الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الطَّلَاقِ
فِيهِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ
الْأَوَّلُ: فِي الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَفِيهِ طَرَفَانِ
الْأَوَّلُ: فِي بَيَانِ الْبِدْعِيِّ وَالسُّنِّيِّ
لَمْ يَزَلِ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَصِفُونَ الطَّلَاقَ بِالْبِدْعَةِ وَالسُّنَّةِ. وَفِي مَعْنَاهُمَا اصْطِلَاحَانِ: أَحَدُهُمَا: السُّنِّيُّ مَا لَا يَحْرُمُ إِيقَاعُهُ، وَالْبِدْعِيُّ: مَا يَحْرُمُ. وَعَلَى هَذَا فَلَا قِسْمَ سِوَاهُمَا. وَالثَّانِي: وَهُوَ الْمُتَدَاوَلُ، أَنَّ السُّنِّيَّ طَلَاقُ مَدْخُولٍ بِهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ، وَلَا صَغِيرَةٍ وَلَا آيِسَةٍ. وَالْبِدْعِيَّ: طَلَاقُ مَدْخُولٍ بِهَا فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ وَلَمْ يَبِنْ حَمْلُهَا، وَعَلَى هَذَا يَسْتَمِرُّ مَا اشْتُهِرَ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّ غَيْرَ الْمَمْسُوسَةِ لَا سُنَّةَ وَلَا بِدْعَةَ فِي طَلَاقِهَا، وَكَذَا مَنْ فِي مَعْنَاهَا. وَعَلَى هَذَا، الطَّلَاقُ سُنِّيٌّ وَبِدْعِيٌّ وَغَيْرُهُمَا.
ثُمَّ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ مَا لَا يُحَرَّمُ مِنَ الطَّلَاقِ: وَاجِبٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَمَكْرُوهٌ. فَالْوَاجِبُ فِي حَقِّ الْمُؤْلِي، إِذَا مَضَتِ الْمُدَّةُ، يُؤْمَرُ أَنْ يَفِيَ أَوْ يُطَلِّقَ، وَعِنْدَ الشِّقَاقِ إِذَا رَأَى الْحَكَمَانِ التَّفْرِيقَ وَجَبَ.
وَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ، فَهُوَ إِذَا كَانَ يُقَصِّرُ فِي حَقِّهَا لِبُغْضٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَفِيفَةٍ.
وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ، فَهُوَ الطَّلَاقُ عِنْدَ سَلَامَةِ الْحَالِ.
وَأَمَّا الْمُحَرَّمُ، فَلِتَحْرِيمِهِ سَبَبَانِ.
أَحَدُهُمَا: إِيقَاعُهُ فِي الْحَيْضِ إِذَا كَانَتْ مَمْسُوسَةً، تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ فَطَلَّقَهَا بِلَا عِوَضٍ. فَإِنْ خَالَعَ الْحَائِضَ، أَوْ طَلَّقَهَا بَعِوَضٍ، فَلَيْسَ بِحَرَامٍ.
وَلَوْ سَأَلَتِ الطَّلَاقَ وَرَضِيَتْ بِهِ بِلَا عِوَضٍ فِي الْحَيْضِ، أَوِ اخْتَلَعَهَا أَجْنَبِيٌّ فِي الْحَيْضِ، فَحَرَامٌ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ طُولِبَ الْمُؤْلِي بِالطَّلَاقِ، فَطَلَّقَ فِي الْحَيْضِ، فَقَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا: لَيْسَ بِحَرَامٍ لِأَنَّهَا طَالِبَةٌ رَاضِيَةٌ، وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: حَرَامٌ لِأَنَّهُ أَحْوَجَهَا بِالْإِيذَاءِ إِلَى الطَّلَبِ وَهُوَ غَيْرُ مُلْجَأٍ إِلَى الطَّلَاقِ لِتَمَكُّنِهِ مِنَ الْفَيْئَةِ. وَلَوْ طَلَّقَ الْقَاضِي عَلَيْهِ، إِذَا قُلْنَا بِهِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ فِي الْحَيْضِ. وَلَوْ رَأَى الْحَكَمَانِ فِي صُورَةِ الشِّقَاقِ الطَّلَاقَ، فَطَلَّقَا فِي الْحَيْضِ، فَفِي شَرْحِ «مُخْتَصَرِ الْجُوَيْنِيِّ» أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، لِلْحَاجَةِ إِلَى قَطْعِ الشَّرِّ.
فَرْعٌ
إِذَا طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ طَلَاقًا مُحَرَّمًا، اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَإِنْ رَاجَعَ، فَهَلْ لَهُ تَطْلِيقُهَا فِي الطُّهْرِ التَّالِي لِتِلْكَ الْحَيْضَةِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَكَأَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ: هَلْ يَتَأَدَّى بِهِ الِاسْتِحْبَابُ بِتَمَامِهِ.
فَأَمَّا أَصْلُ الْإِبَاحَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْصُلَ بِلَا خِلَافٍ لِانْدِفَاعِ ضَرَرِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ.
قُلْتُ: قَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، بِأَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي الِاسْتِحْبَابِ. قَالَ الْإِمَامُ: قَالَ الْجُمْهُورُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا فِيهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بَأْسَ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي «الْوَسِيطِ» : هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ فِي هَذَا الطُّهْرِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: فَشَاذٌّ أَوْ مُؤَوَّلٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ بِظَاهِرِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُجَامِعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: نَعَمْ لِيَظْهَرَ مَقْصُودُ الرَّجْعَةِ. وَأَصَحُّهُمَا: الِاكْتِفَاءُ بِإِمْكَانِ الِاسْتِمْتَاعِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَالْمُرَاجَعَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَحَبَّةً، فَلَا نَقُولُ تَرْكُهَا مَكْرُوهٌ.
