المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌597 - باب الحائض كيف تتطهر - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ٢٦

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحيض والنفاس

- ‌أَبْوَابُ الْحَيْضِ

- ‌557 - بَابُ بَدْءِ الْحَيْضِ

- ‌558 - بَابُ مَا جَاءَ فِي أَحْدَاثِ نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ التِي مِنْ أَجْلِهَا سُلِّطَتْ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضَةُ

- ‌559 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي الذَّنْبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُعْقِبَ بَنَاتُ آدَمَ بِالْحَيْضِ

- ‌560 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ الحَيْضَ مِنَ الشَّيْطَانِ

- ‌561 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ الحَيْضَ كَفَّارَةٌ

- ‌562 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي حَيْضِ المَرْأَةِ مِنْ دُبُرِهَا

- ‌563 - بَابُ الْحَيْضِ عَلَامَةُ الْبُلُوغِ

- ‌564 - بَابُ مَنِ اتَّخَذَ ثِيَابَ الْحَيْضِ سِوَى ثِيَابِ الطُّهْرِ

- ‌565 - بَابُ الحَائِضِ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ

- ‌566 - بَابُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ

- ‌567 - بَابُ الحَائِضِ تَسْمَعُ آيَةَ السَّجْدَةِ

- ‌568 - بَابُ الحَائِضِ تَذْكُرُ اللهَ

- ‌569 - بَابُ شُهُودِ الحَائِضِ خُطْبَةَ العِيدِ وَاعْتِزَالِهَا الصَّلَاةَ

- ‌570 - بَابٌ فِي رُقْيَةِ الحَائِضِ

- ‌571 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي نَهْيِ الحَائِضِ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ

- ‌572 - بَابُ قِرَاءَةِ الرَّجُلِ فِي حِجْرِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ

- ‌573 - بَابُ دُخُولِ الحَائِضِ المَسْجِدَ

- ‌574 - بَابُ مَنْ قَالَ: لَا تَدْخُلُ الحَائِضُ المَسْجِدَ

- ‌575 - بَابُ طَهَارَةِ جِسْمِ الحَائِضِ، وَجَوَازِ مُؤَاكَلَتِهَا وَمُشَارَبَتِهَا

- ‌576 - بَابُ طَهَارَةِ عَرَقِ الْحَائِضِ

- ‌577 - بَابُ غَسْلِ الْحَائِضِ رَأْسَ زَوْجِهَا وَتَرْجِيلِهِ

- ‌578 - بَابُ اسْتِخْدَامِ الْحَائِضِ

- ‌579 - بَابُ الْحَائِضُ تَخْتَضِبُ

- ‌580 - بَابُ تَحْرِيمِ إِتْيَانِ الْحَائِضِ

- ‌581 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ الوَلَدَ الذِي تَحْمِلُ بِهِ المَرْأَةُ مِنْ وَطْءٍ فِي الحَيْضِ- قَدْ يُصَابُ بِالجُذَامِ

- ‌582 - بَابٌ فِي كَفَّارَةِ مَنْ أَتَى حَائِضًا

- ‌583 - بَابُ الِاضْطِجَاعِ مَعَ الْحَائِضِ

- ‌584 - بَابُ مَا جَاءَ فِي مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ إِذَا اتَّزَرَتْ

- ‌585 - بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيَانِ مَوْضِعِ الاتِّزَارِ

- ‌586 - بَابُ صِفَةِ الثَّوْبِ الذِي تُبَاشَرُ فِيهِ الحَائِضُ

- ‌587 - بَابُ مَا جَاءَ فِي أَنَّ لِلَّرجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ الحَائِضِ كُلَّ مَا سِوَى الفَرْجِ

- ‌588 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي الاسْتِدْفَاءِ بِالحَائِضِ

- ‌589 - بَابُ مَا رُوِي فِي أَنَّ لَيْسَ لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ إِلَّا مَا فَوْقَ الإِزَارِ

- ‌590 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ لَيْسَ لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ الحَائِضِ إِلَّا مَا فَوْقَ السُّرَّةِ

- ‌591 - بَابُ مَا رُوِي فِي اعْتِزَالِ فِرَاشِ الحَائِضِ

- ‌592 - بَابُ مَا جَاءَ فِي مُبَاشَرَةِ الحَائِضِ بِغَيْرِ إِزَارٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ

- ‌593 - بَابُ مُدَّةِ الْحَيْضِ

- ‌594 - بَابُ إِذَا حَاضَتِ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَض، وَمَا يُصَدَّقُ النِّسَاءُ فِي الحَيْضِ، فِيمَا يُمْكِنُ

- ‌595 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي الأَمْرِ بِدَفْنِ دَمِ الحَيْضِ

- ‌596 - بَابُ وُجُوبِ الاغْتِسَالِ مِنَ الحَيْضِ إِذَا طَهُرَتِ المَرْأَةُ

- ‌597 - بَابُ الْحَائِضِ كَيْفَ تَتَطَهَّرُ

- ‌598 - بَابُ نَقْضِ الْمَرْأَةِ شَعْرَهَا عِنْدَ غُسْلِ الْمَحِيضِ

- ‌599 - بَابُ امْتِشَاطِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ

- ‌600 - بَابُ الطِّيبِ لِلمَرَأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ المَحِيضِ

الفصل: ‌597 - باب الحائض كيف تتطهر

‌597 - بَابُ الْحَائِضِ كَيْفَ تَتَطَهَّرُ

3345 -

حَدِيثُ عَائِشَةَ:

◼ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ (كَيْفَ تَغْتَسِلُ مِنْ حَيْضَتِهَا؟ ) 1، فَـ[ذَكَرَتْ أَنَّهُ] 1 أَمَرَهَا (عَلَّمَهَا) 2 كَيْفَ تَغْتَسِلُ، [ثُمَّ] 2 قَالَ:((خُذِي فِرْصَةً مِن مِسْكٍ، فَتَطَهَّرِي بِهَا)). قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ [بِهَا؟ ] 3 قَالَ: ((تَطَهَّرِي بهَا)). قَالَتْ: كَيْفَ؟ قَالَ: ((سُبْحَانَ اللهِ! تَطَهَّرِي)). [وَاسْتَتَرَ [بِثَوْبِهِ] 4 - وَأَشَارَ لَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بِيَدِهِ عَلَى وَجْهِهِ- قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: ] 5، فَاجْتَذَبْتُهَا إِلَيَّ، [وَعَرَفْتُ مَا أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم] 6 فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ.

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا بِلَفْظِ: أَنَّ امْرَأَةً [مِنَ الأَنْصَارِ] 1 سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الحَيْضِ، كَيْفَ تَغْتَسِلُ مِنْهُ؟ (قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ أَغْتَسِلُ عِنْدَ الطُّهْرِ) 1 (مِنَ الْمَحِيضِ) 2؟ قَالَ:((تَأْخُذِينَ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً، فَتَوَضَّئِينَ بِهَا))، قَالَتْ: كَيْفَ أَتَوَضَّأُ بهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((تَوَضَّئِي [بِهَا] 2))، قَالَتْ: كَيْفَ أَتَوَضَّأُ بِهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ [ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَبَّحَ (اسْتَحْيَا) 3، فَأَعْرَضَ عَنْهَا [بِوَجْهِهِ] 4، ثُمَّ] 3 قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((تَوَضَّئِينَ بِهَا)). قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَرَفْتُ الَّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، [فَأَخَذْتُهَا] 5، فَجَذَبْتُهَا إلَيَّ، فَعَلَّمْتُهَا (فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا يُرِيدُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم 4.

ص: 505

[الحكم]:

متفق عليه (خ، م)، إلا أن مسلمًا اختصر السياقة الثانية.

[اللغة]:

الفرصة: خرقة أو قطنة تتمسح بها المرأة من الحيض (لسان العرب 1/ 807).

مُمَسَّكة: أي مُطَيَّبة بالمسك. (شرح ابن ماجه لمغلطاي 3/ 174).

قال البغوي: ((والفرصة: القطعة من الصوف أو القطن أو غيره. أُخذت من: فَرَصْت الشيء، أي: قطعته، ويقال للحديدة التي تقطع به الفضة: مِفراص.

ومعناه: فرصة هي مطيبة بمسك. ويُروى ((خذي فرصة ممسكة)) يعني: تأخذ قطعة من قطن أو صوف مطيبة بمسك، فتتبع بها أثر الدم، لقطع رائحة الأذى، فإن لم تجد مسكًا فطِيبًا آخر)) (شرح السنة 2/ 20).

[الفوائد]:

وقع في الرواية الثانية عند البخاري ومسلم وغيرهما: ((فتوضئي))، بدل:((فتطهري))، والمراد به هنا: الوضوء اللغوي، الذي هو النظافة؛ إذ المراد: التنظيف والتطييب والتطهير، وقد سماه: تطهيرًا، وتوضؤًا. (الفتح لابن رجب 2/ 100).

[التخريج]:

تخريج السياقة الأولى: [خ 314 "واللفظ له" / م (332/ 60)"والروايتان والزيادات كلها له سوى الزيادة الرابعة" / ن 256/ كن 308 / عه 973 "والزيادة الرابعة له ولغيره"، 974/ عل 4733/ حمد 167/ شف 107/ مسن 739 / بغ 252 / ضح (2/ 405، 406) / أم 99/ غو

ص: 506

(1/ 469) / مخرم 150 / نعيم (طب 434) / هق 883/ هقع 1461، 1462/ هقغ 174/ معكر 862/ فشن 744/ محلى (1/ 103، 104) / مزني 10/ فمند 173/ ثقفي (ثامن/ فوائد 27) / حداد 361/ نجار 1141].

تخريج السياقة الثانية: [خ 315 "والرواية الثانية والثالثة والرابعة، والزيادة الأولى والرابعة والخامسة له"، 7357 "واللفظ له" / م (332) مختصرًا / ن 432/ حم 24907 والرواية الأولى والزياة الثانية والثالثة له ولغيره/ حب 1195/ عه 975/ مسن 740/ متشابه (2/ 838)].

[السند]:

رواه البخاري (314) قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا ابن عيينة عن منصور بن صفية عن أمه عن عائشة به (بلفظ السياقة الأولى، وساق سنده فقط في 7357).

ورواه مسلم (332/ 60) عن عمرو الناقد وابن أبي عمر، عن ابن عيينة، به.

ورواه الشافعي والحميدي وغيرهما عن ابن عيينة به.

وتوبع عليه ابن عيينة:

فرواه البخاري (315)، ومسلم (332)، وأحمد والنسائي، من طريق وهيب.

ورواه البخاري (7357) وغيره، من طريق الفضيل بن سليمان النميري.

قالا: حدثنا منصور، به (بلفظ السياقة الثانية، واختصره مسلم محيلًا

ص: 507

على ما قبله).

إلا أنه وقع عند البخاري من رواية مسلم بن إبراهيم عن وهيب بلفظ: ((خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً، فَتَوَضَّئِي)) ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَحْيَا، فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ، أَوْ قَالَ:((تَوَضَّئِي بِهَا)) فَأَخَذْتُهَا

إلخ.

وهنا أمران:

الأول: في قوله: ((ثَلَاثًا))، وعند أبي عوانة (975) من طريق مسلم بن إبراهيم أيضًا بلفظ:((ثَلَاثَ مِرَارٍ)).

قال ابن حجر: ((يحتمل أن يتعلق قوله: ((ثلاثًا)) بـ ((توضئي))، أي: كرري الوضوء ثلاثًا. ويحتمل أن يتعلق بـ ((قال))، ويؤيده السياق المتقدم، أي: قال لها ذلك ثلاث مرات)) (الفتح 1/ 417).

قلنا: وهذا هو المتعين، فمسلم بن إبراهيم لم يذكر تَكرار الأمر بالوضوء، وعبر عنه بكلمة ((ثلاثًا))، ولم يذكر ذلك عن وهيب سواه، وقد رواه عفان عند (النسائي 432)، وأحمد (24907)، وغيرهما، وحبان بن هلال عند مسلم (332)، كلاهما عن وهيب به، ولم يذكرا ذلك، بينما ذكرا تكرار أمره صلى الله عليه وسلم لها بالوضوء ثلاثًا. وكذا لم يذكر التثليث في الوضوء مَن تابع وهيبًا، وهو ابن عيينة كما أشار إليه ابن حجر بقوله:((السياق المتقدم))، وكذلك فضيل لم يذكره؛ ولذا لم نذكر لفظة ((ثلاثًا)) في السياقة الثانية كزيادة؛ لأن مضمونها -وهو التكرار- مثبت باللفظ المختار.

