الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في سؤال قريش- رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر
قال الله- سبحانه وتعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر/ 1] أي وقع انشقاقه ويؤيده قول الله- سبحانه وتعالى بعد ذلك بآية: يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر/ 2] ، فإنّ ذلك ظاهر في أن المراد وقوع انشقاقه، لأنّ الكفار لا يقولون ذلك يوم القيامة، وإذا تبيّن أنّ قولهم ذلك إنما هو في الدّنيا يتبيّن وقوع الانشقاق وأنه المراد بالآية التي زعموا أنّها سحر.
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود، وكان يقول: خمس قد مضين: الروم، واللزوم والبطشة، والدّخان، والقمر، وقد وردت قصّة انشقاق القمر من حديث ابن مسعود، رواه الإمام أحمد والشيخان والبيهقي وأبو نعيم من طرق عن ابن عمر، ورواه الشيخان والبيهقي عن جبير بن مطعم ورواه الإمام أحمد والترمذي وابن جرير والحاكم والبيهقي عن حذيفة بن اليمان ورواه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم ببعض هذه القصة عن ابن عباس ورواه الإمام أحمد والشيخان وابن جرير وأبو نعيم من طرق وأنس بن مالك ورواه الإمام أحمد والشيخان وأبو نعيم من طرق متقاربة المعنى أدخلت بعضها في بعض عن أهل مكة قال ابن عباس رضي الله عنهما كما عند أبي نعيم اجتمع المشركون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل هشام والعاصي ابن وائل والأسود بن حبر يغوث والأسود بن عبد المطلب والنضر بن الحرث ونظراؤهم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية،
وقالوا: إن كنت صادقا فشقّ لنا القمر فرقتين نصفا على أبي قبيس ونصفا على قعيقعان وفي لفظ: حتى راوحوا من بينهما قدر ما بين العصر إلى الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«اشهدوا» ،
فنظر الكفّار ثم مالوا بأبصارهم فمحوها ثم أعادوا النّظر فنظروا ثم مسحوا أعينهم ثم نظروا فقالوا: سحر محمد أعيننا، فقال بعضهم لبعض: لئن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر النّاس كلّهم، فانظروا إلى السّفّار، فإن أخبروكم أنّهم رأوا مثل ما رأيتم، فقد صدق فكانوا يلتقون الرّكب فيخبرونهم أنّهم رأوا مثل ما رأوا فيكذبونهم فأنزل الله عز وجل «اقتربت السّاعة» .
تنبيهات
الأول: لم ينشقّ القمر لأحد غير نبينا صلى الله عليه وسلم.
الثاني: وقع في بعض الروايات عن أنس: فأراهم انشقاق القمر بمكة مرّتين رواه الإمام أحمد ومسلم.
قال الحافظ ابن كثير: في ذلك نظر، والظّاهر أنّه أراد فرقتين وتكلم ابن القيم على هذه الرّواية فقال: المرات يراد بها الأفعال تارة والأعيان أخرى والأوّل أكثر ومن الثّاني «انشقّ القمر مرّتين» أي شقّتين وفرقتين، وقد خفي على بعض النّاس فادّعى أنّ انشقاق القمر وقع مرّتين، وهذا مما يعلم أهل الحديث والسّير أنه غلط، لأنه لم يقع إلّا مرّة واحدة وقال البيهقي: قد حفظ ثلاثة من أصحاب قتادة وهم سعيد بن أبي عروبة ومعمر بن راشد، وشعبة لكن اختلف عن كلّ منهم في هذه اللّفظة، ولم يختلف على شعبة وهو أحفظهم، ولم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بلفظ مرتين، إنّما فيه «فرقتين أو فلقتين» بالراء أو اللام وكذا في حديث ابن عمر «فلقتين» وفي حديث جبير بن مطعم «فرقتين» وفي لفظ عنه «فانشقّ باثنتين» وفي رواية عن ابن عباس عن أبي نعيم في «الدلائل» «فصار قمرين» وفي لفظ:«شقّتين» وعند الطبراني من حديثه «حتّى رأوا شقّين» قال: ووقع في النّظم لشيخنا الحافظ أبي الفضل: وانشقّ مرّتين بالإجماع، ولا أعرف من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه صلى الله عليه وسلم ولم يتعرض لذلك أحد من شرّاح الصحيحين ثم ذكر كلام ابن القيم وابن كثير قال: وهذا لا يتجه غيره جمعا بين الروايات قال: ثم راجعت نظم شيخنا فوجدته يحتمل التأويل المذكور ولفظه:
فصار فرقتين فرقة علت
…
وفرقة للطود منه نزلت
وذاك مرتين بالإجماع
…
والنص والتواتر السّماع
فجمع بين قوله «فرقتين» وبين قوله «مرتين» فيمكن أن يتعلق قوله بالإجماع بأصل الانشقاق لا بالتعدد، ووقع في بعض الروايات عن ابن مسعود «وانشقّ القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى جزأين» وهذا لا يعارض قول أنس أنّه كان بمكة، لأنّه لم يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ليلة بمكة، وعلى تقدير تصريحه فمنى من جملة مكة، فلا تعارض وقد وقع عند الطبراني من طريق زر بن حبيش عن ابن مسعود رضي الله عنه قال «فرأيته فرقتين» .
قال الحافظ: وإنما قال انشق القمر بمكة يعني أن الانشقاق كان وهم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة، وقول ابن مسعود «انشق القمر نصفين نصفا على جبل أبي قبيس ونصفا على قعيقعان.
قال الحافظ: وهو محمول على ما ذكرت، وكذا ما وقع في غير هذه الرّواية ومثله روايته عن عبد الله بن مسعود وقد وقع عند ابن مردويه بيان المراد فأخرج من وجه آخر عن ابن مسعود وقال: «انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكة قبل أن نصير إلى المدينة فوضع أنّ مراده بذكر مكة الإشارة إلى أن ذلك وقع قبل الهجرة، ونحرر أن ذلك وقع وهم ليلتئذ بمنى.
وقال في موضع آخر في الكلام على الجمع بين روايتي ابن مسعود والجمع بين قول ابن مسعود تارة بمنى وتارة بمكة إمّا باعتبار التعدد إن ثبت، وإمّا بالجمل على أنه كان بمنى ومن قال كان بمكة لا ينافيه لأن من كان بمنى كان بمكة من غير عكس، ويؤيده أن الرواية التي فيها بمنى قال فيها:«ونحن بمنى» ، والرواية التي فيها «مكة» لم يقل فيها ونحن وإنما قال:«انشق بمكة» يعني أن الإنشقاق كان وهم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة، وقول ابن مسعود رضي الله عنه انشق القمر نصفين نصف على أبي قبيس ونصف على قعيقعان وأن لفظ السويد قال الحافظ: كان ليلتئذ بمكة، وعلى تقدير تصريحه فمنى من جملة مكة فلا تعارض، وقد وقع عند الطبراني من طريق ذر بن حبيش عن ابن مسعود قال:«انشق القمر بمكة فرأيته فرقتين، وفي لفظ «السويداء» قال الحافظ: يحتمل أن يكون رآه كذلك وهو بمنى كأن يكون على جبل مرتفع بحيث رأى طرف جبل أبي قبيس، قال: ويحتمل أن يكون القمر استمر منشقا حتى رجع ابن مسعود من منى إلى مكة فرآه كذلك وفيه بعد، والذي يقتضيه غالب الروايات أنّ الإنشقاق كان قرب غروبه يؤيد ذلك إسنادهم الرواية إلى جهة الجبل ثم قال الحافظ:
ويحتمل أن يكون الإنشقاق وقع أول طلوعه فإن في بعض الروايات أن ذلك كان ليلة البدر، أو التعبير بأبي قبيس من تغيير الرواة، لأن الفرض ثبوت رؤيته منشقا إحدى الشقتين على جبل والأخرى على جبل آخر ولا يغير ذلك قول الراوي الآخر «رأيت الجبل بينهما» أي بين الفرقتين، لأنه إذا ذهبت فرقة عن يمين الجبل وفرقة عن يساره مثلا صدق أن بينهما أي جبل آخر كان من جهة يمينه أو يساره صدق أنّها عليه أيضا.
قال: وقد أنكر جمهور الفلاسفة انشقاق القمر متمسكين أن الآيات العلوية لا يتهيأ فيها الانخراق والالتئام وكذا قالوا في فتح أبواب السّماء ليلة الاسراء إلى غير ذلك من إنكارهم ما يكون يوم القيامة من تكوير الشمس وغير ذلك وجواب هؤلاء إن كانوا كفارا أن يناظروا أولا على ثبوت دين الإسلام ثم يشركوا مع غيرهم ممن أنكر ذلك من المسلمين، ومتى سلم المسلم بعض ذلك دون بعض ألزم التناقض ولا سبيل إلى انكار ما ثبت في القرآن من الانخراق والالتئام في القيامة فيستلزم جواز وقوع ذلك معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم فقد أجاب القدماء عن ذلك فقال أبو إسحاق الزجاج في المعاني: أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر ولا انكار للعقل فيه، لأن القمر مخلوق لله يفعل فيه ما يشاء كما يكوره يوم البعث ويفنيه. وأما قول بعضهم لو وقع لجاء متواترا واشترك أهل الأرض في معرفته ولما اختص بها أهل مكة فجوابه أن ذلك وقع ليلا وأكثر الناس نيام وقل من يراصد السماء إلا النادر وقد يقع بالمشاهدة في العادة أي ينكشف القمر وتبدو الكواكب العظام وغير ذلك في الليل ولا
يشاهدها إلا الآحاد فكذلك الانشقاق كان آية وقعت في الليل لقوم سألوا واقترحوا فلم يتأهب غيرهم لها.
قال ذهب بعض أهل العلم من القدماء إلى أن المراد بقوله تعالى «وانشق القمر» أي سينشق.
كما قال تعالى أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النحل/ 1] أي سيأتي والنكتة في ذلك إرادة المبالغة في تحقق وقوع ذلك فنزل منزلة الواقع الذي ذهب إليه الجمهور أصح، كما جزم به ابن مسعود وحذيفة وغيرهما ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر/ 2] كما تقدم تقريره في أول الباب، وذكر الإمام الحليمي أنّ القمر انشقّ في عصره وأنّه شاهد الهلال في الليلة الثالثة منشقا نصفين عرض كل واحد كعرض القمر ليلة أربع أو خمس ثم اتّصل فصار في شكل أترجه إلى أن غاب.