المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القول في سورة يونس - الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌ترجمة المصنف

- ‌وصف المخطوط

- ‌مطلب في الفرق بين الخلق والكسب

- ‌وقد بقي الكلام بين الجبرية والكسبية:

- ‌مبحث العموم والخصوص

- ‌القول في الفاتحة

- ‌القول في سورة البقرة

- ‌القول في سورة آل عمران

- ‌القول في سورة النساء

- ‌القول في سورة المائدة

- ‌القول في سورة الأنعام

- ‌القول في سورة الأعراف

- ‌القول في سورة الأنفال

- ‌القول في سورة براءة

- ‌القول في سورة يونس

- ‌القول في سورة هود

- ‌القول في سورة يوسف

- ‌القول في سورة الرعد

- ‌القول في سورة إبراهيم

- ‌القول في سورة الحجر

- ‌القول في سورة النحل

- ‌القول في سورة سبحان

- ‌القول في سورة الكهف

- ‌القول في سورة مريم

- ‌القول في سورة طه

- ‌القول في سورة الأنبياء

- ‌القول في سورة الحج

- ‌القول في سورة المؤمنون

- ‌القول في سورة النور

- ‌القول في سورة الفرقان

- ‌القول في سورة الشعراء

- ‌القول في سورة النمل

- ‌القول في سورة القصص

- ‌القول في سورة العنكبوت

- ‌القول في سورة الروم

- ‌القول في سورة لقمان

- ‌القول في السورة السجدة

- ‌القول في سورة الأحزاب

- ‌القول في سورة سبأ

- ‌القول في سورة الملائكة

- ‌القول في سورة يس

- ‌القول في سورة الصافات

- ‌القول في سورة ص

- ‌القول في سورة الزمر

- ‌القول في سورة غافر

- ‌القول في سورة فصلت

- ‌القول في سورة الشورى

- ‌القول في سورة الزخرف

- ‌القول في سورة الدخان

- ‌القول في سورة الجاثية

- ‌القول في سورة الأحقاف

- ‌القول في سورة محمد

- ‌القول في سورة الفتح

- ‌القول في سورة الحجرات

- ‌القول في سورة ق

- ‌القول في سورة الذاريات

- ‌القول في سورة الطور

- ‌القول في سورة النجم

- ‌القول في سورة القمر

- ‌القول في سورة الرحمن

- ‌القول في سورة الواقعة

- ‌القول في سورة الحديد

- ‌القول في سورة المجادلة

- ‌القول في سورة الحشر

- ‌القول في سورة الممتحنة

- ‌القول في سورة الصف

- ‌القول في سورة الجمعة

- ‌القول في سورة المنافقين

- ‌القول في سورة التغابن

- ‌القول في سورة الطلاق

- ‌القول في سورة التحريم

- ‌القول في سورة الملك

- ‌القول في سورة (ن)

- ‌القول في سورة الحاقة

- ‌القول في سورة المعراج

- ‌القول في سورة نوح

- ‌القول في سورة الجن

- ‌القول في سورة المزمل

- ‌القول في سورة المدثر

- ‌القول في سورة القيامة

- ‌القول في سورة الإنسان

- ‌القول في سورة المرسلات

- ‌القول في سورة عمّ

- ‌القول في سورة النازعات

- ‌القول في سورة عبس

- ‌القول في سورة التكوير

- ‌القول في سورة الانفطار

- ‌القول في سورة المطففين

- ‌القول في سورة الانشقاق

- ‌القول في سورة البروج

- ‌القول في سورة الطارق

- ‌القول في سورة الأعلى

- ‌القول في سورة الغاشية

- ‌القول في سورة الفجر

- ‌القول في سورة البلد

- ‌القول في سورة الشمس

- ‌القول في سورة الليل

- ‌القول في سورة الضحى

- ‌القول في سورة ألم نشرح لك صدرك

- ‌القول في سورة التين

- ‌القول في سورة اقرأ

- ‌القول في سورة القدر

- ‌القول في سورة البينة

- ‌القول في سورة الزلزلة

- ‌القول في سورة العاديات

- ‌القول في سورة القارعة

- ‌القول في سورة التكاثر

- ‌القول في سورة العصر

- ‌القول في سورة الهمزة

- ‌القول في سورة الفيل

- ‌القول في سورة قريش

- ‌القول في سورة الماعون

- ‌القول في سورة الكوثر

- ‌القول في سورة الكافرين

- ‌القول في سورة النصر

- ‌القول في سورة «تبت»

