَالَ: ((فَنِصْفُ دِينَارٍ)).

ثم قال ابن عدي: ((ولعطاء بن عجلان غير ما ذكرت، وما ذكرت وما لم أذكره عامة رواياته غير محفوظة)).

وقال أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه: ((جملة هذه الأخبار مرفوعها وموقوفها يرجع إلى عطاء العطار وعبد الحميد وعبد الكريم أبي أمية، وفيهم نظر)) (السنن الكبير للبيهقي، عقب رقم 1544).

وأقره ابن دقيق في شأن عطاء وعبد الكريم (الإمام 3/ 269).

وقد أخطأ الطحاوي في تعيين عطاء هذا، فقال:((عطاء هذا عند أهل العلم بالإسناد هو أبو يزيد بن عطاء. غير أن البخاري نسبه إلى البز، ولم ينسبه إلى العطر، وقد يحتمل أن يكون كان عطارًا بزازًا، فنسبه قوم إلى البز، ونسبه قوم إلى العطر)).

قلنا: البزاز هذا واسطي، يَروي عن أنس، وعنه ابن عون وأبو إسحاق الشيباني، قال فيه ابن معين:((ليس بشيء)).

فأما صاحبنا العطار فهو ابن عجلان كما بينه ابن عدي والبيهقي، وهو

ص: 287

الذي يَروي عنه حماد.

الطريق الثاني:

رواه ابن أبي خيثمة والطبراني وابن عدي والبيهقي من طريق هدبة بن خالد، عن حماد بن الجعد، حدثنا قتادة، ثنا الحكم بن عتيبة أن عبد الحميد بن عبد الرحمن حدثه أن مقسمًا حدثه عن ابن عباس، به.

وحماد بن الجعد ضعيف. وبه أعله ابن طاهر القيسراني في (الذخيرة 1119)، وقد سبق الكلام عن هذا الطريق في تحقيقنا للرواية الأولى.

الطريق الثالث:

رواه البيهقي (1539) من طريق أبي قِلابة الرَّقَاشي، ثنا رَوْح بن عُبادة، ثنا سعيد بن أبي عَروبة، عن عبد الكريم أبي أمية، عن عكرمة، عن ابن عباس، مرفوعًا بلفظ:((يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ دِينَارٍ))! ، قال:((وَفَسَّرَهُ مِقْسَمٌ فَقَالَ: إِذَا كَانَ فِي إِقْبَالِ الدَّمِ فَدِينَارٌ، وَإِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ فَنِصْفُ دِينَارٍ، وَإِذَا لَمْ تَغْتَسِلْ فَنِصْفُ دِينَارٍ))! .

وعبد الكريم هو ابن أبي المخارق، وهو واهٍ جدًّا، وسبق أن هذا فيه تخليط سندًا ومتنًا. والرقاشي كثير الخطأ، قاله الدَّارَقُطْنِيّ، ولا يَثبت عن عكرمة.

هذا، وقد رواه الطحاوي في (المشكل 10/ 430)، من طريق أبي عوانة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس، موقوفًا بلفظ:((يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِنِصْفِ دِينَارٍ))! .

وقد سبق الكلام على هذا الطريق، والمحفوظ عن الحكم بغير هذا اللفظ.

ص: 288

رِوَايَةُ ((فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ 1: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا وَقَعَ الرَّجُلُ بِأَهْلِهِ وَهِيَ حَائِضٌ، فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ)).

• وَفِي رِوَايَةٍ 2: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ((كَانَ الرَّجُلُ إِذَا وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ، أَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَصَدَّقَ بِنِصْفِ دِينَارٍ)).

• وَفِي رِوَايَةٍ 3: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَطَأُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ:((يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ دِينَارٍ)).

[الحكم]:

ضعيف، وضَعَّفه مَن سبق ذكرهم في الرواية الأولى. وأضف إليهم هنا: ابن القطان وابن دقيق وابن حجر والألباني.

[التخريج]:

[د 266 "والسياق الأول له ولغيره" / ت 137/ جه (650 طبعة دار إحياء الكتب العربية

(1)

"والسياق الثاني له ولغيره" / كن 9256 "والسياق الثالث له ولغيره"، 9257، 9261، 9262/ حم 2458/ مي 1128، 1132/ ش 12507، 12508/ طب 11698، 12025/ مشكل 4230/ عد (4/ 397) / مقرئ (فوائد 13/ 64) / هق 1535].

[التحقيق]:

رواه أبو داود عن محمد بن الصباح البزاز.

(1)

سقط هذا الحديث من طبعة التأصيل، وهو مثبت في غيرها، كطبعة دار الرسالة العالمية، ودار الجيل، ودار الصديق، وكذا ذكره المزي في (التحفة 13/ 42 - 43).

ص: 289

ورواه الترمذي والنسائي في (الكبرى 9261) عن علي بن حُجْر.

ورواه أحمد عن حسين المروذي.

ورواه الدارمي (1128) عن أبي الوليد.

كلهم عن شريك، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس، به مرفوعًا.

واختُلف على شريك:

فرواه النسائي في (الكبرى 9262) عن سهل بن صالح الأنطاكي قال: حدثنا محمد بن عيسى -هو ابن الطباع- قال: أخبرنا شريك، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي أهله وهي حائض قال:((يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ دِينَارٍ)).

قال النسائي: ((حديثُ سهل خطأ، وشريك ليس بالحافظ)) (السنن الكبرى 11/ 134)، مع (التحفة 5/ 130).

يعني: أن الصواب روايته عن مقسم. والظاهر أن الخطأ فيه من شريك.

فقد رواه الطبراني (11698) من طريق إسحاق بن كعب. وأيضًا (12025) من طريق عبد الرحمن بن شيبة، عن شريك، عن خصيف

(1)

، عن عكرمة، عن ابن عباس ((أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ عَلَى امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتْصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ)).

والصواب الوجه الأول، فقد توبع عليه شريك، تابعه الثوري عند (الدارمي 1132)، وابن جريج عند النسائي (الكبرى 9257)، وليس

(1)

- تحرف في الموضع الأول إلى: ((حصين"! ! .

ص: 290

بمحفوظ عن ابن جريج، والصحيح أنه أرسله كما سيأتي.

وهذا إسناد ضعيف؛ لسوء حفظ شريك، وكذلك خصيف كما سبق.

قال البيهقي: ((رواه شريك مرة فشك في رفعه .. ، وخصيف الجزري غير محتج به)) (السنن، عقب حديث 1535).

وقال ابن حزم: ((خصيف ضعيف)) (المحلى 2/ 189).

وبه أعله ابن حجر في (التلخيص 1/ 292).

وقد اضطرب فيه أيضًا، فرواه معمر وإسرائيل وحماد بن سلمة عنه موقوفًا، واختلفوا في لفظه.

ورواه الثوري وأبو خيثمة عنه مرسلًا.

وكذا رواه عبد الرزاق (1272)، عن ابن جريج، عن خصيف، عن مقسم، مرسلًا.

ولذا قال ابن القطان: ((أما رواية خصيف فضعيفة بضعف خصيف، فإنه كان يخلط في محفوظه

ويزداد إلى ضعف خصيف، اضطراب متن هذا الحديث الذي هو من روايته، فالاضطراب في هذا الحديث عندي يمكن أن يكون من خصيف لا من أصحابه؛ لِما عُهد من سوء حفظه)) (البيان 5/ 274 - 276).

وبهذا أعله ابن دقيق في (الإمام 3/ 250، 251).

وضَعَّفه الألباني في (ضعيف أبي داود 1/ 109)، لسوء حفظ شريك وخصيف معًا.

وتوبع عليه خصيف بما لا يُفرح به:

ص: 291

فرواه ابن ماجه (650 طبعة دار إحياء الكتب العربية

(1)

عن عبد الله بن الجراح قال: حدثنا أبو الأحوص، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس به بلفظ السياق الثاني.

ورواه ابن أبي شيبة (12508) والنسائي في (الكبرى 9256) من طريق هشيم، عن الحجاج، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس، به بلفظ السياق الثالث.

قال النسائي: ((حجاج بن أرطاة ضعيف صاحب تدليس)).

قلنا: تابعه أبو الأحوص، فالعلة في عبد الكريم، وهو ابن أبي المخارق، فإنه واهٍ، وقد اضطرب في متنه، فله روايات أخرى خرجناها هنا.

