الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرْعٌ
سَوَاءٌ فِي صِحَّةِ الْإِيلَاءِ، الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ، وَالْكَافِرُ وَأَضْدَادُهُمْ، وَلَا يَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ بِإِسْلَامِ الْكَافِرِ، وَإِذَا تَرَافَعَ إِلَيْنَا ذِمِّيَّانِ وَقَدْ آلَى، فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ، حُكِمَ بِشَرْعِنَا، وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ، لَمْ يَجْبُرِ الْحَاكِمُ الزَّوْجَ عَلَى الْفَيْئَةِ، وَلَا الطَّلَاقِ، وَلَمْ تُطَلَّقْ عَلَيْهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ، لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِنَّمَا يَجُوزُ بِرِضَاهُمَا، فَإِذَا لَمْ يَرْضَيَا، رَدَدْنَاهُمَا إِلَى حَاكِمِهِمْ.
فَرْعٌ
يَصِحُّ إِيلَاءُ الْمَرِيضِ وَالْخَصِيِّ، وَمَنْ بَقِيَ مِنْ ذَكَرِهِ قَدْرُ الْحَشَفَةِ، وَالْعَرَبِيِّ بِالْعَجَمِيَّةِ، وَعَكْسِهِ، إِذَا عَرَفَ مَعْنَى اللَّفْظِ.
الرُّكْنُ الثَّانِي: الْمَحْلُوفُ بِهِ الِامْتِنَاعُ مِنَ الْوَطْءِ بِلَا يَمِينٍ، لَا يُثْبِتُ حَكَمَ الْإِيلَاءِ، وَسَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ أَمْ لَا، وَإِذَا حَلَفَ لَا يَطَؤُهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ طَالَبَتْهُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَوَطِئَ، لَزِمَهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْجَدِيدُ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الْقَدِيمِ. وَالثَّانِي: لَا كَفَّارَةَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:(فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الْبَقَرَةِ: 227] . فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَقِيلَ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ قَطْعًا، لِأَنَّهُ حَنِثَ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ إِلْزَامٍ. وَقِيلَ: بِطَرْدِ الْخِلَافِ، لِأَنَّهُ بَادَرَ إِلَى مَا يُطَالِبُ بِهِ. وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَهَا، ثُمَّ وَطِئَ، لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ قَطْعًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤْلٍ، وَقِيلَ: بِطَرْدِ الْخِلَافِ، وَهُوَ بَعِيدٌ.
فَصْلٌ
هَلْ يَخْتَصُّ الْإِيلَاءُ بِالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. الْقَدِيمُ: نَعَمْ. وَالْجَدِيدُ الْأَظْهَرُ: لَا، بَلْ إِذَا قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَعَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ أَوْ حَجٌّ، أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ، أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ فَضَرَّتُكِ طَالِقٌ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، كَانَ
مُؤْلِيًا، وَشَرْطُ انْعِقَادِهِ بِهَذِهِ الِالْتِزَامَاتِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لَوْ وَطِئَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَلَوْ كَانَتِ الْيَمِينُ تَنْحَلُّ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، لَمْ تَنْعَقِدْ. فَلَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَعَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ هَذَا الشَّهْرَ أَوْ أَصُومَهُ أَوْ أَصُومَ الشَّهْرَ الْفُلَانِيَّ، وَهُوَ يَنْقَضِي قَبْلَ مُجَاوَزَةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْيَمِينِ، لَمْ يَنْعَقِدِ الْإِيلَاءُ، فَلَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ، أَوِ الشَّهْرِ الْفُلَانِيِّ، وَهُوَ يَتَأَخَّرُ عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَهُوَ مُؤْلٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَعَلَيَّ صَوْمُ الشَّهْرِ الَّذِي أَطَأُ فِيهِ، وَيَلْزَمُهُ صَوْمُ بَقِيَّةِ ذَلِكَ الشَّهْرِ إِنْ أَوْجَبْنَا فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ الْوَفَاءَ بِالْمُلْتَزَمِ.
وَفِي قَضَاءِ الْيَوْمِ الَّذِي وَطِئَ فِيهِ، وَجْهَانِ مَأْخُوذَانِ مِنَ الْخِلَافِ، فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدُمُ فِيهِ زِيدٌ. وَلَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ، فَهُوَ مُؤْلٍ إِنْ بَقِيَ مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَكُلُّ عَبْدٍ يَدْخُلُ فِي مِلْكِي حُرٌّ، فَهُوَ لَغْوٌ، لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ لَغْوٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَكِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ شَيْءٌ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ بَعْدَ سَنَةٍ، فَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ: هُوَ مُؤْلٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْإِمَامُ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إِذَا قَالَ: إِنْ أَصَبْتُكِ، فَوَاللَّهِ لَا أَصَبْتُكِ، فَيَكُونُ الرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ، كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا أَوْجَهُ.
فَرْعٌ
فِي مَسَائِلَ تَتَفَرَّعُ عَلَى الْجَدِيدِ
إِحْدَاهَا: قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَعَبْدِي حُرٌّ، فَمَاتَ الْعَبْدُ أَوْ أَعْتَقَهُ، انْحَلَّ الْإِيلَاءُ، فَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا، فَكَذَلِكَ، فَإِنْ مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَفِي عَوْدِ الْإِيلَاءِ قَوْلَا عَوْدِ الْحِنْثِ، وَلَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ، لَمْ يَنْحَلَّ الْإِيلَاءُ، لِأَنَّهُ يُعْتَقُ لَوْ وَطِئَهَا، وَكَذَا لَوْ عَلَّقَ بِالْوَطْءِ عِتْقَ جَارِيَةٍ ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا.
الثَّانِيَةُ: قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَعَبْدِي حُرٌّ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ، فَإِنَّمَا يَصِيرُ مُؤْلِيًا إِذَا
مَضَى شَهْرٌ مِنْ وَقْتِ تَلَفُّظِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ تَمَامِ شَهْرٍ، لَمْ يُعْتَقْ، وَيَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ بِذَلِكَ الْوَطْءِ، فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ وَلَمْ يَطَأْ، ضُرِبَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ، وَيُطَالَبْ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ، هَكَذَا قَالُوهُ، وَيَجِيءُ فِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ قَبْلَ الشَّهْرِ عَتَقَ كَمَا سَبَقَ فِي نَطِيرِهِ مِنَ الطَّلَاقِ، فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ. فَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ، فَوَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ بِالْفَيْأَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، حُكِمَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ، وَإِنْ طَلَّقَهَا حِينَ طُولِبَ، ثُمَّ رَاجَعَهَا، ضُرِبَتِ الْمُدَّةُ مَرَّةً أُخْرَى. وَإِنْ جَدَّدَ نِكَاحَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ، فَفِي عَوْدِ الْإِيلَاءِ قَوْلَا عَوْدِ الْحِنْثِ، وَإِذَا وَطِئَهَا، حُكِمَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ وَقَعَ الْوَطْءُ عَلَى صُورَةِ الزِّنَا، وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدَ فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ، فَإِنْ وَطِئَ قَبْلَ تَمَامِ شَهْرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ، تَبَيَّنَّا حُصُولَ الْعِتْقِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَإِنْ تَمَّ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ شَهْرٌ وَلَمْ يَطَأِ ارْتَفَعَ الْإِيلَاءُ، لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَحْصُلِ الْعِتْقُ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ لِتَقَدُّمِ الْبَيْعِ عَلَى شَهْرٍ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ. وَحَكَى الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَجْهًا أَنَّهُ يُطَالَبُ بَعْدَ تَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ اللَّفْظِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُطَلِّقُهَا، وَالطَّلَاقُ لَا يَسْتَنِدُ.
الثَّالِثَةُ: قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي، فَإِنْ كَانَ قَدْ ظَاهَرَ، صَارَ مُؤْلِيًا، لِأَنَّهُ وَإِنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، فَعِتْقُ ذَلِكَ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ، وَتَعْجِيلُ الْإِعْتَاقِ عَنِ الظِّهَارِ زِيَادَةٌ الْتَزَمَهَا بِالْوَطْءِ، ثُمَّ إِذَا وَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَهَا، فَهَلْ يُعْتَقُ الْعَبْدُ عَنِ الظِّهَارِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، وَطَرَدَ الْخِلَافَ فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ، كَقَوْلِهِ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ، فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ ظَاهَرَ، فَلَا إِيلَاءَ وَلَا ظِهَارَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَكِنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِالظِّهَارِ، فَيُحْكَمُ فِي الظَّاهِرِ بِأَنَّهُ مُظَاهِرٌ وَمُؤْلٍ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا، وَإِذَا وَطِئَ عَادَ فِي وُقُوعِ الْعِتْقِ عَنِ الظِّهَارِ فِي الظَّاهِرِ الْوَجْهَانِ.
وَلَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي إِنْ ظَاهَرْتُ، لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ،
فَإِنْ ظَاهَرَ، صَارَ مُؤْلِيًا، لِأَنَّ الْعِتْقَ يَحْصُلُ حِينَئِذٍ لَوْ وَطِئَ. وَقِيلَ: فِي كَوْنِهِ مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ قَوْلَانِ، لِقُرْبِهِ مِنَ الْحِنْثِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِنِسْوَةٍ: وَاللَّهِ لَا جَامَعْتُكُنَّ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَلَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَعَبْدِي حُرٌّ إِنْ ظَاهَرْتُ، وَلَمْ يَقُلْ: عَنْ ظِهَارِي، كَانَ مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ، فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُؤْلِيًا إِلَّا إِذَا ظَاهَرَ، فَوَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَهَا، حَصَلَ الْعِتْقُ لِوُجُودِ الظِّهَارِ، وَالْوَطْءُ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ، وَلَا يَقَعُ هَذَا الْعِتْقُ عَنِ الظِّهَارِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، وَلِمَ لَا يَقَعُ؟ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ سَبَقَ الظِّهَارَ، وَالْعِتْقُ لَا يَقَعُ عَنِ الظِّهَارِ إِلَّا بِلَفْظٍ يُوجَدُ بَعْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ خَالِصًا عَنِ الظِّهَارِ، لِتَأَدِّي حَقِّ الْحِنْثِ بِهِ، فَأَشْبَهَ عِتْقَ الْقَرِيبِ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَبَنُوا عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ مَا لَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي إِنْ ظَاهَرْتُ، وَكَانَ ظَاهَرَ وَنَسِيَ، فَيَكُونُ مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ، وَإِذَا وَطِئَ، عَتَقَ الْعَبْدُ عَنِ الظِّهَارِ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي.