- ‌القول في سورة الإخلاص

- ‌القول في المعوذتين

الفصل: ‌القول في سورة يونس

‌القول في سورة يونس

{أَكانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ} (2)[يونس: 2] الإنذار عام، والبشارة خاص.

{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ} (4)[يونس: 4] فيه إثبات المعاد.

{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ} (4)[يونس: 4] علل إعادة الخلق بمجازاتهم، فدل على جواز تعليل أفعاله بالحكم كما سبق، وكذلك {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (5) [يونس: 5] يدل على التعليل.

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ} (9)[يونس: 9] الباء علية أو عوضية عند المعتزلة، سببية عند الجمهور. / [221/ل].

{قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} (16)[يونس: 16] هذا من أدلة النبوة، وتقريره: إني قد عشت فيكم عمرا قبل دعواي النبوة، فلو كنت مدعيا متقولا للقرآن من عندي مختلقا له لفعلت ذلك من أول وقت، واللازم باطل، فالملزوم كذلك، وذلك يدل على أنني إنما أتبع ما يوحى إليّ في زمن بتخصيص الله-عز وجل.

ص: 325

على فعل الله-عز وجل-والماكر عليه، ومنه:{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ} (54)[آل عمران: 54] واشترط بعضهم لذلك أن يقابل بمكر الغير نحو:

{وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} (50)[النمل: 50] وفيه نظر؛ بدليل قوله-عز وجل: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ} [الأعراف: 99] ولم يقابله مكر غيره.

والمكر والاستدراج متقاربان أو مستويان؛ لاشتراكهما في تحصيل المقصود بطريق خفي لطيف.

{إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ} [يونس: 21] يعني الحفظة، وقد سبق ذكرهم في الأنعام.

{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ} (22)[يونس: 22] يحتج به الجمهور؛ لأنه أضاف التسيير إليه مع أنه ظاهرا من الخلق، فدل على أنه يسيرهم خلقا وهم يسيرون كسبا، وتسييره لهم بخلق التسيير والحركات منهم أو بخلق الدواعي والصوارف، أو بكلا الأمرين.

{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ} (22)[يونس: 22] فيه دليل التوحيد، كما سبق في الأنعام.

{وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} (25) / [103 أ/م][يونس: 25] هذا من القواصم للمعتزلة؛ لأنه دعاء عاما وهدى خاصا لمن شاء؛ فدل على أن الهدى بفضله والضلال بقدره، كل ذلك مستند إلى سابق علمه.

{* لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ} (26)[يونس: 26] ذكر أهل التفسير أن الزيادة هي رؤية الله- عز وجل-وهذا وإن يكن قاطعا، لكنه يؤكد أدلة الرؤية.

ص: 326

الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (31)[يونس: 31] تضمنت دليل التوحيد من وجوه:

أحدها: أن الله-عز وجل-هو الرازق من السماوات والأرض بالمطر والنبات، وكل من كان كذلك فهو الإله الحق.

الثاني: أنه-عز وجل-هو الذي يملك السمع والأبصار وكل من ملك السمع والأبصار هو الإله الحق، ومعناه يتصرف في السمع والبصر فلا يدركان شيئا من مدركاتهما إلا بإذنه وإرادته، وتعلق به الاتحادية؛ قالوا: لم يملك ذلك إلا وهو سار في الأجسام/ [222/ل]، وليس بلازم، وهذا المغناطيس يتصرف في الحديد من غير سريان ولا ملابسة.

