الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَنْوِيَ الْكَفَّارَةَ بِالْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ نِيَّةَ التَّمْيِيزِ دُونَ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ، وَإِذَا أَخْرَجَ الْكَفَّارَةَ مِنْ مَالِهِ فِي الرِّدَّةِ، لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي الْكَفَّارَةِ الْمُخَيَّرَةِ أَدْنَى الدَّرَجَاتِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِذَا كَفَرَ فِيهَا ثُمَّ أَسْلَمَ، حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ.
فَصْلٌ
خِصَالُ الْكَفَّارَةِ ثَلَاثٌ. الْأُولَى: الْعِتْقُ. وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّقَبَةِ لِتُجْزِئَ عَنِ الْكَفَّارَةِ، أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: الْإِسْلَامُ، وَالسَّلَامَةُ، وَكَمَالُ الرِّقِّ، وَالْخُلُوُّ عَنِ الْعِوَضِ.
الْأَوَّلُ: الْإِسْلَامُ، فَلَا تُجْزِئُ كَافِرَةٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكَفَّارَاتِ، وَيُجْزِئُ إِعْتَاقُ الصَّغِيرِ إِذَا كَانَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا أَصْلِيًّا، أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ انْعِقَادِهِ، وَلَا يُجْزِئُ إِذَا كَانَ أَبَوَاهُ كَافِرَيْنِ، لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ، وَلَوْ أَسْلَمَ الصَّغِيرُ بِنَفْسِهِ، فَقَدْ سَبَقَ فِيهِ فِي كِتَابِ «اللَّقِيطِ» ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَصَحُّهُمَا: لَا يَصِحُّ، وَقَالَ الِاصْطَخْرِيُّ: يَصِحُّ إِسْلَامُ الْمُمَيِّزِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَوْقُوفٌ، إِنْ بَلَغَ وَثَبَتَ عَلَيْهِ، تَبَيَّنَّا صِحَّةَ إِسْلَامِهِ، وَإِلَّا فَلَا، فَعَلَى قَوْلِ الِاصْطَخْرِيِّ، يُجْزِئُ إِعْتَاقُهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، وَعَلَى الْوَقْفِ: إِنْ بَلَغَ وَثَبَتَ فَفِي إِجْزَائِهِ وَجْهَانِ. وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ وَهُوَ صَغِيرٌ أَوْ جَنِينٌ، أَجْزَأَهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ إِنْ مَاتَ فِي صِغَرِهِ، أَوْ بَعْدَ بُلُوغِهِ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنَ اللَّفْظِ بِالْإِسْلَامِ. وَلَوْ صَرَّحَ بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي اللَّقِيطِ، أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ مُرْتَدٌّ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ، وَبَيَّنَّا هُنَاكَ حُكْمَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَبِهَذَا يُقَاسُ مَنْ أَسْلَمَ بِتَبَعِيَّةِ السَّابِي، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي «اللَّقِيطِ» .
وَفِي «التَّهْذِيبِ» أَنَّهُ لَوْ سَبَا الصَّغِيرَ سَابٍ، وَسَبَا أَحَدَ أَبَوَيْهِ آخَرُ، فَإِنْ كَانَا فِي عَسْكَرٍ وَاحِدٍ، لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ، بَلْ هُوَ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ، وَإِنْ كَانَا فِي عَسْكَرَيْنِ، كَانَا تَبَعًا لِلسَّابِي، وَأَنَّ حُكْمَ الْمَجْنُونِ فِي تَبَعِيَّةِ الْوَالِدَيْنِ وَالدَّارِ حُكْمُ الصَّبِيِّ، وَإِذَا أَفَاقَ وَصَرَّحَ بِالْكُفْرِ، فَهَلْ هُوَ مُرْتَدٌّ، أَمْ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الصَّبِيِّ إِذَا بَلَغَ وَصَرَّحَ بِالْكُفْرِ، وَأَنَّهُ هَلْ يَجِبُ التَّلَفُّظُ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ؟ إِنْ قُلْنَا: لَوْ صَرَّحَ بِالْكُفْرِ كَانَ مُرْتَدًّا، لَمْ يَجِبْ، لِأَنَّهُ
مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُجْعَلُ مُرْتَدًّا، وَجَبَ، حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّلَفُّظِ، مَاتَ كَافِرًا.
فَرْعٌ
يَصِحُّ إِسْلَامُ الْكَافِرِ بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ «الشَّامِلِ» وَغَيْرُهُ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَى الْكَلِمَةِ. فَلَوْ لُقِّنَ الْعَجَمِيُّ الشَّهَادَةَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَتَلَفَّظَ بِهَا وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا، لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ، وَإِذَا تَلَفَّظَ الْعَبْدُ بِالْإِسْلَامِ بِلُغَتِهِ، وَسَيِّدُهُ لَا يَعْرِفُ لُغَتَهُ، فَلَا بُدَّ مِمَّنْ يُعَرِّفُهُ بِلُغَتِهِ لِيَعْتِقَهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ.
