الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
591 - بَابُ مَا رُوِي فِي اعْتِزَالِ فِرَاشِ الحَائِضِ
3331 -
حَدِيثُ عَائِشَةَ:
◼ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:((كُنْتُ إِذَا حِضْتُ نَزَلْتُ عَنِ الْمِثَالِ عَلَى الْحَصِيرِ، فَلَمْ نَقْرُبْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولم نَدْنُ مِنْهُ حَتَّى نَطْهُرَ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ، بلفظ:((كُنْتُ إَذَا حِضْتُ لَمْ أَدْنُ مِنْ فِرَاشِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَطْهُرَ)).
[الحكم]:
منكر. وإسناده ضعيف جدًّا. وضَعَّفه واستنكره: ابن قتيبة وعبد الحق الإشبيلي وابن رجب والألباني.
[اللغة]:
قال ابن منظور: "والمِثالُ: الفِراش، وَجَمْعُهُ مُثُل"(لسان العرب 11/ 615).
[التخريج]:
[د 271 "والسياق الأول له" / بقي (رجب 2/ 37) "والسياق الثاني له"].
[السند]:
قال أبو داود: حدثنا سعيد بن عبد الجبار، ثنا عبد العزيز - يعني: ابن
محمد - عن أبي اليمان، عن أم ذَرَّةَ، عن عائشة، به.
وخَرَّجه بقي بن مَخْلَد في (مسنده) عن يحيى الحِمَّاني، عن عبد العزيز، به.
فمداره على عبد العزيز بن محمد وهو الدراوردي، عن أبي اليمان وهو كثير الرحال، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه ثلاث علل:
الأول: أبو اليمان كثير الرحال، روى عنه اثنان فقط. وترجم له البخاري في (التاريخ الكبير 7/ 212)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 7/ 158)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وذكره ابن حبان في (الثقات 7/ 351) على عادته، وقال ابن القطان:((غير معروف الحال)) (بيان الوهم 3/ 593)، وقال الحافظ:((مستور)) (التقريب 8456).
وأبعد الذهبي فقال: ((ثقة))! (الكاشف 6906).
الثانية: أم ذَرَّةَ المدنية مولاة عائشة، وثقها العجلي (2361)، وذكرها ابن حبان في (الثقات)، كما في (تهذيب التهذيب 12/ 467) وقال الحافظ:((مقبولة)) (التقريب 8729). يعني: عند المتابعة، ولم تتابع على حديثها هذا، وفي الصحيحين خلافه كما سيأتي.
وبها أعله عبد الحق الإشبيلي فقال: ((أم ذرة مجهولة)) (الأحكام الوسطى 1/ 210).
الثالثة: عبد العزيز الدراوردي، فإنه متكلم في حفظه، رماه أبو زرعة بسوء الحفظ.
وبالعلة الأولى والثانية أعله غير واحد من العلماء:
فقال ابن حزم: ((فأما هذا الخبر، فإنه من طريق أبي اليمان كثير بن اليمان الرحال، وليس بالمشهور، عن أم ذرة وهي مجهولة؛ فسقط)) (المحلى 2/ 177).
وأقره مغلطاي في (شرح ابن ماجه 2/ 364) و (3/ 157).
وقال الحافظ ابن رجب: ((أبو اليمان وأم ذَرَّةَ ليسا بمشهورين، فلا يُقبل تفردهما بما يخالف رواية الثقات الحُفاظ الأثبات)) (فتح الباري 2/ 37). وأعله أيضًا بيحيى الحِمَّاني، فقال:((الحِمَّاني متكلم فيه)).
قلنا: لكن الحِمَّاني متابع من سعيد الكرابيسي وهو صدوق. فتنحصر العلة فيما تقدم.
وقال الألباني: ((والحديث منكر؛ لأنه خلاف ما صح عن عائشة قالت: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ إِحْدَانَا- إِذَا كَانَتْ حَائِضًا- أَنْ تَتَّزِرَ، ثُمَّ يُضَاجِعُهَا زَوْجُهَا). أخرجه الشيخان في (صحيحيهما))) (ضعيف أبي داود 1/ 116).
