الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدُّبُرِ، فَلَيْسَ بِمُؤْلٍ، بَلْ هُوَ مُحْسِنٌ.
وَلَوْ قَالَ: لَا أُجَامِعُكِ إِلَّا فِي الدُّبُرِ، فَمُؤْلٍ، وَلَوْ قَالَ: لَا أُجَامِعُكِ إِلَّا فِي الْحَيْضِ أَوِ النِّفَاسِ، قَالَ السَّرَخْسِيُّ: لَا يَكُونُ مُؤْلِيًا، لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ فِيهِ حَصَلَتِ الْفِتْنَةُ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي الْفَتَاوِي: هُوَ مُؤْلٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: إِلَّا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، أَوْ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ.
وَلَوْ قَالَ: لَا جَامَعْتُكِ جِمَاعَ سُوءٍ، فَلَيْسَ بِمُؤْلٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَا جَامَعْتُكِ فِي هَذَا الْبَيْتِ، أَوْ لَا جَامَعْتُكِ مِنَ الْقُبُلِ. وَلَوْ قَالَ: لَا أُجَامِعُكِ إِلَّا جِمَاعَ سُوءٍ، فَإِنْ أَرَادَ: لَا أُجَامِعُهَا إِلَّا فِي الدُّبُرِ، أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ لَا أُغَيِّبُ جَمِيعَ الْحَشَفَةِ، فَمُؤْلٍ، وَإِنْ أَرَادَ الْجِمَاعَ الضَّعِيفَ، فَلَيْسَ بِمُؤْلٍ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُجَامِعُ بَعْضَهَا، فَكَمَا سَيَأْتِي فِي الظِّهَارِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْإِيلَاءِ
وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَطْرَافٍ.
الْأَوَّلُ: فِي ضَرْبِ الْمُدَّةِ، فَالْإِيلَاءُ يَقْتَضِي ضَرْبَ الْمُدَّةِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَهِيَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ، كَالْأَجَلِ حَقٌّ لِلْمَدِينِ، وَتُحْسَبُ مِنْ وَقْتِ الْإِيلَاءِ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى ضَرْبِ الْقَاضِي، وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجَانِ حُرَّيْنِ، أَوْ رَقِيقَيْنِ، أَوْ حُرًّا وَرَقِيقًا.
فَصْلٌ
فِيمَا يَمْنَعُ احْتِسَابَ الْمُدَّةِ ابْتِدَاءً أَوْ دَوَامًا
قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ إِذَا آلَى مِنْ رَجْعِيَّةٍ، صَحَّ، وَتُحْسَبُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ الرَّجْعَةِ، لَا مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ، وَلَوْ آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا، انْقَضَتِ الْمُدَّةُ لِجَرَيَانِهَا إِلَى الْبَيْنُونَةِ، فَلَوْ رَاجَعَهَا
اسْتُؤْنِفَتِ الْمُدَّةُ، لِأَنَّ الْإِضْرَارَ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِالِامْتِنَاعِ الْمُتَوَالِي فِي نِكَاحٍ سَلِيمٍ، وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهًا أَنَّهُ يُبْنَى عَلَيْهَا تَخْرِيجًا مِمَّا إِذَا رَاجَعَ الْمُطَلَّقَةَ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ وَطْءٍ، فَإِنَّهَا تُبْنَى عَلَى قَوْلٍ. وَلَوِ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْمُدَّةِ، انْقَطَعَتِ الْمُدَّةُ، وَلَا يُحْتَسَبُ زَمَانُ الرِّدَّةِ مِنْهَا، لِأَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي قَطْعِ النِّكَاحِ كَالطَّلَاقِ، فَإِذَا أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا، اسْتُؤْنِفَتِ الْمُدَّةُ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ.
وَفِي رِدَّةِ الزَّوْجِ وَجْهٌ أَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ، يَبْنِي، وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ، أَنَّ رِدَّتَهُ لَا تَمْنَعُ الِاحْتِسَابَ، كَمَرَضِهِ وَسَائِرِ الْأَعْذَارِ.
وَلَوْ وُجِدَ النِّكَاحُ بَعْدَ أَنْ بَانَتِ الرَّجْعِيَّةُ، أَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، أَوْ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ بِالرِّدَّةِ وَالْإِضْرَارِ، أَوْ بِرِدَّةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقُلْنَا: يَعُودُ الْإِيلَاءُ، اسْتُؤْنِفَتِ الْمُدَّةُ. وَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً بِمُطَالَبَتِهَا، أَوِ ابْتِدَاءً ثُمَّ رَاجَعَهَا، عَادَ الْإِيلَاءُ، وَتُسْتَأْنَفُ الْمُدَّةُ إِنْ كَانَتِ الْيَمِينُ عَلَى التَّأْبِيدِ، أَوْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ.
وَلَوِ ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، عَادَ الْإِيلَاءُ، وَتُسْتَأْنَفُ الْمُدَّةُ أَيْضًا، وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيُّ الْعِدَّةَ عَنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ بِالطَّلَاقِ بِالرَّجْعِيِّ، وَبِالرِّدَّةِ فِي مَنْعِ الِاحْتِسَابِ وَوُجُوبِ الِاسْتِئْنَافِ عِنْدَ انْقِضَائِهَا.
فَرْعٌ
مَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَحِلَّ بِمِلْكِ النِّكَاحِ، إِنْ وُجِدَ فِي الزَّوْجِ، لَمْ يَمْنَعِ احْتِسَابَ الْمُدَّةِ، بَلْ تُضْرَبُ الْمُدَّةُ مَعَ اقْتِرَانِ الْمَانِعِ بِالْإِيلَاءِ. وَلَوْ طَرَأَ فِي الْمُدَّةِ، لَمْ يَقْطَعْهَا، بَلْ تُطَالِبُ بِالْفَيْأَةِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إِذَا كَانَ الْعُذْرُ إِيلَاءً يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَانِعُ الشَّرْعِيُّ، كَالصَّوْمِ، وَالِاعْتِكَافِ، وَالْإِحْرَامِ، وَالْحِسِّيُّ، كَالْمَرَضِ، وَالْحَبْسِ، وَالْجُنُونِ، وَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ فِيهَا، فَقَدْ يَكُونُ حِسِّيًّا وَشَرْعِيًّا، فَالْحِسِّيُّ، كَالنُّشُوزِ وَالصِّغَرِ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ مَعَهُ الْوَطْءُ، وَالْمَرَضُ الْمُضْنِي
الْمَانِعُ مِنَ الْوَطْءِ، فَإِنْ قَارَنَ ابْتِدَاءَ الْإِيلَاءِ، لَمْ تَبْتَدِئِ الْمُدَّةُ حَتَّى تَزُولَ، وَإِنْ طَرَأَ فِي الْمُدَّةِ، قَطَعَهَا، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِي الطَّرَفَيْنِ، وَحَكَى الْمُزَنِيُّ قَوْلًا فِي حَبْسِهِ: أَنَّهُ يَمْنَعُ احْتِسَابَ الْمُدَّةِ، فَغَلَّطَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي النَّقْلِ، وَصَدَّقَهُ بَعْضُهُمْ، وَحَمَلَهُ عَلَى مَا إِذَا حَبَسَتْهُ هِيَ.
وَقِيلَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا حُبِسَ ظُلْمًا، وَحَقُّ هَذَا الْقَائِلِ أَنْ يَطْرُدَهُ فِي الْمَرَضِ، وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِهِ مِنَ الْمَوَانِعِ، وَقَدْ مَالَ الْإِمَامُ إِلَى هَذَا فَقَالَ: كَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُصَدَّقَ الْمُزَنِيُّ فِي النَّقْلِ، وَيُقَالَ فِيهِ وَفِي نَصِّ الْمَرَضِ: إِنَّهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ.
وَعَنْ صَاحِبِ «التَّقْرِيبِ» أَنَّ الْبُوَيْطِيَّ حَكَى قَوْلًا أَنَّ الْمَوَانِعَ الطَّارِئَةَ فِيهَا لَا تَمْنَعُ الِاحْتِسَابَ لِحُصُولِ قَصْدِ الْمُضَارَّةِ ابْتِدَاءً. فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ، فَطَرَأَ فِيهَا مَانِعٌ فِي الْمُدَّةِ، ثُمَّ زَالَ، اسْتَأْنَفَتِ الْمُدَّةَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ.
وَقِيلَ: تَبْنِي. وَلَوْ طَرَأَتْ هَذِهِ الْمَوَانِعُ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ، وَقَبْلَ الْمُطَالَبَةِ، وَزَالَتْ بَعْدُ، فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ، وَلَا تَفْتَقِرُ إِلَى اسْتِئْنَافِ الْمُدَّةِ، لِأَنَّهُ وُجِدَتِ الْمُضَارَّةُ فِي الْمُدَّةِ عَلَى التَّوَالِي، وَقِيلَ: تَسْتَأْنِفُ وَهُوَ غَلَطٌ، نَسَبَهُ الْإِمَامُ إِلَى بَعْضِ الضَّعَفَةِ، وَجُنُونُهَا يَمْنَعُ احْتِسَابَ الْمُدَّةِ إِنْ كَانَتْ تَمْنَعُ التَّمْكِينَ، وَإِلَّا فَلَا.
أَمَّا الْمَانِعُ الشَّرْعِيُّ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ صَوْمًا أَوِ اعْتِكَافًا مَفْرُوضَيْنِ، يَمْنَعُ الِاحْتِسَابَ، وَيَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ إِذَا زَالَ، وَإِنْ كَانَا تَطَوُّعَيْنِ، لَمْ يَمْنَعَا الِاحْتِسَابَ، لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ وَطْئِهَا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الطُّرُقِ، وَعَنِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ، أَنَّ الْعُذْرَ الشَّرْعِيَّ لَا يَمْنَعُ الِاحْتِسَابَ، وَلَا يَقْطَعُ الْمُدَّةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْحَيْضُ لَا يَمْنَعُ الِاحْتِسَابَ قَطْعًا، وَكَذَا النِّفَاسُ عَلَى الْأَصَحِّ.
الطَّرَفُ الثَّانِي: فِي كَيْفِيَّةِ الْمُطَالَبَةِ، فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِأَنْ يُفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ، وَمَا لَمْ تَطْلُبْ، لَا يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِشَيْءٍ، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا بِالتَّأْخِيرِ. وَلَوْ تَرَكَتْ حَقَّهَا وَرَضِيَتْ، ثُمَّ بَدَا لَهَا، فَلَهَا الْعَوْدُ إِلَى الْمُطَالَبَةِ مَا لَمْ تَنْقَضِ مُدَّةُ الْيَمِينِ، لِأَنَّ الضَّرَرَ مُتَجَدِّدٌ
وَتَخْتَصُّ الْمُطَالَبَةُ بِالزَّوْجَةِ، فَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْمُرَاهِقَةِ وَالْمَجْنُونَةِ الْمُطَالَبَةُ، وَحَسُنَ أَنْ يَقُولَ الْحَاكِمُ لِلزَّوْجِ: اتَّقِ اللَّهَ بِالْفَيْأَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا يُضَيِّقُ عَلَيْهِ إِذَا بَلَغَتْ أَوْ أَفَاقَتْ وَطَلَبَتْ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ أَيْضًا مُطَالَبَةٌ، لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ حَقُّهَا.
فَرْعٌ
إِذَا وُجِدَ مَانِعٌ مِنَ الْجِمَاعِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمَحْسُوبَةِ، نُظِرَ أَهْوَ فِيهَا، أَمْ فِي الزَّوْجِ؟ فَإِنْ كَانَ فِيهَا، بِأَنْ كَانَتْ مَرِيضَةً لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، أَوْ مَحْبُوسَةً لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إِلَيْهَا، أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، أَوْ مُحْرِمَةً، أَوْ صَائِمَةً، أَوْ مُعْتَكِفَةً عَنْ فَرْضٍ، لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْفَيْأَةِ لَا فِعْلًا وَلَا قَوْلًا، لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ. وَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ فِيهِ، فَهُوَ طَبْعِيٌّ وَشَرْعِيٌّ، فَالطَّبْعِيُّ بِأَنْ يَكُونَ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ، أَوْ يُخَافَ مِنْهُ زِيَادَةُ الْعِلَّةِ، أَوْ بُطْءُ الْبُرْءِ، فَيُطَالَبُ بِالْفَيْأَةِ بِاللِّسَانِ، أَوْ بِالطَّلَاقِ إِنْ لَمْ يَفِئْ، وَالْفَيْأَةُ بِاللِّسَانِ أَنْ يَقُولَ: إِذَا قَدِرْتُ فِئْتُ. وَاعْتَبَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ: نَدِمْتُ عَلَى مَا فَعَلْتُ، وَإِذَا اسْتَمْهَلَ الْفَيْأَةَ بِاللِّسَانِ، لَمْ يُمْهِلْهُ بِحَالٍ، فَإِنَّ الْوَعْدَ هَيِّنٌ مُتَيَسِّرٌ، ثُمَّ إِذَا زَالَ الْمَانِعُ، يُطَالَبُ [بِالْفَيْأَةِ] بِالْوَطْءِ أَوْ بِالطَّلَاقِ، تَحْقِيقًا لِفِيَأَةِ اللِّسَانِ، وَلَا يَحْتَاجُ هَذَا الطَّلَبُ إِلَى اسْتِئْنَافِ مُدَّةٍ، وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا ظُلْمًا، فَكَالْمَرِيضِ، وَإِنْ حُبِسَ فِي دَيْنٍ يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ، أُمِرَ بِالْأَدَاءِ أَوِ الْفَيْأَةِ بِالْوَطْءِ، أَوِ الطَّلَاقِ، وَأَمَّا الشَّرْعِيُّ، فَكَالصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ وَالظِّهَارِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ، فَفِيهِ طَرِيقَانِ.
الْمَذْهَبُ مِنْهُمَا، أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ أَرَادَ وَطْئَهَا وَهُنَاكَ مَانَعٌ شَرْعِيٌّ، هَلْ يَلْزَمُهَا التَّمْكِينُ؟ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ حَاصِلُهُ [أَنَّهُ] إِنْ كَانَ الْمَانِعُ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، أَوْ يَخْتَصُّ بِهَا كَالْحَيْضِ وَالصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ، لَمْ يَلْزَمْهَا، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا التَّمْكِينُ، وَإِنِ اخْتَصَّ بِهِ كَصَوْمِهِ وَإِحْرَامِهِ، فَوَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهَا التَّمْكِينُ، لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ فِيهَا، وَلَيْسَ لَهَا مَنْعُ مَا عَلَيْهَا مِنَ الْحَقِّ. وَأَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، لِأَنَّهُ مُوَافَقَةٌ عَلَى الْحَرَامِ وَإِعَانَةٌ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ التَّحْرِيمُ بِسَبَبِ الظِّهَارِ، فَهَلْ هُوَ كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، أَمْ كَصَوْمِهِ؟ وَجْهَانِ. فَإِذَا قُلْنَا: يَجُوزُ التَّمْكِينُ، فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ
بِالْوَطْءِ أَوِ الطَّلَاقِ. فَإِنْ أَرَادَ الْوَطْءَ فَامْتَنَعَتْ، سَقَطَ حَقُّهَا مِنَ الطَّلَبِ، وَإِنْ قُلْنَا: بِالْمَنْعِ، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يُقْنَعُ مِنْهُ بِفَيْأَةِ اللِّسَانِ، وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: يُطَالَبُ بِالطَّلَاقِ إِزَالَةً لِلضَّرَرِ عَنْهَا، بِخِلَافِ الْمَانِعِ الطَّبْعِيِّ، لِأَنَّ الْوَطْءَ هُنَاكَ مُتَعَذِّرٌ، وَهُنَا مُمْكِنٌ، وَهُوَ الْمُضَيِّقُ عَلَى نَفْسِهِ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ لَهُ: وَرَّطْتَ نَفْسَكَ بِالْإِيلَاءِ، فَإِنْ وَطِئْتَ عَصَيْتَ وَفَسَدَتْ عِبَادَتُكَ، وَإِنْ لَمْ تَطَأْ، وَلَمْ تُطَلِّقْ، طَلَّقْنَاهَا عَلَيْكَ، كَمَنْ غَصَبَ دَجَاجَةً وَلُؤْلُؤَةً فَابْتَلَعَتْهَا، يُقَالُ لَهُ: إِنْ ذَبَحْتَهَا غَرِمْتَهَا، وَإِلَّا غَرِمْتَ اللُّؤْلُؤَةَ.
وَلَوْ قَالَ فِي صُورَةِ الظِّهَارِ: أَمْهِلُونِي حَتَّى أُكَفِّرَ، نُظِرَ إِنْ كَانَ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ، لَمْ يُمْهَلْ، وَإِنْ كَانَ بِالْعِتْقِ وَالطَّعَامِ، فَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَفِي «التَّهْذِيبِ» : يَوْمًا أَوْ نِصْفَ يَوْمٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِحَسَبِ تَيَسُّرِ الْمَقْصُودِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ تَطُلْ مُدَّةُ الْإِمْهَالِ.
فَإِنْ طَالَتْ لِفَقْدِ الرَّقَبَةِ أَوْ مَصْرِفِ الطَّعَامِ، لَمْ يُمْهَلْ، كَذَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، لَوْ وَطِئَ مَعَ التَّحْرِيمِ، خَرَجَ عَنْ مُوجَبِ الْإِيلَاءِ، وَانْدَفَعَتِ الْمُطَالَبَةُ.
الطَّرَفُ الثَّالِثُ: مَا بِهِ الْمُطَالَبَةُ. قَدْ تَكَرَّرَ أَنَّ الْمُؤْلِيَ بَعْدَ الْمُدَّةِ، يُطَالَبُ بِالْفَيْأَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، وَالْمَقْصُودُ الْفَيْأَةُ، لَكِنَّهُ يُطَالَبُ بِالطَّلَاقِ إِنْ لَمْ يَفِئْ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُوَجِّهَ الطَّلَبَ نَحْوَ الْفَيْأَةِ وَحْدَهَا، بَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْمُطَالَبَةُ مُتَرَدِّدَةً، فَإِنْ لَمْ يَفِئْ وَأَبَى أَنْ يُطَلِّقَ، فَقَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا وَهُوَ الْجَدِيدُ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الْقَدِيمِ وَاخْتِيَارُ الْمُزَنِيُّ: أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا الْقَاضِي طَلْقَةً. وَالثَّانِي، لَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ، بَلْ يَحْبِسُهُ وَيُعَزِّرُهُ حَتَّى يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ.
وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالِامْتِنَاعِ، بَلِ اسْتَمْهَلَ لِيَفِيءَ، أُمْهِلَ بِلَا خِلَافٍ قَدْرَ مَا يَتَهَيَّأُ لِذَلِكَ الشُّغْلِ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا، أُمْهِلَ حَتَّى يُفْطِرَ، أَوْ جَائِعًا، فَحَتَّى يَشْبَعَ، أَوْ ثَقِيلًا مِنَ الشِّبَعِ، فَحَتَّى يَخِفَّ، أَوْ غَلَبَهُ النُّعَاسُ، فَحَتَّى يَزُولَ.
وَيَحْصُلُ التَّهَيُّؤُ وَالِاسْتِعْدَادُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ
بِقَدْرِ يَوْمٍ فَمَا دُونَهُ.
وَهَلْ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؟ قَوْلَانِ، وَيُقَالُ: وَجْهَانِ. أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: لَا. وَإِذَا أُمْهِلَ، فَطَلَّقَ الْقَاضِي عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْإِمْهَالِ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ إِنْ وُجِدَتِ الْفَيْأَةُ فِي مُدَّةِ الْمُهْلَةِ، وَإِنْ مَضَتِ الْمُدَّةُ بِلَا فَيْأَةٍ، لَمْ يَقَعْ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ.
فَرْعٌ
ذَكَرَ ابْنُ كَجٍّ، أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ الْقَاضِي عَلَيْهِ، فَبَانَ أَنَّهُ وَطِئَ أَوْ طَلَّقَ قَبْلَ تَطْلِيقِ الْقَاضِي، لَمْ يُنَفَّذْ طَلَاقُ الْقَاضِي. وَلَوْ وَقَعَ طَلَاقُ الزَّوْجِ وَالْقَاضِي مَعًا، نُفِّذَ الطَّلَاقَانِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فَعَلَ مَالَهُ فِعْلُهُ.
وَقِيلَ: لَا يَقَعُ تَطْلِيقُ الْقَاضِي.
فَرْعٌ
آلَى ثُمَّ غَابَ، أَوْ آلَى وَهُوَ غَائِبٌ، تُحْسَبُ الْمُدَّةُ، وَلَهَا أَنْ تُوَكِّلَ مَنْ يُطَالِبُهُ. فَإِذَا مَضَتِ الْمُدَّةُ، رَفَعَهُ وَكِيلُهَا إِلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الزَّوْجُ وَطَالَبَهُ وَيَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالْفَيْأَةِ بِاللِّسَانِ فِي الْحَالِ، لِأَنَّ الْمَانِعَ حِسِّيٌّ وَبِالْمَسِيرِ، أَوْ يَحْمِلُهَا إِلَيْهِ، أَوِ الطَّلَاقِ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفِئْ بِاللِّسَانِ، أَوْ فَاءَ بِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهَا، وَلَا حَمَلَهَا إِلَيْهِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِمْكَانِ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ الْآنَ، لَمْ يُمْكِنْ، وَيُطَلِّقُ عَلَيْهِ الْقَاضِي إِذَا طَلَبَ وَكِيلُهَا عَلَى الْأَظْهَرِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ: يَحْبِسُهُ لِيُطَلِّقَ، وَيُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ لِتَهْيِئَةِ أُهْبَةِ السَّفَرِ، وَلِخَوْفِ الطَّرِيقِ إِلَى أَنْ يَزُولَ الْخَوْفُ.
وَلَوْ غَابَ عَنْهَا بَعْدَ مُطَالَبَتِهِ بِالْفَيْأَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، لَمْ يُرْضَ مِنْهُ بِفِيَأَةِ اللِّسَانِ، وَلَا يُمْهَلْ. ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ.
فَرْعٌ
لَوْ طُولِبَ فَادَّعَى التَّعْيِينَ وَالْعَجْزَ عَنِ الْفَيْأَةِ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي ذَلِكَ
النِّكَاحِ، سَوَاءٌ كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا، أَوِ ادَّعَى الْعَجْزَ عَنِ الِافْتِضَاضِ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ، وَبِهِ قُطِعَ فِي «الْوَجِيزِ» : إِذَا صَدَّقَتْهُ أَوْ كَذَّبَتْهُ فَحَلَفَ عَلَى الْعَجْزِ، لَا يُطَالَبُ بِالْوَطْءِ، بَلْ يُطَالَبُ بِفِيَأَةِ اللِّسَانِ، فَإِنْ فَاءَ، ضُرِبَتْ مُدَّةُ التَّعْنِينِ إِنْ طَلَبَتْهَا. فَإِنْ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ، فَذَاكَ، وَإِلَّا أَمْضَى حُكْمَ التَّعْنِينِ. وَالثَّانِي: يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي تَأْخِيرِ حَقِّهَا وَضَرَرِهَا، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ، لَمْ تَسْقُطِ الْمُطَالَبَةُ، لِأَنَّ التَّعْنِينَ بَعْدَ الْوَطْءِ لَا يُعْتَبَرُ، فَتَظْهَرُ تُهْمَتُهُ.
الطَّرَفُ الرَّابِعُ: فِيمَا تَحْصُلُ بِهِ الْفَيْأَةُ، وَهُوَ تَغَيُّبُ الْحَشَفَةِ فِي الْقُبُلِ خَاصَّةً، فَلَوِ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ، لَمْ تَنْحَلَّ يَمِينُهُ.
فَلَوْ وَطِئَ بَعْدَهُ، لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ. وَهَلْ تَحْصُلُ بِهِ الْفَيْأَةُ وَيَرْتَفِعُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ، وَلَوْ وَطِئَهَا مُكْرَهًا، فَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا. فَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا، انْحَلَّتِ الْيَمِينُ وَارْتَفَعَ الْإِيلَاءُ، وَإِلَّا فَفِي انْحِلَالِ الْيَمِينِ وَجْهَانِ يَجْرِيَانِ فِي كُلِّ يَمِينٍ وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِإِكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ، أَصَحُّهُمَا: عَدَمُ الِانْحِلَالِ، وَهُوَ الْأَوْفَقُ لِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ، وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، لِاخْتِلَالِ الْفِعْلِ.
فَإِنْ حَكَمْنَا بِالِانْحِلَالِ، حَصَلَتِ الْفَيْأَةُ وَارْتَفَعَ الْإِيلَاءُ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: كَذَلِكَ، وَبِهِ أَجَابَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالْمَسْأَلَةُ مُفَرَّعَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ إِكْرَاهُهُ عَلَى الْوَطْءِ وَهُوَ الرَّاجِحُ.
فَرْعٌ
لَوْ وَطِئَهَا الْمُؤْلِي فِي الْمُدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا وَهُوَ مَجْنُونٌ، فَطَرِيقَانِ. قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