قُلْتُ: فِي هَذَا نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: تَرْكُهَا مَكْرُوهٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْوَارِدِ فِيهَا، وَلِدَفْعِ الْإِيذَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا أُخْرَى فِي الْحَيْضِ، بُنِيَ عَلَى أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ إِذَا طُلِّقَتْ، أَمْ تَبْنِي؟ إِنْ قُلْنَا: تَسْتَأْنِفُ، فَبِدْعِيٌّ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ لِعَدَمِ التَّطْوِيلِ وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ بِدْعِيًّا، ثُمَّ طَلَّقَهَا أُخْرَى فِي تِلْكَ الْحَيْضَةِ أَوْ فِي أُخْرَى، فَفِي كَوْنِ الثَّانِيَةِ بِدْعِيَّةً الْوَجْهَانِ.
فَرْعٌ
الطَّلَاقُ فِي النِّفَاسِ بِدْعِيٌّ كَالْحَيْضِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُحَرِّمَ شَامِلٌ.
فَرْعٌ
قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ آخِرِ حَيْضِكِ، أَوْ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيْضِكِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ سُنِّيٌّ لِاسْتِعْقَابِهِ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنَ الطُّهْرِ وَلَمْ يَطَأْهَا، فَالْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ بِدْعِيٌّ.
وَلَوْ قَالَ فِي الصُّورَتَيْنِ بَدَلَ «مَعَ» : فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ كَذَا، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: فِي كَ «مَعَ» عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: إِنْ قَالَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنَ الْحَيْضِ، فَبِدْعِيٌّ قَطْعًا، أَوْ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنَ الطُّهْرِ، فَسُنِّيٌّ قَطْعًا.
فَرْعٌ
تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالدُّخُولِ وَسَائِرِ الصِّفَاتِ، لَيْسَ بِبِدْعِيٍّ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَيْضِ وَلَكِنْ إِنْ وُجِدَتِ الصِّفَةُ فِي الطُّهْرِ، نَفَذَ سُنِّيًّا، وَإِنْ وُجِدَتْ فِي الْحَيْضِ، نَفَذَ بِدْعِيًّا فَتُسْتَحَبُّ الْمُرَاجَعَةُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ وُجِدَتِ الصِّفَةُ بِاخْتِيَارِهِ، أَثِمَ بِإِيقَاعِهِ فِي الْحَيْضِ. وَعَنِ الْقَفَّالِ، أَنَّ نَفْسَ التَّعْلِيقِ بِدْعَةٌ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي الْحَالَ وَقْتَ الْوُقُوعِ، فَلْتَحْتَرِزْ عَمَّا قَدْ يَضُرُّهَا وَلَا ضَرُورَةَ إِلَيْهِ.
قُلْتُ: قَوْلُهُ أَوَّلًا: وَإِنْ وُجِدَتْ فِي الْحَيْضِ نَفَذَ بِدْعِيًّا، مَعْنَاهُ يُسَمَّى بِدْعِيًّا وَتُرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبِدْعِيِّ، إِلَّا أَنَّهُ لَا إِثْمَ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ، إِلَّا مَا حَكَاهُ عَنِ الْقَفَّالِ: وَقَدْ أَطْنَبَ الْإِمَامُ فِي تَغْلِيطِ الْقَفَّالِ فِي هَذَا وَقَالَ: هَذَا فِي حُكْمِ الْهُجُومِ عَلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُونَ، فَلَمْ يُحَرِّمْ أَحَدٌ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ قَالَ لِذَاتِ الْأَقْرَاءِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، أَوْ إِنْ قَدِمَ فُلَانٌ لِلسُّنَّةِ، أَوْ إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ، فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ فِي حَالِ السُّنَّةِ، طُلِّقَتْ. وَإِنْ وُجِدَ وَهِيَ فِي حَالِ الْبِدْعَةِ، لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَالِ السُّنَّةِ، فَحِينَئِذٍ تُطَلَّقُ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِأَمْرَيْنِ، فَاشْتُرِطَ حُصُولُهُمَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ، فَإِنْ دَخَلَتْ فِي حَالِ الْبِدْعَةِ طُلِّقَتْ، وَإِنْ دَخَلَتْ فِي حَالِ السُّنَّةِ، لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْبِدْعَةِ.
وَلَوْ قَالَ لِمَنْ لَا سُنَّةَ فِي طَلَاقِهَا وَلَا بِدْعَةَ كَغَيْرِ الْمَمْسُوسَةِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، وَإِنْ قَدِمَ فُلَانٌ لِلسُّنَّةِ، فَصَارَتْ ذَاتَ سُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ، ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، فَإِنْ وُجِدَ فِي حَالِ السُّنَّةِ، طُلِّقَتْ، وَإِنْ وُجِدَ فِي حَالِ الْبِدْعَةِ، لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَالِ السُّنَّةِ. وَلَوْ وُجِدَ الشَّرْطُ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ حَالُهَا. طُلِّقَتْ لِأَنَّهُ لَا سُنَّةَ فِي طَلَاقِهَا.