قُلْتُ: إِسْلَامُهُ بِالْعَجَمِيَّةِ صَحِيحٌ، إِنْ لَمْ يُحْسِنِ الْعَرَبِيَّةَ قَطْعًا، وَكَذَا إِنْ أَحْسَنَهَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَالْوَجْهُ بِالْمَنْعِ مَشْهُورٌ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ «التَّتِمَّةِ» وَغَيْرِهِ، وَيَكْفِي السَّيِّدَ فِي مَعْرِفَةِ لُغَةِ الْعَبْدِ قَوْلُ ثِقَةٍ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ، كَمَا يَكْفِي فِي مَعْرِفَةِ قَوْلِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
يَصِحُّ إِسْلَامُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ. وَقِيلَ: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إِلَّا إِذَا صَلَّى بَعْدَ الْإِشَارَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ، وَحَمَلَ النَّصَّ عَلَى مَا إِذَا لَمْ تَكُنِ الْإِشَارَةُ مُفْهَمَةً.
فَرْعٌ
ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي «الْمُخْتَصَرِ» فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْإِسْلَامَ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيَبْرَأُ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ، وَاقْتَصَرَ فِي مَوَاضِعَ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ، وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْبَرَاءَةَ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ، بَلْ إِنْ كَانَ الْكَافِرُ مِمَّنْ يَعْتَرِفُ بِأَصْلِ رِسَالَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ يَقُولُونَ: مُرْسَلٌ إِلَى الْعَرَبِ فَقَطْ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْبَرَاءَةِ، وَإِنْ
كَانَ يُنْكِرُ أَصْلَ الرِّسَالَةِ كَالْوَثَنِيِّ، كَفَى فِي إِسْلَامِهِ الشَّهَادَتَانِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا التَّفْصِيلَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي كِتَابِ «قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ» ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ خِلَافًا لِلْأَصْحَابِ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْبَرَاءَةِ قَالَ: وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ.
قُلْتُ: فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، حَكَاهَا صَاحِبُ «الْحَاوِي» . وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ، وَالثَّانِي: أَنَّ التَّبَرُّؤَ شَرْطٌ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، أَنَّ كَلِمَتَيِ الشَّهَادَتَيْنِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا، وَلَا يَحْصُلُ الْإِسْلَامُ إِلَّا بِهِمَا، وَحَكَى الْإِمَامُ مَعَ ذَلِكَ طَرِيقَةً أُخْرَى مَنْسُوبَةً إِلَى الْمُحَقِّقِينَ، أَنَّ مَنْ أَتَى مِنَ الشَّهَادَتَيْنِ بِكَلِمَةٍ تُخَالِفُ مُعْتَقَدَهُ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ أَتَى مِنْهُمَا بِمَا يُوَافِقُهُ، لَمْ يُحْكَمْ، فَإِذَا وَحَّدَ الثَّنَوِيُّ، أَوْ قَالَ الْمُعَطِّلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، جُعِلَ مُسْلِمًا، وَعُرِضَ عَلَيْهِ شَهَادَةُ الرِّسَالَةِ، فَإِنْ أَنْكَرَ، صَارَ مُرْتَدًّا. وَالْيَهُودِيُّ إِذَا قَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَحَكَى عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ خِلَافًا فِي أَنَّ الْيَهُودِيَّ أَوِ النَّصْرَانِيَّ إِذَا اعْتَرَفَ بِصَلَاةٍ تُوَافِقُ مِلَّتَنَا، أَوْ حُكْمٍ يَخْتَصُّ بِشَرِيعَتِنَا، هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ إِسْلَامًا؟ وَقَالَ: مَيْلُ مُعْظَمِ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى كَوْنِهِ إِسْلَامًا، وَعَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي ضَبْطِهِ، أَنَّهُ قَالَ: كُلَّمَا كَفَرَ الْمُسْلِمُ بِجَحْدِهِ، صَارَ الْكَافِرُ الْمُخَالِفُ لَهُ مُسْلِمًا بِعَقْدِهِ. ثُمَّ إِنْ كَذَّبَ غَيْرَ مَا صَدَّقَ بِهِ، كَانَ مُرْتَدًّا، وَالْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ مَا قَدَّمْنَاهُ.
فَرْعٌ
اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه أَنْ يُمْتَحَنَ الْكَافِرُ عِنْدَ إِسْلَامِهِ بِإِقْرَارِهِ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: السَّلَامَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ يُضِرُّ بِالْعَمَلِ إِضْرَارًا بَيِّنًا، فَلَا يُجْزِئُ الزَّمِنُ، وَلَا مَنْ يُجَنُّ أَكْثَرَ الْأَوْقَاتِ، فَإِنْ كَانَتْ إِفَاقَتُهُ أَكْثَرَ، أَجْزَأَ، وَكَذَا إِنِ اسْتَوَيَا عَلَى الْأَصَحِّ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِيمَنْ يُجَنُّ وَيُفِيقُ، هُوَ الْمَذْهَبُ. وَفِي «الْمُسْتَظْهِرِيِّ» وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَإِنْ كَانَتْ إِفَاقَتُهُ أَكْثَرَ، وَهُوَ غَلَطٌ مُخَالِفٌ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَالدَّلِيلِ.
وَاخْتَارَ صَاحِبُ «الْحَاوِي» طَرِيقَةً حَسَنَةً فَقَالَ: إِنْ كَانَ زَمَنُ الْجُنُونِ أَكْثَرَ، لَمْ يُجْزِئْهُ، وَإِنْ كَانَتِ الْإِفَاقَةُ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ فِي الْحَالِ، أَجْزَأَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ إِلَّا بَعْدَ حِينٍ، لَمْ يُجْزِئْ. قَالَ: وَيُجْزِئُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، لِأَنَّ زَوَالَهُ مَرْجُوٌّ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا يُجْزِئُ مَرِيضٌ لَا يُرْجَى زَوَالُ مَرَضِهِ، كَصَاحِبِ السُّلِّ، فَإِنْ رُجِيَ، أَجْزَأَ، فَلَوْ أَعْتَقَ مَنْ لَا يُرْجَى، فَزَالَ مَرَضُهُ، أَوْ مَنْ يُرْجَى فَمَاتَ وَلَمْ يَزُلْ، أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا، وَلَوْ أَعْتَقَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَتْلٌ، قَالَ الْقَفَّالُ: إِنْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ أَنْ يُقَدَّمَ لِلْقَتْلِ، أَجْزَأَهُ، وَإِلَّا فَلَا، كَمَرِيضٍ لَا يُرْجَى، وَلَا يُجْزِئُ مَقْطُوعُ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ، وَلَا مَقْطُوعُ أُنْمُلَةٍ مِنْ إِبْهَامِ الْيَدِ، وَيُجْزِئُ مَقْطُوعُ أُنْمُلَةٍ مِنْ غَيْرِهَا، حَتَّى لَوْ قُطِعَ أَنَامِلُهُ الْعُلْيَا مِنْ أَصَابِعِهِ الْأَرْبَعِ، أَجْزَأَهُ، وَلَا يُجْزِئُ مَقْطُوعُ أُنْمُلَتَيْنِ مِنَ السَّبَّابَةِ، أَوِ الْوُسْطَى، وَيُجُزِئُ مَقْطُوعُ جَمِيعِ الْخِنْصِرِ مِنْ يَدٍ، وَالْبِنْصِرِ مِنَ الْيَدِ الْأُخْرَى، وَلَا يُجْزِئُ مَقْطُوعُهُمَا مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ، وَيُجْزِئُ مَقْطُوعُ جَمِيعِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: هُوَ كَقَطْعِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ، وَالْأَشَلُّ كَالْأَقْطَعِ.
قُلْتُ: الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ، هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي طَرِيقَةِ
الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَخَالَفَهُمْ صَاحِبُ «الْحَاوِي» ، فَجَزَمَ بِأَنَّهُ إِذَا قُطِعَ أُصْبُعَانِ مِنْ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ، أَوِ الْإِبْهَامُ وَحْدَهَا مِنْ رِجْلٍ، لَمْ يُجْزِئْ، وَإِلَّا فَيُجْزِئُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
يُجْزِئُ نِضْوُ الْخَلْقِ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ، وَالْأَحْمَقُ، وَهُوَ مَنْ يَضَعُ الشَّيْءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِقُبْحِهِ، وَيُجْزِئُ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ، إِلَّا أَنْ يَعْجَزَ عَنِ الْعَمَلِ وَالْكَسْبِ. وَفِي «التَّجْرِبَةِ» لِلرُّويَانِيِّ، أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا: يُجْزِئُ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ، وَمَنَعَهُ الْقَفَّالُ إِذَا عَجَزَ عَنِ الْعَمَلِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَفِي هَذَا إِثْبَاتُ خِلَافٍ فِي الشَّيْخِ الْعَاجِزِ، وَيُجْزِئُ الْأَعْرَجُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَرَجُ شَدِيدًا يَمْنَعُ مُتَابَعَةَ الْمَشْيِ، وَيُجْزِئُ الْأَعْوَرُ دُونَ الْأَعْمَى.
