الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ اللَّعَانِ وَالْقَذْفِ
فِيهِ أَبْوَابٌ.
الْأَوَّلُ: فِي أَلْفَاظِ الْقَذْفِ وَأَحْكَامِهِ الْعَامَّةِ، وَفِيهِ طَرَفَانِ.
الْأَوَّلُ: فِي أَلْفَاظِهِ وَهِيَ، صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ، وَتَعْرِيضٌ.
الْأَوَّلُ: الصَّرِيحُ، وَفِيهِ مَسَائِلُ.
إِحْدَاهَا: لَفْظُ الزِّنَا صَرِيحٌ كَقَوْلِهِ: زَنَيْتَ، أَوْ يَا زَانٍ، أَوْ يَقُولُ لِلْمَرْأَةِ: زَنَيْتِ، أَوْ يَا زَانِيَةُ.
وَالنَّيْكُ وَإِيلَاجُ الْحَشَفَةِ أَوِ الذَّكَرِ صَرِيحَانِ مَعَ الْوَصْفِ بِالْحَرَامِ، لِأَنَّ مُطْلَقَهُمَا يَقَعُ عَلَى الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي «بَابِ الْإِيلَاءِ» فِي الْجِمَاعِ وَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ، هَلْ هِيَ صَرِيحَةٌ يَعُودُ هُنَا فَمَا كَانَ صَرِيحًا وَانْضَمَّ إِلَيْهِ الْوَصْفُ بِالتَّحْرِيمِ، كَانَ قَذْفًا. وَلَوْ قَالَ: عَلَوْتِ عَلَى رَجُلٍ حَتَّى دَخَلَ ذَكَرُهُ فِي فَرْجِكِ، فَهُوَ قَذْفٌ.
الثَّانِيَةُ: إِذَا رَمَى بِالْإِصَابَةِ فِي الدُّبُرِ، كَقَوْلِهِ: لُطْتِ أَوْ لَاطَ بِكِ فُلَانٌ، فَهُوَ قَذْفٌ، سَوَاءٌ خُوطِبَ بِهِ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ. وَلَوْ قَالَ: يَا لُوطِيُّ، فَهُوَ كِنَايَةٌ.
قُلْتُ: قَدْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُرْفِ، لِإِرَادَةِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، بَلْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إِلَّا هَذَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ، وَإِلَّا فَيَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ، فِيمَا إِذَا شَاعَ لَفْظٌ فِي الْعُرْفِ، كَقَوْلِهِ: الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَشَبَهُهُ، هَلْ هُوَ صَرِيحٌ، أَمْ كِنَايَةٌ؟
وَأَمَّا احْتِمَالُ كَوْنِهِ أَرَادَ عَلَى دِينِ قَوْمِ لُوطٍ صلى الله عليه وسلم، فَلَا يَفْهَمُهُ الْعَوَامُّ أَصْلًا، وَلَا يَسْبِقُ إِلَى فَهْمِ غَيْرِهِمْ، فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ، وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ كِنَايَةٌ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّالِثَةُ: قَالَ: أَتَيْتَ بَهِيمَةً، وَقُلْنَا: يُوجِبُ الْحَدَّ، فَهُوَ قَذْفٌ. أَمَّا الْكِنَايَةُ، فَكَقَوْلِهِ لِلْقُرَشِيِّ: يَا نَبَطِيُّ، وَلِلرَّجُلِ: يَا فَاجِرُ، يَا فَاسِقُ، يَا خَبِيثُ، وَلِلْمَرْأَةِ: يَا خَبِيثَةُ، يَا شَبِقَةُ، وَأَنْتِ تُحِبِّينَ الْخَلْوَةَ، وَفُلَانَةٌ لَا تَرُدُّ يَدَ لَامَسٍ وَشَبَهُهَا، فَإِنْ أَرَادَ النِّسْبَةَ إِلَى الزِّنَا، فَقَذْفٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا أَنْكَرَ الْإِرَادَةَ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا عَرَضَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، فَلَيْسَ لَهُ الْحَلْفُ كَاذِبًا دَفْعًا لِلْحَدِّ، أَوْ تَحَرُّزًا عَنْ تَمَامِ الْإِيذَاءِ. وَلَوْ خَلَّى وَلَمْ يَحْلِفْ، فَالْمَحْكِيُّ عَنِ الْأَصْحَابِ، أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِظْهَارُ لِيُسْتَوْفَى مِنْهُ الْحَدُّ، وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ، كَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا فِي خُفْيَةٍ، يَجِبُ عَلَيْهِ إِظْهَارُهُ لِيُقْتَصَّ مِنْهُ، أَوْ يُعْفَى عَنْهُ. وَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ، وَمَالَ إِلَيْهِ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِظْهَارُ، لِأَنَّهُ إِيذَاءٌ، فَيَبْعُدُ إِيجَابُهُ، وَعَلَى هَذَا لَا يُحْكَمُ بِوُجُوبِ الْحَدِّ مَا لَمْ يُوجَدِ الْإِيذَاءُ التَّامُّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: لَمْ أَجِدْكِ عَذْرَاءَ، أَوْ وَجَدْتُ مَعَكِ رَجُلًا، فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَحُكِيَ عَنِ الْقَدِيمِ أَنَّهُ صَرِيحٌ، وَلَوْ قَالَهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ، فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ قَطْعًا، لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ زَوْجَهَا. وَلَوْ قَالَ: زَنَيْتِ مَعَ فُلَانٍ، فَصَرِيحٌ فِي حَقِّهَا دُونَهُ. وَأَمَّا التَّعْرِيضُ، فَكَقَوْلِهِ: يَا ابْنَ الْحَلَالِ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ بِزَانٍ، وَأُمِّي لَيْسَتْ بِزَانِيَةٍ، وَمَا أَحْسَنَ اسْمَكِ فِي الْجِيرَانِ وَشَبَهِهَا، فَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِقَذْفٍ وَإِنْ نَوَاهُ، لِأَنَّ النِّيَّةَ إِنَّمَا تُؤَثِّرُ إِذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ الْمَنَوِيَّ، وَلَا دَلَالَةَ لَهُ هُنَا فِي اللَّفْظِ، وَلَا احْتِمَالَ، وَمَا يُفْهَمُ مِنْهُ مُسْتَنَدُهُ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ، هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ.