الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الظِّهَارِ
صُورَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. قَالَ الْأَصْحَابُ: الظِّهَارُ حَرَامٌ، قَالُوا: وَقَوْلُهُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، لَيْسَ بِحَرَامٍ، بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ، لِأَنَّ الظِّهَارَ عُلِّقَ بِهِ الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى، وَإِنَّمَا عُلِّقَ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَالْيَمِينُ وَالْحِنْثُ لَيْسَا بِمُحَرَّمَيْنِ، وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ مَعَ الزَّوْجِيَّةِ قَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي التَّحْرِيمِ، كَتَحْرِيمِ الْأُمِّ مَعَ الزَّوْجِيَّةِ لَا يَجْتَمِعَانِ.
فَصْلٌ
هَذَا الْكِتَابُ مُشْتَمِلٌ عَلَى بَابَيْنِ. أَحَدُهُمَا فِي أَرْكَانِهِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا: الزَّوْجَانِ، فَيَصِحُّ الظِّهَارُ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ سَلِيمًا. وَظِهَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بَاطِلٌ، وَظِهَارُ السَّكْرَانِ كَطَلَاقِهِ. وَمَنْ لَحِقَهَا الطَّلَاقُ، صَحَّ الظِّهَارُ مِنْهَا، سَوَاءٌ فِيهِ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ، وَالصَّغِيرَةُ وَالْمَجْنُونَةُ، وَالذِّمِّيَّةُ وَالرَّتْقَاءُ، وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ شُبْهَةٍ، وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ وَغَيْرُهُنَّ.
وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إِذَا نَكَحْتُكِ، فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، لَمْ يَصِحَّ، وَيَجِيءُ فِيهِ الْقَوْلُ الشَّاذُّ فِي مِثْلِهِ فِي الطَّلَاقِ، وَلَا يَصِحُّ الظِّهَارُ مِنَ الْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ.
فَرْعٌ
يُتَصَوَّرُ مِنَ الذِّمِّيِّ الْإِعْتَاقُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، بِأَنْ يَرِثَ عَبْدًا مُسْلِمًا، أَوْ يَكُونَ لَهُ عَبْدٌ كَافِرٌ فَيَسْلِمُ، أَوْ يَقُولَ لِمُسْلِمٍ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ الْمُسْلِمَ عَنْ كَفَّارَتِي، فَيُجِيبُهُ، أَوْ يَشْتَرِي عَبْدًا مُسْلِمًا إِنْ جَوَّزْنَاهُمَا، فَإِنْ لَمْ نُجَوِّزِ الشِّرَاءَ وَتَعَذَّرَ تَحْصِيلُهُ، فَمَا دَامَ مُوسِرًا لَا يُبَاحُ لَهُ الْوَطْءُ. وَيُقَالُ لَهُ: إِنْ أَرَدْتَ الْوَطْءَ، فَأَسْلِمْ وَأَعْتِقْ، لِأَنَّ الرَّقَبَةَ مَوْجُودَةٌ وَالتَّعَذُّرُ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الصَّوْمِ، لَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ إِلَى الْإِطْعَامِ، لِأَنَّهُ يُمَكِنُهُ أَنْ يُسْلِمَ وَيَصُومَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ لِمَرَضٍ أَوْ هَرَمٍ، فَحِينَئِذٍ يُطْعِمُ فِي كُفْرِهِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحَبَا «التَّهْذِيبِ» وَ «التَّتِمَّةِ» ، وَحَكَاهُ الْإِمَامُ عَنِ الْقَاضِي، وَتَرَدَّدَ فِيهِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ الذِّمِّيَّ مُقِرٌّ عَلَى دِينِهِ، فَحَمْلُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعِيدٌ، وَجَوَابُهُ، أَنَّا لَا نَحْمِلُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، بَلْ نَقُولُ: لَا نُمَكِّنُكَ مِنَ الْوَطْءِ إِلَّا هَكَذَا، فَإِمَّا أَنْ تَتْرُكَهُ، وَإِمَّا أَنْ تَسْلُكَ طَرِيقَ الْحِلِّ.
الرُّكْنُ الثَّانِي:
الصِّيغَةُ، فَصَرِيحُ الظِّهَارِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَفِي مَعْنَاهُ سَائِرُ الصِّلَاتِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ مَعِي أَوْ عِنْدِي، أَوْ مِنِّي أَوْ لِي كَظَهْرِ أُمِّي. وَكَذَا لَوْ تَرَكَ الصِّلَةَ فَقَالَ: أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي، وَعَنِ الدَّارَكِيِّ: أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ الصِّلَةَ، كَانَ كِنَايَةً، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يُرِيدُ: أَنْتِ مُحَرَّمَةٌ عَلَى غَيْرِي، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ:«أَنْتِ طَالِقٌ» صَرِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: مِنِّي، وَمَتَى أَتَى بِصَرِيحِ الظِّهَارِ، وَقَالَ: أَرَدْتُ غَيْرَهُ، لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا لَوْ أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَادَّعَى غَيْرَهُ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى.
فَرْعٌ
قَوْلُهُ: جُمْلَتُكِ، أَوْ نَفْسُكِ، أَوْ ذَاتُكِ، أَوْ جِسْمُكِ، أَوْ بَدَنُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَكَذَا قَوْلُهُ: أَنْتِ عَلَيَّ كَبَدَنِ أُمِّي أَوْ جِسْمِهَا، أَوْ ذَاتِهَا، لِدُخُولِ الظَّهْرِ فِيهَا.
فَرْعٌ
إِذَا شَبَّهَهَا بِبَعْضِ أَجْزَاءِ الْأُمِّ غَيْرِ الظَّهْرِ نُظِرَ، إِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُذْكَرُ فِي مَعْرِضِ الْكَرَامَةِ وَالْإِعْزَازِ، كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَالصَّدْرِ وَالْبَطْنِ، وَالْفَرْجِ وَالشَّعْرِ، فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا وَهُوَ الْجَدِيدُ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الْقَدِيمِ: أَنَّهُ ظِهَارٌ. وَقِيلَ: ظِهَارٌ قَطْعًا، وَقِيلَ: التَّشْبِيهُ بِالْفَرْجِ ظِهَارٌ قَطْعًا، وَالْبَاقِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُذْكَرُ فِي مَعْرِضِ الْإِعْزَازِ وَالْإِكْرَامِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَعَيْنِ أُمِّي، فَإِنْ أَرَادَ الْكَرَامَةَ، فَلَيْسَ بِظِهَارٍ، وَإِنْ أَرَادَ الظِّهَارَ، فَظِهَارٌ [قَطْعًا] تَفْرِيعًا عَلَى الْجَدِيدِ فِي قَوْلِهِ: كَصَدْرِ أُمِّي، وَإِنْ أَطْلَقَ، فَعَلَى أَيِّهِمَا يُحْمَلُ؟ وَجْهَانِ. اخْتَارَ الْقَفَّالُ الْإِكْرَامَ، وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ، أَنَّهُ ظِهَارٌ، وَأَشَارَ الْبَغَوِيُّ إِلَى تَرْجِيحِهِ، وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ. وَلَوْ قَالَ: كَرُوحِ أُمِّي، فَكَقَوْلِهِ: كَعَيْنِ أُمِّي، قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَعَنِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ لَيْسَ بِظِهَارٍ وَلَا كِنَايَةٍ، وَالتَّشْبِيهُ بِرَأْسِ الْأُمِّ كَهُوَ بِالْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ، وَقِيلَ: كَالْعَيْنِ، وَبِهِ أَجَابَ السَّرَخْسِيُّ، وَهُوَ أَقْرَبُ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي، أَوْ مِثْلُ أُمِّي، فَإِنْ أَرَادَ الظِّهَارَ، فَظِهَارٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْكَرَامَةَ، فَلَا، وَإِنْ أَطْلَقَ، فَلَيْسَ بِظِهَارٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ.
فَرْعٌ
لَوْ شَبَّهَ بَعْضَ الزَّوْجَةِ فَقَالَ: رَأْسُكِ أَوْ يَدُكِ، أَوْ ظَهْرُكِ، أَوْ فَرْجُكِ، أَوْ جِلْدُكِ، أَوْ شَعْرُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ نِصْفُكِ، أَمْ رُبْعُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَهُوَ ظِهَارٌ، وَيَجِيءُ فِيهِ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ، وَلَوْ شَبَّهَ بَعْضَهَا بِبَعْضِهَا فَقَالَ: رَأْسُكِ عَلَيَّ كَيْدِ أُمِّي، فَهُوَ ظِهَارٌ، وَيَجِيءُ فِيهِ الْقَدِيمُ.
فَرْعٌ
قَالَ الْأَصْحَابُ: مَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ، يَصِحُّ إِضَافَتُهُ إِلَى بَعْضِ مَحَلِّ
ذَلِكَ التَّصَرُّفِ، كَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَمَا لَا يَقْبَلُهُ، لَا تَصِحُّ إِضَافَتُهُ إِلَى بَعْضِ الْمَحَلِّ، كَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ. وَأَمَّا الْإِيلَاءُ، فَإِنْ أَضَافَهُ إِلَى الْفَرْجِ فَقَالَ: لَا أُجَامِعُ فَرْجَكِ، كَانَ مُؤْلِيًا، وَإِنْ أَضَافَ إِلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ غَيْرَ الْفَرْجِ، لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا، وَإِنْ قَالَ: لَا أُجَامِعُ بَعْضَكِ، لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْبَعْضِ الْفَرْجَ، وَإِنْ قَالَ: لَا أُجَامِعُ نِصْفَكِ، فَقَدْ أَطْلَقَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، أَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤْلٍ قَالَ الْإِمَامُ: إِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، فَظَاهِرٌ، أَمَّا إِذَا نَوَى، فَفِيهِ احْتِمَالٌ، لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ تَرْكِ الْجِمَاعِ فِي النِّصْفِ تَرْكَهُ فِي الْجَمِيعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ.
قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ: لَا أُجَامِعُ نِصْفَكِ الْأَسْفَلَ، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْإِيلَاءِ، ذَكَرَهُ فِي «الْوَسِيطِ» . وَالْمُرَادُ بِالْفَرْجِ الْمَذْكُورِ، الْقُبُلُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْمُشَبَّهُ بِهِ أَصْلُ الظِّهَارِ، تَشْبِيهُ الزَّوْجَةِ بِظَهْرِ الْأُمِّ، وَلَوْ شَبَّهَهَا بِجَدَّةٍ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوِ الْأُمِّ، فَهُوَ ظِهَارٌ قَطْعًا، هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ.
وَقِيلَ: فِيهِ خِلَافٌ كَالتَّشْبِيهِ بِالْبِنْتِ. وَأَمَّا غَيْرُ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ مِنَ الْمَحَارِمِ، فَقِسْمَانِ. أَحَدُهُمَا: مُحَرَّمَاتٌ بِالنَّسَبِ، كَالْبَنَاتِ، وَالْأَخَوَاتِ، وَالْعَمَّاتِ، وَالْخَالَاتِ، وَبَنَاتِ الْأُخْتِ. فَإِذَا شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِظَهْرِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَقَوْلَانِ، الْجَدِيدُ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الْقَدِيمِ: أَنَّهُ ظِهَارٌ، وَالثَّانِي: لَا، لِلْعُدُولِ عَنِ الْمَعْهُودِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْمُحَرَّمَاتُ بِالسَّبَبِ، وَهُنَّ ضَرْبَانِ، مُحَرَّمَاتٌ بِالرَّضَاعِ، وَمُحَرَّمَاتٌ بِالْمُصَاهَرَةِ، وَفِيهِنَّ خِلَافٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَقْوَالٍ، وَطُرُقٍ، وَأَوْجُهٍ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ: أَنَّ التَّشْبِيهَ بِمَنْ لَمْ تَزَلْ مِنْهُنَّ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ ظِهَارٌ، وَبِمَا كَانَتْ حَلَالًا لَهُ ثُمَّ حُرِّمَتْ، لَيْسَ بِظِهَارٍ، وَإِذَا اخْتَصَرْتُ الْخِلَافَ فِي الْجَمِيعِ، جَاءَ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ وَأَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: اقْتِصَارُ الظِّهَارُ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْأُمِّ. وَالثَّانِي: إِلْحَاقُ الْجَدَّاتِ