وبه ضَعَّفه البيهقي وغيره كما ذكرناه في موضعه.

ولما ذكر عبد الحق رواية خصيف وعبد الكريم، قال:((كلاهما لا يصح)) (الأحكام الكبرى 1/ 519).

(1)

سقط هذا الحديث من طبعة التأصيل، وهو مثبت في غيرها، كما تقدم بيانه.

ص: 292

رِوَايَةُ ((وَمَنْ أَتَاهَا وَقَدْ أَدْبَرَ الدَّمُ عَنْهَا)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي حَيْضَتِهَا فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ. وَمَنْ أَتَاهَا وَقَدْ أَدْبَرَ الدَّمُ عَنْهَا، فَلَمْ تَغْتَسِلْ، فَنِصْفُ دِينَارٍ)).

[الحكم]:

ضعيف، وضَعَّفه مَن سبق ذكرهم في الرواية الأولى والثانية.

[التخريج]:

[حم 3473 / عب 1274 - 1276 / طب (11/ 402/ 12134) / منذ 794، 795 / هق 1537].

[السند]:

رواه عبد الرزاق (1274) قال: أخبرنا محمد بن راشد وابن جريج، قالا: أخبرنا عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس، به. وفي آخره:((كل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم).

ثم رواه (1275) عن محمد بن راشد - وحده - به.

ثم رواه عبد الرزاق (1276) - وعنه أحمد (3473) - قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرنا عبد الكريم - زاد أحمد: وغيره -، عن مقسم، عن ابن عباس:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ فِي الْحَائِضِ نِصَابَ دِينَارٍ، فَإِنْ أَصَابَهَا وَقَدْ أَدْبَرَ الدَّمُ عَنْهَا وَلَمْ تَغْتَسِلْ، فَنِصْفُ دِينَارٍ)) كل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. هذا لفظ أحمد، واقتصر في المصنف على قوله:((جَعَلَ فِي الْحَائِضِ نِصَابَ دِينَارٍ إِذَا أَصَابَهَا قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ))!.

ورواه البيهقي من طريق نافع بن يزيد عن ابن جريج عن أبي أمية عبد الكريم

ص: 293

البصري عن مقسم به مرفوعًا بلفظ: ((إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ فِي الدَّمِ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ. وَإِذَا وَطِئَهَا وَقَدْ رَأَتِ الطُّهْرَ وَلَمْ تَغْتَسِلْ فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ)).

فمداره على عبد الكريم بن أبي المخارق به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف؛ لوهاء ابن أبي المخارق كما مَرَّ.

ولَمَّا ذكره البيهقي قال عقبه: ((ورواه ابن أبي عروبة عن عبد الكريم، فجعل التفسير من قول مقسم)) (السنن، عقب حديث 1537).

وتبعه ابن دقيق، فأعله بابن أبي المخارق والاختلاف عليه، وقد مر الكلام عليه وعلى حديثه فيما سبق.

ص: 294

رِوَايَةُ ((أَمَرَ الْوَاطِئَ فِي الْعِرَاكِ بِصَدَقَةٍ دِينَارٍ

)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:((إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ الْوَاطِئَ فِي الْعِرَاكِ بِصَدَقَةٍ دِينَارٍ، وَإِنْ وَطِئَهَا بَعْدَ أَنْ تَطْهُرَ وَلَمْ تَغْتَسِلْ بِصَدَقَةٍ نِصْفِ دِينَارٍ)).

[الحكم]:

ضعيف كسابقه.

[اللغة]:

المراد بالعراك: الحيض. وقد مرَّ.

[التخريج]:

[قط 3749].

[السند]:

قال الدَّارَقُطْنِيّ: نا أبو بكر النيسابوري، أنا عباس بن الوليد بن مَزْيَد، أخبرني محمد بن شعيب، أخبرني ابن لهيعة، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، عن عبد الكريم البصري، أنه أخبره أن مقسمًا مولى ابن عباس حدثه، أنه سمع ابن عباس يقول:

، فذكره.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف؛ فيه علتان:

الأولى: عبد الكريم هو ابن أبي المخارق، سبق الكلام على ضعفه.

الثانية: ابن لهيعة، ضعيف، وتقدم الكلام عليه مرارًا.

وانظر الروايات السابقة.

ص: 295

وقد روى هذا الحديث أبو داود (265، 2158)، والحاكم (623)، والبيهقي (1542) من طريق جعفر بن سليمان، عن علي بن الحكم البُنَاني، عن أبي الحسن الجزري، عن مقسم، عن ابن عباس موقوفًا، قال:((إِذَا أَصَابَهَا فِي أَوَّلِ الدَّمِ فَدِينَارٌ، وَإِذَا أَصَابَهَا فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ فَنِصْفُ دِينَارٍ)).

وأبو الحسن الجزري مجهول.

ورواه الدارمي (1131) من طريق الثوري، عن ابن جريج، عن عبد الكريم، عن رجل، عن ابن عباس موقوفًا، قال:((إِذَا أَتَاهَا فِي دَمٍ فَدِينَارٌ، وَإِذَا أَتَاهَا وَقَدِ انْقَطَعَ الدَّمُ فَنِصْفُ دِينَارٍ)).

والرجل هو مقسم. وقد جعل ابن أبي عروبة هذا التفسير من قوله كما مرّ.

ص: 296

رِوَايَةُ ((فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتِقَ نَسَمَةً)):

• وَفِي رِوِايَةٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:((أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَصَابَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتِقَ نَسَمَةً)).

[قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَقِيمَةُ النَّسَمَةِ يَوْمَئِذٍ دِينَارٌ].

[الحكم]:

منكر، وأنكره: النسائي، وابن حبان، وابن طاهر، والجورقاني، وابن الجوزي، وابن القطان، والذهبي. وضَعَّفه: ابن دقيق، والهيثمي.

[التخريج]:

[كن 9264 "واللفظ له"، 9265 "والزيادة له ولغيره" / حرب (طهارة 701) / طب (11/ 443/ 12256) / مشكل 4233 / مجر (2/ 20) / علج 644 / كر (41/ 274)].

[التحقيق]:

رواه النسائي في (الكبرى 9264) قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن تميم، قال: نا موسى بن أيوب، عن الوليد بن مسلم، عن ابن جابر، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، به.

كذا رواه موسى بن أيوب، فجعله من حديث ابن جابر، يعني: أبا عتبة عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الدمشقي، أحد العلماء الثقات المخرج لهم في الصحيحين.

ولكن هذا وهم، ولعله من موسى، فليس ابن جابر هو صاحب هذا الحديث؛ ولذا قال النسائي عقب رواية موسى هذه:((خالفه محمود بن خالد)).

ص: 297

ثم رواه النسائي (9265) قال: أخبرني محمود بن خالد، قال: نا الوليد، عن عبد الرحمن بن يزيد السلمي، قال: سمعت علي بن بذيمة يقول: سمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت ابن عباس يقول: ((قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ .. ))، فذكره مع الزيادة.

قال النسائي: ((هو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، ضعيف)) (حاشية ابن القيم على السنن/ مع عون المعبود 6/ 150).

ورواه حرب الكرماني في (مسائله/ كتاب الطهارة) عن عمرو بن عثمان ومحمد بن الوزير، قالا: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد، عن علي بن بذيمة، به. فلم يميزه.

ولكن رواه الطبراني في (الكبير) من طريق صفوان بن صالح،

والطحاوي في (المشكل) من طريق أسد بن موسى،

وابن حبان في (المجروحين) من طريق دحيم،

كلهم عن الوليد بن مسلم، حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، أنه سمع علي بن بذيمة الجزري يقول: سمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت ابن عباس، به.

قال الطحاوي: ((فكأن هذا الحديث قد رجع إلى عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وليس كمن روى هذا الحديث سواه ممن ذكرنا

، وكشفنا عن أحوال عبد الرحمن بن يزيد هذا فوجدنا البخاري قد ذكر أنه رجل من أهل الشام، وأنه يحدث بأحاديث منكرات، وأنه كان قدم الكوفة فكتب عنه غير واحد من أهلها، ونسبوه إلى جابر، فقالوا: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهم يرونه عبد الرحمن بن يزيد، وليس به)) (المشكل 10/ 436، 437).

ص: 298

وقال ابن طاهر المقدسي: ((رواه عبد الرحمن بن يزيد بن تميم الدمشقي

، وعبد الرحمن هذا الذي يروي عنه الوليد بن مسلم، فدلسه، ويقول: قال أبو عمرو وحدثنا أبو عمرو، عن الزهري، يوهم أنه الأوزاعي، وإنما هو ابن تميم، وكان ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات، لا يُحتج به)) (تذكرة الحفاظ 118).

وقال في (معرفة التذكرة 113): "فيه عبد الرحمن بن يزيد بن تميم الدمشقي، لا يُحتج به".

وقال الجورقاني: ((هذا حديث منكر؛ تفرد به عن عليٍّ، عبدُ الرحمن بن يزيد بن تميم، قال أبو زرعة الرازي: هو ضعيف الحديث. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: سألت أبي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فقال: عنده مناكير، وهو ضعيف الحديث)) (الأباطيل 1/ 574).

وتلقفه منه ابن الجوزي في (العلل المتناهية 1/ 385).

وقال ابن القطان: ((وأما ما رُوي فيه من ((خُمْسي دينار))، أو ((عتق نسمة))، فما منها شيء يُعَوَّل عليه، فلا يُعتمد في نفسه، ولا يُطعن به على حديث مقسم، فاعلم ذلك)) (بيان الوهم 5/ 280).

وتلقفه منه العيني في (عمدة القاري 3/ 266).

وقال ابن القيم: ((له علتان أشار إليهما النسائي: إحداهما: أن هذا الحديث يرويه الوليد بن مسلم عن ابن جابر

، واختُلف على الوليد، فرواه عنه موسى بن أيوب كذلك. وخالفه محمود بن خالد، فرواه عن الوليد عن عبد الرحمن بن يزيد السلمي، قال النسائي:(هو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، ضعيف). العلة الثانية: الوقف على ابن عباس، ذكره النسائي)) (الحاشية

ص: 299

مع عون المعبود 6/ 150).

والإعلال بالوقف أشار إليه المزي في (التحفة 4/ 344).

ومع ذلك لما أعله ابن حزم بقوله: ((وأما حديثا الوليد بن مسلم فمن طريق موسى بن أيوب وعبد الرحمن بن يزيد، وهما ضعيفان)) (المحلى 2/ 189).

تعقبه ابن القيم بأن موسى بن أيوب وثقه العجلي، وقال أبو حاتم الرازي:((صدوق)) (الحاشية مع عون المعبود 1/ 448).

وبابن تميم: أعله ابن دقيق في (الإمام 3/ 273)، والذهبي في (تلخيص العلل المتناهية، ص 132)، وعَدَّه في (الميزان 2/ 598) من منكرات ابن تميم، تبعًا لابن حبان في (المجروحين 2/ 20).

وقال الهيثمي: ((فيه عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وهو ضعيف)) (المجمع 7598).

هذا، والمحفوظ عن علي بن بَذِيمَةَ: ما رواه الثوري عنه عن مقسم مرسلًا، كما سبق.

ص: 300

3290 -

حَدِيثُ مِقْسَمٍ مُرْسَلًا:

◼ عَنْ مِقْسَمٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّجُلِ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ:((عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ [يَتَصَدَّقُ بِهِ])).

[الحكم]:

ضعيف لإرساله. وبهذا أعله أبو داود والبيهقي والألباني.

[التخريج]:

[د (2/ 220) معلقًا / كن 9258 والزيادة له، 9259/ حم 2995 واللفظ له / عب 1272، 1273/ صلاة 8، 9/ منذ 797/ هق 1536].

[السند]:

رواه عبد الرزاق (1273)، وابن دكين في (الصلاة 8، 9) عن الثوري، عن خصيف، وعلي بن بذيمة، عن مقسم، به مرسلًا.

وكذا رواه ابن المنذر والبيهقي من طريق القطان عن الثوري عنهما.

ورواه أحمد عن يحيى بن آدم، حدثنا سفيان، عن خصيف، عن مقسم، به.

ورواه عبد الرزاق (1272) عن ابن جريج، والنسائي من طريق أبي خيثمة، ثم من طريق الثوري.

ثلاثتهم عن خصيف وحده عن مقسم به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف لإرساله.

ص: 301

وبهذا أعله أبو داود في (السنن، عقب رقم 266)، والبيهقي في (الكبرى، عقب رقم 1536)، والألباني في (ضعيف أبي داود 1/ 110).

وليس فيه علة سوى ذلك بِناء على طريق ابن بذيمة. أما خصيف فسيئ الحفظ وقد اضطرب فيه كما بيَّنَّاه فيما مضى.

ص: 302

3291 -

حَدِيثُ عُمَرَ:

◼ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: ((قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَزَالُ تَحْتَاضُ عَلَيَّ، وَإِنِّي وَقَعْتُ عَلَيْهَا فِي بَعْضِ كَذِبِهَا مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا هِيَ حَائِضٌ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُمْسَيْ دِينَارٍ)).

[الحكم]:

إسناده ضعيف جدًّا، وضَعَّفه: ابن كثير واستغربه.

[التخريج]:

[الإسماعيلي (فاروق 1/ 129، 13)].

[السند]:

رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي -كما نقله ابن كثير في (مسند الفاروق 1/ 129، 130)

(1)

-قال: حدثنا محمد بن عمير، حدثنا إبراهيم بن الحجاج الصنعاني، حدثنا محمد بن يوسف الحُذَافي، حدثنا عبد الملك الذِّمَاري، عن أبي عصام رواد بن الجراح العسقلاني، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن عمر، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ مسلسل بالعلل:

الأولى: الانقطاع؛ فحسان بن عطية لم يدرك عمر.

الثانية: رواد بن الجراح، قال عنه ابن حجر:"صدوق اختلط بأخرة فتُرك"(التقريب 1958).

(1)

ولكن لم ينص في أي كتب الإسماعيلي هو.

ص: 303

الثالثة: إبراهيم الصنعاني ذكره الخطيب في (المتفق 1/ 260)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.

الرابعة: شيخه محمد بن يوسف الحذافي، لم نتبينه.

ولذا قال ابن كثير: ((إسناده غريب جدًّا، وفيه انقطاع)) (مسند الفاروق 1/ 129، 130).

رِوَايَةُ أَنَّ عُمَرَ هُوَ صَاحِبُ القِصَّةِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ تَكْرَهُ الرِّجَالَ، فَكَانَ كُلَّمَا أَرَادَهَا اعْتَلَّتْ بِالْحَيْضِ، فَظَنَّ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ، فَأَتَاهَا فَوَجَدَهَا صَادِقَةً، ((فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُمْسَيْ

(1)

دِينَارٍ)).

[الحكم]:

ضعيف لانقطاعه، وبذا ضَعَّفه البيهقي.

[التخريج]:

[حق (هق 2/ 426/ عقب رقم 1534)، (مط 208/ 1، 2)، (خيرة 736/ 1، 2) / حرب (طهارة 700) "واللفظ له"].

(1)

وقع في المطالب والإتحاف بلفظ ((بخمس دينار))، وهو تحريف، وقد جاءت عند حرب الكرماني عن إسحاق على الصواب، وكذا نقله البيهقي عن إسحاق على الصواب، ونقله عنه ابن دقيق في (الإمام 3/ 261) كذلك.

ص: 304

[السند]:

أخرجه إسحاق بن راهويه في (مسنده) - كما نقله البيهقي وابن حجر والبوصيري، وعنه حرب بن إسماعيل الكرماني في (مسائله/ كتاب الطهارة) - قال: أخبرنا بقية بن الوليد، حدثنا الأوزاعي، حدثني يزيد بن أبي مالك، عن ابن زيد بن الخطاب، عن عمر بن الخطاب، به.

وتوبع عليه يزيد بن أبي مالك:

فأخرجه إسحاق بإثره - كما نقله البيهقي وابن حجر والبوصيري -: عن عيسى بن يونس (بن أبي إسحاق السَّبيعي)، حدثنا زيد بن عبد الحميد - من ولد زيد بن الخطاب -، عن أبيه، قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت له امرأة. فذكر مثله. وأحاله على الرواية السابقة.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف؛ لانقطاعه، فعبد الحميد هذا لم يدرك عمر رضي الله عنه بينهما مفاوز.

ولذا قال البيهقي: ((وهذا اختلاف ثالث في إسناده ومتنه

، وهو منقطع بين عبد الحميد وعمر)) (السنن، عقب رقم 1534)، ونحوه في (المعرفة 14022).