قُلْتُ: الْمُرَادُ أَعْوَرُ لَمْ يَضْعُفْ نَظَرُ عَيْنِهِ السَّلِيمَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي «الْأُمِّ» : فَإِنْ ضَعُفَ بَصَرُهَا، فَأَضَرَّ بِالْعَمَلِ إِضْرَارًا بَيِّنًا، لَمْ يُجْزِئْهُ، قَالَ صَاحِبُ «الْحَاوِي» : إِنْ كَانَ ضَعْفُ الْبَصَرِ يَمْنَعُ مَعْرِفَةَ الْخَطِّ وَإِثْبَاتَ الْوُجُوهِ الْقَرِيبَةِ مُنِعَ، وَإِلَّا فَلَا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيُجْزِئُ الْأَصَمُّ، وَحُكِيَ فِيهِ قَوْلٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُثْبِتْهُ، وَحُمِلَ مَا نُقِلَ عَلَى مَا إِذَا كَانَ لَا يَسْمَعُ مَعَ الْمُبَالَغَةِ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ، وَيُجْزِئُ الْأَخْرَسُ الَّذِي يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ.
وَعَنِ الْقَدِيمِ مَنْعُهُ، فَقِيلَ: قَوْلَانِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا عَلَى حَالَيْنِ، فَالْإِجْزَاءُ فِيمَنْ يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ، وَالْمَنْعُ فِيمَنْ لَا يَفْهَمُهَا. وَقِيلَ: الْإِجْزَاءُ إِذَا لَمْ يَنْضَمَّ إِلَى الْخَرَسِ صَمَمٌ، وَالْمَنْعُ إِذَا انْضَمَّ، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ عَنِ ابْنِ الْوَكِيلِ الْقَطْعَ بِالْمَنْعِ إِذَا انْضَمَّ، وَقَوْلَيْنِ إِذَا تَجَرَّدَ الْخَرَسُ. وَيُجْزِئُ الْأَقْرَعُ، وَمَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ، وَالْأَخْشَمُ، وَمَقْطُوعُ الْأَنْفِ، وَالْأَبْرَصُ، وَالْمَجْذُومُ، وَالْخَصِيُّ، وَالْمَجْبُوبُ، وَالْأَمَةُ، وَالرَّتْقَاءُ، وَالْقُرَنَاءُ، وَمَفْقُودُ الْأَسْنَانِ، وَوَلَدُ
الزِّنَا، وَضَعِيفُ الْبَطْشِ، وَالصَّغِيرُ، وَلَا يُجْزِئُ الْجَنِينُ وَإِنِ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْإِعْتَاقِ، وَقِيلَ: إِنِ انْفَصَلَ لِذَلِكَ، تَبَيَّنَّا الْإِجْزَاءَ، وَلَا يُحْكَمُ فِي الْحَالِ بِالْإِجْزَاءِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
قُلْتُ: قَالَ صَاحِبُ «الْحَاوِي» : يُجْزِئُ عِتْقُ مَنْ لَا يُحْسِنُ صَنْعَةً، قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يُؤَثِّرُ ضَعِيفُ الرَّأْيِ وَالْخَرِقُ، وَالْكَوَعُ وَالْوَكَعُ، وَيُجْزِئُ الْفَاسِقُ.
قَالَ صَاحِبُ «الْحَاوِي» : وَأَمَّا شِجَاجُ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ، فَإِنْ كَانَتْ مُنْدَمِلَةً مَعَ سَلَامَةِ الْأَعْضَاءِ، لَمْ تَضُرَّ وَإِنْ شَانَتْهُ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُنْدَمِلَةٍ، أَجْزَأَ مِنْهَا مَا كَانَ دُونَ مَأْمُومَةِ الرَّأْسِ وَجَائِفَةِ الْبَدَنِ، لِأَنَّهَا غَيْرُ مَخُوفَةٍ، وَلَا يُجْزِئَانِ لِأَنَّهُمَا مَخُوفَتَانِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: كَمَالُ الرِّقِّ.
وَفِيهِ مَسَائِلُ: إِحْدَاهَا: لَا يُجْزِئُ إِعْتَاقُ الْمُسْتَوْلَدَةِ وَلَا الْمُكَاتَبِ، سَوَاءٌ أَدَّى شَيْئًا مِنَ النُّجُومِ، أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَتِ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً، أَجْزَأَ إِعْتَاقُهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ قَالَ لِلْمُكَاتَبِ: إِذَا عَجَزْتَ عَنِ النُّجُومِ فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي، فَعَجَزَ، عَتَقَ، وَلَمْ يُجْزِئْ عَنِ الْكَفَّارَةِ، لِأَنَّهُ حِينَ عَلَّقَ لَمْ يَكُنْ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ. كَذَا وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ الْكَافِرِ: إِذَا أَسْلَمْتَ، فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي، فَأَسْلَمَ، أَوْ قَالَ: إِنْ خَرَجَ الْجَنِينُ سَلِيمًا، فَهُوَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي، فَخَرَجَ سَلِيمًا.
وَلَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ عَنِ الْكَفَّارَةِ بِدُخُولِ الدَّارِ، ثُمَّ كَاتَبَ الْعَبْدَ، ثُمَّ دَخَلَ، فَهَلْ يُجْزِئُ عَنِ الْكَفَّارَةِ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ التَّعْلِيقِ، أَمْ لَا، لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الْعِتْقِ عَنِ الْكِتَابَةِ وَقْتَ الْحُصُولِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: قَالَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ: إِذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ فِي جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ، أَجْزَأَ إِعْتَاقُهَا عَنِ الْكَفَّارَةِ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا فَأَعْتَقَهَا عَنِ الْكَفَّارَةِ، لَا يُجْزِئُهُ، وَيَقَعُ الْعِتْقُ تَطَوُّعًا، وَلَا يُرِيدَ عِتْقَهَا، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إِذَا أَعْتَقَهُ عَنْ
الْكَفَّارَةِ، عَتَقَ وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْهَا، سَوَاءٌ جَوَّزْنَا بَيْعَهُ أَمْ لَا، بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ عَلَى الْقَوْلِ الشَّاذِّ، لِأَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ يَنْقَطِعُ أَثَرُهَا بِالْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا أَدَّى النُّجُومَ إِلَى الْمُشْتَرِي عَتَقَ، ثُمَّ إِذَا عَتَقَ الْمُكَاتَبُ، تَبِعَهُ أَوْلَادُهُ وَأَكْسَابُهُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ لَا تُسْتَتْبَعُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يُتْبِعُونَهَا فِي الْعِتْقِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ، وَلَمْ يَحْصُلْ، وَأَوْلَادُ الْمُكَاتَبِ يَتْبَعُونَهُ إِذَا عَتَقَ بِأَدَاءِ النُّجُومِ أَوِ الْبَرَاءَةِ مِنْهَا، وَهَذَا فِي مَعْنَى الْإِبْرَاءِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَنَوَى كَوْنَ الْعِتْقِ عَنِ الْكَفَّارَةِ، فَعَنِ الْأَوْدَنِيِّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَكَذَا لَوْ وُهِبَ لَهُ، فَقَبِلَهُ، أَوْ أُوصَى لَهُ بِهِ، فَقَبِلَ وَقُلْنَا: تُمْلَكُ الْوَصِيَّةُ بِالْقَبُولِ، وَنَوَى الْعِتْقَ عَنِ الْكَفَّارَةِ، وَكَذَا لَوْ وَرِثَهُ أَوْ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِهِ، ثُمَّ عَجَّزَهُ السَّيِّدُ، وَنَوَى عِتْقَ قَرِيبِهِ عَنِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ بِجِهَةِ الْقَرَابَةِ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ. الثَّالِثَةُ: لَوِ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ، فَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إِعْتَاقُهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ.
الرَّابِعَةُ: إِذَا أَعْتَقَ عَنِ الْكَفَّارَةِ مَرْهُونًا، بُنِيَ عَلَى الْخِلَافِ فِي نُفُوذِ عِتْقِهِ، إِنْ نَفَّذْنَاهُ، أَجْزَأَ عَنِ الْكَفَّارَةِ إِذَا نَوَاهَا، وَكَذَا إِنْ لَمْ نُنَفِّذْهُ فِي الْحَالِ وَنَفَّذْنَاهُ بَعْدَ الِانْفِكَاكِ بِاللَّفْظِ السَّابِقِ، وَيَكُونُ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَنِ الْكَفَّارَةِ بِشَرْطٍ.
وَإِعْتَاقُ الْجَانِي عَنِ الْكَفَّارَةِ يُبْنَى عَلَى نُفُوذِ إِعْتَاقِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَيْعِ. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ الْمَرْهُونُ وَالْجَانِي عَنِ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِنُفُوذِ الْعِتْقِ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِمَا، وَنُقْصَانِ التَّصَرُّفَاتِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إِذَا نَفَّذْنَاهُ رَفَعَ حَقَّ تَعَلُّقِ الْغَيْرِ، وَرَجَعَ إِلَى الْفِدَاءِ، وَالْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ لَا يُجْزِئُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَالْمُسْتَأْجَرُ إِنْ قُلْنَا: يَرْجِعُ عَلَى السَّيِّدِ بِأُجْرَةِ مَنَافِعِهِ، أَجْزَأَهُ، وَإِلَّا فَلَا، لِنُقْصَانِ مَنَافِعِهِ.