وقد سبق القول معهم في الأنعام.

الثالث: أنه-عز وجل-يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي.

الرابع: أنه يدبر الأمر، أي أمر السماوات والأرض بالتحريك والتسكين والتسخير والتصريف، والتقدير. وقد وافق الكفار المخاطبون بهذا الخطاب على هذه الوجوه كلها بقولهم: هو الله، وكل من كان كذلك فهو الإله الحق، فالله-عز وجل-هو الإله الحق، وليس بعد الحق إلا الضلال؛ إذ لا واسطة بين الحق والباطل، والهدى والضلال. فإن أجبتم إلى التوحيد وإلا فأنتم ضلال.

{كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا} [يونس: 33] أي خرجوا عن الإيمان بالكفر {أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 33] احتج به الجمهور لأنه-عز وجل أخبر بأن كلمته حقت عليهم بالكفر، وكل من حقت عليه الكلمة بالكفر لا يؤمن واستحال منه الإيمان؛ فهؤلاء لا يؤمنون. ومعنى حقت عليهم الكلمة تعلق العلم والإرادة الأزليان بكفرهم، وكل ما تعلقا به كان واجب الوقوع، فكفر هؤلاء واجب الوقوع، وكل واجب الوقوع من الإنسان فهو مجبور عليه، فهؤلاء مجبورون على كفرهم، والجور غير لازم لما سبق في مقدمة الكتاب.

ص: 327

الإلهية لا تبدأ الخلق ولا تعيده، فشركاؤهم ليسوا آلهة.

الثاني: أن شركاءهم لا يملكون الهداية إلى الحق، والإله-عز وجل-يهدي إلى الحق؛ فشركاؤهم ليسوا إلها.

وهذه براهين واضحة؛ لأن بدء الخلق والهداية إلى/ [103 ب/م] الحق وغيرها أمور ممكنة، والله-عز وجل-قادر على جميع الممكنات، والأصنام جماد لا تقدر على شيء من الممكنات، فالله-عز وجل-ليس هو الأصنام، وينعكس كنفسه: الأصنام ليست هي الله-عز وجل.

{وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ} (36)[يونس: 36] / [223/ل] احتج به من منع العمل بخبر الواحد؛ لأنه إنما يفيد الظن، وهو لا يغني عن الحق.

وأجيب بأن الآية إنما منعت من اتباع الظن في التوحيد ونحوه من القطعيات، أما العمليات فلا.

{وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} (37)[يونس: 37] أي: لا ينبغي للقرآن أن يكون من عند غير الله؛ لأنه معجز في نفسه عبارة ومعنى، وذلك لا يقدر عليه إلا الله-عز وجل-وهذا من مسائل القرآن وإعجازه ودلائل النبوة.

ودليل إعجازه الآية بعده:

{أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَاُدْعُوا مَنِ اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} (38)[يونس: 38] وتقريره: إنكم إما أن تسلموا أنه من عند الله-عز وجل-فيلزمكم الإيمان به وبمن جاء به، أو لا تسلموا ذلك وتدعوا أن محمدا افتراه؛ فيلزمكم أن تأتوا بسورة مثله تفترونها لتصححوا دعواكم في افترائه، وإلا فأنتم كاذبون خاطئون في دعواكم. وقد سبق نحو هذا في أول البقرة. ثم إنه تنزل معهم في التحدي بالقرآن من مثله إلى عشر سور إلى سورة مثله.

{وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ} (41)[يونس: 41] وعيدية محكمة أو منسوخة بآية القتال.

ص: 328

{إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (44)[يونس: 44] يحتج بها المعتزلة على مذهبهم؛ لأنه لو خلق أفعالهم، ثم عاقبهم لكان [ظالما لهم] واللازم باطل.

وأجاب المجبرة بأنا لا نسلم ذلك، وإنما يلزمكم أن لو كان يعلم أنه لو فوض إليهم أفعالهم لخلصوا من اللائمة، أما وهو يعلم أنه لو فوض إليهم لكانوا ظالمين أيضا فلا.

والكسبية قالوا: إنما يلزم الظلم أن لو لم يكن لهم مع خلقه كسب، أما ولهم كسب يناسب العقاب عليه فلا.

{قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاّ ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} (49)[يونس: 49] أي فأملك لنفسي ضرا ونفعا بمشيئته هو لي كسب وله خلق، وإن كان الاستثناء منقطعا؛ فالنفي قبله عام مطرد.

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ} (59)[يونس: 59] يحتج به وبنظائره على صحة الاستدلال بالسبر والتقسيم، وهو حصر الأقسام وإبطالها سوى المدعى عليه؛ مثاله هاهنا:

إنكم أيها الكفار حرمتم بعض/ [224/ل] ما رزقتموه، فلا يخلو تحريمكم لذلك إما أن يكون بإذن شرعي أو افتراء منكم، والأول باطل؛ لأن الشرع خصمكم، وهو ينكر الإذن لكم فتعين الثاني، وهو أنكم حرمتموه افتراء [104 أ/م] على الله كذبا عليه، وما كان كذلك لا يلتفت إليه، وقد سبق نحو هذا في أواخر الأنعام.

{وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاّ كُنّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس: 61] هذا يحتج به الصوفية في وجوب دوام المراقبة لدوام الشهادة، وفي الأثر «اتقوا الله في الخلوات فإن الشاهد هو الحاكم» ، وربما تعلقت الاتحادية بهذا على أنه شاهد بذاته، وما ذاك إلا لسريانه في العالم واستتاره باطنا بهم وظاهرا، وسياق الآية يقتضي أنه شاهد بعلمه وهو {وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاّ كُنّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ} (61) [يونس: 61].

ص: 329

الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)[يونس: 64] روي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن البشرى في الدنيا هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له (1).

وأما البشرى في الآخرة فقيل: رؤية الله-عز وجل-كالزيادة في {*لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ} (26) [يونس:

26] والأشبه أنها قول الملائكة. {إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اِسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30].

{قالُوا اِتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ} (68)[يونس: 68] إشارة إلى أن الولد إنما يكون لافتقار إلى نصرته من ذلة أو التكثر به من قلة، والله-عز وجل-غني بذاته من كل جهة عما سواه، وأشار بأن لهما في السماوات، وما في الأرض إلى أمرين:

أحدهما: بيان مستند غناه الذي أثبته لنفسه.

والثاني: منافاة الملكية للولدية، كما سبق في البقرة.

والغني هو الذي لا يحتاج في وجوده ولا دوامه ولا في كماله إلى غيره، وقيل: هو من لا مزاج له يحتاج لتغيره إلى ما يحتاج إليه ذوات الأمزجة.

{إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا} [يونس: 68] أي لا حجة عندكم على اتخاذه ولدا، وهو يقتضي أن ما لا حجة عليه، لا يثبت.

{* وَاُتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اُقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ} (71)[يونس: 71] يستشهد به على أن الإجماع لغة هو الاتفاق/ [225/ل] والعزم، إذ المعنى اتفقوا واعزموا على ما تريدون.

ص: 330

{وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} (84)[يونس: 84] يقتضي أن التوكل من مهمات الإيمان حتى يكاد يكون شرطا فيه أو على كماله، وشواهده كثيرة، وتوجيهه أن التوكل هو التفويض، ومن لا يفوض إلى الله-عز وجل-فكأنه لم يرض به ربا ومدبرا، فإن كان ذلك عن عمد واحتقار لشأن القدرة فهو كفر، وإن كان من ضعف وغلبة جزع فهو نقص من الإيمان أو كماله.

{وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اِطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاُشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ} (88)[يونس: 88] يقال: إنها انقلبت حجارة وحصى، وهو مسخ في الجماد، وقد [قال بعض العلماء المحققين المتأخرين رضي الله عنهم: ] رأيت بسفح جبل المقطم بالقاهرة حصى مستديرا منقوشا على هيئة الدنانير، وحتى لم أشك أول ما رأيتها أنها دنانير وهي كثيرة جدا يجمع منها/ [104 ب/م] قناطير كثيرة، زعم الناس هناك أن هذا موضع خزائن فرعون، وأن هذا مما مسخ [من ماله، ثم إني رأيت] في أحد أهرام الجيزة بمصر أحجارا فيها حصى (ملصق) على هيئة الدنانير، فترددت حينئذ فيما قيل من أن ذلك مما مسخ من مال فرعون، إذ الأهرام قبل فرعون بدهور، ثم زال عني التردد لاحتمال أن مال فرعون مسخ على هيئة تلك الأحجار القديمة، كما مسخ بعض الناس على صورة القردة والخنازير، أو لأن ذلك عذاب عذب الله-عز وجل-به قوما قبل آل فرعون فمسخ أموالهم، غير ذلك من الاحتمالات.

قوله تعالى: {وَاُشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا} [يونس: 88] أي اربط عليها فلا يدخلها الإيمان كالوعاء المربوط وهو الطبع والختم بما يخلق فيها من دواعي الكفر والصوارف عن الإيمان.

{*وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (90)[يونس: 90] يحتج به من [لا علم له] أن فرعون مات مسلما، وهو خلاف النصوص والإجماع، أما النصوص فقوله-عز وجل-بعد هذه مقرعا له:

{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (91)[يونس: 91] وهذا إنكار من

ص: 331

الله-عز وجل: يتضمن نفى قبول توبته، وأيضا قوله-عز وجل {فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ} [الذاريات: 40] يعني فرعون أتى بما يلام عليه وهذا ذم له، ولو مات مسلما لما أثنى عليه بالذم/ [226/ل]، وكذلك {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ} (8) [القصص: 8]، {النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ} (46) [غافر: 46] وحكمه وحكم آله واحد؛ إذ قد حكم على الجميع بأنهم كانوا خاطئين، وأما الإجماع فمشهور على ذلك وعلى جواز لعنة فرعون، [وإنما أظهر هذه المقالة الشيخ محيي الدين بن العربي الأندلسي الحاتمي صاحب فصوص الحكم]، والإجماع قبله على خلافه، وإن ادعى ذلك كشفا، فالكشف لا يرفع حكم الإجماع الظاهر، كما أن القدر الباطن لا يرفع حكم الكسب الظاهر.

{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ} (92)[يونس: 92] أي لمن بعدك وسمى البعد خلفا، لأن الناس متوجهون إلى الآخرة، فمن بعدهم متوجه إليها خلفهم، أو لأن من بعده خلفه في ملكه، أو لأن جهة خلف خلاف قدام، [وهذا يقتضي تسمية قدام خلفا، إذ كل منهما خلاف صاحبه، وليس ببعيد، كما يسمى قدام] وراء في نحو ذلك: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} (79)[الكهف: 79] أي: أمامهم؛ لأن فيهما معنى المواراة وكذا فيهما معنى المخالفة.

ص: 332

المعقول أصلا محكما يرد إليه السمعي الذي هو كالفرع المجمل، ولذلك تراهم إذ لاح لهم في حكم ما يعتقدونه برهانا، عولوا عليه واشتغلوا بتأويل السمعيات المخالفة له توفيقا بين الأدلة. وتقرير احتجاجهم من هذه الآية أن الله-عز وجل-أخبر عن بني إسرائيل أنهم مكثوا برهة متفقين قبل أن يأتيهم العلم السمعي؛ فلما جاءهم اختلفوا، وإنما كانوا قبل ورود السمع يعتمدون على سياسة العقل والعرف ونحوه، والاتفاق محمود والاختلاف مذموم، فدل على أن تصرف العقل أوثق وأوفق من ظواهر السمع لما في تصرف العقل من الحزم وعدم قبول التأويل، وفي السمعيات من الإجمال والاشتراك والترددات المانعة من الحزم القابلة للتأويل، وهذه مسألة أصولية وهي أن النقليات هل تفيد اليقين أم لا؟ فيه أقوال:

ثالثها: أنها تفيد بانضمام قرائن إليها لا بمجردها، [ووجه النفي مطلقا أن النقليات يتوقف إفادتها اليقين على أمور غير متيقنة لعدم المجاز والإضمار والنقل والاشتراك والتخصيص ونحوها، وكل ما توقف على غير المتيقن فهو غير متيقن.

