الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس في تكثيره صلى الله عليه وسلم التمر
روى الإمام أحمد وابن سعد والترمذي وابن حبّان والبيهقي من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أصبت بثلاث مصيبات في الإسلام لم أصب بمثلهن: موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل عثمان، والمزود
قال زيد بن أبي منصور عن أبيه: فقلت: وما المزود يا أبا هريرة؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فأصابهم عوز من الطعام فقال: «يا أبا هريرة عندك شيء؟» قلت: شيء من تمر في مزود لي قال: «جيء به» قال فجئت بالمزود، قال:«هات نطعا» ، فجئت بالنّطع فبسطته، فأدخل يده فقبض على التمر، فإذا هو إحدى وعشرون تمرة فجعل يضع كلّ تمرة ويسمّي الله عز وجل حتى أتى على التّمر، فقال به هكذا فجمعه فقال:
«ادع عشرة» ، فدعوت عشرة، فأكلوا حتى شبعوا وكذلك حتى أكل الجيش كله وفضل تمرات، فقلت: يا رسول الله، ادع لي فيهنّ بالبركة فقال: فقبضهنّ ثم دعا فيهنّ بالبركة ثم قال:
«خذهنّ فاجعلهنّ في المزود، وإذا أردتّ أن تأخذ منهن شيئا فأدخل يدك فيه ولا تكفأ فيكفأ عليك»
قال: فما كنت أريد تمرا إلا أدخلت يدي فأخذت منه، ولقد حملت منه خمسين وسقا في سبيل الله، ونأكل ونطعم منه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وحياة عثمان وكان معلّقا خلف رحلي فلما قتل عثمان انتهب ما في بيتي وانتهب المزود وفي رواية فلم نزل نأكل منه حتى كان آخر إصابة أهل الشام حين غاروا بالمدينة ألا أخبركم كم أكلت منه أكثر من مائتي وسق [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى أبو نعيم وابن عساكر عن العرباص بن سارية رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك، فقال ليلة لبلال:«هل من عشاء؟» فقال: والذي بعثك بالحقّ لقد نفضنا جرابنا، قال:«انظر عسى تجد شيئا» ، فأخذ الجرب ينفضها جرابا جرابا. فتقع التمرة والتمرتان حتى رأيت في يده سبع تمرات ثم دعا بصحفة فوضع التمر فيها ثم وضع يده على التمرات وقال:«كلوا باسم الله» فأكلنا ثلاثة أنفس فأحصيته أربعا وخمسين تمرة أعدها عدّا ونواها في يدي الأخرى وصاحبيّ يصنعان كذلك فشبعنا ورفعنا أيدينا فإذا التمرات السبع كما هن فقال:
«يا بلال ارفعهن، فإنه لا يأكل منها أحد إلا نهل منها شبعا» فلما كان من الغد دعا بلالا بالتمرات فوضع يده عليها ثم قال «كلوا باسم الله» ، فأكلنا حتى شبعنا وإنا لعشرة ثم رفعنا أيدينا
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 110.
