الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابَةٍ مُفْهِمَةٍ. فَالْكِتَابَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ، لِأَنَّهَا أَضْبَطُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ مَعَ ذَلِكَ: إِنِّي قَصَدْتُ الطَّلَاقَ.
فَرْعٌ
إِذَا كَتَبَ الْأَخْرَسُ الطَّلَاقَ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. الصَّحِيحُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، فَيَقَعُ الطَّلَاقُ إِذَا نَوَى، وَإِنْ لَمْ يُشِرْ مَعَهَا، وَالثَّانِي: لَا بُدَّ مِنَ الْإِشَارَةِ، وَالثَّالِثُ: هُوَ صَرِيحٌ، قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ.
فَصْلٌ
الْقَادِرُ عَلَى النُّطْقِ، إِشَارَتُهُ بِالطَّلَاقِ لَيْسَتْ صَرِيحَةً، وَإِنْ أَفْهَمَ بِهَا كُلَّ أَحَدٍ، وَلَيْسَتْ كِنَايَةً أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ لِإِحْدَى زَوْجَتَيْهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَهَذِهِ، فَفِي افْتِقَارِ طَلَاقِ الثَّانِيَةِ إِلَى نِيَّةٍ، وَجْهَانِ. وَلَوْ قَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ، وَأَشَارَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ الْأُخْرَى، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ. وَالثَّانِي: لَا يُقْبَلُ، بَلْ تُطَلَّقَانِ جَمِيعًا.
فَصْلٌ
إِذَا كَتَبَ الْقَادِرُ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ، نُظِرَ، إِنْ قَرَأَ مَا كَتَبَهُ وَتَلَفَّظَ بِهِ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ، أَوْ بَعْدَهَا، طُلِّقَتْ، وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَنْوِ إِيقَاعَ الطَّلَاقِ، لَمْ تُطَلَّقْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: تُطَلَّقُ وَتَكُونُ الْكِتَابَةُ صَرِيحًا، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَإِنْ نَوَى، فَفِيهِ أَقْوَالٌ وَأَوْجُهٌ وَطُرُقٌ، مُخْتَصَرُهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. أَظْهَرُهَا: تُطَلَّقُ مُطْلَقًا، وَالثَّانِي: لَا، وَالثَّالِثُ: تُطَلَّقُ إِنْ كَانَتْ غَائِبَةً عَنِ الْمَجْلِسِ، وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا تَفْتَقِرُ إِلَى قَبُولٍ كَالْإِعْتَاقِ وَالْإِبْرَاءِ، وَالْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ وَغَيْرِهَا بِلَا فَرْقٍ.
وَأَمَّا مَا يُحْتَاجُ إِلَى قَبُولٍ، فَهُوَ نِكَاحٌ وَغَيْرُهُ، أَمَّا غَيْرُهُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ، فَفِي انْعِقَادِهَا بِالْكَتْبِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الطَّلَاقِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ، إِنْ لَمْ يُعْتَبَرِ الْكَتْبُ هُنَاكَ، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، لِلْخِلَافِ فِي انْعِقَادِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِالْكِنَايَاتِ، وَلِأَنَّ الْقَبُولَ فِيهَا شَرْطٌ فَيَتَأَخَّرُ عَنِ الْإِيجَابِ، وَالْأَشْبَهُ الِانْعِقَادُ. وَمَنْ قَالَ بِهِ، جَعَلَ تَمَامَ الْإِيجَابِ بِوُصُولِ الْكِتَابِ، حَتَّى يُشْتَرَطَ اتِّصَالُ الْقَبُولِ بِهِ. وَفِي وَجْهٍ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، بَلْ يُرَاعَى التَّوَاصُلُ اللَّائِقُ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى هَذَا كُلِّهِ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ، وَذَكَرْنَا عَنْ بَعْضِهِمْ، أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ قَبِلَ بِالْقَوْلِ، كَانَ أَقْوَى مِنْ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ.
وَأَمَّا النِّكَاحُ، فَفِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ، وَالْمَذْهَبُ مَنْعُهُ بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ، فَلَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّةِ. وَلَوْ قَالَا بَعْدَ الْمُكَاتَبَةِ: نَوَيْنَا، كَانَ شَهَادَةً عَلَى إِقْرَارِهِمَا لَا عَلَى نَفْسِ الْعَقْدِ، وَمَنْ جَوَّزَ اعْتَمَدَ الْحَاجَةَ. وَإِذَا قُلْنَا: يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ بِالْمُكَاتَبَةِ، فَذَلِكَ فِي حَالِ الْغَيْبَةِ، فَأَمَّا عِنْدَ الْحُضُورِ، فَخِلَافٌ مُرَتَّبٌ.
وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِانْعِقَادِ النِّكَاحِ بِالْمُكَاتَبَةِ يَكْتُبُ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي، وَيَحْضُرُ الْكِتَابَ عَدْلَانِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْضُرَهُمَا، وَلَا أَنْ يَقُولَ: اشْهَدَا. فَإِذَا بَلَغَهُ، فَيَقْبَلُ لَفْظًا. أَوْ يَكْتُبُ الْقَبُولَ، وَيَحْضُرُ الْقَبُولَ شَاهِدَا الْإِيجَابِ، فَإِنْ شَهِدَهُ آخَرَانِ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، وَمَنْ جَوَّزَهُ، احْتَمَلَهُ كَمَا احْتَمَلَ الْفَصْلَ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. ثُمَّ إِذَا قَبِلَ لَفْظًا أَوْ كِتَابَةً، يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ.
فَرْعٌ
كَتَبَ إِلَيْهِ: وَكَّلْتُكَ فِي بَيْعِ كَذَا مِنْ مَالِي، أَوْ إِعْتَاقِ عَبْدِي، فَإِنْ قُلْنَا: الْوِكَالَةُ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبُولِ، فَهُوَ كَكَتْبِ الطَّلَاقِ، وَإِلَّا فَكَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ.
فَرْعٌ
كَتَبَ: زَوْجَتِي طَالِقٌ، أَوْ يَا فُلَانَةُ أَنْتِ طَالِقٌ. أَوْ كُلُّ زَوْجَةٍ لِي فَهِيَ طَالِقٌ، فَإِنْ قَرَأَ مَا كَتَبَهُ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا تُطَلَّقُ. فَلَوْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ، وَإِنَّمَا قَصَدْتُ قِرَاءَةَ مَا كَتَبْتُهُ وَحِكَايَتَهُ، فَفِي قَبُولِهِ ظَاهِرًا وَجْهَانِ مُشَبَّهَانِ بِالْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ حَلَّ الْوِثَاقَ، وَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ، إِنَّمَا تَظْهَرُ إِذَا لَمْ يَجْعَلِ الْكَتْبَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً، أَوْ قُلْنَا: كِنَايَةً، وَأَنْكَرَ اقْتِرَانَ النِّيَّةِ.
فَرْعٌ
إِذَا أَوْقَعْنَا الطَّلَاقَ بِالْمُكَاتَبَةِ، نُظِرَ فِي صُورَةِ الْمَكْتُوبِ، إِنْ كَتَبَ: أَمَّا بَعْدُ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ، سَوَاءٌ وَصَلَهَا الْكِتَابُ أَمْ ضَاعَ.
وَإِنْ كَتَبَ: إِذَا قَرَأْتِ كِتَابِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ يَقَعْ بِمُجَرَّدِ الْبُلُوغِ، بَلْ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ. فَإِنْ كَانَتْ تُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، طُلِّقَتْ إِذَا قَرَأَتْهُ، قَالَ الْإِمَامُ: وَالْمُعْتَبَرُ أَنْ تَطَّلِعَ عَلَى مَا فِيهِ. وَاتَّفَقَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّهَا إِذَا طَالَعَتْهُ وَفَهِمَتْ مَا فِيهِ، طُلِّقَتْ، وَإِنْ لَمْ تَتَلَفَّظْ بِشَيْءٍ. فَلَوْ قَرَأَهُ غَيْرُهَا عَلَيْهَا، فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اطِّلَاعُهَا، أَمْ لَا لِعَدَمِ قِرَاءَتِهَا مَعَ الْإِمْكَانِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي، وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ.
وَإِنْ كَانَتْ لَا تُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، طُلِّقَتْ إِذَا قَرَأَهُ عَلَيْهَا شَخْصٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا تُطَلَّقُ أَصْلًا. وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ لَا يَعْلَمُ، أَهِيَ قَارِئَةٌ أَمْ لَا، فَيَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ التَّعْلِيقُ عَلَى قِرَاءَتِهَا بِنَفْسِهَا، نَظَرًا إِلَى حَقِيقَتِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى الْفَهْمِ وَالِاطِّلَاعِ، لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ النَّاسِ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ. أَمَّا إِذَا كَتَبَ:
إِذَا أَتَاكِ كِتَابِي، أَوْ بَلَغَكِ، أَوْ وَصَلَ إِلَيْكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهَا فَإِنِ انْمَحَى جَمِيعُ الْمَكْتُوبِ، فَبَلَغَهَا الْقِرْطَاسُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ قِرَاءَتُهُ، لَمْ تُطَلَّقْ كَمَا لَوْ ضَاعَ. وَقِيلَ: تُطَلَّقُ، إِذْ يُقَالُ: أَتَى كِتَابُهُ وَقَدِ انْمَحَى، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَإِنْ بَقِيَ أَثَرٌ، وَأَمْكَنَتْ قِرَاءَتَهُ، طُلِّقَتْ، كَمَا لَوْ وَصَلَ بِحَالِهِ، وَإِنْ وَصَلَهَا بَعْضُ الْكِتَابِ دُونَ بَعْضِهِ، فَخَرْمُ الْكِتَابِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَوْضِعُ الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الضَّائِعَ، أَوِ انْمَحَى مَا فِيهِ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا: لَا تُطَلَّقُ، وَالثَّانِي: تُطَلَّقُ، وَالثَّالِثُ: إِنْ قَالَ: إِذَا جَاءَكِ كِتَابِي، وَقَعَ. وَإِنْ قَالَ: إِذَا جَاءَكِ كِتَابِي هَذَا أَوِ الْكِتَابُ، فَلَا.
الثَّانِي: مَوْضِعُ سَائِرِ مَقَاصِدِ الْكِتَابِ، وَمِنْهُ مَا يَعْتَذِرُ بِهِ عَنِ الطَّلَاقِ وَيُوَبِّخُهَا عَلَيْهِ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمُلْجِئَةِ إِلَى الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَ الْخَلَلُ فِيهِ بِالتَّخَرُّقِ وَالِانْمِحَاءِ، وَبَقِيَ مَوْضِعُ الطَّلَاقِ وَغَيْرُهُ، فَفِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ، وَالْوُقُوعُ هُنَا أَوْلَى، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، لِوُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَيَحْسُنُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ فِي الصُّورَتَيْنِ.
الثَّالِثُ: مَوْضِعُ السَّوَابِقِ وَاللَّوَاحِقِ، كَالتَّسْمِيَةِ، وَصَدْرِ الْكِتَابِ، وَالْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ. فَإِذَا كَانَ الْخَلَلُ فِيهِ وَالْمَقَاصِدُ بَاقِيَةً، فَفِيهِ الْأَوْجُهُ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا، الْوُقُوعُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَكُنْتُ أَوَدُّ أَنْ يُفَرَّقَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ بَيْنَ أَنْ يَبْقَى مُعْظَمُ الْكِتَابِ، أَمْ يَخْتَلَّ؟ فَإِنَّ لِلْمُعْظَمِ أَثَرًا فِي بَقَاءِ الِاسْمِ وَعَدِمِهِ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ، هُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهُ فِي «الْمُسْتَظْهِرِيِّ» لَكِنَّهُ لَمْ يَطْرُدْهُ فِيمَا إِذَا انْمَحَى مَوْضِعُ الطَّلَاقِ، لَمْ يَقَعْ عِنْدَهُ. وَعِنْدَ سَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ قَطْعًا، وَلَفْظُهُ: وَقِيلَ: إِنْ وُجِدَ أَكْثَرُ الْكِتَابِ، طُلِّقَتْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعُ: الْبَيَاضُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَآخِرِهِ. الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ. بِزَوَالِهِ. وَقِيلَ: يَطَّرِدُ الْخِلَافُ.
أَمَّا إِذَا كَتَبَ: إِذَا بَلَغَكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ بَلَغَ مَوْضِعُ الطَّلَاقِ وَقَعَ بِلَا تَفْصِيلٍ وَلَا خِلَافٍ، وَإِنْ بَلَغَ مَا سِوَاهُ وَبَطَلَ مَوْضِعُ الطَّلَاقِ، لَمْ تُطَلَّقْ.
فَرْعٌ
كَتَبَ: إِذَا بَلَغَكِ كِتَابِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَكَتَبَ أَيْضًا: إِذَا وَصَلَ إِلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبَلَغَهَا، وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ لِلصِّفَتَيْنِ.
وَلَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِقِرَاءَتِهَا، فَقَرَأَتْ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي وُصُولِ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ.
فَرْعٌ
كَتَبَ كِتَابَهُ وَنَوَى، فَكَكَتْبِ الصَّرِيحِ.
وَلَوْ أَمَرَ الزَّوْجُ أَجْنَبِيًّا، فَكَتَبَ وَنَوَى الزَّوْجُ، لَمْ تُطَلَّقْ كَمَا لَوْ قَالَ لِلْأَجْنَبِيِّ: قُلْ لِزَوْجَتِي: أَنْتِ بَائِنٌ وَنَوَى الزَّوْجُ، لَا تُطَلَّقُ.
فَرْعٌ
كَتَبَ: إِذَا بَلَغَكِ نِصْفُ كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَبَلَغَهَا كُلُّهُ، فَهَلْ يَقَعُ لِاشْتِمَالِ الْكُلِّ عَلَى النِّصْفِ، أَمْ لَا لِأَنَّ النِّصْفَ فِي مِثْلِ هَذَا يُرَادُ بِهِ الْمُنْفَرِدُ؟ وَجْهَانِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْوُقُوعُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
الْكَتْبُ عَلَى الْكَاغِدِ، وَالرَّقِّ، وَاللَّوْحِ، وَالنَّقْرِ فِي الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ، سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ، وَلَا عِبْرَةَ بِرَسْمِ الْحُرُوفِ عَلَى الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ، لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَلْحَقَ هَذَا بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ، وَلَكَ أَنْ تَمْنَعَهُ، لِأَنَّ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى الْحُرُوفِ لَا إِلَى مَعْنَى الطَّلَاقِ وَهُوَ الْإِبْعَادُ.
قُلْتُ: وَلَوْ خَطَّ عَلَى الْأَرْضِ وَأَفْهَمَ، فَكَالْخَطِّ عَلَى الْوَرَقِ، ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
قَالَتْ: أَتَانِي كِتَابُ الطَّلَاقِ، فَأَنْكَرَ أَنَّهُ كَتَبَهُ، أَوْ أَنَّهُ نَوَى، صُدِّقَ، فَلَوْ شَهِدَ شُهُودٌ أَنَّهُ خَطُّهُ، لَمْ تُطَلَّقْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، بَلْ يُحْتَاجُ مَعَ ذَلِكَ إِلَى إِثْبَاتِ قِرَاءَتِهِ أَوْ نِيَّتِهِ.
فَرْعٌ
كَتَبَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ اسْتَمَدَّ فَكَتَبَ: إِذَا أَتَاكِ كِتَابِي، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى الِاسْتِمْدَادِ، لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى يَبْلُغَهَا الْكِتَابُ، وَإِلَّا طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ.
فَرْعٌ
حَرَّكَ لِسَانَهُ بِكَلِمَةِ الطَّلَاقِ، وَلَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ قَدْرًا يُسْمِعُ نَفْسَهُ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: حَكَى الزُّجَاجِيُّ، أَنَّ الْمُزَنِيَّ نَقَلَ فِيهِ قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: تُطَلَّقُ، لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنَ الْكَتْبِ مَعَ النِّيَّةِ. وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِي قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ.
قُلْتُ: الْأَظْهَرُ: الثَّانِي، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ النِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ، بِخِلَافِ الْكَتْبِ، فَإِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ حُصُولُ الْإِفْهَامِ وَلَمْ يَحْصُلْ هُنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي التَّفْوِيضِ: يَجُوزُ أَنْ يُفَوِّضَ إِلَى زَوْجَتِهِ طَلَاقَ نَفْسِهَا، فَإِذَا فَوَّضَ فَقَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ إِنْ شِئْتِ، فَهَلْ هُوَ تَمْلِيكٌ لِلطَّلَاقِ، أَمْ تَوْكِيلٌ بِهِ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: تَمْلِيكٌ وَهُوَ الْجَدِيدُ، فَعَلَى هَذَا، تَطْلِيقُهَا يَتَضَمَّنُ الْقَبُولَ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا تَأْخِيرُهُ، فَلَوْ أَخَّرَتْ بِقَدْرِ مَا يَنْقَطِعُ الْقَبُولُ عَنِ الْإِيجَابِ ثُمَّ طَلَّقَتْ، لَمْ يَقَعْ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَغَيْرُهُ: لَا يَضُرُّ التَّأْخِيرُ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ مَتَى شَاءَتْ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ. وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ إِنْ شِئْتِ فَطَلَّقَتْ، وَقَعَ بَائِنًا، وَهَذَا تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ. وَإِذَا لَمْ يَجْرِ عِوَضٌ، فَهُوَ كَالْهِبَةِ. قَالَ الْقَفَّالُ: وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ، فَقَالَتْ: كَيْفَ يَكُونُ تَطْلِيقِي لِنَفْسِي، ثُمَّ قَالَ: طُلِّقْتِ، وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْقَدْرُ قَاطِعًا، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ الْيَسِيرَ لَا يَضُرُّ تَخَلُّلُهُ.