ومع هذا قال ابن حجر: "حديث حسن"! (المطالب 2/ 536).

وقد رُوي عن الأوزاعي، عن يزيد بن أبي مالك، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. وهي الرواية التالية:

ص: 305

3292 -

حَدِيثُ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الخَطَّابِ مُرْسَلًا:

◼ عَنْ عَبْدِ الحَميدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: كَانَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ امْرَأَةٌ تَكْرَهُ الجِمَاعَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَهَا اعْتَلَّتْ عَلَيْهِ بِالحَيْضِ، [فَظَنَّ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ (لَيْسَ كَمَا تَقُولُ)] فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَإِذَا هِيَ صَادِقَةٌ (حَائِضٌ):((فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَهُ أَنَّ يَتَصَدَّقَ بِخُمْسَيْ دِينَارٍ)).

[الحكم]:

ضعيف لإعضاله. وضَعَّفه: الطحاوي وابن القطان وابن دقيق وابن التركماني وابن عبد الهادي والعيني والألباني.

[التخريج]:

[د معلقًا عقب 266 / مي 1133 "واللفظ له" / مشكل 4236 "والروايتان له" / هق معلقًا عقب رقم 1534].

[السند]:

قال الدارمي: أخبرنا محمد بن يوسف، ثنا الأوزاعي، عن يزيد بن أبي مالك، عن عبد الحميد بن زيد بن الخطاب، به.

ورواه الطحاوي: من طريق محمد بن كثير، عن الأوزاعي به. وذكر أن المراد بعبد الحميد بن زيد هو عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب.

وعلقه أبو داود (عقب 266) فقال: وروى الأوزاعي، عن يزيد بن أبي مالك، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((أَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُمْسَيْ دِينَارٍ)).

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف؛ لإرساله، بل لإعضاله على التحقيق، فعبد الحميد

ص: 306

تابعي من الرابعة.

وبهذا أعله ابن عبد الهادي بالانقطاع في (التنقيح 1/ 398)، والعيني في (العمدة 3/ 266).

وأعله الطحاوي بيزيد، فقال:((في هذا الحديث مما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتصدق به أقل مما في الأحاديث الأُوَل، وكانت الأحاديث الأُوَل أَوْلى عندنا من هذا الحديث، لثبت رواتها، ولتجاوزهم في المقدار يزيد بن أبي مالك)) (المشكل 10/ 438، 439). وأقره ابن الملقن في (البدر 3/ 100).

قلنا: فأما الأحاديث الأُوَل، فيعني بها الموصول السابق عن ابن عباس، وقد بينا أنه لا يثبت أيضًا. وأما إعلاله بيزيد، فيزيد وثقه أبو حاتم والدَّارَقُطْنِيّ وغيرهما، وقد توبع كما مرَّ.

وقال ابن القطان: ((وأما ما رُوي فيه من ((خمسي دينار))، أو ((عتق نسمة))، فما منها شيء يُعَوَّل عليه، فلا يُعتمد في نفسه، ولا يُطعن به على حديث مقسم، فاعلم ذلك)) (البيان 5/ 280).

وأقره: ابن دقيق في (الإمام 3/ 269)، وابن التركماني في (الجوهر 1/ 316)، والعيني في (العمدة 3/ 266).

وقال الألباني: ((وهو ضعيف لإعضاله، والصواب من رواية عبد الحميد هذا بلفظ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ)) (ضعيف أبي داود 1/ 112).

قلنا: وهذه الرواية لا تثبت أيضًا كما بيَّنَّاه.

هذا، وقد رواه الدارمي (1139) من طريق شعيب بن إسحاق، عن الأوزاعي، في رجل يغشى امرأته وهي حائض - أو رأت الطهر، ولم تغتسل -

ص: 307

قال: ((يَسْتَغْفِرُ الله، وَيَتَصَدَّقُ بِخُمْسَيْ

(1)

دِينَارٍ)).

كذا، جعله من كلام الأوزاعي، فلعله أفتى بما روى، والله أعلم.

رِوَايَةُ ((تَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى جَارِيَةً لَهُ فَقَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ. فَكَذَّبَها فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا حَائِضًا، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:((يَغْفِرَ اللهُ لَكَ أَبَا حَفْصٍ، تَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ)).

[الحكم]:

إسناده ضعيف مرسل. وضَعَّفه: ابن حزم، وتبعه ابن دقيق.

[التخريج]:

[حث 103 / محلى (2/ 188)].

[السند]:

قال الحارث: حدثنا الحكم بن موسى، ثنا عيسى بن يونس، ثنا زيد بن عبد الحميد [من ولد زيد بن الخطاب]، عن أبيه: أن عمر

الحديث.

والحَكَم صدوق، وقد توبع:

فقد علقه ابن حزم في (المحلى 2/ 188) فقال: ((روينا من طريق عبد الملك بن حبيب ثنا أصبغ بن الفرج عن السبيعي عن زيد بن عبد الحميد عن أبيه: أن عمر بن الخطاب وطيء جاريته فإذا بها حائض

)) الحديث.

(1)

- وقع في المطبوع: ((بِخُمُسِ))، والتصويب من (إتحاف المهرة 24637).

ص: 308

والسبيعي هذا هو عيسى بن يونس، وهو ثقة من رجال الصحيح.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف؛ لإرساله أو إعضاله كما سبق. وزيد بن عبد الحميد ذكره ابن حبان في (الثقات 6/ 317)، وقال ابن حجر:((مقبول)) (التقريب 2144).

وقد خالف الحكم بن موسى: ابن راهويه، حيث رواه عن عيسى باللفظ السابق (خمسي دينار).

ومتابعة أصبغ للحكم لا تنفعه، لوهاء راويها عبد الملك بن حبيب.

ولذا قال ابن حزم: ((وأما حديثا عبد الملك بن حبيب فلو لم يكن غيره لكفى به سقوطًا، فكيف وأحدهما عن السبيعي ولا يُدري من هو؟ ! ومرسل مع ذلك)) (المحلى 2/ 189).

وقال في موضع آخر: "وعبد الملك هالك، والسبيعى مجهول

، وهو أيضًا مرسل" (المحلى 10/ 80).

وتبعه ابن دقيق، فقال:((وقيل: إن السَّبيعي لا يُدرى من هو، مع الانقطاع الذي ذكره البيهقي بين عبد الحميد وعمر)) (الإمام 3/ 262).

قلنا: قد بيَّنَّا أن السَّبيعي هو عيسى بن يونس الثقة المأمون، فعلته هي الإرسال أو الانقطاع بين عبد الحميد وعمر كما سبق، مع مخالفة الحكم شيخ الحارث وعبد الملك لابن راهويه، حيث رواه عن عيسى باللفظ السابق، وإن كان لا يثبت أيضًا.

وأغفل ذلك ابن القيم فقال متعقبًا ابن حزم: ((وأعل ابن حزم هذا الحديث بعبد الملك بن حبيب وبالسبيعي، وذكر أنه لا يُدرى من هو؟ وهذا تعليل

ص: 309

باطل، فإن عبد الملك أحد الأئمة .. ، ولم يلتفت الناس إلى قول ابن حزم فيه (! ! )، وأما السبيعي فهو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي

، وعيسى هذا احتج به الأئمة الستة ولم يُذكر بضعف)) (عون المعبود 1/ 307).

ص: 310

3293 -

حَدِيثُ عَلِيٍّ:

◼ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّجُلِ يَقَعُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ:((يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ دِينَارٍ)).

[الحكم]:

إسناده ضعيف جدًّا.

[التخريج]:

[عصم 72].

[السند]:

قال أبو العباس العُصمي: أخبرنا محمد بن العباس، حدثنا أبو شعيب، حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن زرارة السُّكَّري الرَّقيُّ، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، به.

ثم قال: ((غريب من حديث أبي إسحاق عن الحارث، لا نعلم رواه عنه غير شريك بن عبد الله، ولا عنه غير ابن زرارة)).

وأبو شعيب هو الحراني. وشريك هو النخعي. وأبو إسحاق هو السبيعي. والحارث هو الأعور.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ مسلسل بالعلل، فالحارث الأعور رافضي واهٍ، وكذبه جماعة. وأبو إسحاق مدلس وقد عنعن، وقيل: لم يسمع من الحارث سوى أربعة أحاديث. وشريك سيئ الحفظ.

ص: 311