وإذا التمرات كما هي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لولا أني مستح من ربي لأكلنا من هذه التمرات حتى نرد إلى المدينة عن آخرنا» فأعطاهن غلاما فولّى يلوكهنّ [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى أبو نعيم معضلا عن محمد بن عمرو الأسلمي قال: قال رجل من بني سعد: جئت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه وهو سابعهم، فأسلمت، فقال:«يا بلال، أطعمنا» ، فبسط نطعا ثم جعل يخرج شيئا له فأخرج شيئا من تمر معجون بالسّمن والأقط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كلوا» فأكلنا حتى شبعنا فقلت: يا رسول الله، إني كنت آكل هذا وحدي، ثم جئته من الغد، فإذا عشرة نفر حوله فقال:«أطعمنا يا بلال» ، فجل يخرج من جراب تمرا بكفّه قبضه قبضة، فقال:«أخرج ولا تخف من ذي العرش إقلالا» فجاء بالجراب فنثره فحزرته مدّين فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على التمر ثم قال: «كلوا باسم الله» ، فأكل القوم، وأكلت معهم حتى ما أجد له مسلكا وبقي على النّطع مثل الذي جاء به كأنا لم نأكل منه تمرة واحدة ثم غدونا من الغد وعاد نفر عشرة يزيدون رجلا أو رجلين، فقال:«يا بلال، أطعمنا» فجاء بذلك الجراب بعينه فنثره فوضع يده عليه، وقال:«كلوا باسم الله» فأكلنا، ثم رفع مثل الذي صب ففعل ذلك ثلاثة أيام [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان عن دلين بن سعيد الخثعمي والنعمان بن مقرن قالا: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربعون وأربعمائة نسأله الطعام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر:«قم فأعطهم» ، فقال: يا رسول الله، ما عندي إلا ما يقيظني والصبية، قال:«قم فأعطهم» ، قال: يا رسول الله، سمعا وطاعة،
فقام عمر وقمنا معه وصعد بنا إلى غرفة له فإذا فيها من التمر مثل الفصيل الرابض قال: شأنكم. فأخذ كلّ رجل منا حاجته ما شاء قال: وإني لمن آخرهم فكأنّا لم نرزأ منه تمرة [ (3) ] .
قصة أخرى.
روى الطبراني وأبو نعيم وابن عساكر بسند لا بأس به عن أبي رجاء قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل حائطا لبعض الأنصار فإذا هو يسنو فيه فقال: «ما تجعل لي إن أرويت حائطك هذا» ، قال: إني أجهد أن أرويه فلا أطيق ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تجعل
[ (1) ] انظر الجامع الكبير للسيوطي 2/ 566 والبداية والنهاية (6/ 122- 123) .
[ (2) ] انظر جمع الجوامع 2/ 566 والكنز (16189) وانظر المجمع 3/ 126، 10/ 241 وكشف الخفاء 1/ 243.
[ (3) ] أخرجه البخاري في التاريخ 3/ 255.
لي مائة تمرة أختارها من تمرك» قال: نعم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الترب فما لبث أن أرواه حتى قال الرجل: غرقت على حائطي فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمره مائة تمرة، قال: فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى شبعوا ثم رد عليه مائة تمرة كما أخذها [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد والشيخان من طرق وألفاظه متقاربة هذا حاصلها عن جابر رضي الله عنه أن أباه توفّي وعليه ديون ليهوديّ منها ثلاثون وسقا فاستعنت بالنبي صلى الله عليه وسلم علي غرمائه أن يضعوا من دينه، فطلب إليهم فلم يفعلوا فاستنظرهم فلم يفعلوا فعرضت عليهم أن يأخذوا تمري كله فأبوا ولم يروا أن فيه وفاء، فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في النّخل ودعا في تمره بالبركة، ثم قال:«إذا جددته فوضعته في المربد فاجعله أصنافا، العجوة على حدة، وعذق ابن زيد على حدة» ، ثم أرسل إليّ» ففعلت فلما وضعته في المربد أرسلت إليه فجاء أبو بكر وعمر فطاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرات ثم جلس عليه ودعا بالبركة ثم قال:«ادع غرماءك فأوفهم» فما تركت أحدا له عليّ دين إلا قضيته وأنا أرضى أن يرد الله عز وجل أمانة والدي ولا أرجع إلى إخوتي منه بتمرة فسلم والله البيادر كلّها، حتى إني لأنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنّه لم تنقص منه تمرة واحدة فقلت: يا رسول الله ألا ترى أنى كلت لغريمي تمره فوفاه الله عز وجل وفضل من التمر كذا وكذا فقال ابن عمر بن الخطاب: فجاء يهرول فقال: سل جابر بن عبد الله عن غريمه وغيره، فقال: ما أنا بسائله قد علمت أن الله عز وجل سوف يوفيه إذا أجزت فيه فكرر عليه الكلمة ثلاث مرات كل ذلك يقول: ما أنا بسائله، وكان لا يراجع بعد المرة الثالثة، فقال:«يا جابر، ما فعل غريمك وتمرتك» ، قال: قلت: وفّاه الله عز وجل وفضل لنا من التمر كذا وكذا [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى ابن سعد عن ابنة بشير بن سعد قالت: دعتني أمي فأعطتني جفنة من تمر في ثوبي ثم قالت: يا بنيّة، اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بغدائهما، قالت: فأخذته ثم انطلقت بها فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «تعالي ما معك؟» فقلت: يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة يتغدّيانه فقال: «هاتيه» ، فصببته في كفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ملأها ثم أمر بثوب فبسط ثم دعا بالتمر فصبه فوق الثّوب ثم قال لإنسان
[ (1) ] الطبراني في الكبير 18/ 244 والمجمع 8/ 301 والبداية لابن كثير 6/ 141.
[ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 344 (2127، 2709، (2781، 4053) والنسائي 6/ 46، وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2152) وابن عساكر كما في التهذيب 3/ 391.
عنده: «اخرج في أهل الخندق أن هلمّوا إلى الغداء فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وإنّه ليسقط من أطراف الثوب
[ (1) ] .
قصة أخرى.
روى ابن سعد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجت يوما من بيتي إلى المسجد لم يخرجني إلا الجوع فوجدت نفرا قالوا: ما أخرجنا إلا الجوع فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فدعا بطبق فيه تمر فأعطى كلّ رجل منّا تمرتين فقال: «كلوا هاتين التمرتين واشربوا عليهما فإنهما ستجزيانكم يومكم هذا» [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى البيهقي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه غلام فقال: بأبي أنت يا رسول الله غلام يتيم وأخت له يتيمة وأمّ له أرملة أطعمنا أطعمك الله مما عنده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«انطلق إلى أهلنا فأتنا بما وجدت عندهم» فأتى بواحدة وعشرين تمرة فوضعها في كفّ النبي صلى الله عليه وسلم فأشار النبي صلى الله عليه وسلم بكفّه إلى فيه، ونحن نرى أنه يدعو بالبركة ثم قال:«يا غلام، سبعا لك وسبعا لأمك، وسبعا لأختك فتعشى بتمرة وتغدى بأخرى» [ (3) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
المزود: بميم مكسورة فزاي فواو مفتوحة وعاء من جلد يجعل فيه الزاد.
البيدر: بموحدة فمثناة تحتية فمهملة فراء الموضع الذي يداس فيه الطعام ليخلص من تينه.
القبضة: بقاف مفتوحة فموحدة ساكنة فمعجمة مفتوحة: المقبوضة كالفرقة بمعنى المفروقة وهو الأخذ بجميع الكف وبالضم اسم للمقبوض.
يلوكهنّ: من اللّوك بفتح اللام وسكون الواو: أهون المضغ أو مضغ صلب أو علك نيء.
النّطع: بكسر النون وفتح الطاء.
جربا: بجيم فراء مضمومة فموحدة فألف جمع جراب.
الصحفة: بصاد مفتوحة فحاء مهملتين ساكنة ففاء دون الجفنة وفوق الكيلة.
[ (1) ] ابن كثير في البداية 6/ 133.
[ (2) ] ابن سعد 4/ 2/ 55.
[ (3) ] وانظر المجمع (8/ 164.
الإقفار: بهمزة مكسورة فقاف ساكنة ففاء فألف فراء: ذهاب الطعام.
حزرته: بحاء مهملة فزاي مفتوحتين فراء: قدّرته.
الفصيل: بفاء مفتوحة فصاد مهملة مكسورة فتحتية فلام: ولد الناقة إذا فصل عن أمه.
الرّابض: براء فألف فموحدة مكسورة فضاد معجمة: الجالس المقيم.
شأنكم: بشين معجمة فألف فنون الحظر من الأمر والحال.
نرزأ: بنون مفتوحة فمهملة ساكنة فزاي فهمزة ساكنة: ننقص.
جذذته: بجيم فذالين معجمتين: قطعته.
المربد: بميم مفتوحة فراء ساكنة فموحدة مفتوحة فدال مهملة: الجرين.
العجوة: ضرب من التمر.
عذق زيد: بعين مهملة مكسورة فذال معجمة ساكنة فقاف: نوع من التمر وأطم بالمدينة لبني أمية بن زيد.