وبهذا الحديث الصحيح حكم ابن قتيبة على حديث أبي اليمان بأنه كذب، فذكر قول أهل الكلام:((حديثان في الحيض متناقضان))، وذكر حديث عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا فِي فَوْحِ حَيْضِنَا، أَنْ نَأْتَزِرَ، ثُمَّ يُبَاشِرُنَا)). ثم ذكر حديث أبي اليمان، وأتبعه بقول أهل الكلام:((وهذا خلاف الأول)).
فأجابهم ابن قتيبة قائلًا: ((ونحن نقول: إن الحديث الأول هو الصحيح.
وقد رواه شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها
…
، وهذه الطريقة خلاف أبي اليمان، عن أم ذَرَّةَ عن عائشة رضي الله عنها).
يعني أن إسناد منصور لا يقارن بإسناد أبي اليمان.
ثم قال: ((ولا يجوز على عائشة رضي الله عنها أن تقول: ((كنت أباشره في الحيض)) مرة، ثم تقول مرة أخرى:((كنت لا أباشره في الحيض، وأنزل عن الفراش إلى الحصير، فلا أقربه حتى أطهر))؛ لأن أحد الخبرين يكون كذبًا، والكاذب لا يُكذِّب نفسه. فكيف يظن ذلك بالصادق الطيب الطاهر؟ !
وليس في مباشرة الحائض إذا ائتزرت وَكَفٌ
(1)
ولا نقص، ولا مخالفة لسنة ولا كتاب)) (تأويل مختلف الحديث، ص 481، 482).
ومع ذلك حاول ابن القيم تقوية حديث أبي اليمان، فذكر كلام ابن حزم ثم تعقبه قائلًا:((وما ذكره ضعيف؛ فإن أبا اليمان هذا ذكره البخاري في تاريخه، فقال: (سمع أم ذرة، روى عنه أبو هاشم عمار بن هاشم وعبد العزيز الدراوردي)، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يَروي عن أم ذَرَّةَ وعن شداد بن أبي عمرو. وكذا أم ذَرَّةَ، فهي مدنية، روت عن مولاتها عائشة وعن أم سلمة، وروى عنها محمد بن المنكدر وعائشة بنت سعد بن أبي وقاص وأبو اليمان كثير بن اليمان، فالحديث غير ساقط)) (تهذيب السنن/ مع عون المعبود 1/ 312).
قال الألباني: ((الحق ما ذهب إليه ابن حزم، أن الحديث ساقط. وما ذكره
(1)
قال ابن الأثير: "أصل الوَكَف في اللغة: الميل والجور
…
يقال: ما عليك من ذلك وَكَفٌ: أي نقص .. وقال الزمخشري: (الوكف: الوقوع في المأثم والعيب) " (النهاية 5/ 220).
في الرد عليه إنما يخرج الراويين عن الجهالة العينية إلى الجهالة الحالية، وتوثيق ابن حبان وكذا العجلي فيه تساهل معروف؛ ولذلك ترى الحافظ لم يعرج على توثيقهما في هذين الراويين وفي غيرهما ممن سبق ذكره، ومجهول الحال لا يُحتج به إلا إذا توبع، كما قرره ابن القيم نفسه في (تهذيب السنن) -في الحديث الذي قبل هذا-
…
ولا بد من أن ننقل منه ما يناسب المقام؛ قال رحمه الله: ((والراوي إذا كانت هذه حاله- يعني حالة الستر- ولم يجرحه أحد؛ إنما يُخشى من تفرده بما لا يتابع عليه، فأما إذا روى ما رواه الناس وكانت لروايته شواهد ومتابعات؛ فإن أئمة الحديث يقبلون حديث مثل هذا. فإذا صاروا إلى معارضة ما رواه بما هو أثبت منه وأشهر؛ عللوه بمثل هذه الجهالة وبالتفرد)).
قلت (الألباني): وأبو اليمان هذا قد روى هذا الحديث بإسناده عن عائشة، مخالفًا لجميع الثقات الذين رووه عنها بلفظ ومعنى مخالف لحديثه هذا، وقد ذكرنا آنفًا عقيبه حديثًا واحدًا للدلالة على ذلك.
فلا أدري كيف ذهل ابن القيم رحمه الله عن ذلك، وحاول أن يقوي الحديث مع هذه النكارة الواضحة؟ ! )) (ضعيف أبي داود 1/ 117، 118).
3332 -
حَدِيثُ آخَرُ لِعَائِشَةَ:
◼ عَنِ ابْنِ قُرَيْط الصَّدَفِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُضَاجِعُكِ وَأَنْتِ حَائِضٌ؟ قَالَتْ: ((نَعَمْ، إِذَا شَدَدْتُ عَلَيَّ إِزَارِي، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا إِذْ ذَاكَ إِلَّا فِرَاشٌ وَاحِدٌ. فَلَمَّا رَزَقَنِي اللهُ عز وجل فِرَاشًا آخَرَ، اعْتَزَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم).
• وَفِي رِوَايَةٍ، بلفظ:((فَلَمَّا رَزَقَنَا اللهُ فِرَاشَيْنِ، اعْتَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم).
[الحكم]:
منكر، وإسناده ضعيف جدًّا، وضَعَّفه وأنكره: ابن عبد البر وعبد الحق وابن رجب والألباني.
[التخريج]:
[حم 24606 "واللفظ له" / تخ (8/ 444) / بقي (رجب 2/ 36) / تمهيد (3/ 168، 169) معلقًا بنقله من بعض مصنفات دحيم، "والسياق الثاني له"].
[التحقيق]:
رواه أحمد قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس، عن ابن قريط
(1)
الصدفي، قال: قلت لعائشة رضي الله عنها
…
فذكره.
(1)
- في الميمنية وبعض نسخ المسند: ((ابن قريظة))، وفي (أطراف المسند 9/ 295) و (التعجيل 1460):((ابن قريظ))، والمثبت من أجود نسخ المسند كما ذكره محققوه، وهو موافق لما في (الإكمال 1242)، وهذه رواية ابن لهيعة، وانظر رواية عمرو بن الحارث فيما يأتي في التحقيق.
وهذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه ثلاث علل:
الأولى: جهالة ابن قريط الصدفي، ترجم له الحسيني في (الإكمال 1242)، والحافظ في (التعجيل 1460)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقد رواه عمرو بن الحارث -كما سيأتي- عن يزيد، وسماه:((ابن قرظ أو قرط))، وبهذا ترجم له البخاري في (التاريخ 8/ 444)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 9/ 324)، لكنه سماه:((ابن قرط أو قريط))، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
قلنا: ولم يَرْوِ عنه سوى ابن قيس هذا، سماه ابن لهيعة:((سويدًا))، وسماه عَمرو:((يزيد))، وهو الصواب كما سيأتي بيانه، وأنه مجهول أيضًا.
وقد أعله ابن رجب بابن قريط هذا كما سيأتي، وقال فيه:((ليس بالمشهور)).
الثانية: ابن لهيعة، فهو سيئ الحفظ كما سبق مرارًا.
وبهاتين العلتين أعله الألباني فقال: ((هذا إسناد ضعيف لا يصح؛ وذلك لأن ابن لهيعة سيئ الحفظ، فلا يُحتج به إذا تفرد، فكيف به إذا خالف؟ ! وابن قريظة الصدفي أورده الحافظ في فصل فيمن أُبهم، ولكن ذكر اسم أبيه أو جده أو نحو ذلك من (التعجيل)؛ ولم يزد على أن ذكر ما جاء في هذا الإسناد، فهو مجهول العين)) (ضعيف أبي داود 1/ 118).
قلنا: وقد اضطرب ابن لهيعة في إسناده، وخولف فيه أيضًا، وهذه هي العلة الثالثة.