ثم تفرع على هذا مسألة أخرى وهي إذا تعارض السمع وما أدركه العقل في أحكام العقائد فأيهما يقدم؟ فالمحدثون قدموا السمع لاحتمال غلط العقل في الأمور الإلهية ونحوها، والشرع أوثق منه في ذلك وغيره، والمتكلمون كالأشاعرة والمعتزلة والفلاسفة قدموا مدرك العقل؛ لأن السمع إنما ثبت بدليل العقل فلو قدم السمع عليه كان ذلك قدحا في الأصل بالفرع ثم في الفرع تبعا لأصله، وأنه باطل] والجواب عن شبهتهم من الآية أن العلم أعم من السمعي وغيره، والعام لا يدل على الخاص، فلا نسلم أن المراد: فما اختلفوا حتى جاءهم العلم السمعي، بل هو أعم من ذلك وحينئذ يلزمكم في العلم العقلي ما ألزمتمونا في السمعي، سلمناه، لكن قد سماه علما، وهو في العرف والإدراك الجازم الذي لا يحتمل النقيض، ومثل هذا كيف يختلف فيه أو يكون/ [227/ل] سببا للاختلاف؟ ! سلمناه لكن ما ذكرتموه إنما يلزم أن لو كان اختلافهم بعد مجيء العلم من جهة العلم لكن جهة اختلافهم أعم من ذلك، ثم قد عينت بجهة البغي بينهم لقوله-عز وجل/ [105 ب/م]:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اِخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ} (19)[آل عمران: 19] والاختلاف بغيا لا يوجب العلم غيا.

ص: 333

لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (94)[يونس: 94] قد يتوهم من ظاهرها أنه-صلى الله عليه وسلم-اعترضه شك في بعض الأوقات فيما أنزل إليه كما توهمه بعض النصارى، فأورده متعلقا به.

وليس كذلك لأنه صلى الله عليه وسلم معصوم من الشك والارتياب لقوله-عز وجل: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (1)[الشرح: 1] وإنما وجه الآية صرف الخطاب إلى من يجوز عليه الشك من أتباعه وأخصامه، نحو {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ} (43) [الرعد: 43] {وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (7)[الأنبياء: 7] فإن لم يكن بد من صرف الكلام إليه على ظاهر اللفظ، فمعناه على تقدير:

إن تشك فاسأل وإن كان ذلك التقدير لا يقع نحو {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَاّ اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمّا يَصِفُونَ} (22)[الأنبياء: 22] أي لو قدر آلهة أخرى، لزم الفساد، لكن ذلك التقدير ممتنع، وهذا يتخرج على ما سبق من أن الأنبياء معصومون من وقوع الكفر، لا من جوازه عقلا.

{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} (96)[يونس: 96] سبق نظيرها في أوائل السورة، والكلام عليه، وحاصله صرفهم عن الإيمان بما يخلقه فيهم من الدواعي والصوارف.

ص: 334

الإيمان عند العيان، يبقى اضطراريا، والمعتبر النافع إنما هو الاختياري دون الاضراري.

{وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} [يونس: 99] احتج الجمهور بها على مذهبهم كنظائرها، ومعناها: ولو شاء الله لجمعهم على الهدى بما يخلق فيهم من دواعيه، وتأولها المعتزلة على معنى لو شاء/ [228/ل] لأجبرهم على الإيمان واضطرهم إليه بدليل {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99]، لكن الإيمان الاضطراري غير معتبر، فلذلك لم يجبرهم [فالمنفي عنهم] هو إجبارهم على الإيمان وإلجاؤهم واضطرارهم إليه، لا لهدايتهم وإرشادهم إليه، وعند الجمهور المنفي مشيئة [إيمانهم لا غير، ثم إن المشيئة] لا تخلو من التعلق بالضدين جميعا، فلما لم [تتعلق] بإيمانهم لزم أنها تعلقت بكفرهم وتعلقها موجب لوقوع/ [106 أ/م] متعلقها، فكفر الكفار وعصيان العصاة واجب الوقوع بغيره، وهو تعلق الإرادة به، وهو يقوي مقالة الجبرية.

{وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} (100)[يونس: 100] أي يمتنع الإيمان من نفس إلا بإذن الله]، أي إرادته ومشيئته، فهذه اقتضت مع التي قبلها أن إذن الله-عز وجل-وإرادته ومشيئته، فهذه اقتضت مع التي قبلها أن إذن الله-عز وجل-وإرادته مناط ومدار للإيمان وجودا وعدما، إن وجدت الإرادة للإيمان وجد، وإن انتفت انتفى. وذلك يقوي مقالة الجمهور، ويحتج بآخر الآية من يرى أن العلوم العقلية سبب للعصمة من رجس الكفر والضلال، بطريق قياس العكس، لأنها اقتضت وقوع الرجس بمن لا يعقل، وهو يقتضي أن من يعقل لا يلحقه رجس، والمراد بمن يعقل أي يستخرج الأحكام الحقة الحقيقية بالأنظار العقلية، وهذا أحق بشرط مساعدة التوفيق، وإلا فكم من حكيم زل وذي نظر ضل.

{قُلِ اُنْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} (101)[يونس: 101].

فيه إيجاب النظر؛ لأنه مأمور به، والأمر المطلق يقتضي الوجوب، وقد سبق هذا في أوامر الأعراف، وكيفية النظر فيما في السماوات والأرض قد سبق أيضا.

{وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101] أي عن قوم انتفى إيمانهم لتعلق مشيئة الله-عز وجل-بانتفائه، أي لا ينفع النظر في الآيات والتدبر لعجائب المصنوعات، قوما حقت عليهم كلمة العذاب فضرب بينهم وبين الإيمان حجاب.

ص: 335

{وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظّالِمِينَ} (106)[يونس: 106] هذا أمر بالتوحيد ونهي عن الشرك، وبرهانه معه، وهو الاستدلال بعدم القدرة على النفع الضر على عدم الإلهية، كما تقرر في «المائدة» .

{فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظّالِمِينَ} [يونس: 106] أي بوضع الدعاء والعبادة/ [229/ل] غير موضعهما، وهو يشير إلى أن العصمة للأنبياء إنما هي من وقوع الكفر لا جوازه.

{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (17)[الأنعام: 17] حجة مؤكدة لما قبلها على التوحيد، بدليل الطرد والعكس نحو {ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (2) [فاطر: 2] وتقريره: أن الله-عز وجل-هو الذي يدور النفع والضر والخير والشر مع إرادته وجودا وعدما، وكل من كان كذلك فهو الإله الحق، فالله-عز وجل-هو الإله الحق، ومقدمتاه بينتان.

{قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اِهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} (108)[يونس: 108] يحتج به المعتزلة؛ إذ نسب الهدى والضلال/ [106 ب/م] إلى المخلوق لا إلى نفسه، وجوابه: أنه أضافه إليهم باعتبار أنهم محله أو كاسبوه، أو على تقدير أنه لو فوض إليهم خلقه لكان منهم إما ضلالا، وإما هدى.

{قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اِهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} (108)[يونس: 108] وعيدي محكم أو منسوخ بآية القتال {فَإِذَا اِنْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاُحْصُرُوهُمْ وَاُقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (5)[التوبة: 5].

ص: 336