الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَيْهِ قَرِينَةُ الزِّنَا، حَرُمَ النَّفْيُ، وَإِنِ انْضَمَّتْ أَوْ كَانَ يَتَّهِمُهَا بِرَجُلٍ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ عَلَى لَوْنِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، جَازَ النَّفْيُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْمَنْعَ.
قُلْتُ: الْمَنْعُ أَصَحُّ، وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ غَيْرَ الْمَذْكُورَيْنِ، صَاحِبَا «الْحَاوِي» وَ «الْعُدَّةِ» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يُؤَثِّرُ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَلْوَانِ الْمُتَقَارِبَةِ، كَالْأُدْمَةِ وَالسُّمْرَةِ وَالشُّقْرَةِ، وَالْقَرِينَةُ مِنَ الْبَيَاضِ.
فَرْعٌ
مَتَّى نَفَى الْوَلَدَ وَلَاعَنَ، حُكِمَ بِنُفُوذِهِ فِي الظَّاهِرِ، وَلَا يُكَلَّفُ بَيَانَ السَّبَبِ الَّذِي بَنَى النَّفْيَ عَلَيْهِ، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى رِعَايَةُ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ، وَبِنَاءُ النَّفْيِ عَلَى مَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ، كَمَا سَبَقَ.
فَصْلٌ
لَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالزَّوْجِ إِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ إِمْكَانُ الْوَطْءِ، فَإِذَا نَكَحَ وَطَلَّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ، أَوْ غَابَ عَنْهَا غَيْبَةً بَعِيدَةً لَا يُحْتَمَلُ وُصُولُ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ الْغَيْبَةِ، أَوْ جَرَى الْعَقْدُ وَالزَّوْجَانِ مُتَبَاعِدَانِ، أَحَدُهُمَا بِالْمُشْرِقِ، وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، فَفِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ يَنْتَفِي الْوَلَدُ بِغَيْرِ لِعَانٍ.
فَرْعٌ
إِذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، لَكِنَّهُ رَآهَا تَزْنِي وَاحْتَمَلَ كَوْنُهُ مِنَ
الزِّنَا، فَلَيْسَ لَهُ نَفْيُهُ. وَهَلْ لَهُ الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ؟ حَكَى الْإِمَامُ عَنِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي، أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ: وَالْقِيَاسُ جَوَازُهُ لِجَوَازِ الْقَذْفِ إِذَا تَيَقَّنَ الزِّنَا وَلَا وَلَدَ، انْتِقَامًا مِنْهَا، فَحَصَلَ وَجْهَانِ، الصَّحِيحُ: الْمَنْعُ، لِأَنَّ اللِّعَانَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ، إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهَا لِدَفْعِ النَّسَبِ، أَوْ قَطْعِ النِّكَاحِ حَيْثُ لَا وَلَدَ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَحْدُثَ وَلَدٌ عَلَى الْفِرَاشِ الْمُلَطَّخِ، وَقَدْ حَصَلَ الْوَلَدُ هُنَا، فَلَمْ يَبْقَ فَائِدَةٌ، وَلِأَنَّ فِي إِثْبَاتِ زِنَاهَا تَعْيِيرَ الْوَلَدِ، وَإِطْلَاقَ الْأَلْسُنَةِ فِيهِ، وَلَا يُحْتَمَلُ ذَلِكَ لِغَرَضِ الِانْتِقَامِ مَعَ إِمْكَانِ الْفِرَاقِ بِالطَّلَاقِ.
قُلْتُ: هَذَا النَّقْلُ عَنِ الْعِرَاقِيِّينَ مُطْلَقًا غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ «الْمُهَذَّبِ» : إِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ عَنْهَا، أَوْ رَأَى فِيهِ شَبَهَ الزَّانِي، لَزِمَهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ، يَعْنِي بَعْدَ قَذْفِهَا، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ، لَمْ يَنْفِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ «الْحَاوِي» : إِذَا وَطِئَهَا وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا وَرَآهَا تَزْنِي، فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ اللِّعَانِ بَعْدَ الْقَذْفِ، أَوْ بِالْإِمْسَاكِ. فَأَمَّا نَفْيُ الْوَلَدِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، نَفَاهُ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مِنْهُ، لَمْ يَجُزْ نَفْيُهُ، وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، جَازَ أَنْ يُغَلِّبَ حُكْمَ الشَّبَهِ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الْبَابِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي ثَمَرَةِ اللِّعَانِ، وَشُرُوطِهِ، وَصِفَتِهِ، وَأَحْكَامِهِ
فِيهِ أَطْرَافٌ.
الْأَوَّلُ: فِي ثَمَرَاتِ اللِّعَانِ، وَهِيَ نَفْيُ النَّسَبِ وَقَطْعُ النِّكَاحِ، وَتَحْرِيمُهَا مُؤَبَّدًا، وَدَفْعُ الْمَحْذُورِ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِالْقَذْفِ، وَإِثْبَاتُ حَدِّ الزِّنَا عَلَيْهَا.
قُلْتُ: وَمِنَ الثَّمَرَاتِ: سُقُوطُ حَدِّ قَذْفِ الزَّانِي بِهَا عَنِ الزَّوْجِ إِنْ سَمَّاهُ فِي
لِعَانِهِ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يُسَمِّهِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ. وَمِنْهَا: سُقُوطُ حَصَانَتِهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ إِنْ لَمْ تُلَاعِنْ هِيَ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْهَا: تَشْطِيرُ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَمِنْهَا: اسْتِبَاحَةُ نِكَاحِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا فِي عِدَّتِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ اللِّعَانِ، تَعَلُّقُ جَمِيعِ ثَمَرَاتِهِ بِهِ، بَلْ مِنْهَا مَا يَسْتَقِلُّ بِإِفَادَةِ حَقِّ جَوَازِهِ، وَمِنْهَا خِلَافُهُ، فَنَفْيُ النَّسَبِ، هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ، فَيَجُوزُ اللِّعَانُ لَهُ وَحْدَهُ. وَإِنْ كَانَ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ نِكَاحٌ، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ عُقُوبَةٌ، بِأَنْ كَانَ أَبَانَهَا، أَوْ عَفَتْ عَنِ الْعُقُوبَةِ، أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِزِنَاهَا.
وَأَمَّا دَفْعُ عُقُوبَةِ الْقَذْفِ، فَيَجُوزُ اللِّعَانُ لِمُجَرَّدِ دَفْعِ الْحَدِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نِكَاحٌ وَلَا نَسَبٌ، فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ التَّعْزِيرَ، فَالتَّعْزِيرُ الْمَشْرُوعُ عِنْدَ الْقَذْفِ نَوْعَانِ: تَعْزِيرُ تَكْذِيبٍ، وَهُوَ الْمَشْرُوعُ فِي حَقِّ الْقَاذِفِ الْكَاذِبِ ظَاهِرًا، بِأَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ الذِّمِّيَّةَ أَوِ الرَّقِيقَةَ، أَوِ الصَّغِيرَةَ الَّتِي يُوطَأُ مِثْلُهَا، وَتَعْزِيرُ تَأْدِيبٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كَذِبُهُ مَعْلُومًا، أَوْ صِدْقُهُ ظَاهِرًا، فَيُعَزَّرُ لَا تَكْذِيبًا لَهُ، بَلْ تَأْدِيبًا لِئَلَّا يَعُودَ إِلَى السَّبِّ وَالْإِيذَاءِ، بِأَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، أَوْ قَذَفَ الْكَبِيرَةَ بِزِنًا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِإِقْرَارِهَا، فَلَا يُحَدُّ لِسُقُوطِ حَصَانَتِهَا، وَيُعَزَّرُ تَأْدِيبًا لِلْإِيذَاءِ بِتَحْدِيدِ ذِكْرِ الْفَاحِشَةِ.
فَأَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ، فَيُسْتَوْفَى بِطَلَبِهَا، وَلَهُ إِسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي، فَلَا يُلَاعِنُ لِدَفْعِ تَعْزِيرِ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا وَإِنْ كَبُرَتْ وَطَالَبَتْ، لِأَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ لِلْقَذْفِ. فَإِنَّهُ أَتَى بِمُحَالٍ لَا يَلْحَقُهَا بِهِ عَارٌ، وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ مَنْعًا لَهُ مِنَ الْإِيذَاءِ، وَالْخَوْضِ فِي الْبَاطِلِ. وَفِيهِ وَجْهٌ سَيَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ قَذَفَ الْكَبِيرَةَ بِزِنًا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارِهَا، قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي
رِوَايَةِ الْمُزَنِيِّ: عُزِّرَ إِنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَلْتَعِنْ، وَفِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ: يُعَزَّرُ إِنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَلْتَعِنْ. وَلِلْأَصْحَابِ طُرُقٌ، أَشْهَرُهَا قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا يُلَاعِنُ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَالْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ: لَا يُلَاعِنُ قَطْعًا، وَرَدَّ رِوَايَةَ الرَّبِيعِ. وَالثَّالِثُ: يُلَاعِنُ قَطْعًا، وَتَأَوَّلَ رِوَايَةَ الْمُزَنِيِّ. وَالرَّابِعُ: إِنَّ قَذْفَهَا بِزِنًا أَضَافَهُ إِلَى مَا قَبْلَ الزَّوْجِيَّةِ وَأَثْبَتَهُ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ قَذَفَهَا بِهِ، لَمْ يُلَاعِنْ، وَإِنْ قَذَفَهَا بِزِنًا فِي الزَّوْجِيَّةِ، وَأَثْبَتَهُ بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ قَذَفَهَا بِهِ، لَاعَنَ، وَحَمَلَ النَّصَّيْنِ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ ظَاهَرُ نَصِّهِ فِي الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ إِلَّا بِطَلَبِهَا. وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا: أَنَّهُ يُعَزِّرُهُ السُّلْطَانُ سِيَاسَةً وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ، كَمَا يُعَزِّرُ مَنْ يَقُولُ: النَّاسُ زُنَاةٌ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ الْخِلَافِ، إِنَّمَا مَوْضِعُهُ مَا إِذَا أَضَافَ الزِّنَا إِلَى حَالَةٍ لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ، بِأَنْ قَالَ: زَنَيْتِ وَأَنْتِ بِنْتُ شَهْرٍ، لِأَنَّ الْمُحَالَ لَا يَتَأَدَّى مِنْهُ.
قُلْتُ: وَفِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقٌ خَامِسٌ اخْتَارَهُ صَاحِبُ «الْحَاوِي» ، وَحَكَاهُ الشَّاشِيُّ: إِنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ، لَاعَنَ، وَإِلَّا فَلَا، وَحَمَلَ النَّصَّيْنِ عَلَيْهِمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
قَدْ سَبَقَ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يُسْتَوْفَى بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ، وَفِي التَّعْزِيرِ هَذَا التَّفْصِيلُ السَّابِقُ قَبْلَ الْفَرْعِ، ثُمَّ مَا كَانَ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ مُعَلَّقًا بِطَلَبِ شَخْصٍ، سَقَطَ بِعَفْوِهِ إِذَا كَانَ أَهْلًا لِلْعَفْوِ. فَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ، فَعَفَتْ عَنِ الْحَدِّ وَلَا وَلَدَ، فَلَيْسَ لَهُ اللِّعَانُ عَلَى الصَّحِيحِ، لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ صَدَّقَتْهُ وَلَا وَلَدَ، فَلَوْ سَكَتَ فَلَمْ تَطْلُبِ الْحَدَّ وَلَمْ تَعْفُ، فَلَيْسَ لَهُ اللِّعَانُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ أَوِ الْمَجْنُونَةَ، فَقِيلَ: لَهُ اللِّعَانُ فِي الْحَالِ لِيَسْقُطَ التَّعْزِيرُ، وَالْأَصَحُّ انْتِظَارُ بُلُوغِهَا وَعَقْلِهَا وَطَلَبِهَا التَّعْزِيرَ. وَلَوْ قَذَفَهَا عَاقِلَةً فَجُنَّتْ، أَوْ فِي جُنُونِهَا بِزِنًا أَضَافَهُ إِلَى حَالَةِ
الْإِفَاقَةِ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. وَهَلْ لَهُ اللِّعَانُ فِي الْحَالِ، أَمْ يَنْتَظِرُ الْإِفَاقَةَ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَفِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ لَوْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ، وَأَرَادَ نَفْيَهُ بِاللِّعَانِ، كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَطْعًا.
