الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرْعٌ
مَنْ زَنَا مَرَّةً وَهُوَ عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ، أَوْ عَدْلٌ عَفِيفٌ، أَوْ غَيْرُهُمْ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ، ثُمَّ أُعْتِقَ الْعَبْدُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَتَابَ الْآخَرُ، وَحَسُنَتْ أَحْوَالُهُمْ، لَمْ تُعَدَّ حَصَانَتُهُمْ، وَلَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُمْ، سَوَاءً قَذَفَهُمْ بِذَلِكَ الزِّنَا أَوْ بِزِنًا بَعْدَهُ، وَفِيمَا بَعْدَهُ احْتِمَالٌ. وَلَوْ جَرَتْ صُورَةُ الزِّنَا مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ، لَمْ تَسْقُطْ حَصَانَتُهُ، فَمَنْ قَذَفَهُ بَعْدَ الْكَمَالِ، حُدَّ، لِأَنَّ فِعْلَهُمَا لَيْسَ زِنًا لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ.
فَرْعٌ
قَذَفَ زَوْجَتَهُ أَوْ غَيْرَهَا وَعَجَزَ عَنْ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى زِنَا الْمَقْذُوفِ، فَهَلْ لَهُ تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، وَيُقَالُ: وَجْهَانِ. الْمُوَافِقُ لِجَوَابِ الْأَكْثَرِينَ: لَهُ تَحْلِيفُهُ، قَالُوا: وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالزِّنَا وَالتَّحْلِيفَ عَلَى نَفْيِهِ إِلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
قُلْتُ: الْعَجْزُ عَنِ الْبَيِّنَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ مَتَى طُلِبَ يَمِينُهُ، جَاءَ الْخِلَافُ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَلَوْ قَذَفَ مَيِّتًا، وَطَلَبَ وَارِثُهُ الْحَدَّ، وَطَلَبَ الْقَاذِفُ يَمِينَهُ: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مُوَرِّثَهُ زَنَا، نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَنَّهُ يُحَلِّفُهُ، قَالَ: وَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
هَلْ عَلَى الْحَاكِمِ الْبَحْثُ عَنْ إِحْصَانِ الْمَقْذُوفِ لِيُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ، كَمَا عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ لِيَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمْ؟ وَجْهَانِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: نَعَمْ، وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ: لَا، لِأَنَّ الْقَاذِفَ عَاصٍ فَغُلِّظَ عَلَيْهِ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ بِظَاهِرِ الْإِحْصَانِ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي التَّغْلِيظَ.
فَصْلٌ
حَدُّ الْقَذْفِ وَتَعْزِيرُهُ حَقٌّ آدَمِيٌّ، يُوَرَّثُ عَنْهُ، وَيَسْقُطُ بِعَفْوِهِ. وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ:
اقْذِفْنِي، فَقَذَفَهُ، فَوَجْهَانِ. قَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا يَجِبُ، كَمَا لَوْ قَالَ: اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهُ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: يَجِبُ، لِأَنَّ الْقَطْعَ مُبَاحٌ فِي الْجُمْلَةِ، فَقَدْ يَكُونُ مُسْتَحِقَّ الْقَطْعِ. وَأَمَّا الْقَذْفُ، فَلَا يُبَاحُ وَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ زَانِيًا. وَفِيمَنْ يَرِثُ حَدَّ الْقَذْفِ؟ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: جَمِيعُ الْوَرَثَةِ، كَالْمَالِ وَالْقِصَاصِ. وَالثَّانِي: جَمِيعُهُمْ غَيْرَ الزَّوْجَيْنِ. وَالثَّالِثُ: رِجَالُ الْعَصَبَاتِ فَقَطْ، لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الْعَارِ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ. وَالرَّابِعُ: رِجَالُ الْعَصَبَةِ سِوَى الْبَنِينَ كَالتَّزْوِيجِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَرِثُ الزَّوْجَانِ، فَأَنْشَأَ قَذْفَ مَيِّتٍ، فَفِي إِرْثِهِمَا وَجْهَانِ، لِانْقِطَاعِ الْوَصْلَةِ حَالَةَ الْقَذْفِ، وَإِذَا وَرَّثْنَا الِابْنَ، قُدِّمَ عَلَى سَائِرِ الْعَصَبَاتِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْذُوفِ وَارِثٌ خَاصٌّ، فَهَلْ يُقِيمُ السُّلْطَانُ الْحَدَّ؟ قَوْلَانِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ، وَكَمَا لَوْ قَذَفَ مَيِّتًا لَا وَارِثَ لَهُ، أَظْهَرُهُمَا: يُقِيمُهُ.
فَرْعٌ
لَوْ عَفَا بَعْضُ مُسْتَحِقِّي حَدِّ الْقَذْفِ الْمَوْرُوثِ عَنْ حَقِّهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعَفْوِ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا: يَجُوزُ لِمَنْ بَقِيَ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِ الْحَدِّ، لِأَنَّ الْحَدَّ يَثْبُتُ لَهُمْ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ وَحَقِّ الشُّفْعَةِ. وَالثَّانِي: يَسْقُطُ جَمِيعُ الْحَدِّ كَالْقِصَاصِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، إِذْ لَا بَدَلَ هُنَا، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ، وَالثَّالِثُ: يَسْقُطُ نَصِيبُ الْعَافِي وَيُسْتَوْفَى الْبَاقِي، لِأَنَّهُ مُتَوَزِّعٌ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَعَلَى هَذَا، يَسْقُطُ السَّوْطُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ شَرِكَةٌ.
فَرْعٌ
قَذَفَ رَجُلٌ مُوَرِّثَهُ، وَمَاتَ الْمَقْذُوفُ، سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ إِنْ كَانَ حَائِزَ الْإِرْثِ، لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ، بِخِلَافِ الْقَتْلِ. وَلَوْ قَذَفَ أَبَاهُ، فَمَاتَ الْأَبُ وَتَرَكَ الْقَاذِفَ وَابْنًا آخَرَ. فَإِنْ قُلْنَا: إِذَا عَفَا بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ كَانَ لِلْآخَرِ اسْتِيفَاءُ الْجَمِيعِ، فَلِلِابْنِ الْآخَرِ اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ بِتَمَامِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَسْقُطُ الْجَمِيعُ، فَكَذَا هُنَا، وَإِنْ قُلْنَا: يَسْقُطُ نَصِيبُ الْعَافِي، فَلِلِابْنِ الْآخَرِ اسْتِيفَاءُ نِصْفِ الْحَدِّ.
فَرْعٌ
لَوْ جُنَّ الْمَقْذُوفُ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ، لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهِ اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ، بَلْ يُصْبَرُ حَتَّى يُفِيقَ، فَيَسْتَوْفِيَ، أَوْ يَمُوتَ فَيُوَرِّثَ. وَكَذَا لَوْ قَذَفَ الْمَجْنُونَ أَوِ الصَّغِيرَ، وَوَجَبَ التَّعْزِيرُ، لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهِمَا التَّعْزِيرُ، بَلْ يَجِبُ الصَّبْرُ.
فَرْعٌ
إِذَا قُذِفَ الْعَبْدُ وَوَجَبَ التَّعْزِيرُ، فَالطَّلَبُ وَالْعَفْوُ لَهُ لَا لِلسَّيِّدِ، لِأَنَّ عِرْضَهُ لَهُ لَا لِلسَّيِّدِ، حَتَّى لَوْ قَذَفَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ، كَانَ لَهُ رَفْعُهُ إِلَى الْحَاكِمِ لِيُعَزِّرَهُ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ طَلَبُ التَّعْزِيرِ مِنْ سَيِّدِهِ، بَلْ يُقَالُ لَهُ: لَا تَعُدْ، فَإِنَّ عَادَ، عُزِّرَ كَمَا يُعَزَّرُ لَوْ كَلَّفَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ مِنَ الْخِدْمَةِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ حَالُهُ.
فَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ وَقَدِ اسْتَحَقَّ تَعْزِيرًا عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ، فَأَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: يَسْتَوْفِيهِ سَيِّدُهُ، لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ وَجَبَتْ بِالْقَذْفِ، فَلَمْ تَسْقُطْ بِالْمَوْتِ كَالْحَدِّ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِرْثِ، وَلَكِنَّهُ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ، فَمَا ثَبَتَ لَهُ فِي حَيَاتِهِ، يَكُونُ لِسَيِّدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِحَقِّ الْمِلْكِ كَمَالِ الْمُكَاتَبِ. وَالثَّانِي: يَسْتَوْفِيهِ أَقَارِبُهُ، لِأَنَّ الْعَارَ إِنَّمَا يَعُودُ عَلَيْهِمْ. وَالثَّالِثُ: يَسْتَوْفِيهِ السُّلْطَانُ كَحُرٍّ لَا وَارِثَ لَهُ. وَالرَّابِعُ: يَسْقُطُ التَّعْزِيرُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
الْبَابُ الثانِي فِي قَذْفِ الزَّوْجَةِ خَاصَّةً
الزَّوْجُ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي صَرِيحِ الْقَذْفِ وَكِنَايَتِهِ، وَفِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِقَذْفِهَا الْحَدُّ إِنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً، وَالتَّعْزِيرُ إِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُحْصَنَةٍ، إِلَّا أَنَّ الزَّوْجَ يَخْتَصُّ بِأَنَّهُ قَدْ يُبَاحُ لَهُ الْقَذْفُ، وَقَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَبِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَتَخَلَّصُ مِنَ الْعُقُوبَةِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى زِنَا الْمَقْذُوفِ، أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَقْذُوفِ. وَلِلزَّوْجِ طَرِيقٌ ثَالِثٌ إِلَى الْخَلَاصِ، وَهُوَ
اللِّعَانُ. وَكَمَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ عُقُوبَةُ الْقَذْفِ بِاللِّعَانِ، يَجِبُ عَلَيْهَا بِهِ حَدُّ الزِّنَا، وَلَهَا دَفْعُهُ بِلِعَانِهَا. فَصْلٌ
مَتَّى تَيَقَّنَ الزَّوْجُ أَنَّهَا زَنَتْ، بِأَنْ رَآهَا تَزْنِي، جَازَ لَهُ قَذْفُهَا، وَكَذَا إِنْ ظَنَّ زِنَاهَا ظَنًّا مُؤَكَّدًا، بِأَنْ أَقَرَّتْ بِهِ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا، أَوْ سَمِعَهُ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ. قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَالْإِمَامُ: سَوَاءٌ كَانَ الْقَائِلُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، أَمْ لَا، وَاسْتَفَاضَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ فُلَانًا يَزْنِي بِهَا وَلَمْ يُخْبِرْهُ أَحَدٌ عَنْ عِيَانٍ، لَكِنِ انْضَمَّتْ إِلَى الِاسْتِفَاضَةِ قَرِينَةُ الْفَاحِشَةِ، بِأَنْ رَآهُ مَعَهَا فِي خَلْوَةٍ، أَوْ رَآهُ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهَا، فَيَجُوزُ لَهُ الْقَذْفُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي صُورَةِ الِاسْتِفَاضَةِ. إِذَا انْضَمَّتْ إِلَيْهَا الْقَرِينَةُ. وَعَنِ الدَّارَكِيِّ: أَنَّهُ يَجُوزُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِفَاضَةِ. وَعَنِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَجُوزُ بِمُجَرَّدِ الْقَرِينَةِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ: الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ لَوْ رَآهَا مَعَهُ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً فِي مَحَلِّ الرِّيبَةِ، كَانَ ذَلِكَ كَالِاسْتِفَاضَةِ مَعَ الرُّؤْيَةِ مَرَّةً، وَكَذَا لَوْ رَآهَا مَعَهُ تَحْتَ شِعَارٍ عَلَى هَيْئَةٍ مُنْكَرَةٍ، وَتَابَعَهُ عَلَى هَذَا الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ. ثُمَّ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلَدٌ، لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْقَذْفُ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهَا وَيُفَارِقَهَا بِغَيْرِ اللِّعَانِ إِنْ شَاءَ، وَلَوْ أَمْسَكَهَا لَمْ يَحْرُمْ.
قُلْتُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ، فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُلَاعِنَ، بَلْ يُطْلِقَهَا إِنْ كَرِهَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ، هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ النَّفْيُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. قَالَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ: فَإِنْ تَيَقَّنَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهَا زَنَتْ، قَذَفَهَا وَلَاعَنَ، وَإِلَّا فَلَا يَقْذِفُهَا، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْ زَوْجٍ قَبْلَهُ، أَوْ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ. قَالَ الْأَئِمَّةُ: وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْيَقِينُ إِذَا لَمْ يَطَأْهَا أَصْلًا، أَوْ وَطِئَهَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ
أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ، أَوْ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَلَوْ وَطِئَهَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَلِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا بِحَيْضَةٍ، أَوِ اسْتَبْرَأَهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الِاسْتِبْرَاءِ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ النَّفْيُ، وَلَا اعْتِبَارَ بِرِيبَةٍ يَجِدُهَا فِي نَفْسِهِ، أَوْ شُبْهَةٍ تُخَيِّلُ لَهُ فَسَادًا، وَإِنِ اسْتَبْرَأَهَا وَأَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ الِاسْتِبْرَاءِ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَحُدُهَا: يَجُوزُ النَّفْيُ، لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْفِيَهُ، لِأَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَرَى الدَّمَ. وَالثَّانِي: إِنْ رَأَى بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ الْقَرِينَةَ الْمُبِيحَةَ لِلْقَذْفِ، جَازَ النَّفْيُ، بَلْ لَزِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَرَ شَيْئًا، لَمْ يَجُزْ. وَالثَّالِثُ: يَجُوزُ النَّفْيُ، سَوَاءٌ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ وَأَمَارَةٌ، أَمْ لَا، وَلَا يَجِبُ بِحَالٍ لِلِاحْتِمَالِ. وَأَصَحُّ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّانِي، صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ، وَبِالْأَوَّلِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ.
قُلْتُ: جَعَلَ الرَّافِعِيُّ الْأَوْجَهَ فِيمَا إِذَا أَتَتْ بِالْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَكَذَا فَعَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَالْإِمَامُ، وَالْبَغَوِيُّ، وَالْمُتَوَلِّي. وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبَا «الْمُهَذَّبِ» وَ «الْعُدَّةِ» وَآخَرُونَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي سِتَّةِ الْأَشْهُرِ مِنْ حِينِ زَنَى الزَّانِي بِهَا، لِأَنَّ مُسْتَنَدَ اللِّعَانِ زِنَاهُ، فَإِذَا وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ زِنًا، وَلِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ مِنَ الِاسْتِبْرَاءِ، تَيَقَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الزِّنَا، فَيَصِيرُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَلَا يَجُوزُ النَّفْيُ، وَهَذَا أَوْضَحُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ يَطَأُ وَيَعْزِلُ، فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ صَاحِبَا «الْمُهَذَّبِ» وَ «التَّهْذِيبِ» وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّفْيُ بِذَلِكَ، فَقَدْ سَبَقَ الْمَاءُ، وَجَعَلَهُ الْغَزَالِيُّ مُجَوِّزًا لِلنَّفْيِ. وَلَوْ جَامَعَ فِي الدُّبُرِ أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرَجِ، فَلَهُ النَّفْيُ عَلَى الْأَصَحِّ.
فَرْعٌ
لَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لَا يُشْبِهُهُ، نُظِرَ، إِنْ خَالَفَهُ فِي نَقْصِ وَكَمَالِ خِلْقَةٍ، أَوْ حُسْنٍ وَقُبْحٍ وَنَحْوِهَا، حَرُمَ النَّفْيُ، وَإِنْ وَلَدَتْ أَسْوَدَ وَهُمَا أَبْيَضَانِ أَوْ عَكْسَهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