أَمَّا إِذَا قُلْنَا: التَّفْوِيضُ تَوْكِيلٌ، فَفِي اشْتِرَاطِ قَبُولِهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي سَائِرِ الْوِكَالَاتِ، وَيَجِيءُ الْوَجْهُ الْفَارِقُ بَيْنَ صِيغَةِ الْأَمْرِ بِأَنْ يَقُولَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ. وَصِيغَةُ الْعَقْدِ، كَقَوْلِهِ: وَكَّلْتُكِ فِي طَلَاقِ نَفْسِكِ. وَهَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُ التَّطْلِيقِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، فَتُطَلِّقُ مَتَى شَاءَتْ كَتَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ. وَالثَّانِي وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ: لَا، وَطَرَدَهُ الْقَاضِي فِيمَا لَوْ قَالَ: وَكَّلْتُكِ فِي طَلَاقِ نَفْسِكِ.
أَمَّا إِذَا قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ مَتَى شِئْتِ، فَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ قَطْعًا، وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ
فِيهِ قَبْلَ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا إِنْ جَعَلْنَاهُ تَوْكِيلًا، وَكَذَا إِنْ جَعَلْنَاهُ تَمْلِيكًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَمَنَعَهُ ابْنُ خَيْرَانَ.
وَلَوْ قَالَ: إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، فَطَلِّقِي نَفْسَكِ، فَإِنْ قُلْنَا: تَمْلِيكٌ، لَغَا، وَلَيْسَ لَهَا التَّطْلِيقُ إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ. . وَإِنْ قُلْنَا: تَوْكِيلٌ، جَازَ كَتَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ. وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، فَطَلِّقِي نَفْسَكِ، إِنْ ضَمِنْتِ لِي أَلْفًا، أَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ إِنْ ضَمِنْتِ لِي أَلْفًا بَعْدَ شَهْرٍ، فَإِذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا عَلَى أَلْفٍ بَعْدِ مُضِيِّ الشَّهْرِ، طُلِّقَتْ وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ.
قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْبُوشَنْجِيُّ: لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ: إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، فَأَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِكَ، فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ بِذَلِكَ إِطْلَاقَ الطَّلَاقِ لَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ، فَلَهُ التَّطْلِيقُ بَعْدَ أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ، إِلَّا أَنْ يَطْرَأَ مَنْعٌ، وَإِنْ أَرَادَ تَقْيِيدَ الْأَمْرِ بِرَأْسِ الشَّهْرِ، تَقَيَّدَ الطَّلَاقُ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ التَّطْلِيقُ بَعْدَهُ، وَلَوْ قَالَ: إِذَا مَضَى هَذَا الشَّهْرُ فَأَمْرُهَا بِيَدِكَ، فَمُقْتَضَاهُ إِطْلَاقُ الْإِذْنِ بَعْدَهُ، فَيُطَلِّقُهَا بَعْدَهُ مَتَى شَاءَ وَلَوْ قَالَ: أَمْرُهَا بِيَدِكَ إِلَى شَهْرٍ أَوْ شَهْرًا، فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا إِلَى شَهْرٍ، وَلَيْسَ لَهُ تَطْلِيقُهَا بَعْدَهُ.
وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ، كَهِيَ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ إِذَا جَعَلْنَا التَّفْوِيضَ إِلَيْهَا تَوْكِيلًا.
فَرْعٌ
قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ، فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي أَوْ أَنَا طَالِقٌ إِذَا قَدِمَ زَيْدٌ، لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ إِذَا قَدِمَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهَا التَّعْلِيقَ، وَكَذَا حُكْمُ الْأَجْنَبِيِّ، وَفِيهَا وَجْهٌ حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ.