الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرْعٌ
: قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، أَوْ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ، مَعْنَاهُ: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ. كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَعْنَاهُ: إِنْ شَاءَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، فَالطَّلَاقُ مُعَلَّقٌ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ الطَّلَاقِ، لَا بِمَشِيئَةِ عَدَمِ الطَّلَاقِ، وَعَدَمُ مَشِيئَةِ الطَّلَاقِ تَحْصُلُ بِأَنْ يَشَاءَ عَدَمَ الطَّلَاقِ، أَوْ بِأَنْ لَا يَشَاءَ شَيْئًا أَصْلًا، فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَقَعُ، وَإِنَّمَا لَا يَقَعُ إِذَا شَاءَ زَيْدٌ أَنْ يَقَعَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ أَنْ لَا تُطَلَّقِي، وَعَلَى هَذَا، إِنْ شَاءَ أَنْ تُطَلَّقَ، طُلِّقَتْ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ
إِذَا شَكَّ، هَلْ طَلَّقَ؟ لَمْ يُحْكَمْ بِوُقُوعِهِ، وَكَذَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى صِفَةٍ وَشَكَّ فِي حُصُولِهَا، كَقَوْلِهِ: إِنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَشَكَّ فِي كَوْنِهِ غُرَابًا، أَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ غُرَابًا فَزَيْنَبُ طَالِقٌ، وَإِنْ كَانَ حَمَامَةً، فَعَمْرَةُ طَالِقٌ، وَشَكَّ هَلْ كَانَ غُرَابًا أَمْ حَمَامَةً أَمْ غَيْرَهُمَا فَلَا يُحْكَمُ بِالطَّلَاقِ. وَلَوْ تَيَقَّنَ أَصْلَ الطَّلَاقِ، وَشَكَّ فِي عَدَدِهِ، أَخَذَ بِالْأَقَلِّ، وَيُسْتَحَبُّ الْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ، فَإِنْ شَكَّ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ، رَاجَعَهَا لِيَتَيَقَّنَ الْحِلَّ، وَإِنْ زَهِدَ فِيهَا، طَلَّقَهَا لِتَحِلَّ لِغَيْرِهِ يَقِينًا، وَإِنْ شَكَّ فِي أَنَّهُ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَمِ اثْنَتَيْنِ؟ لَمْ يَنْكِحْهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَمْ لَمْ يُطَلِّقْ شَيْئًا؟ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا.
فَصْلٌ
تَحْتَهُ زَيْنَبُ وَعَمْرَةُ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا، فَزَيْنَبُ طَالِقٌ، وَإِلَّا فَعَمْرَةُ طَالِقٌ، وَأَشْكَلَ حَالُهُ، طُلِّقَتْ إِحْدَاهُمَا، وَعَلَيْهِ اعْتِزَالُهُمَا جَمِيعًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَالَ،
وَعَلَيْهِ الْبَحْثُ وَالْبَيَانُ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، فَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، لَمْ يُحْكَمْ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
فَرْعٌ
قَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا، فَعَبْدِي حُرٌّ، وَقَالَ آخَرُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا، فَعَبْدِي حُرٌّ، وَأَشْكَلَ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ فِي عَبْدِهِ، فَإِنْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا عَبْدَ الْآخِرِ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ الْعَبْدَانِ، مُنِعَ التَّصَرُّفُ فِيهِمَا وَيُؤْمَرُ بِتَعْيِينِ الْعِتْقِ فِي أَحَدِهِمَا، كَمَا لَوْ كَانَا فِي مِلْكِهِ وَعَلَّقَ التَّعْلِيقَيْنِ، وَعَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ طَرِيقِ الْبَيَانِ، وَفِي وَجْهٍ: إِنَّمَا يَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ فِي الَّذِي اشْتَرَاهُ، فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ حَتَّى يَحْصُلَ الْبَيَانُ، وَلَا يَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ فِي الْأَوَّلِ.
قُلْتُ: هَذَانِ الْوَجْهَانِ نَقَلَهُمَا الْإِمَامُ وَآخَرُونَ، وَرَجَّحُوا الْأَوَّلَ، وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي، لَكِنْ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ، أَوْ جَمَاهِيرُهُمْ، بِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَعَيَّنُ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى، وَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ إِذَا تَمَّ تَمَلُّكُهُ ظَاهِرًا، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَفْقَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا عَبَدَهُ، ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدَ صَاحِبِهِ، قَالَ فِي «الْبَسِيطِ» : لَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، لِأَنَّ بَيْعَ الْأَوَّلِ لِوَاقِعَةٍ انْقَضَتْ، وَتَصَرُّفَهُ فِي الثَّانِي وَاقِعَةٌ أُخْرَى، كَمَا لَوْ صَلَّى إِلَى جِهَتَيْنِ بِاجْتِهَادَيْنِ.
قُلْتُ: أَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ الَّتِي نَقَلْتُهَا، فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ الثَّانِيَ بِلَا شَكٍّ، وَأَمَّا عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى، فَيُحْتَمَلُ مَا قَالَهُ فِي «الْبَسِيطِ» ، وَيُحْتَمَلُ بَقَاءُ الْحَجْرِ فِي الثَّانِي حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْخِلَافِ فِيمَا إِذَا اشْتَبَهَ إِنَاءَانِ
فَانْصَبَّ أَحَدُهُمَا، هَلْ يَجْتَهِدُ فِي الثَّانِي، أَمْ يَأْخُذُ بِطَهَارَتِهِ، أَمْ يُعْرِضُ عَنْهُ، وَالْأَقْيَسُ بَقَاءُ الْحَجْرِ احْتِيَاطًا لِلْعِتْقِ، وَلِأَنَّ الْأَمْوَالَ وَغَرَامَاتِهَا أَشَدُّ مِنَ الْقِبْلَةِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَلِهَذَا لَا يُعْذَرُ النَّاسِي وَالْجَاهِلُ فِي الْغَرَامَاتِ، وَيُعْذَرُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ إِقْدَامَهُ عَلَى بَيْعِ عَبْدِهِ كَالْمُصَرِّحِ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْ، وَأَنَّ الَّذِي عَتَقَ هُوَ عَبْدُ الْآخِرِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ، عَتَقَ عَلَيْهِ عَبْدَ صَاحِبِهِ إِذَا مَلَكَهُ قَطْعًا، وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْوَسِيطِ» : احْتِمَالَيْنِ، أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرَهُ فِي «الْبَسِيطِ» . وَالثَّانِي: خِلَافُهُ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قُلْتُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ غَيْرُ التَّعْلِيقِ السَّابِقِ، فَإِنْ قَالَ لِلْآخَرِ: حَنِثْتَ فِي يَمِينِكَ، فَقَالَ: لَمْ أَحْنَثْ، ثُمَّ مَلَكَ عَبْدَهُ، حُكِمَ عَلَيْهِ بِعِتْقِهِ قَطْعًا لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِالثَّمَنِ إِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ. وَلَوْ صَدَرَ هَذَانِ التَّعْلِيقَانِ مِنْ شَرِيكَيْنِ فِي عَبْدٍ، فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي «كِتَابِ الْعِتْقِ» .
فَرْعٌ
قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ كُلِّ شَعْرَةٍ عَلَى جَسَدِ إِبْلِيسَ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْبُوشَنْجِيُّ: قِيَاسُ مَذْهَبِنَا: أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ أَصْلًا، لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَعَلَيْهِ شَعْرٌ أَمْ لَا؟ وَالْأَصْلُ الْعَدَمُ، وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وُقُوعُ طَلْقَةٍ.
قُلْتُ: الْقِيَاسُ وُقُوعُ طَلْقَةٍ، وَلَيْسَ هَذَا تَعْلِيقًا عَلَى صِفَةٍ، فَيُقَالُ: شَكَكْنَا فِيهَا بَلْ هُوَ تَنْجِيزُ طَلَاقٍ، وَرَبْطٌ لِعَدَدِهِ بِشَيْءٍ شَكَكْنَا فِيهِ، فَنُوقِعُ أَصْلَ الطَّلَاقِ، وَنُلْغِي الْعَدَدَ، فَإِنَّ الْوَاحِدَةَ لَيْسَتْ بِعَدَدٍ، لِأَنَّ أَقَلَّ الْعَدَدِ اثْنَانِ، فَالْمُخْتَارُ وُقُوعُ طَلْقَةٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.