قُلْتُ: وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَاعَنَ لِنَفْيِ النَّسَبِ أَوْ غَيْرِهِ وَهِيَ مَجْنُونَةٌ، فَقَدْ حَقَّقَ زِنَاهَا وَلَزِمَهَا الْحَدُّ، لَكِنْ لَا تُحَدُّ فِي جُنُونِهَا، فَإِذَا أَفَاقَتْ حُدَّتْ إِنْ لَمْ تُلَاعِنْ، ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي «الْمَجْمُوعِ» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
زَنَى بِكِ مَمْسُوحٌ، أَوْ صَبِيٌّ ابْنُ شَهْرٍ، أَوْ قَالَ لِرَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ: زَنَيْتِ، فَلَا حَدَّ وَيُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ، وَلَا يُلَاعِنُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِمَمْسُوحٍ: زَنَيْتَ، أَوْ لِبَالِغٍ: زَنَيْتَ وَأَنْتَ رَضِيعٌ فِي الْمَهْدِ، فَلَا حَدَّ وَيُعَزَّرُ.
الطَّرَفُ الثَّانِي: فِي صِفَةِ الْمُلَاعِنِ، وَلَهُ شَرْطَانِ: الْأَوَّلُ: أَهْلِيَّةُ الْيَمِينِ، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ مُؤَكَّدَةٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ. وَقِيلَ: هُوَ يَمِينٌ فِيهَا شَوْبُ الشَّهَادَةِ، فَلَا يَصِحُّ لِعَانُ الصَّبِيِّ وَلَا الْمَجْنُونِ، وَلَا يَقْتَضِي قَذْفُهُمَا لِعَانًا بَعْدَ كَمَالِهِمَا، وَلَا عُقُوبَةً، لَكِنْ يُعَزَّرُ الْمُمَيِّزُ عَلَى الْقَذْفِ. فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ تَعْزِيرُهُ حَتَّى بَلَغَ، قَالَ الْقَفَّالُ: يَسْقُطُ لِأَنَّهُ كَانَ لِلزَّجْرِ عَنْ سُوءِ الْأَدَبِ، وَقَدْ حَدَثَ زَاجِرٌ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ التَّكْلِيفُ، وَيَصِحُّ لِعَانُ الذِّمِّيِّ، وَالرَّقِيقِ، وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ، وَيَصِحُّ اللِّعَانُ عَنِ الذِّمِّيَّةِ، وَالرَّقِيقَةِ، وَالْمَحْدُودَةِ فِي الْقَذْفِ.
فَرْعٌ
قَذَفَ زَوْجَتَهُ الذِّمِّيَّةَ، وَتَرَافَعَا إِلَيْنَا، وَلَاعَنَ الزَّوْجُ، نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله، أَنَّهَا لَا تُجْبَرُ عَلَى اللِّعَانِ، وَلَا تُحَدُّ إِنِ امْتَنَعَتْ مِنْهُ حَتَّى تَرْضَى بِحُكْمِنَا. فَإِنْ
رَضِيَتْ، حَكَمْنَا فِي حَقِّهَا بِمَا نَحْكُمُ بِهِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمَةِ. وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ، الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الذِّمِّيَّيْنِ إِذَا تَرَافَعَا إِلَيْنَا، هَلْ يَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا؟ وَقَدْ سَبَقَا فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ، إِنْ أَوْجَبْنَا الْحُكْمَ، حَدَّدْنَاهَا إِنْ لَمْ تُلَاعِنْ، وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهَا، وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ، لَمْ نَحُدَّهَا حَتَّى تَرْضَى بِحُكْمِنَا، وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ، سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: لَا يَجْرِي عَلَيْهَا الْحُكْمُ حَتَّى تَرْضَى قَطْعًا.
وَلَوْ قَذَفَهَا زَوْجُهَا الذِّمِّيُّ، وَتَرَافَعَا، وَلَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ بِحُكْمِنَا، وَطَلَبَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَهَلْ يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى اللِّعَانِ وَيُعَزَّرُ إِنْ لَمْ يُلَاعِنْ، أَمْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى رِضَاهُ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي وُجُوبِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ، وَلَا يَجِيءُ الطَّرِيقُ الثَّانِي. وَلَوْ قَذَفَهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ، وَلَاعَنَ، فَذَاكَ، وَإِنِ امْتَنَعَ، وَطَلَبَتِ التَّعْزِيرَ، اسْتَوْفَاهُ الْحَاكِمُ.
ثُمَّ الْوَاجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ فِي قَذْفِ الذِّمِّيَّةِ، التَّعْزِيرُ إِنْ كَانَ مِثْلَهَا، كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ بِقَذْفِ الرَّقِيقَةِ، التَّعْزِيرُ وَإِنْ قَذَفَهَا رَقِيقٌ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: الزَّوْجِيَّةُ، فَلَا لِعَانَ لِأَجْنَبِيٍّ، فَلَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيَّةً بَعْدَ أَنْ قَذَفَهَا، أَوْ قَذَفَهَا فِي عِدَّةِ الرَّجْعَةِ، فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَهَا كَمَا يُطَلِّقُهَا، وَيُظَاهِرُ وَيُؤْلِي. وَيَصِحُّ لِعَانُهُ فِي الْحَالِ، وَتَتَرَتَّبُ أَحْكَامُهُ.
وَلَوِ ارْتَدَّ بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ قَذَفَهَا وَأَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ، فَلَهُ اللِّعَانُ، وَلَوْ لَاعَنَ فِي الرِّدَّةِ، ثُمَّ أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ، وَقَعَ اللِّعَانُ فِي النِّكَاحِ، فَيَصِحُّ وَيَقَعُ مَوْقِعَهُ، لِأَنَّ الْكَافِرَ يَصِحُّ لِعَانُهُ، وَإِنْ أَصَرَّ حَتَّى مَضَتِ الْعِدَّةُ، تَبَيَّنَّا وُقُوعَهُ فِي حَالِ الْبَيْنُونَةِ، فَإِنْ كَانَ وَلَدٌ وَنَفَاهُ بِاللِّعَانِ، نَفَذَ، وَإِلَّا تَبَيَّنَّا فَسَادَهُ، وَلَا يَنْدَفِعُ حَدُّ الْقَذْفِ عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ أَجَابَ ابْنُ الْحَدَّادِ.
فَرْعٌ
وَطِئَ امْرَأَةً فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ شُبْهَةٍ، بِأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ، ثُمَّ قَذَفَهَا
وَأَرَادَ اللِّعَانَ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ مُنْفَصِلٌ، فَلَهُ اللِّعَانُ، فَيَنْتَفِي بِهِ النَّسَبُ بِلَا خِلَافٍ، وَيَسْقُطُ بِهِ حَدُّ الْقَذْفِ عَلَى الصَّحِيحِ تَبَعًا، وَقِيلَ: لَا يَسْقُطُ لِعَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ وَانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ، إِذْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ الْوَلَدُ مِنِّي، وَلَا يَقْذِفَهَا، وَتَتَأَبَّدُ الْحُرْمَةُ بِهَذَا اللِّعَانِ عَلَى الْأَصَحِّ.
قُلْتُ: فَإِذَا قُلْنَا بِالضَّعِيفِ: إِنَّهُ لَا تَتَأَبَّدُ الْحُرْمَةُ، فَهَلْ يَسْتَبِيحُهَا بِلَا مُحَلِّلٍ، أَمْ يَفْتَقِرُ إِلَى مُحَلِّلٍ كَالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ؟ وَجْهَانِ، فِي «الْحَاوِي» الصَّحِيحُ: لَا يَفْتَقِرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا يَلْزَمُهَا حَدُّ الزِّنَا، وَلَا يُلَاعِنُ مُعَارَضَةً لِلِعَانِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهَا وَتُلَاعِنُ لِإِسْقَاطِهِ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ حَمْلٌ، فَهَلْ هُوَ كَالْمُنْفَصِلِ فِي اللِّعَانِ؟ فِيهِ خِلَافٌ نَذْكُرُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إِذَا أَبَانَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ قَذَفَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَلَا حَمْلٌ، فَلَا لِعَانَ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَلَوْ قَذَفَ فِي نِكَاحٍ يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ، وَلَاعَنَ عَلَى ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ، ثُمَّ بَانَ فَسَادُهُ، وَلَا وَلَدَ، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ عَلَى الْأَصَحِّ، فَعَلَى هَذَا: لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ اللِّعَانِ.
فَرْعٌ
قَذَفَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ أَبَانَهَا، فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِ الْوَلَدِ، وَلِإِسْقَاطِ عُقُوبَةِ الْقَذْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ إِذَا طَلَبَتْهَا، لِأَنَّ الْقَذْفَ وُجِدَ فِي الزَّوْجِيَّةِ، فَإِنْ عَفَتْ، فَلَا لِعَانَ، وَكَذَا إِنْ لَمْ تَطْلُبْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِذَا لَاعَنَ، لَزِمَهَا الْحَدُّ، وَلَهَا إِسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ. وَفِي تَأَبُّدِ الْحُرْمَةِ بِلِعَانِهِ الْوَجْهَانِ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ، لِوُقُوعِهِ خَارِجَ النِّكَاحِ.
فَرْعٌ
أَبَانَهَا بِخُلْعٍ أَوْ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، أَوْ بِفَسْخٍ، أَوْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فَبَانَتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا مُطْلَقٍ، أَوْ مُضَافٍ إِلَى حَالِ النِّكَاحِ، فَإِنْ كَانَ وَلَدٌ يَلْحَقُهُ بِحُكْمِ النِّكَاحِ السَّابِقِ، فَلَهُ اللِّعَانُ، وَيَسْقُطُ بِهِ عَنْهُ الْحَدُّ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَيَلْزَمُهَا حَدُّ الزِّنَا إِنْ أَضَافَ الزِّنَا إِلَى حَالَةِ النِّكَاحِ، وَلَهَا إِسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ، فَإِنْ لَمْ يُضِفْ، لَمْ يَلْزَمْهَا. وَفِي تَأَبُّدِ الْحُرْمَةِ وَمُعَارَضَتِهَا بِاللِّعَانِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَالْخِلَافُ فِي الْمُعَارَضَةِ جَارٍ فِي كُلِّ لِعَانٍ بِمُجَرَّدِ نَفْيِ الْوَلَدِ، كَمَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِزِنَاهَا أَوْ أَقَرَّتْ.
وَإِنْ كَانَ حَمْلٌ، فَهَلْ لَهُ اللِّعَانُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ؟ فِيهِ نَصَّانِ رَوَاهُمَا الْمُزَنِيُّ فِي «الْمُخْتَصَرِ» وَ «الْجَامِعِ» فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا يُلَاعِنُ قَطْعًا، إِذْ قَدْ لَا يَكُونُ وَلَدٌ، وَتَأَوَّلَ النَّصَّ الْآخَرَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: هَذَا، وَأَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: يُلَاعِنَ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ. فَعَلَى هَذَا لَوْ لَاعَنَ فَبَانَ أَنْ لَا حَمْلَ، تَبَيَّنَّا فَسَادَ اللِّعَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَلَا حَمْلَ لَمْ يُلَاعِنْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: لَهُ اللِّعَانُ إِنْ أَضَافَ الزِّنَا إِلَى حَالَةِ النِّكَاحِ.
فَرْعٌ
قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِزِنًا أَضَافَهُ إِلَى مَا قَبْلَ النِّكَاحِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ، لَمْ يُلَاعِنْ، وَإِنْ كَانَ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُلَاعِنُ، لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِالتَّارِيخِ، وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُطْلِقَ الْقَذْفَ. فَعَلَى هَذَا، لَهُ أَنْ يُنْشِئَ قَذْفًا وَيُلَاعِنَ لِنَفْيِ النَّسَبِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، حُدَّ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ. وَالثَّانِي، وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالطَّبَرِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَالْإِمَامُ، وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ: لَهُ اللِّعَانُ، فَعَلَى هَذَا، يَسْقُطُ الْحَدُّ بِلِعَانِهِ، وَهَلْ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَا بِلِعَانِهِ؟ وَجْهَانِ. وَهَلْ لَهَا مُعَارَضَتُهُ بِاللِّعَانِ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ.
قُلْتُ: صَحَّحَ فِي «الْمُحَرَّرِ» قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَهُوَ أَقْوَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.