فَرْعٌ
قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ عَبْدِي هَذَا عَنْ ظِهَارِي، وَكَانَ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَوَجَدَ الْعَوْدَ، فَهَلْ يَكُونُ مُؤْلِيًا؟ يُبْنَى عَلَى أَنَّ مَنْ فِي ذِمَّتِهِ إِعْتَاقُ رَقَبَةٍ فَنَذَرَ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّرِ أَنْ يَعْتِقَ الْعَبْدَ الْفُلَانِيَّ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ، هَلْ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الْعَبْدُ أَمْ لَا؟ النَّصُّ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ: يَتَعَيَّنُ، وَاخْتَارَ الْمُزَنِيُّ: أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ، وَخَرَّجَهُ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله، وَعَدَّ الْإِمَامُ هَذَا قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ وَقَالَ: تَخْرِيجُهُ أَوْلَى مِنْ تَخْرِيجِ غَيْرِهِ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ أَنَّ الْقَاضِيَ حُسَيْنًا قَالَ: لَوْ نَذَرَ صَرْفَ زَكَاتِهِ إِلَى مُعَيَّنَيْنِ مِنَ الْأَصْنَافِ، تَعَيَّنُوا، وَأَنَّ الْأَكْثَرِينَ قَالُوا: لَا يَتَعَيَّنُونَ، وَفَرَّقُوا بِقُوَّةِ الْعِتْقِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَتَعَيَّنُ الْعَبْدُ الْمُعَيَّنُ لِلْإِعْتَاقِ، صَارَ
مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ، وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ مُؤْلِيًا، فَإِنْ صَحَّحْنَا الْإِيلَاءَ، فَطَلَّقَ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ خَرَجَ عَنْ مُوجَبِ الْإِيلَاءِ، وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ فِي ذِمَّتِهِ، فَيُعْتَقُ عَنْهَا ذَلِكَ الْعَبْدُ أَوْ غَيْرُهُ. وَإِنْ وَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَهَا، لَزِمَهُ مَا يَلْزَمُ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ، فَإِنْ قُلْنَا: كَفَّارَةُ يَمِينٍ، نُظِرَ، إِنْ أَطْعَمَ أَوْ كَسَا، فَعَلَيْهِ الْإِعْتَاقُ عَنِ الظِّهَارِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَوْ عَبْدًا آخَرَ عَنِ الْيَمِينِ، فَعَلَيْهِ أَيْضًا الْإِعْتَاقُ عَنِ الظِّهَارِ. وَإِنْ قُلْنَا: عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى، أَوْ خَيَّرْنَاهُ فَاخْتَارَ الْوَفَاءَ وَأَعْتَقَ ذَلِكَ الْعَبْدَ عَنْ ظِهَارِهِ، خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ الْيَمِينِ. وَفِي إِجْزَائِهِ عَنِ الظِّهَارِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْإِجْزَاءُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فَأَنْتِ ثَلَاثًا، فَيُطَالَبُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ. وَفِيمَا يُطَالَبُ بِهِ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ خَيْرَانَ: يُطَالَبُ بِالطَّلَاقِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَيُمْنَعُ الْوَطْءَ، وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ: يُطَالَبُ بِالْفَيْأَةِ، أَوِ الطَّلَاقِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنَ الْوَطْءِ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ، وَيُقَالُ لَهُ: عَلَيْكَ النَّزْعُ بِمُجَرَّدِ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ، فَإِنْ وَطِئَ قَبْلَ الْمُدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَنَزَعَ بِمُجَرَّدِ تَغَيُّبِ الْحَشَفَةِ، فَذَاكَ، وَإِنْ مَكَثَ، فَلَا حَدَّ عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّ أَوَّلَ الْوَطْءِ مُبَاحٌ.
وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا، أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ إِذَا عَلِمَ تَحْرِيمَهُ، وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ. وَإِنْ نَزَعَ ثُمَّ أَوْلَجَ، فَلَا حَدَّ إِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً، وَحُكْمُ الْمَهْرِ كَمَا سَبَقَ فِي الرَّجْعِيَّةِ. وَإِنْ كَانَ عَلَّقَ بِهِ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ، فَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ بِالتَّحْرِيمِ، بِأَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إِلَّا بِاسْتِيعَابِ الْوَطْءِ فِي الْمَجْلِسِ، فَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ، وَيَجِبُ الْمَهْرُ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْعِدَّةُ. وَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِالتَّحْرِيمِ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَجِبُ الْحَدُّ، وَلَا مَهْرَ وَلَا نَسَبَ وَلَا عِدَّةَ.
وَالثَّانِي: عَكْسُهُ. وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ، وَجَهِلَتْهُ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا وَلَهَا الْمَهْرُ، وَكَذَا لَوْ عَلِمَتْ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى دَفْعِ الزَّوْجِ، وَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ الْوَجْهَانِ، وَإِنْ جَهِلَ هُوَ التَّحْرِيمَ وَعَلِمَتْهُ وَقَدَرَتْ عَلَى الدَّفْعِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْحَدُّ وَلَا مَهْرَ لَهَا.
فَرْعٌ
قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَعَ بِالْوَطْءِ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، سَوَاءٌ قُلْنَا: الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِالصِّفَةِ يَقَعُ بَعْدَهَا أَمْ مَعَهَا.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَضَرَّتُكِ طَالِقٌ، فَهُوَ مُؤْلٍ عَنِ الْمُخَاطَبِ، وَمُعَلِّقٌ طَلَاقَ الضَّرَّةِ، فَإِنْ وَطِئَ الْمُخَاطَبَةَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، طُلِّقَتِ الضَّرَّةُ، وَانْحَلَّ الْإِيلَاءُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ وَلَمْ يَطَأْهَا، سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ وَلَمْ يَطَأْهَا، وَخَرَجَ عَنْ مُوجَبِ الْإِيلَاءِ، فَإِنْ رَاجَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَادَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ، وَهَذَا حُكْمُ كُلِّ إِيلَاءٍ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ بَانَتْ فَجَدَّدَ نِكَاحَهَا، فَفِي عَوْدِ الْإِيلَاءِ أَقْوَالُ عَوْدِ الْحِنْثِ، وَهَذَا يَشْمَلُ كُلَّ إِيلَاءٍ، فَإِنْ قُلْنَا: يَعُودُ، اسْتُؤْنِفَتِ الْمُدَّةُ مِنْ يَوْمِ النِّكَاحِ، نَصَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ. وَسَوَاءٌ قُلْنَا: يَعُودُ الْإِيلَاءُ أَمْ لَا، فَطَلَاقُ الضَّرَّةِ يَبْقَى مُعَلَّقًا بِوَطْءِ الْمُخَاطَبَةِ، حَتَّى لَوْ وَطِئَ الْمُخَاطَبَةَ بَعْدَ الرَّجْعَةِ أَوِ التَّجْدِيدِ، وَقَعَ بِلَا خِلَافٍ. وَكَذَا لَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ بَائِنٌ زَانِيًا، وَلَا يَعُودُ الْإِيلَاءُ لَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ بِوَطْءِ الزِّنَا. وَلَوْ مَاتَتِ الضَّرَّةُ، انْحَلَّ الْإِيلَاءُ، وَلَوْ طَلَّقَهَا، لَمْ يَرْتَفِعِ الْإِيلَاءُ وَلَا الْمُطَالَبَةُ مَا دَامَتْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ، لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الْمُخَاطَبَةَ لَطُلِّقَتْ، فَإِذَا انْقَضَتْ أَوْ أَبَانَ الضَّرَّةَ، ابْتَدَأَ بِخُلْعٍ أَوِ اسْتِيفَاءِ عِدَدٍ أَوْ طَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ، ارْتَفَعَ الْإِيلَاءُ وَسَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ، لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ. ثُمَّ إِنْ وَطِئَ الْمُخَاطَبَةَ، انْحَلَّتِ الْيَمِينُ، وَلَا يَعُودُ إِيلَاؤُهَا لَوْ نَكَحَ الضَّرَّةَ، وَإِنْ نَكَحَ الضَّرَّةَ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا، فَعَلَى الْخِلَافِ فِي عَوْدِ الْحِنْثِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَعُودُ، لَمْ يَعُدِ الْإِيلَاءُ، وَإِلَّا فَيَعُودُ، وَإِذَا أَعَدْنَاهُ، فَهَلْ يَسْتَأْنِفُ الْمُدَّةَ، أَمْ يَبْنِي؟ وَجْهَانِ، اخْتَارَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْبِنَاءَ، وَقَطَعَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِالِاسْتِئْنَافِ، وَهُوَ أَصَحُّ. الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إِنْ وَطِئْتُ إِحْدَاكُمَا، فَالْأُخْرَى طَالِقٌ،
فَإِمَّا أَنْ يُعَيِّنَ بِقَلْبِهِ وَاحِدَةً، وَإِمَّا لَا، فَإِنْ عَيَّنَ، فَهُوَ مُؤْلٍ مِنْهَا وَحْدَهَا، لَكِنَّ الْأَمْرَ فِي الظَّاهِرِ مُبْهَمٌ، فَيُقَالُ لَهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ: بَيِّنِ الَّتِي أَرَدْتَهَا، فَإِنْ بَيَّنَ، فَلَهَا مُطَالَبَتُهُ بِالْفَيْأَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْأُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَطَالَبَتَاهُ جَمِيعًا، قَالَ لَهُ الْقَاضِي: فِئْ إِلَى الَّتِي آلَيْتَ مِنْهَا، أَوْ طَلِّقْهَا، فَإِنِ امْتَنَعَ، طَلَّقَ الْقَاضِي إِحْدَاهُمَا عَلَى الْإِبْهَامِ، تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُطَلِّقُ عَلَى الْمُؤْلِي إِذَا امْتَنَعَ، هَكَذَا قَالَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْقَفَّالُ، قَالَ: لَا يُطَلِّقُ الْقَاضِي إِحْدَاهُمَا مُبْهَمَةً، لِأَنَّهُمَا مُعْتَرِفَتَانِ بِالْإِشْكَالِ، فَدَعْوَاهُمَا غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ، كَمَا لَوْ حَضَرَ رَجُلَانِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَقَالَ: لِأَحَدِنَا عَلَى هَذَا أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَزَادَ الْمُتَوَلِّي فَقَالَ: هَذَا إِذَا جَاءَتَا مَعًا وَادَّعَتَا كَذَلِكَ، فَلَوِ انْفَرَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ، وَقَالَتْ: آلَى مِنِّي، فَإِنْ أَقَرَّ بِمَا قَالَتَا، أَخَذَ بِمُوجِبِ إِقْرَارِهِ، وَإِنْ كَذَّبَ الْأُولَى، تَعَيَّنَ الْإِيلَاءُ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَصْحَابِ: قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ صَحِيحٌ، لِحُصُولِ الضَّرَرِ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى إِهْمَالِ الْوَاقِعَةِ، وَلَا إِلَى طَلَاقِ مُعَيَّنَةٍ، فَعَلَى هَذَا، إِذَا طَلَّقَ الْقَاضِي، فَقَالَ الزَّوْجُ: رَاجَعْتُ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ، فَفِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي الرَّجْعَةِ، وَبِالصِّحَّةِ أَجَابَ ابْنُ الْحَدَّادِ، فَعَلَى هَذَا تُضْرَبُ الْمُدَّةُ مَرَّةً أُخْرَى، وَيُطَلِّقُ الْقَاضِي مَرَّةً أُخْرَى عَلَى الْإِبْهَامِ، وَهَكَذَا إِلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّلَاثَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَصِحُّ عَلَى الْإِبْهَامِ، بَلْ تُبَيَّنُ الْمُطَلَّقَةُ، ثُمَّ يُرَاجِعُهَا إِنْ شَاءَ. فَلَوْ وَطِئَ إِحْدَاهُمَا قَبْلَ الْبَيَانِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: لَا يُحْكَمُ بِطَلَاقِ الْأُخْرَى، لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَنَّ الَّتِي نَوَاهَا هِيَ الْمَوْطُوءَةُ أَمِ الْأُخْرَى، وَيَبْقَى الْأَمْرُ بِالْبَيَانِ كَمَا كَانَ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الْأُخْرَى، لَمْ تُطَلَّقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، وَتُطَالِبْهُ الْأُخْرَى بِالْفَيْأَةِ أَوِ الطَّلَاقِ.
فَإِنْ وَطِئَهَا، طُلِّقَتِ الْمَوْطُوءَةُ الْأُولَى، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الْإِيلَاءَ مِنَ الْمَوْطُوءَةِ، طُلِّقَتِ الْأُخْرَى، وَخَرَجَ عَنْ مُوجَبِ الْإِيلَاءِ، هَذَا إِذَا عَيَّنَ بِقَلْبِهِ إِحْدَاهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ مُعَيَّنَةً، فَالَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْبَغَوِيُّ،
أَنَّهُ يَكُونُ مُؤْلِيًا مِنْهُمَا جَمِيعًا، لِأَنَّ أَيَّةَ وَاحِدَةٍ وَطْئِهَا طُلِّقَتِ الْأُخْرَى، وَلَحِقَهُ الضَّرَرُ. وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: تَكُونُ مُؤْلِيًا مِنْ وَاحِدَةٍ، وَيُؤْمَرُ بِالتَّعْيِينِ. كَمَا فِي الطَّلَاقِ، وَسَيَأْتِي مِثْلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا لَوْ قَالَ لِنِسْوَةٍ: لَا جَامَعْتُ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ، وَلَمْ يَنْوِ، ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ بِنَاءً عَلَى جَوَابِهِ، أَنَّهُ إِذَا طُولِبَ بِالْفَيْأَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، فَوَطِئَ إِحْدَاهُمَا، طُلِّقَتِ الْأُخْرَى وَتَخَلَّصَ مِنَ الْإِيلَائَيْنِ، وَلَوْ طَلَّقَ إِحْدَاهُمَا، لَمْ يَسْقُطْ حُكْمُ الْإِيلَاءِ فِي الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ بِالْوَطْءِ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَلَا تَنْحَلُّ بِالطَّلَاقِ. حَتَّى لَوْ وَطِئَ الَّتِي لَمْ يُطَلِّقْهَا، وَقَعَتْ طَلْقَةٌ أُخْرَى عَلَى الَّتِي طَلَّقَهَا إِذَا كَانَتْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعَةِ. وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا وَطِئْتُ إِحْدَاكُمَا، فَالْأُخْرَى طَالِقٌ، وَوَطِئَ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ إِحْدَاهُمَا، طُلِّقَتِ الْأُخْرَى وَتَخَلَّصَ عَنِ الْإِيلَاءِ فِي حَقِّ الْمَوْطُوءَةِ، وَلَا يَتَخَلَّصُ بِالْكُلِّيَّةِ فِي حَقِّ الْأُخْرَى وَإِنْ سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ فِي الْحَالِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَإِذَا رَاجَعَهَا، عَادَ فِيهَا الْإِيلَاءُ. وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ كَلَامَ ابْنِ الْحَدَّادِ ثُمَّ قَالَ: وَمِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: يَكُونُ مُؤْلِيًا مِنْهُمَا جَمِيعًا، قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا إِذَا عَيَّنَ وَاحِدَةً بِقَلْبِهِ، وَمَا إِذَا لَمْ يُعَيِّنْ، وَلَا وَجْهَ لِكَوْنِهِ مُؤْلِيًا مِنْهُمَا مَعَ تَعْيِينِ وَاحِدَةٍ بِقَلْبِهِ بِحَالٍ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: سَبَقَ أَنَّ الْمُؤْلِيَ مَنْ عَلَّقَ بِالْوَطْءِ مَانِعًا مِنْهُ، مَنْ حَنِثَ فِي يَمِينٍ، أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ وَنَحْوِهَا، فَلَوْ لَمْ يَتَعَلَّقِ الْحِنْثُ بِالْوَطْءِ، بَلْ كَانَ مُقَرَّبًا مِنْهُ، فَقَوْلَانِ، الْمَشْهُورُ وَهُوَ الْجَدِيدُ، وَأُخْرَى قَوْلَيِ الْقَدِيمِ: لَا يَكُونُ مُؤْلِيًا. وَالثَّانِي مِنْ قَوْلَيِ الْقَدِيمِ: يَكُونُ مُؤْلِيًا، فَإِذَا قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ: وَاللَّهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ، لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا بِجِمَاعِهِنَّ كُلِّهِنَّ، وَإِذَا وَطَأْهُنَّ، لَزِمَهُ كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاحِدَةٌ. وَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُنَّ قَبْلَ الْوَطْءِ، انْحَلَّتِ الْيَمِينُ، لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ امْتِنَاعُ الْحِنْثِ، وَلَا نَظَرَ إِلَى تَصَوُّرِ الْإِيلَاجِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّ اسْمَ الْوَطْءِ يَقَعُ
مُطْلَقُهُ عَلَى مَا فِي الْحَيَاةِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْبِرَّ وَالْحِنْثَ، يَتَعَلَّقَانِ بِوَطْءِ الْمَيِّتَةِ. وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى وَجْهٍ فَارِقٍ بَيْنَ مَا قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ، وَلَا أَثَرَ لِمَوْتِ بَعْضِهِنَّ بَعْدَ الْوَطْءِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَالَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ كَهُوَ فِي الْقُبُلِ فِي حُصُولِ الْحِنْثِ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ «الْحَاوِي» وَ «الْبَيَانِ» عَنِ الْأَصْحَابِ فِي الْقَاعِدَةِ الَّتِي قَدَّمْتُهَا، أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا: الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ كَهُوَ فِي الْقُبُلِ، إِلَّا فِي سَبْعَةِ أَحْكَامٍ أَوْ خَمْسَةٍ، لَيْسَتِ الْيَمِينُ مِنْهَا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ طَلَّقَهُنَّ أَوْ بَعْضَهُنَّ قَبْلَ الْوَطْءِ، لَمْ تَنْحَلَّ الْيَمِينُ، بَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَإِنْ كَانَ زِنًا، هَذَا حُكْمُ الْيَمِينِ، وَأَمَّا الْإِيلَاءُ، فَفِيهِ طُرُقٌ، الْمَذْهَبُ مِنْهَا: لَا يَكُونُ مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ، فَإِنْ وَطِئَ ثَلَاثًا مِنْهُنَّ، صَارَ مُؤْلِيًا مِنَ الرَّابِعَةِ.
وَفِي قَوْلٍ: يَكُونُ مُؤْلِيًا مِنَ الْجَمِيعِ فِي الْحَالِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ مَاتَ بَعْضُهُنَّ قَبْلَ الْوَطْءِ، ارْتَفَعَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ، لِحُصُولِ الْيَأْسِ مِنَ الْحِنْثِ. وَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُنَّ بَعْدَ الْوَطْءِ، لَمْ يَرْتَفِعْ، وَلَوْ طَلَّقَ بَعْضَهُنَّ قَبْلَ الْوَطْءِ أَوْ بَعْدَهُ، فَكَذَلِكَ، حَتَّى لَوْ أَبَانَ ثَلَاثًا مِنْهُنَّ وَوَطَأَهُنَّ فِي الْبَيْنُونَةِ زَانِيًا، صَارَ مُؤْلِيًا مِنَ الْبَاقِيَةِ. وَلَوْ أَبَانَ وَاحِدَةً قَبْلَ الْوَطْءِ، وَوَطِئَ الثَّلَاثَ فِي النِّكَاحِ، ثُمَّ نَكَحَ الْمُطَلَّقَةَ، فَفِي عَوْدِ الْإِيلَاءِ قَوْلَا عَوْدِ الْحِنْثِ، وَحُكْمُ الْيَمِينِ بَاقٍ قَطْعًا، حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا، لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ.
وَإِذَا قُلْنَا بِالضَّعِيفِ: إِنَّهُ مُؤْلٍ فِي الْحَالِ، ضَرَبْنَا الْمُدَّةَ، وَلِجَمِيعِهِنَّ الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ الْمُدَّةِ. فَإِنْ وَطَأَهُنَّ أَوْ طَلَّقَهُنَّ، تَخَلَّصَ مِنَ الْإِيلَاءِ، وَإِنْ وَطِئَ بَعْضَهُنَّ، ارْتَفَعَ الْإِيلَاءُ فِي حَقِّ مَنْ وَطِئَهَا، وَلَا يَرْتَفِعُ فِي حَقِّ الْمُطَلَّقَةِ، بَلْ إِذَا رَاجَعَهَا ضُرِبَتِ الْمُدَّةُ ثَانِيًا.