فأما بيان الاختلاف على ابن لهيعة:
فنقل ابن عبد البر في (التمهيد 3/ 168) عن دحيم، أنه قال: حدثنا الوليد بن سلم، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد، عن سويد بن قيس التُجِيبي، أن
قُرْط بن عوف حدثه، أنه سأل عائشة
…
فذكره بلفظ: ((فَلَمَّا رَزَقَنَا اللهُ فِرَاشَيْنِ، اعْتَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم).
كذا وقع فيه: ((قرط بن عوف))، ولم نجده.
ونقله مغلطاي في موضعين من (شرح ابن ماجه 2/ 364) و (3/ 151)، عن ابن عبد البر، ووقع في الأول منهما:((قرط بن عيّوق))، وابن عيوق هذا وثقه ابن معين كما في (الجرح والتعديل 7/ 146)، وقال في رواية:((لا بأس به)) (تاريخ الدوري 4193).
لكن ذكر الدَّارَقُطْنِيّ أنه يَروي عن إبراهيم النخعي، والنخعي لم يسمع عائشة، وقد أُدخل عليها وهو صغير، فكيف لتلميذه أن يقول:((سألت عائشة))؟ !
وسواء كان الصواب ((قرط بن عوف))، أو ((قرط بن عيّوق))، فهو من اضطراب ابن لهيعة وأوهامه.
وقد أنكره عليه ابن عبد البر، فقال:((وهذا لا نعلم يُروى إلا من حديث ابن لهيعة، وليس بحجة)) (التمهيد 3/ 169)، وأقره عبد الحق في (الأحكام الصغرى 1/ 210)، ومغلطاي في (شرح ابن ماجه 3/ 151، 152).
وقد خولف فيه ابن لهيعة أيضًا، سواء اعتمدنا رواية قتيبة عنه أو رواية الوليد؛
فقد رواه البخاري في (التاريخ الكبير 8/ 444)، عن أحمد بن عيسى، عن ابن وهب، سمع عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن يزيد بن قيس، عن ابن (قرظ)
(1)
أو قرط، به، وفيه: ((فَلَمَّا رَزَقَنَا اللهُ
(1)
- في المطبوع من التاريخ: ((ابن قُرط أو ابن قَرط))، وقد ذكر محققه في موضع آخر من (التاريخ 8/ 353)، أنه في بعض النسخ:((ابن قرظ)) بالمعجمة كما أثبتناه، وهو الأقرب للصواب، لموافقته لما ذكرناه أعلاه من (الفتح) لابن رجب، والله أعلم.
ثِيَابًا، اعْتَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم).
فجعله عمرو بن الحارث من رواية ((يزيد بن قيس))، بدلًا من ((سويد))! ! وسمى تابعيه ابن قرظ أو قرط، بدلًا من ابن قريط.
ولكن قال ابن رجب: ((رواه ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن ابن أبي حبيب، عن سويد بن قيس، عن ابن قرظ أو قرط الصدفي، أنه سأل عائشة
…
فذكره بمعناه. خرجه بقي بن مخلد في مسنده)) (فتح الباري 2/ 36)
(1)
.
قلنا: كذا ذكره ابن رجب موافقًا لابن لهيعة في تسمية ابن قيس؛ ولذا قال قبله عقب رواية قتيبة: ((وابن لهيعة لا يُقبل تفرده بما يخالف الثقات، ولكن تابعه غيره))! ! (الفتح 2/ 36).
قلنا: الذي ذكره البخاري هو الصواب؛ لعدة أسباب:
منها: أن البخاري بَيَّن سنده كاملًا، فعلمنا راويه عن ابن وهب، وهو أحمد بن عيسى المصري، صدوق من رجال الشيخين، وقد تُكلم فيه بلا حجة، بينما ذكره ابن رجب معلقًا، فلم يذكر الواسطة بين بقي وابن وهب.
ومنها: أن مرجع البخاري أصل للراوية، ومرجع ابن رجب وسيط، فهو ناقل من غيره، وعند النقل قد يحدث الخلل.
ومنها: أن البخاري وابن أبي حاتم ترجما لكل من سويد ويزيد، وذكرا في ترجمة يزيد وحده روايته عن ابن قرط أو قريط، مما يدل على أنه هو راوي
(1)
- وفي هذه الطبعة سقط، استدركناه من طبعة الشيخ طارق (1/ 418).
الحديث، وليس سويدًا.
ومنها: أنه يحتمل أن ابن رجب -أو ناسخ كتابه- قد تأثر بسند ابن لهيعة الذي ساقه قبل سند عمرو بن الحارث، فكتبه كما مرّ، ولا يَرِد هذا الاحتمال عند البخاري؛ لأنه لم يَسُقْ سند ابن لهيعة أصلًا.
وعليه، فالصحيح أن عمرو بن الحارث سماه يزيد بن قيس، خلافًا لابن لهيعة الذي سماه سويدًا، وزعم في رواية الوليد أنه التجيبي.
وتكمن أهمية ذلك التحقيق في أن سويدًا التجيبي ثقة كما في (التقريب 2697)، بخلاف يزيد، فإنه مجهول، ترجم له البخاري (8/ 353)، وابن أبي حاتم (9/ 284)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وكأن أبا حاتم يشير إلى رواية ابن لهيعة وضعفها، فقال كما ذكره ابنه:((يزيد بن قيس، ويقال: سويد بن قيس، روى عن ابن قرط أو ابن قريط، روى عنه يزيد بن أبي حبيب)).
ولا يُفهم من ذلك أنهما عنده رجل واحد، فقد ترجم لسويد في موضع آخر (4/ 236)، وكذا صنع البخاري (4/ 143)، فقد فرقا بينهما.
وإنما أراد أبو حاتم أن يقول: إن يزيد بن قيس قد سماه بعضهم سويدًا، ومَرَّض هذا القول كما رأيت؛ لأنه من رواية ابن لهيعة، وخالفه عمرو بن الحارث الثقة الفقيه الحافظ، فسماه (يزيد بن قيس)، ولا شك أن عمرو بن الحارث أثبت وأحفظ وأَجَلّ من ابن لهيعة.
وخلاصة التحقيق: أن الحديث من طريق ابن لهيعة فيه ثلاث علل:
جهالة ابن قريط، وضعف ابن لهيعة، واضطرابه ومخالفته لمن هو أوثق منه.
وقد أعله ابن عبد البر وابن رجب ومغلطاي من هذا الوجه بابن لهيعة فقط! كما سبق.
ومن طريق عمرو بن الحارث فيه علتان: جهالة ابن قرظ أو قرط، وجهالة يزيد بن قيس.
وقد أعله ابن رجب من هذا الوجه بابن قرط فقط، فقال: ((وابن قرظ -أو قرط- الصدفي، ليس بالمشهور، فلا تعارِض روايته عن عائشة رواية الأسود بن يزيد النخعي، وقد تابع الأسود على روايته كذلك عن عائشة: عمرو بن شرحبيل
…
، وأبو سلمة وعبد الله بن أبي قيس، وشريح بن المقدام، وجُمَيْع بن عُمَيْر، وخلاس وغيرهم. وروايات هؤلاء عن عائشة أَولى من روايات ابن قريط)) (الفتح 2/ 36).
[تنبيه]:
علق البخاري هذا الحديث في موضع آخر من (التاريخ 8/ 353) واختصر متنه جدًّا، فقال:((عن ابن قرط، أو ابن قرط، عن عائشة، قالت: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُضَاجِعُنِي وَأَنا حَائِضٌ. قاله أحمد بن عيسى، عن ابن وهب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن يزيد بن قيس)) اهـ. وقد سقط من سنده شيخ ابن وهب، وهو عمرو بن الحارث كما هو مبين في الموضع الثاني من (التاريخ 8/ 444)، وفيما نقله ابن رجب أيضًا، وقد سبق ذكر ذلك.
وهذا المتن المختصر يوهم خلاف ما جاء في بقيته كما سبق، ولعل ذلك اعتمادًا على أنه ذكره بتمامه في موضع آخر، أو لأن قصده بيان الإسناد وليس المتن كما هو شأن الكتاب.