الثاني: في قوله: ((أو قال: توضئي بها)).

قال ابن حجر: ((كذا وقع بالشك في أكثر الروايات، ووقع في رواية ابن عساكر: ((وقال))، بالواو العاطفة، والأُولى أظهر، ومحل التردد في لفظ

ص: 508

((بها))، هل هو ثابت؟ أم لا؟ أو التردد واقع بينه وبين لفظ:((ثلاثًا))، والله أعلم)) (الفتح 1/ 417).

قلنا: هذا التوجيه فيه تكلف، ويؤيد رواية ابن عساكر أنه عند أبي عوانة (975) من طريق مسلم بن إبراهيم -شيخ البخاري في هذه الرواية- بمثل لفظ ابن عساكر:((وَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ عَنْهَا، وَقَالَ: تَوَضَّئِي بِهَا)).

وكذلك في رواية عفان عند (النسائي 432)، وأحمد (24907)، بلفظ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَبَّحَ وَأَعْرَضَ عَنْهَا، [ثُمَّ قَالَ:((تَوَضَّئِي بِهَا))]، والزيادة لأحمد، وهي نفس الجملة المذكورة عند أبي عوانة بالعطف وعند البخاري بالشك، إلا أنها وقعت عند أحمد بعد أمره لها بالوضوء مرتين، فتكون هذه المرة الثالثة، بينما وقعت عند البخاري وأبي عوانة بعد أن ذكر أنه كرر الأمر ثلاثًا، فتكون هذه هي الرابعة!

وما عند أحمد هو الصواب، إذ لم يذكر أحد ممن رواه مفصلًا تكرار الأمر مرة رابعة؛ ولذا اعتمدنا الزيادة الثالثة من عند أحمد، والله أعلم.

وهناك متابعة ثالثة لابن عيينة، فرواه الخطيب في (تلخيص المتشابه) من طريق أبان بن سفيان الكناني، ثنا عمر بن أبي زائدة، عن منصور بن عبد الرحمن، عن أمه، عن عائشة: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِذَا طَهُرْتُ كَيْفَ أَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: ((تَأْخُذِينَ فِرْصَةً فَتَوَضَّئِينَ بِهَا))، قَالَتْ: كَيْفَ أَتَوَضَّأُ بِهَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهَا فَأَعَادَتْ عَلَيْهِ، قَالَ:((تَوَضَّي بِهَا))، فَأَعَادَتْ عَلَيْهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا رَأَيْتُ مَا شَقَّ عَلَيْهِ، قُلْتُ: تَعَالَيْ، فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا أَرَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمْرَهَا. فَسَأَلْنَا عُمَرَ: مَا نَزَّلْتُمُ الْفِرْصَةَ؟ ! قَالَ: ((هُوَ المسْكُ يَمْسِكُوهُ)).

وأبان هذا الظاهر أنه البجلي، وهو متروك، وإلا فمجهول، والله أعلم.

ص: 509

هذا، وقد توبع عليه منصور كما في الرواية التالية.

رِوَايَةُ ((أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ شَكَلٍ سَأَلَتْ

):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ أَسْمَاءَ [بِنْتَ شَكَلٍ] 1 سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ (قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَغْتَسِلُ إِحْدَانَا إِذَا طَهُرَتْ مِنَ الحَيْضِ؟)1. فَقَالَ: ((تَأَخُدُ إحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا، فَتَطَهَّرُ (فتَوَضَّأُ) 2، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا (وتَغْسِلُ رَأْسَهَا) 3، فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا (حتَّى يَبْلُغَ الماءُ أصولَ شَعرِها) 4، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ (تُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جَسَدِهَا) 5، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا)).

فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: [يِا رَسُولَ اللهِ،] 2 وَكَيْفَ تَطَّهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ: ((سُبْحَانَ اللهِ! تَطَهَّرِينَ بِهَا)). [واستَتَرَ] 3 [بثوبٍ] 4، فَقَالَتْ عَائِشَةُ:[فعَرَفْتُ الذي يَكْنِي عَنْهُ [رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم] 6، فَقُلْتُ لَهَا] 5 - كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ-: تَتَّبِعِينَ أَثَرَ الدَّمِ.

وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسُلِ الجَنَابَةِ، فَقَالَ:((تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ- أَو تَبْلُغُ الطُّهُورَ- ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا [الماءَ] 7 فَتَدْلُكُهُ، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا. ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ)).

فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ! لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ.

[الحكم]:

صحيح (م).

ص: 510

[الفوائد]:

قال القرطبي: قوله: ((تَأَخُدُ إحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا))، السدر هنا: هو الغاسول المعروف، وهو المتخذ من ورق شجر النبق، وهو السدر. وهذا التطهر الذي أمرها باستعمال السدر فيه هو لإزالة ما عليها من نجاسة الحيض. والغسل الثاني هو للحيض. (المفهم لما أشكل من صحيح مسلم 1/ 588).

قال ابن حزم: ((أَمَر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تتطهر بالفِرصة المذكورة -وهي القطعة -وأن تتوضأ بها. وإنما بعثه الله تعالى مبينًا ومعلمًا، فلو كان ذلك فرضًا، لعَلَّمها عليه السلام كيف تتوضأ بها أو كيف تتطهر، فلما لم يفعل، كان ذلك غير واجب. مع صحة الإجماع جيلًا بعد جيل على أن ذلك ليس واجبًا، فلم تزل النساء في كل بيت ودار على عهده صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يتطهرن من الحيض، فما قال أحد: إن هذا فرض)(المحلى 1/ 104) وانظر بقية كلامه في التنبيهات.

[التخريج]:

[م (332/ 61) "واللفظ له، والرواية الأولى والزيادة الأولى والثالثة له ولغيره" / د 314 "وله الزيادة السادسة، وعنده الزيادة الثانية والخامسة، والروايات من الثانية إلى الخامسة"، 316 "والزيادة الرابعة والسابعة له ولغيره" / جه 618/ حم 25145 / خز 264/ عه 971/ ش 869 "والزيادة الثانية والخامسة، ومن الرواية الثانية إلى الخامسة له ولغيره" / حق 1278/ عد (1/ 488) / هق 869/ مسن 741، 742/ غو (1/ 470، 471) / مبهم (1/ 29) / حداد 357/ بغ 253/ أسد (7/ 10) / غلق (2/ 94)].

ص: 511

[السند]:

قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار، قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن إبراهيم بن المهاجر، قال: سمعت صفية، تحدث عن عائشة، به.

ثم قال: ((وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن أبي الأحوص، عن إبراهيم بن مهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة، قالت: ((دَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ شكل عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولُ اللهِ، كَيْفَ تَغْتَسِلُ إِحْدَانَا إِذَا طَهُرَتْ مِنَ الحَيْضِ؟

)) وساق الحديث، ولم يذكر فيه غسل الجنابة.

وهو عند ابن أبي شيبة في (المصنف)، (ببقية الروايات والزيادة الثانية والخامسة).

ثم قال مسلم: وحدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة في هذا الإسناد نحوه، وقال: قال: ((سُبْحَانَ اللهِ! تَطَهَّرِي بِهَا))، واسْتَتَرَ.

وقد رواه أبو داود (316) عن عبيد الله بن معاذ به، (مع الزيادة الرابعة والسابعة).

وكان قد رواه قبل (314) عن عثمان بن أبي شيبة عن أبي الأحوص سَلَّام بن سليم عن إبراهيم بن المهاجر به، (بمثل رواية ابن أبي شيبة مع الزيادة السادسة).

وعثمان ثقة حافظ، من رجال الشيخين، وقد تابعه أخوه وغيره كما سبق.

[تنبيهات]:

الأول: روى ابن عدي هذا الحديث في (الكامل 1/ 488) عن زكريا

ص: 512

الساجي، حدثنا بندار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن إبراهيم بن مهاجر، عن صفية، عن عائشة:((أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْغُسْلِ مِنَ الْحَيْضِ .. )).

كذا وقع فيه أن عائشة هي السائلة، وهو خطأ، والمحفوظ أن السائلة غيرها.

كذا رواه مسلم وغيره عن ابن بشار وهو بندار. وكذا رواه أحمد وغيره عن غندر، وكذا رواه معاذ العنبري ووهب بن جرير وغيرهما عن شعبة. وكذا رواه أبو الأحوص وغيره عن ابن مهاجر. وكذا رواه منصور عن أمه صفية كما سبق.

لكنهم اختلفوا في تعيينها كما تراه فيما يلي:

الثاني: لم يختلف على منصور في إهمال المرأة السائلة وعدم تعيينها كما سبق. واختُلف على إبراهيم بن مهاجر في ذلك: فأهملها الثوري وأبو عوانة وإسرائيل وقيس في روايتهم عن ابن المهاجر كما سيأتي قريبًا.

بينما عَيَّنها شعبة وأبو الأحوص، فسماها شعبة:((أسماء))، ولم يُسّمِّ أباها، كذا رواه عنه غندر ومعاذ ووهب، وعَيَّن أبو الأحوص أباها، فقال:((أسماء بنت شكل)).

ووقع عند الخطيب في (المبهمات 1/ 29) من طريق يحيى بن سعيد عن شعبة، به وفيه:((أن أسماء بنت يزيد .. ))! .

قال الخطيب: ((هي أسماء بنت يزيد بن السكن .. ، وكان يقال لها: خطيبة النساء)).

قال ابن حجر: ((وتبعه ابن الجوزي

والدمياطي، وزاد: أن الذي وقع في مسلم تصحيف؛ لأنه ليس في الأنصار من يقال له (شكل)، وهو رد

ص: 513

للرواية الثابتة بغير دليل. وقد يحتمل أن يكون شكل لقبًا لا اسمًا. والمشهور في المسانيد والجوامع في هذا الحديث أسماء بنت شكل كما في مسلم أو أسماء، لغير نسب كما في أبي داود، وكذا في مستخرج أبي نعيم من الطريق التي أخرجه منها الخطيب. وحكى النووي في شرح مسلم الوجهين بغير ترجيح، والله أعلم)) (الفتح 1/ 415).

وجَزَم ابن بشكوال بأنها بنت شكل، ولم يَحْكِ غيره (الغوامض 1/ 469)، بينما رجح ابن الأثير وابن الملقن صنيع الخطيب، (البدر المنير 2/ 590، 591).

الثالث: قال ابن حزم -طاعنًا في جملة التطهر بالفِرصة-: ((لم تُسْنَد هذه اللفظة إلا من طريق إبراهيم بن مهاجر، وهو ضعيف، ومن طريق منصور بن صفية، وقد ضُعِّف، وليس ممن يُحتج بروايته؛ فسقط هذا الحكم جملة)) (المحلى 1/ 104).

قلنا: وهذا خطأ مردود، وقد تعقبه ابن الملقن في (البدر المنير 2/ 589) -وإن كان في كلامه بعض النظر-.

فمنصور ثقة من رجال الشيخين، وثقه ابن سعد والنسائي وغيرهما؛ ولذا قال ابن حجر:((ثقة، أخطأ ابن حزم فى تضعيفه)).

فأما ابن مهاجر فمختلف فيه: وثقه ابن سعد، ومشاه أحمد وأبو داود والعجلي وغيرهم، ولَينه أبو حاتم وابن عدي وغيرهما، وضَعَّفه ابن معين، وأنكر عليه ذلك ابن مهدي، ورُوي عن أحمد توثيقه وتليينه.

هذا مطلقًا، فأما بخصوص هذا الحديث، فقد احتج به أحمد كما ذكره ابن رجب في (الفتح 2/ 98، 99)، وأخرج له مسلم هذا الحديث وآخر -

ص: 514

متابعة-، وذكره الذهبي في (من تُكلم فيه وهو موثق 9)، وقال:((خَرَّج له مسلم أحاديث شواهد))، وقال في (الديوان 256):((ثقة، قال النسائي: ليس بالقوي))، وقال ابن حجر:((صدوق لين الحفظ)) (التقريب 254).

ثم إنه لم ينفرد بهذه اللفظة، بل تابعه منصور كما ذكر ابن حزم نفسه.

نعم، قد انفرد ابن مهاجر في حديثه هذا بذكر صفة غسل الحائض، وبذكر الغسل من الجنابة، وفيهما: دلك المرأة لرأسها، وفي الأول إضافة السدر إلى الماء.

فأما صفة غسل الحائض، فيدل على ثبوتها في الحديث رواية منصور عند مسلم وغيره بلفظ:((فَذَكَرَتْ أَنَّهُ عَلَّمَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ))، وقد سبقت، وانظر كلام ابن حجر الآتي قريبًا.

وأما غسل الجنابة، فليس فيه ما يستنكر سوى دلك المرأة لرأسها، فقد ثبت عند مسلم (330) أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة في غسلها من الجنابة:((إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ المَاءَ)).

وعنده أيضًا (331) من حديث عائشة: ((لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَلَا أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ إِفْرَاغَاتٍ)).

فليس فيهما ذكر الدلك!

ولكن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنَّه كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي المَاءِ، فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعَرِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ المَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ)) (البخاري 248).

فالتخليل فيه معنى الدلك، وإذا ثبت فعله للرجل فالمرأة أَولى، وإذا شُرع في غسل الجنابة ففي غسل الحيض أَولى.

ص: 515

وقد سئل أحمد عن غسل الحائض، فذهب إلى حديث إبراهيم بن المهاجر، عن صفية بنت شيبة، وقال:((تدلك شئون رأسها)) (الفتح لابن رجب 2/ 98).

فهذا يدل على أن أحمد يراه ثابتًا.

وكذلك البخاري، فقد بوب على رواية منصور:((باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض، وكيف تغتسل، وتأخذ فِرصة .. إلخ)).

وليس في روايته سوى ذكر الفِرصة، ولكن البخاري كما قال ابن حجر: ((جرى على عادته في الترجمة بما تضمنه بعض طرق الحديث الذي يورده، وإن لم يكن المقصود منصوصًا فيما ساقه.

وبيان ذلك أن مسلمًا أخرج هذا الحديث من طريق ابن عيينة عن منصور

فذكر بعد قوله كيف تغتسل: ((ثم تأخذ))، زاد ((ثم)) الدالة على تراخي تعليم الأخذ عن تعليم الاغتسال.

ثم رواه من طريق أخرى عن صفية عن عائشة وفيها شرح كيفية الاغتسال -المسكوت عنها في رواية منصور-، ولفظه: ((تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبَّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدَيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُوَنَ رَأْسِهَا

)). فهذا مراد الترجمة لاشتمالها على كيفية الغسل والدلك، وإنما لم يخرجه المصنف من هذه الطريق لكونها من رواية إبراهيم بن مهاجر عن صفية، وليس هو على شرطه)) (الفتح 1/ 414، 415).

وأما إضافة السدر إلى الماء، فقد رُوي من طريق منصور أيضًا، كما في الرواية التالية:

ص: 516

رِوَايَةُ ((فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْحَيْضِ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَتَأْخُذَ فِرْصَةً فَتَوَضَّأَ بِهَا وَتَطَّهَّرَ بِهَا، قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ قَالَ: ((تَطَهَّرِي بِهَا))، قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ فَاسْتَتَرَ الَّنِبُّي صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ وَقَالَ: ((سُبْحَانَ اللهِ! اطَّهَّرِي بِهَا))، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَاجْتَذَبْتُ الْمَرْأَةَ وَقُلْتُ: تَتْبَعِينَ بِهَا أَثَرَ الدَّمِ)).

[الحكم]:

إسناده صحيح، وصححه: ابن حبان والألباني.

[الفوائد]:

قوله: ((فتَوَضَّأ بها، وتَطَّهَّر بها))، هما بمعنى واحد كما سبق، وجاز العطف لتغاير اللفظ، كقول القائل:((ألفى قولها كذبًا ومَيْنًا)).

[التخريج]:

[حب 1194].

[السند]:

قال ابن حبان: أخبرنا ابن خزيمة، حدثنا عبد الجبار بن العلاء، حدثنا سفيان، حدثني منصور بن صفية، عن أمه، عن عائشة، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد صحيح. ابن خزيمة هو الإمام الحافظ صاحب الصحيح. وبقية الإسناد على شرط مسلم، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين سوى عبد الجبار، فمن رجال مسلم، وهو ثقة، وقد أثنى أحمد على أخذه عن ابن عيينة.

وقد انفرد عن ابن عيينة بذكر إضافة السدر إلى الماء، وهذا إنما يُعرف

ص: 517

من طريق ابن المهاجر كما سبق.

فأما من طريق منصور، فقد رواه وهيب وفضيل وابن عيينة -من رواية الشافعي والحميدي والناقد والعدني وغيرهم عنه-، عن منصور به، ولم يذكروا فيه إضافة السدر إلى الماء. فإن كان عبد الجبار قد حفظه، فهي متابعة جيدة لابن المهاجر، وقد صححه ابن حبان بتخريجه له في الصحيح، وصححه الألباني في (التعليقات الحسان 2/ 433).

ص: 518

رِوَايَةٌ فِيهَا قَوْلُ عَائِشَةَ: ((نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ

)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا [ذَكَرَتْ نِسَاءَ الْأَنْصَارِ، فَأَثْنَتْ عَلَيْهِنَّ، وَقَالَتْ لَهُنَّ مَعْرُوفًا،] قَالَتْ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ! لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ، وَأَنْ يَسْأَلْنَ عَنْهُ!

وَلَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ النُّورِ شَقَقْنَ حَوَاجز- أَوْ حُجز- مَنَاطقِهِنَّ، فَاتَّخَذْنَهَا خُمُرًا.

وَجَاءَتْ فُلَانَةُ (امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ) فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ كَيْفَ أَغْتَسِلُ مِنَ الْحَيْضِ؟ قَالَ:(([نَعَمْ]، لِتَأْخُذْ إِحْدَاكُنَّ سِدْرَتَهَا وَمَاءَهَا، ثُمَّ لِتَطَّهَّرْ، فَلْتُحْسِنِ الطُّهْرَ، ثُمَّ لِتُفِضْ عَلَى رَأْسِهَا [مِنَ الْمَاءِ] وَلْتُلْصِقْ بِشُئُونِ رَأْسِهَا، [ثُمَّ تَدْلُكْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ طُهُورٌ،] ثُمَّ لِتُفِضْ عَلَى جَسَدِهَا (تَصُبَّ عَلَيْهَا)[مِنَ الْمَاءِ]، ثُمَّ لِتَأْخُذْ فِرْصَةَ مُمَسَّكَةً))

(1)

، أَوْ:((قَرْصَةً)) -شَكَّ أَبُو بَكْرٍ

(2)

-، ((فَلْتَطَّهَّرْ بِهَا)) -يَعْنِي: بِالْفِرْصَةِ

(3)

مِنَ المِسْكِ

(4)

، وَقَالَ: بَعْضُهُمْ: ((من الذَّرِيرَةَ)) - قَالَتْ: [يَا رَسُولَ اللهِ،]

(1)

- في مطبوع المصنف: ((مسْكَةٍ))، والمثبت من بقية المصادر، وهو الصواب، فهو عند ابن المنذر من طريق عبد الرزاق، وبمثله عزاه في (الكنز 27764) للمصنف.

(2)

- أبو بكر هو: عبد الرزاق، وعند ابن المنذر من طريق إسحاق عن عبد الرزاق، ولم يذكر أن الشك منه، وفي فوائد الحاكم من رواية ابن أبي الشوارب عن أبي عوانة بالشك أيضا، وقال:((شك محمد بن عبد الملك))، وهو ابن أبي الشوارب، ورواية أبي عوانة عند أحمد وأبي داود وابن المنذر بلفظ:((فِرْصَةً)) بلا شك، قال ابن المنذر: ((وَهُوَ الصَّحِيحُ".

(3)

- في مطبوع المصنف: ((بالقرصة))، والمثبت من الأوسط لابن المنذر.

(4)

- في مطبوع المصنف: ((الشَّكُّ))، مع سقوط:((من))، والمثبت من الأوسط لابن المنذر، وسقط من (ط. طيبة) كلمة: ((من".

ص: 519

كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ فَاسْتَحْيَا مِنْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَتَرَ مِنْهَا (فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكَنِّي عَنْ ذَلِكَ)، وَقَالَ:((سُبْحَانَ اللهِ تَطَهَّرِينَ بِهَا)).

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَحَمْتُ الَّذِي قَالَ، فَأَخَذْتُ بِجَيْبِ دِرْعِهَا، فَقُلْتُ: تَتَّبِعِينَ بِهَا آثَارَ الدَّمِ.

[الحكم]:

إسناده حسن، وحَسَّنه الألباني.

[اللغة]:

1 -

((الحواجز أو الحُجُز)): أصل الحجزة: موضع شد الإزار، ثم قيل للإزار حجزة للمجاورة. واحتجز الرجل بالإزار: إذا شده على وسطه. وأرادت بالحُجُز: هنا المآزر.

وجاء في سنن أبي داود ((حجوز أو حجور)) بالشك. قال الخطابي: الحجور-يعني بالراء- لا معنى لها هاهنا، وإنما هو بالزاي، يعني جمع حُجُز، فكأنه جمع الجمع. وأما الحجور بالراء فهو جمع حجر الإنسان)) (النهاية 1/ 344).

2 -

((الذريرة)): هو نوع من الطِّيب مجموع من أخلاط. وقيل: هو فتات قصب طيب، يجاء به من الهند. (النهاية 2/ 157).

3 -

((لحمت))

(1)

، يعني:((فطنت))، قاله عبد الرزاق عقب الحديث. وفي القاموس:((لَحَمَ الأمرَ: أحكمه)).

(1)

- ووقع في مطبوع (الأوسط/ ط. الفلاح): ((لحقت))، قال محققه:((واللحوق الإدراك))، وفي (ط. طيبة) كما في المصنف.

ص: 520

[التخريج]:

[د 315، 4052 مختصرًا / حم 25551 "والزيادات والروايات له ولغيره" / عب 1218 "واللفظ له" / عه 976 / منذ 673، 674/ فكم 8].

[السند]:

رواه عبد الرزاق -ومن طريقه ابن المنذر-: عن الثوري وغيره، عن إبراهيم بن المهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة، به.

ورواه أحمد وأبو داود وابن المنذر وأبو عوانة وأبو أحمد الحاكم: من طرق عن أبي عوانة، عن إبراهيم بن مهاجر، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد حسن.

وكذا قال الألباني، وزاد:((ورجاله رجال الصحيح)) (صحيح 2/ 122).

وإنما حَسَّنه للكلام في ابن مهاجر، وقد سبق.

ولكن الحديث صحيح، فقد تابعه عليه منصور بن صفية كما سبق، إلا أنه لم يذكر بعض الزيادات هنا، كقصة نساء الأنصار لما نزلت سورة النور، وقد توبع عليها أيضًا، فرواها البخاري (4759)، وغيره، من طريق الحسن ابن يناق عن صفية.

ص: 521

رِوَايَةُ ((قَالَتْ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَسَكَتَ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا قَالَتْ: سَأَلْتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنِصَارِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحَائِضِ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَغْتَسِلَ مِنَ الْمَحِيضِ، قَالَ:((خُذِي مَاءَكِ وَسِدْرَكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي فَأَنْقِي، ثُمَّ صُبِّي عَلَى رَأْسِكِ حَتَّى تُبْلِغِي شُئُونَ الرَّأْسِ، ثُمَّ خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً))، قَالَتْ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَتْ: كَيْفَ أَصْنَعُ [بِهَا يَا رَسُولَ اللهِ]؟ فَسَكَتَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْمَعُ، فَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهَا.

[الحكم]:

صحيح دون قولها: ((فَسَكَتَ))، والمحفوظ أنه قال لها:((تَطَهَّرِي بِهَا))، وعبارة:((وَرَسُولُ اللهِ يَسْمَعُ، فَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهَا))، ليست من قول عائشة كما هو ظاهر، فهي مرسلة، ولكن معناها صحيح.

[التخريج]:

[مي 792 "والزيادة له" / جا 117 "واللفظ له"].

[السند]:

قال الدارمي: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن صفية بنت شيبة بن عثمان، عن عائشة، به.

ورواه ابن الجارود: من طريق عبيد الله بن موسى، قال: حدثنا إسرائيل، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين سوى ابن مهاجر فمتكلم فيه، وروى له مسلم حديثين متابعة، أحدهما هذا الحديث، من طريق شعبة وأبي الأحوص عنه، إلا أنه وقع عنده أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أجاب عن سؤال المرأة، قائلًا: ((سُبْحَانَ

ص: 522

اللهِ، تَطَهَّرِينَ بِهَا)). وكذا في رواية من تابع ابن المهاجر وهو منصور، كما سبق.

فقولها هنا: ((فسكت))، منكر، والحمل فيه عندنا على ابن مهاجر نفسه، ويؤيده قول ابن حجر:((قال ابن أبي خيثمة في تاريخه: قيل ليحيى بن معين! : إن إسرائيل روى عن أبي يحيى القتات ثلاثمائة، وعن إبراهيم بن مهاجر ثلاثمائة -يعني: مناكير- فقال: ((لم يؤت منه، أتى منهما))، قلت: وهو كما قال ابن معين)) (مقدمة الفتح/ ص 390).

قلنا: والذي في (تاريخ ابن أبي خيثمة) كما في (الإكمال 2/ 129)، و (تهذيب التهذيب 1/ 263):((قيل ليحيى))، مهملًا، وأخطأ ابن حجر في تعيينه بابن معين، وإنما هو يحيى بن سعيد القطان كما في (الضعفاء للعقيلي/ ترجمة: 67، 928)، و (الكامل 1/ 485 و 2/ 356).

فإن قيل: قد سبق عن إبراهيم بن المهاجر على الصواب من رواية شعبة وغيره عنه، فما وجه الحمل عليه هنا؟

قلنا: وجهه أنه حَدَّث به أولًا فأصاب، ثم نَسَي فحَدَّث به وأخطأ، ولعله لم يكن يحفظه جيدًا، فاضطرب فيه، وقد ذكر أبو حاتم في (الجرح والتعديل 2/ 133) أنه لم يكن يحفظ؛ ولذا ترى في أحاديثه اضطرابًا ما شئت، ولعل اختلافهم عليه في إهمال المرأة وتعيينها من هذا القبيل، وقد سبق بيانه.

ويمكن الاعتناء به، فيقال: المراد من السكوت هنا السكوت عن بيان كيفية استخدام الفِرصة، وهو ما بينته عائشة رضي الله عنها بقولها:((تتبعي بها أثر الدم)).

ص: 523

وقوله في آخر الرواية: ((وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْمَعُ، فَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهَا))، ليس من قول عائشة كما هو ظاهر، وإلا لقالت:((فما أنكر عليَّ)).

فهذه الجملة مرسلة، سواء كانت من كلام صفية أو مَن دونها؛ لأن صفية وإن أثبت بعضهم لها رؤية وبعضهم سماعًا، فهي لم تشهد هذه القصة، كما تدل عليه رواية الثوري وأبي عوانة. على أن الراجح أن هذه الجملة ليست من قول صفية، إذ لم يذكرها ابنها منصور في روايته عنها، فإن لم تكن من قول ابن مهاجر فهي من قول إسرائيل؛ إذ لم ترد إلا في روايته.

وعلى كل، فمعناها صحيح، إذ المراد منها الإقرار، وهو واقع بدونها، ولم يَرْوِ أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك، أو لم يسمعه.

ولا يُحتج هنا بقول صفية -واصفة صنيع عائشة-: ((كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ))، إذ لا مانع من أن تُسِرّ إليها بصوت يسمعه القريب منها، لاسيما وهي تقول:((كأنها))، بل في سكوته عن مراجعة عائشة دليل على أنه علم كلامها، سواء بسماعه أم بتعليمه لها من قبل. والله أعلم.

ص: 524

رِوَايَةٌ فِيهَا صِفَةُ الغُسْلِ مِنَ الجَنَابَةِ وَالحَيْضِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَتَتْ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الْأَنْصَارِيَّةُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ:((تَبْدَأُ إِحْدَاكُنَّ، فَتَتَوَضَّأُ، فَتَبْدَأُ بِشِقِّ رَأْسِهَا الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، حَتَّى تُنْقِيَ شُئُونَ الرَّأْسِ))، ثُمَّ قَالَ:((تَدْرُونَ مَا شُئُونُ رَأْسِهَا؟)) قَالَتْ: الْبَشَرَةُ. قَالَ: ((صَدَقتِ، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَى بَقِيَّةِ جَسَدِهَا)).

قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ الْغُسْلُ مِنَ الْمَحِيضِ؟ قَالَ:((تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ سِدْرَتَهَا وَمَاءَهَا فَتَطَهَّرُ بِهَا، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَبْدَأُ بِشِقِّ رَأْسِهَا الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ حَتَّى تُنْقِيَ شُئُونَ الرَّأْسِ، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا)). قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقُلْتُ لَهَا أَنَا:((يَا سُبْحَانَ اللهِ! تَتَبَّعِينَ آثَارَ الدَّمِ)).

[الحكم]:

إسناده ضعيف بهذه السياقة.

[التخريج]:

[طي 1667 "واللفظ له" / مبهم (1/ 28) / حسيني (حمام 119)].

[السند]:

قال الطيالسي: حدثنا قيس بن الربيع، عن إبراهيم بن المهاجر البجلي، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة، به.

ورواه الخطيب والحسيني من طريق الطيالسي به.

[التحقيق]:

هذا إسناده ضعيف؛ فيه قيس بن الربيع الأسدي، أبو محمد الكوفي، وهو ضعيف، سيئ الحفظ، كما سبق مرارًا.

ص: 525

وقد انفرد بذكر قوله: ((تَبْدَأُ بِشِقِّ رَأْسِهَا الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ))، وهو غير محفوظ من رواية الثقات لهذا الحديث كما سبق.

نعم، روى البخاري (277) من طريق الحسن بن مسلم بن يَنَّاق، عن صفية، عَنْ عَائشَةَ، قَالَتْ:((كُنَّا إِذَا أَصَابَتْ إِحْدَانَا جَنَابَةٌ، أَخَذَتْ بِيَدَيْهَا ثَلَاثًا فَوْقَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ بِيَدِهَا عَلَى شِقَّهَا الأَيْمَنِ، وَبِيَدِهَا الأُخْرَى عَلَى شِقَّهَا الأَيْسَرِ)).

قال ابن رجب: ((وظاهر هذا أن المرأة يستحب لها بعد أن تصب على رأسها ثلاثًا أن تأخذ حفنة بيدها، فتصبها على شق رأسها الأيمن، ثم تأخذ حفنة أخرى فتصبها على شقه الأيسر، فيصير على رأسها خمس حفنات)) (الفتح 1/ 260).

وروى البخاري (258)، ومسلم (318) عن عائشة قالت:((كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الحِلَابِ، فَأَخَذَ بِكَفِّهِ، فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ الأَيْسَرِ، [ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ] فَقَالَ بِهِمَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ)).

ولكن هذا فعل، والذي في حديث قيس قول وأمر!

ص: 526

رِوَايَةُ ((خُذِي سُكَيْكَتَكِ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ طُهْرِ الحَيْضِ، فَقَالَ: ((خُذِي [عَلَيْكِ] سُكَيْكَتَكِ

(1)

)) فَقَالَتْ: أَصْنَعُ بِهَا مَاذَا؟ فَاسْتَحْيَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: هَلُمِّي إلَيَّ (تَعَالَيْ) أُخْبِرْكِ، أَمِرِّيهَا عَلَى مَخْرَجِ الدَّمِ.

[الحكم]:

معناه صحيح بما سبق، وإسناده ضعيف بهذا اللفظ، وأنكره العقيلي سندًا ومتنًا، وأقرّه الذهبي على استنكار السند، بينما قال عن متنه:((محفوظ)).

[اللغة]:

سُكَيْكَتَكِ: تصغير سُكَّة، من السُّكُّ، وهو طِيب يُتخذ من مِسك ورامَكٍ. (العين 5/ 273).

[التخريج]:

[طس 2394 "واللفظ له" / عق (1/ 496 - 497) "والزيادة والرواية له"].

[السند]:

قال الطبراني: حدثنا أبو مسلم، قال: حدثنا أبو عمر الضرير، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن عكرمة، عن عائشة، به.

(1)

- كذا في أصل المعجم كما نقلها عنه مغلطاي في (شرح ابن ماجه 3/ 175)، وكذا في (الضعفاء)، وغيرها محققًا المعجم إلى:((سَكْبَتَكِ"!! وذكرا أنها في الأصل: ((سكبكتك"!، فأما في (الضعفاء طبعة قلعجي) فجاءت: ((مسكة))، دون أي إشارة في التحقيق!.

ص: 527

وأبو مسلم هو الكَجِّي الحافظ، وقد توبع:

فرواه العقيلي عن إبراهيم بن عبد الله بن الجُنَيْد قال: حدثنا أبو عمر الضرير، به.

فمداره عندهما على أبي عمر الضرير حفص بن عمر الأكبر، به.

[التحقيق]:

هذا إسناده ضعيف؛ فيه عطاء بن السائب، فإنه كان قد اختلط، وقد بينا مرارًا أن حماد بن سلمة سمع منه في الصحة والاختلاط، وكان لا يفصل هذا من ذا (تهذيب التهذيب 7/ 206، 207)، فلا يُقبل حديثه عنه حتى يتبين في أي الحالين سمعه.

وأعله العقيلي بعلة أخرى، فذكره في (الضعفاء 339) تحت ترجمة أبي عمر الضرير، وروى عن ابن معين أنه قال فيه:((لا يُرضَى)).

ثم قال العقيلي عقب الحديث: ((لا يتابع عليه من حديث حماد عن عطاء بن السائب، وإنما يُروى هذا عن إبراهيم بن مهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة. ورواه منصور، عن أمه، عن عائشة في الغُسل من الحيض بخلاف هذا اللفظ)) (الضعفاء 1/ 497).

قلنا: فأما كونه لم يتابع فهو كذلك، قال الطبراني:((لم يَرْوِ هذا الحديث عن عطاء إلا حماد، تفرد به أبو عمر)).

وأما الجَرح الذي رواه عن ابن معين فغير مفسر، وفي ثبوته عنه نظر، فإن العقيلي رواه عن محمد بن عبد الحميد السهمي، عن أحمد بن محمد الحضرمي، ولم نجد لأي منهما ترجمة، ولا وقفنا لهما على حال! رغم أن العقيلي نقل بهذا الإسناد طائفة من السؤالات لابن معين!

ص: 528

والمعتمد عند النقاد تعديل أبي عمر الضرير، قال فيه أبو حاتم:((صدوق، صالح الحديث، عامة حديثه يحفظه))، وقال ابن حبان:((كان من علماء أهل البصرة))، ووثقه مَسْلمة بن قاسم، وقال الساجي:((من أهل الصدق، وكان يحفظ الحديث))، وذكره ابن خلفون في ((الثقات)) (الإكمال لمغلطاي/ التراجم الساقطة 148). وقال ابن حجر:((صدوق عالم)) (التقريب 1421).

وأما قول العقيلي: ((رواه منصور بن صفية

بخلاف هذا اللفظ))، فليس هناك فرق إلا في موضعين يسيرين:

الأول: في حديث منصور: ((فِرصة ممسكة))، وفي رواية:((فِرْصَةً مِن مِسْكٍ))، وهنا:((سكيكتك)).

والثاني: في حديث منصور: ((تتبعي بها أثر الدم))، وهنا:((أَمِرِّيها على مخرج الدم))، والمعنى متقارب.

ولعله لذلك قال الذهبي: ((ساق له العقيلي حديثًا محفوظ المتن)) (الميزان 1/ 565). فأقره على إنكار السند، لكنه خالفه في إنكار المتن، والله أعلم.

ص: 529