فَرْعٌ
قَالَ لِلنِّسْوَةِ الْأَرْبَعِ: وَاللَّهِ لَا أُجَامِعُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ، قَالَ الْأَصْحَابُ: يَكُونُ مُؤْلِيًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَيَتَعَلَّقُ بِوَطْءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ الْحِنْثُ وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ، قَالُوا: تُضْرَبُ الْمُدَّةُ فِي الْحَالِ، فَإِذَا مَضَتْ، فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْمُطَالَبَةُ بِالْفَيْأَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ طَلَّقَهُنَّ، سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ، فَإِنْ رَاجَعَهُنَّ، ضُرِبَتِ الْمُدَّةُ ثَانِيًا، وَإِنَّ طَلَّقَ بَعْضَهُنَّ، فَالْبَاقِيَاتُ عَلَى مُطَالَبَتِهِنَّ.
وَإِنْ وَطِئَ إِحْدَاهُنَّ، انْحَلَّتِ الْيَمِينُ فِي حَقِّ الْبَاقِيَاتِ، وَارْتَفَعَ الْإِيلَاءُ فِيهِنَّ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَقِيلَ: لَا تَنْحَلُّ وَلَا تَرْتَفِعُ، وَجَعَلُوا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا كَلَّمْتُ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ وَنَظَائِرِهِ، هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ، وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: إِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: لَا أُجَامِعُ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَخْصِيصَ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِالْإِيلَاءِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِصَوَاحِبِهَا، فَالْوَجْهُ بَقَاءُ الْإِيلَاءِ فِي الْبَاقِيَاتِ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ هَذِهِ الصُّورَةِ حُكْمَ قَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ عَلَى مَا سَبَقَ.
فَرْعٌ
قَالَ: وَاللَّهِ لَا أُجَامِعُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ يُرِيدَ الِامْتِنَاعَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ، فَيَكُونُ مُؤْلِيًا مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ، وَلَهُنَّ الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ الْمُدَّةِ، فَإِنْ طَلَّقَ بَعْضَهُنَّ، بَقِيَ الْإِيلَاءُ فِي حَقِّ الْبَاقِيَاتِ، وَإِنْ وَطِئَ بَعْضَهُنَّ، حَصَلَ الْحِنْثُ، لِأَنَّهُ خَالَفَ قَوْلَهُ: لَا أَطَأُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ، وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَيَرْتَفِعُ الْإِيلَاءُ فِي حَقِّ الْبَاقِيَاتِ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: أَرَدْتُ الِامْتِنَاعَ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَا غَيْرَ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: لَا يُقْبَلُ، لِلتُّهْمَةِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ قَدْ يُرِيدُ مُعَيَّنَةً، وَقَدْ يُرِيدُ مُبْهَمَةً، فَإِنْ أَرَادَ مُعَيَّنَةً، فَهُوَ مُؤْلٍ مِنْهَا، وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ، فَإِذَا بَيَّنَ، وَصَدَّقَهُ الْبَاقِيَاتُ، فَذَاكَ، فَإِنِ ادَّعَتْ غَيْرُ
الْمُعَيَّنَةِ أَنَّهُ أَرَادَهَا، وَأَنْكَرَ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَتِ الْمُدَّعِيَةُ، وَحُكِمَ بِأَنَّهُ مُؤْلٍ مِنْهَا أَيْضًا، فَلَوْ أَقَرَّ فِي جَوَابِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ نَوَاهَا، وَأَخَذْنَاهُ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارَيْنِ، وَطَالَبْنَاهُ بِالْفَيْأَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنِ الْأُولَى، وَإِذَا وَطَأَهُمَا فِي صُورَةِ إِقْرَارِهِ، تَعَدَّدَتِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ وَطَأَهُمَا فِي صُورَةِ نُكُولِهِ وَيَمِينِ الْمُدَّعِيَةِ لَمْ تَتَعَدَّدِ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّ يَمِينَهَا لَا تَصْلُحُ لِإِلْزَامِهِ الْكَفَّارَةُ.
وَلَوِ ادَّعَتْ وَاحِدَةٌ أَوَّلًا، أَنَّكَ أَرَدْتَنِي، فَقَالَ: مَا أَرَدْتُكِ أَوْ مَا آلَيْتُ مِنْكِ، وَأَجَابَ بِمِثْلِهِ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ، تَعَيَّنَتِ الرَّابِعَةُ لِلْإِيلَاءِ، وَإِنْ أَرَادَ وَاحِدَةً مُبْهَمَةً، أُمِرَ بِالتَّعْيِينِ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَيَكُونُ مُؤْلِيًا مِنْ إِحْدَاهُنَّ لَا عَلَى التَّعْيِينِ، فَإِذَا عَيَّنَ وَاحِدَةً، لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهَا الْمُنَازَعَةُ، وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ، أَمْ مِنْ وَقْتِ التَّعْيِينِ؟ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ إِذَا عَيَّنَهُ، هَلْ يَقَعُ مِنَ اللَّفْظِ أَمْ مِنَ التَّعْيِينِ؟ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ، وَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَقَالُوا: تُطَالِبُ إِذَا طَلَبْنَ بِالْفَيْأَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ طَلَبُهُنَّ كُلِّهِنَّ لِيَكُونَ طَلَبُ الْمُؤْلِي مِنْهَا حَاصِلًا، فَإِنِ امْتَنَعَ، طَلَّقَ الْقَاضِي وَاحِدَةً عَلَى الْإِبْهَامِ، وَمُنِعَ مِنْهُنَّ إِلَى أَنْ يُعَيِّنَ الْمُطَلَّقَةَ، وَإِنْ فَاءَ إِلَى وَاحِدَةٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ، أَوْ طَلَّقَ، لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مُوجَبِ الْإِيلَاءِ. وَإِنْ قَالَ: طَلَّقْتُ الَّتِي آلَيْتُ مِنْهَا، خَرَجَ عَنْ مُوجَبِ الْإِيلَاءِ، لَكِنَّ الْمُطَلَّقَةَ مُبْهَمَةٌ، فَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِي الْحَالِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، وَوَرَاءَهُ شَيْئَانِ. أَحَدُهُمَا: قَالَ الْمُتَوَلِّي: إِذَا قَالَ: أَرَدْتُ مُبْهَمَةً، قَالَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ: تُضْرَبُ الْمُدَّةُ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ، فَإِذَا مَضَتْ، ضُيِّقَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ فِي حَقِّ مَنْ طَالَبَ مِنْهُنَّ، لِأَنَّهُ مَا مِنَ امْرَأَةٍ إِلَّا وَيَجُوزُ أَنْ يُعَيَّنَ الْإِيلَاءُ فِيهَا، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ مُؤْلٍ مِنْ جَمِيعِهِنَّ، وَهُوَ بَعِيدٌ. الثَّانِي: حَكَى الْغَزَالِيُّ وَجْهًا، أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُؤْلِيًا مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، حَتَّى يُبَيِّنَ إِنْ أَرَادَ مُعَيَّنَةً، أَوْ يُعَيِّنَ إِنْ أَرَادَ مُبْهَمَةً، لِأَنَّ قَصْدَ الْإِضْرَارِ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ.
وَحَكَى الْإِمَامُ هَذَا الْوَجْهَ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ، فَقَالَ: رَوَى وَجْهًا: أَنَّهُ إِذَا قَالَ: أَرَدْتُ وَاحِدَةً، لَا يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ، وَلَا بِالتَّعْيِينِ، بِخِلَافِ إِبْهَامِ الطَّلَاقِ، لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ خَارِجَةٌ عَنِ النِّكَاحِ، فَإِمْسَاكُهَا مُنْكَرٌ، بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ.
الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يَطْلُقَ اللَّفْظَ، فَلَا يَنْوِي تَعْمِيمًا وَلَا تَخْصِيصًا، فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى التَّعْمِيمِ، أَمْ عَلَى التَّخْصِيصِ بِوَاحِدَةٍ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَالَ: وَاللَّهِ لَا أُجَامِعُكِ سَنَةً إِلَّا مَرَّةً، فَقَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا وَهُوَ الْجَدِيدُ، وَأَحَدُ قَوْلَيِ الْقَدِيمِ: لَا يَكُونُ مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ، فَإِنْ وَطِئَهَا، نُظِرَ، إِنْ بَقِيَ مِن َ السَّنَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَهُوَ مُؤْلٍ مِنْ يَوْمِئِذٍ، وَإِنْ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ فَأَقَلُّ، فَهُوَ حَالِفٌ وَلَيْسَ بِمُؤْلٍ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَكُونُ مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ، فَيُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ. فَإِنْ وَطِئَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْوَطْأَةَ الْأُولَى مُسْتَثْنَاةٌ، وَتُضْرَبُ الْمُدَّةُ ثَانِيًا إِنْ بَقِيَ مِنَ السَّنَةِ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لَوْ قَالَ: لَا أُجَامِعُكِ إِلَّا عَشْرَ مَرَّاتٍ، أَوْ عَدَدًا آخَرَ، فَعَلَى الْأَظْهَرِ: لَا يَكُونُ مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُؤْلِيًا إِذَا وَطِئَ ذَلِكَ الْعَدَدَ وَبَقِيَ مِنَ السَّنَةِ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ، وَعَلَى الضَّعِيفِ: يَكُونُ مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ، وَلَوْ قَالَ: إِنْ أَصَبْتُكِ، فَوَاللَّهِ لَا أَصَبْتُكِ، فَقِيلَ: بِإِجْرَاءِ الْقَوْلَيْنِ فِي كَوْنِهِ مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ، وَالْمَذْهَبُ: الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ هُنَاكَ عَقَدَ الْيَمِينَ فِي الْحَالِ، وَاسْتَثْنَى وَطْأَةً، وَهُنَا الْيَمِينُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ إِذَا أَصَابَهَا، وَإِثْبَاتُ الْإِيلَاءِ قَبْلَ الْيَمِينِ مُمْتَنِعٌ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَوَاللَّهِ لَا دَخَلْتِ الدَّارَ.
وَلَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أُجَامِعُكِ سَنَةً إِلَّا يَوْمًا، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: إِلَّا مَرَّةً. وَلَوْ قَالَ: لَا أُجَامِعُكِ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً، فَتَعْرِيفُ السَّنَةِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يَقْتَضِي السَّنَةَ الْعَرَبِيَّةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا مُدَّةُ الْإِيلَاءِ، فَفِيهِ الْقَوْلَانِ، كَمَا لَوْ قَالَ: سَنَةً، وَإِلَّا فَلَا إِيلَاءَ قَطْعًا.