قُلْتُ: وَلَوْ أَعْتَقَ عَنِ الْكَفَّارَةِ مَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فِي الْمُحَارَبَةِ، أَجْزَأَهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْخَامِسَةُ: يُجْزِئُ الْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَلَوْ أَرَادَ بَعْدَ التَّعْلِيقِ أَنْ يَجْعَلَ الْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ عِنْدَ حُصُولِهِ عَنِ الْكَفَّارَةِ، لَمْ يُجْزِئْهُ. مِثَالُهُ: قَالَ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ، فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ دَخَلْتَهَا فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي، فَيُعْتَقُ بِالدُّخُولِ وَلَا يُجْزِئُهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ بِالتَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ.
السَّادِسَةُ: أَعْتَقَ عَنِ الْكَفَّارَةِ حَامِلًا، أَجْزَأَهُ، وَعَتَقَ الْحَمْلُ تَبَعًا، وَلَوِ اسْتَثْنَى الْحَمْلَ، عَتَقَا، وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، وَأَجْزَأَهُ عِتْقُهَا عَنِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَحَكَى الْمُتَوَلِّي قَوْلًا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، لِأَنَّ الْعِتْقَ عَنِ الْكَفَّارَةِ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى التَّغْلِيبِ، فَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا يَبْطُلُ بِهِ الْبَيْعُ، بِخِلَافِ مُطْلَقِ الْعِتْقِ.
السَّابِعَةُ: مَلَكَ نِصْفَ عَبْدٍ، فَأَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَةٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ مَلَكَ بَاقِيَهُ فَأَعْتَقَهُ عَنْ تِلْكَ الْكَفَّارَةِ، أَجْزَاهُ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ فِي أَوْقَاتٍ، فَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ إِعْتَاقِ بَاقِيهِ، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ فَرَّقَ وُضُوءَهُ، وَجَوَّزْنَاهُ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ، حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ. وَلَوْ مَلَكَ نِصْفًا مِنْ عَبْدٍ، وَنِصْفًا مِنْ آخَرَ، فَأَعْتَقَ النِّصْفَيْنِ عَنِ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: لَا يُجْزِئُهُ، قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ خَيْرَانَ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى عِتْقَ رَقَبَةٍ، وَكَمَا لَا يُجْزِئُ شِقْصَانِ فِي الْأُضْحِيَّةِ. وَالثَّانِي: يُجْزِئُهُ، وَأَصَحُّهُمَا: يُجْزِئُهُ إِنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا، وَإِلَّا فَلَا.
وَتَجْرِي الْأَوْجُهُ فِي ثُلُثِ أَحَدِهِمَا، وَثُلُثَيِ الْآخَرِ وَنَظَائِرِهِمَا. وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ عَنْ ظِهَارَيْنِ، أَوْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ، فَأَعْتَقَ عَبْدَيْنِ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفًا مِنْ هَذَا، وَنِصْفًا مِنْ هَذَا، أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
وَقِيلَ: فِيهِ خِلَافٌ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ، اخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّتِهِ، فَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ يُعْتِقُ نِصْفَ كُلِّ عَبْدٍ عَنْ كَفَّارَةٍ كَمَا أَوْقَعَهُ، وَعَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ خَيْرَانَ: يَقَعُ عَبْدٌ عَنْ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ، وَعَبْدٌ عَنْ هَذِهِ، وَيَلْغُو تَعَرُّضُهُ لِلتَّنْصِيفِ. وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ كَفَّارَتَيْنِ، فَفِيهِ وَجْهٌ: يُعْتَدُّ بِهِ وَعَلَيْهِ إِتْمَامُ كُلِّ وَاحِدَةٍ، قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّقْدِيرِ.
فَرْعٌ
إِذَا أَعْتَقَ مُوسِرٌ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ، سَرَى إِلَى نَصِيبِ صَاحِبِهِ، وَهَلْ تَحْصُلُ السِّرَايَةُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ، أَمْ عِنْدَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ، أَمْ مَوْقُوفٌ؟ فَإِذَا أَدَّى تَبَيَّنَّا حُصُولَ الْعِتْقِ بِاللَّفْظِ، فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. وَلَوْ أَعْتَقَ جَمِيعَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، فَمَتَى يُعْتَقُ نَصِيبُ الشَّرِيكِ؟ فِيهِ الْأَقْوَالُ، فَإِنْ قُلْنَا: يُعْتَقُ بِاللَّفْظِ، فَهَلْ نَقُولُ: عَتَقَ الْجَمِيعُ دُفْعَةً، أَمْ يُعْتَقُ نَصِيبُهُ ثُمَّ يَسْرِي؟ وَجْهَانِ. وَكُلُّ هَذَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
[فِي كِتَابِ الْعِتْقِ] مَبْسُوطًا.
وَغَرَضُنَا هُنَا أَنَّ إِعْتَاقَ الْمُشْرِكِ عَنِ الْكَفَّارَةِ جَائِزٌ، سَوَاءٌ وَجَّهَ الْعِتْقَ إِلَى جُمْلَتِهِ، أَمْ إِلَى نَصِيبِهِ فَقَطْ لِحُصُولِ الْعِتْقِ بِالسِّرَايَةِ فِي الْحَالَيْنِ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: لَا يُجْزِئُ عَنْ جَمِيعِ الْكَفَّارَةِ إِذَا وَجَّهَ الْعِتْقَ إِلَى نَصِيبِهِ فَقَطْ، لِأَنَّ نَصِيبَ الشَّرِيكِ عَتَقَ بِالشَّرْعِ، لَا بِإِعْتَاقِهِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ يَنْظُرُ، فَإِنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَنَوَى عِتْقَ الْجَمِيعِ عَنِ الْكَفَّارَةِ، أَجْزَاهُ عَنْهَا إِنْ قُلْنَا: يَسْرِي عِنْدَ اللَّفْظِ، أَوْ مَوْقُوفٌ. وَإِنْ قُلْنَا: يَسْرِي عِنْدَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ، فَهَلْ تَكْفِيهِ هَذِهِ النِّيَّةُ لِنَصِيبِ الشَّرِيكِ، أَمْ يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ عِنْدَ الْأَدَاءِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: تَكْفِي لِاقْتِرَانِهَا بِالْعِتْقِ، إِلَّا أَنَّهُ وَقَعَ مُرَتَّبًا.
وَلَوْ نَوَى فِي الْحَالِ صَرْفَ الْعِتْقِ فِي نَصِيبِهِ إِلَى الْكَفَّارَةِ، وَنَوَى عِنْدَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ صَرْفَ الْعِتْقِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ إِلَيْهَا، أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الْجَمِيعَ فِي الِابْتِدَاءِ، لِأَنَّ
سَبَبَ عِتْقِ الْجَمِيعِ لَفْظُهُ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِدُخُولِ الدَّارِ، يُشْتَرَطُ فِي الْإِجْزَاءِ عَنِ الْكَفَّارَةِ نِيَّتُهَا عِنْدَ التَّعْلِيقِ، وَلَا يَكْفِي اقْتِرَانُهَا بِالدُّخُولِ، فَحَصَلَ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ بَيْنَ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عِنْدَ اللَّفْظِ وَتَأْخِيرِهَا إِلَى الْأَدَاءِ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا نَوَى عِتْقَ الْجَمِيعِ عَنِ الْكَفَّارَةِ وَوَجَّهَ الْعِتْقَ إِلَى نَصِيبِهِ.
أَمَّا إِذَا وَجَّهَ الْعِتْقَ إِلَى [نَصِيبِهِ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ، وَلَمْ يَنْوِ الْبَاقِيَ، فَلَا يَنْصَرِفُ الْبَاقِي إِلَيْهَا وَإِنْ حَكَمْنَا بِعِتْقِهِ فِي الْحَالِ، وَيَجِيءُ فِي وُقُوعِ نَصِيبِهِ عَنِ الْكَفَّارَةِ الْخِلَافُ] السَّابِقُ فِي إِعْتَاقِ بَعْضِ رَقَبَةٍ، وَحَكَى صَاحِبُ «الشَّامِلِ» وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّ الْبَاقِيَ يَنْصَرِفُ إِلَى الْكَفَّارَةِ
[تَبَعًا لِنَصِيبِهِ كَمَا تَبِعَهُ فِي أَصْلِ الْعِتْقِ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْجَمِيعَ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ] وَقُلْنَا: يَسْرِي عِنْدَ اللَّفْظِ أَوْ مَوْقُوفٌ، أَجْزَأَهُ، وَإِنْ قُلْنَا بِحُصُولِهِ عِنْدَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ، فَفِي «التَّهْذِيبِ» الْقَطْعُ بِالْإِجْزَاءِ، وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَعُودَ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِيمَا إِذَا وَجَّهَ الْعِتْقَ إِلَى نَصِيبِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: الْعَبْدُ الْغَائِبُ، إِنْ عَلِمَ حَيَاتَهُ، أَجْزَأَهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، وَإِنِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، فَلَوْ أَعْتَقَهُ عَنْهَا، ثُمَّ تَوَاصَلَتْ أَخْبَارُ حَيَاتِهِ، تَبَيَّنَّا إِجْزَاءَهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ لِحُصُولِ الْعِتْقِ فِي مِلْكٍ تَامٍّ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ. وَالْآبِقُ وَالْمَغْصُوبُ يُجْزِئَانِ إِذَا عُلِمَ حَيَاتُهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ لِكَمَالِ الرِّقِّ.
قُلْتُ: الصَّوَابُ مَا قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، أَنَّ الْآبِقَ يُجْزِئُ قَطْعًا لِاسْتِقْلَالِهِ بِمَنَافِعِهِ كَالْغَائِبِ.
وَأَمَّا الْمَغْصُوبُ، فَأَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ: عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ قَطْعًا، لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ كَالزَّمِنِ، وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَلَى الْإِجْزَاءِ لِتَمَامِ الْمِلْكِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ
ثَالِثٌ قَالَهُ صَاحِبُ «الْحَاوِي» : إِنْ قَدَرَ الْعَبْدُ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْ غَاصِبِهِ بِهَرَبٍ إِلَى سَيِّدِهِ، أَجْزَأَهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَنَافِعِ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخَلَاصِ، فَالْإِجْزَاءُ مَوْقُوفٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِتْقُهُ مَوْقُوفًا كَالْغَائِبِ إِذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَوِيٌّ جِدًّا، وَحَيْثُ صَحَّحْنَا عِتْقَ الْغَائِبِ، وَالْآبِقِ، وَالْمَغْصُوبِ، أَجْزَأَهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، سَوَاءٌ عَلِمَ الْعَبْدُ بِالْعِتْقِ أَمْ لَا، لِأَنَّ عِلْمَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ، فَكَذَا فِي الْإِجْزَاءِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ «الْحَاوِي» . - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: خُلُوُّ الْإِعْتَاقِ عَنْ شَوْبِ الْعِوَضِ، فَلَوْ أَعْتَقَ عَنْ كَفَّارَةٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ دِينَارًا مَثَلًا، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ وَجْهًا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَاصِلٌ، وَيَسْقُطُ الْعِوَضُ، كَمَا لَوْ قَالَ: صَلِّ الظُّهْرَ لِنَفْسِكَ وَلَكَ دِينَارٌ، فَصَلَّى، أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَلَوْ شَرَطَ عِوَضًا عَلَى غَيْرِ الْعَبْدِ، فَلَوْ قَالَ الْإِنْسَانُ: أَعْتَقْتُ عَبْدِي هَذَا عَنْ كَفَّارَتِي بِأَلْفٍ عَلَيْكَ، فَقَبِلَ، أَوْ قَالَ لَهُ إِنْسَانٌ: أَعْتِقْهُ عَنْ كَفَّارَتِكَ، وَعَلَيَّ كَذَا، فَفَعَلَ، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، وَسَوَاءٌ قَدَّمَ فِي الْجَوَابِ ذِكْرَ الْكَفَّارَةِ، فَقَالَ: أَعْتَقْتُهُ عَنْ كَفَّارَتِي بِأَلْفٍ عَلَيْكَ، أَوْ عَكَسَ، فَقَالَ: أَعْتَقْتُهُ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْكَ أَلْفًا عَنْ كَفَّارَتِي.
وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَجْهٌ أَنَّهُ إِذَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْكَفَّارَةِ، أَجْزَأَهُ وَسَقَطَ الْعِوَضُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَسَوَاءٌ قَالَ فِي الْجَوَابِ: أَعْتَقْتُهُ عَنْ كَفَّارَتِي، عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْكَ كَذَا، أَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَعْتَقْتُهُ عَنْ كَفَّارَتِي، فَإِنَّهُ يُبْنَى عَلَى الْخِطَابِ وَالِالْتِمَاسِ، وَفِي اسْتِحْقَاقِهِ الْعِوَضُ عَلَى الْمُلْتَمِسِ وَجْهَانِ سَنَذْكُرُهُمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَخْتَصَّانِ بِمَا إِذَا قَالَ: أَعْتَقْتُهُ عَنْ كَفَّارَتِكَ، بَلْ يُجْزِئَانِ فِيمَا إِذَا الْتَمَسَ مِنْهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ عَنْ نَفْسِهِ مُطْلَقًا بَعِوَضٍ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَسْتَحِقُّ عِوَضًا وَقَعَ الْعِتْقُ، وَلَهُ الْوَلَاءُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَسْتَحِقُّ عِوَضًا، فَعَمَّنْ يَقَعُ الْعِتْقُ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: عَنْ بَاذِلِ الْعِوَضِ، وَبِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ، وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ.