الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في سورة الشورى
لكثرة الملائكة، ما فيها موضع قدم إلا فيه ملك قائم، أو راكع، أو ساجد. «أطت السماء، وحق لها أن تئط» (1).
{وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النّارِ إِلاّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ وَما هِيَ إِلاّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ} (31)[المدثر: 31] وهذا يدل على جسمية الملائكة، وأن لهم ثقلا تئط منه السماء حتى تكاد تتفطر، وإذا جاز أن يكون في الملائكة ثقل، جاز أن يكون في السماء والأفلاك / [372/ل]؛ لأن الجميع عالم سماوي.
وزعم الفلاسفة أن الفلك لا ثقيل ولا خفيف، لأنه غير متحرك عن الوسط كالنار.
ولا إلى الوسط كالأرض، وكل ما/ [179 ب/م] كان كذلك، فلا ثقل فيه، وإلا لتحرك إلى الوسط، ولا خفة وإلا لتحرك عن الوسط.
والجواب بمنع عموم الثانية، فإن قولهم: كل ما كان كذلك؛ إن أرادوا بطبعه فنعم، وإن أرادوا بتسخير القادر المختار فممنوع، لجواز أن يوجد جسم ثقيل أو خفيف، ثم يتحرك بإرادة القادر المختار حركة دورية كرية لا إلى الوسط، ولا عنه.
{تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (5)[الشورى: 5] سبق القول على نظيره في سورة غافر.
{لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} (8)[الشورى: 8] يحتج به الجمهور كما سبق من نظائره.
{أَمِ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (9)[الشورى: 9]، فيه إثبات البعث إحالة على القدرة كما سبق، وإثبات التوحيد، ونظمه: أولياؤكم لا يحيون الموتى ولا يقدرون، والإله الحق يحيي ويقدر، فأولياؤكم لا شيء منهم بإله حق.
{وَمَا اِخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (10)[الشورى: 10] يحتج به الظاهرية في نفي القياس؛ لأنه ليس هو الله حتى ترد إليه الأحكام، ويجاب عنه بأن المراد: فحكمه إلى دين الله، أو كتاب الله، والقياس من دين الله وكتاب الله، وهذا البعث الذي هو أهم أركان الإيمان يحتج عليه في القرآن بالقياس، فما الظن بفروع مستندها الظن.
{فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (11)[الشورى: 11] هذه الآية أولها تنزيه وآخرها إثبات، فمن جمع بينهما بأن أثبت لله ما أثبت، ونزهه عما لا يليق به من مشابهة المخلوقات وأثبت غير ممثل، ونزه غير معطل؛ فقد أصاب، ومن انحرف في التنزيه حتى عطل، أو في الإثبات حتى شبه ومثل، فقد أخطأ، وتوفيقه عنها أبطأ، ونظيرها في الجمع بين طرفين: قوله-عز وجل: {قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ} (149)[الأنعام: 149] إذ أولها اعتزال قدري وآخرها تفويض جبري، فمن توسط بينهما فاعتقد أن لله في خلقه المشيئة الغالبة، وعليهم الحجة البالغة، فقد أصاب، ومن انحرف فاعتزل أو ظلم ربا لم يزل، فقد زل، ومن أوج التوحيد نزل.
ثم هنا مسألتان: إحداهما في الكاف في: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (11)[الشورى: 11] فقيل: زائدة أي: ليس مثله، وقيل: على أصلها في التشبيه، ومثل بمعنى هو أي: ليس كهو أو كذاته شيء، أما أن الكاف ومثل على أصلهما فمحال؛ إذ يبقى تقديره: ليس مثل مثله أو ليس يشبه مثله شيء، وهو محال لوجهين:
أحدهما: إثبات مثل له، والقديم/ [373/ل] لا مثل له.
والثاني: أن له مثلا مع أن مثله لا مثل له [180 أ/م] فيكون مثله أكمل منه، وإنه
محال، ويحتمل صحة ذلك على طريق الفرض والتقدير، أي: لو فرض له مثل لكان ذلك المثل لا مثل له، وإذا لم يكن لمثله الفرضي مثل فهو أولى ألا يكون له مثل.
المسألة الثانية: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (11)[الشورى: 11] أي يدرك المسموعات والمبصرات، وعند بعضهم: معناه سلب الصمم والعمى عنه، والأول وهو الصواب، وقد سبق جميع هذا.
واعلم أن لنا سمعا ومحله ومسموعا وسامعا وسميعا، فالسمع القوة المدركة للمسموع، وهي من الله-عز وجل-تسمى صفة قديمة، ومحل السمع يسمى جارحة وأذنا، والله-عز وجل منزه عنها، والمسموع هو الأصوات المدركة بقوة السمع، والسامع هو المدرك للأصوات بالفعل والله-عز وجل-متصف بذلك من حين وجود الأصوات، أما قبلها فمحال، وإلا لزم قدمها أو وجودها حال عدمها وإنه محال، والسميع من له صفة السمع، والله-عز وجل متصف بذلك في الأزل؛ إذ لا يلزم من وجود الصفة وجود متعلقها، وإلا للزم قدم المعلومات والمقدورات والمرادات لقدم الصفات المتعلقة هي بها، وهى العلم والقدرة والإرادة، وإنه محال، والكلام في البصير على هذا التفصيل، وهو تحقيق في هذا المكان.
{* شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} (13)[الشورى: 13]، يحتج بها على أن شرع من قبلنا شرع لنا؛ لأنها تضمنت أن شرائع أولي العزم الخمسة واحدة.
ويعترض عليه بأن ذلك في أصول الدين كالتوحيد ونحوه؛ بدليل قوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} (13)[الشورى: 13] وهذا تفسير لما شرعه لهم وأخبر أنه يكبر على المشركين، وإنما كبر على المشركين التوحيد من الأصول لا من الفروع؛ فإذن شرع من قبلنا شرع لنا في التوحيد ونحوه، وأما في الفروع فهو محل خلاف، ولا دليل في الآية عليه.
{يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ} [الشورى: 13] يحتج به الجمهور [لتعليق الاجتباء] بالمشيئة.
{وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} (13)[الشورى: 13] يحتج به الفريقان؛ الجمهور لإضافة
الهداية إليه، والمعتزلة لترتيب الهداية على الإنابة المضافة إليهم.
وجوابه: أنها أضيفت إليهم كسبا وهي له خلق، فإذن إنما يهدي إليه من جعله منيبا بخلق الإنابة فيه.
{فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاِسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (15)[الشورى: 15] فيه إيجاب الإيمان بجميع الكتب المنزلة لا المبدلة؛ لأن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فنحن مأمورون به إلا ما خصه دليل، ولقوله-عز وجل:{وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (153) [الأنعام:
153]، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (31) [آل عمران: 31] وقوله: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً} (21)[الأحزاب: 21] ونحوه.
{فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاِسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (15)[الشورى: 15] فيه إثبات البعث والحشر.
{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} (18)[الشورى: 18] فيه أن من أنكر القيامة ضال كافر؛ لأنها من أركان الإيمان الخمسة، وهذا إجماع حتى قال العلماء: لو قال لامرأته أو أمته: أنت طالق أو حرة إن قامت القيامة، عالما بمقتضى حرف الشرط-كفر؛ بخلاف: إذا قامت-فرقا بينهما بأن «إذا» تقتضي وجوب وقوع ما علق عليها «وإن» تقتضي الخاص الذي لا يقتضي وجوب الوقوع ولا امتناعه، وذلك ينافي وجوب اعتقاد وجوب قيام القيامة، فكان كفرا، كما لو قال: أنت طالق إن كان الله موجودا، أو محمد رسولا.
فيه إشارة إلى أن تخصيصه من يشاء بالرزق وقبضه وبسطه لطف منه بعباده ورعاية لمصالحهم؛ لئلا يفسد الفقر منهم قوما والغنى آخرين، وقد شرح ذلك في قوله-عز وجل:{*وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} (27)[الشورى: 27]، وأشار إليه في آخر العنكبوت في قوله:
{اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (62)[العنكبوت: 62] وأوضحه النبي صلى الله عليه وسلم غاية الإيضاح في الحديث الإلهي: «إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده الغنى» وبالعكس، وكذلك ذكر في العافية والبلاء ثم قال:«إني أدبر عبادي بعلمي فيهم، إني عليم خبير» (1).
{أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} (21)[الشورى: 21] يحتج بها الظاهرية على إبطال القياس، لأنه شرع لما لم يأذن به الله، وجوابه بالمنع، والله-عز وجل-أذن فيه بالأمر باتباع الرسول، وقد فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في عدة قضايا، والله-عز وجل-استعمله في أدلة التوحيد والمعاد كثيرا، كما قررناه في مواضعه من هذا الكتاب وغيره.
وقد شدد أبو محمد بن حزم النكير على القياسين حتى كاد يكفرهم، معتلا بأنه شرعوا ما لم يأذن به الله-عز وجل-وذلك في كتاب:«إبطال الرأي» له، ثم إنه زعم أن الله-عز وجل قادر على أن يتخذ ولدا كما سبق في سورة الزمر، وهذا من أعجب الأشياء وأشد الانحراف عن سنن الاعتدال؛ إذ يكفر المسلمين في مسألة/ [181 أ/م] فرعية تتعلق بالعمل، والتزم الكفر في مسألة أصولية تتعلق بالعلم، فهو كما قيل: وحيث وجب أن تسجد بلت.
{ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} (23)[الشورى: 23] اختلف في القربى؛ فقيل هي قربى كل مكلف أوصى بمودتها، فهو كالوصية بصلة الرحم.
وقيل: هي قربى النبي صلى الله عليه وسلم ثم اختلف فيها؛ فقيل: هي جميع بطون قريش، كما فسره ابن عباس فيما رواه البخاري وغيره، وقيل: هي قرابته الأدنون، وهم أهل بيته: علي وفاطمة وولداهما أوصى بمودتهم، وعند هذا استطالت الشيعة، وزعموا أن الصحابة خالفوا هذا الأمر، ونكثوا هذا العهد بأذاهم أهل البيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه سأل مودتهم، ونزلها منزلة الأجر على ما لا يجوز الأجر عليه، وإلى هذه الآية أشار الكميت بن زيد الأسدي، وكان شيعيا حيث قال:
وجدنا لكم في آل حم آية
…
تأولها منا تقي ومعرب
أي: المجاهر ومن تحت التقية جميعا تأولناها على أنكم المراد بها.
وأجاب الجمهور: بمنع أن القربى فيها من ذكرتموه، ثم بمنع أن أحدا من الصحابة أذاهم أو نكث العهد فيهم.
{* وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} (27)[الشورى: 27] سبق القول فيها عند نظيرها قريبا.
{وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} (30)[الشورى: 30] هو كقوله-عز وجل: {أَوَلَمّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (165)[آل عمران: 165]، {ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً} (79) [النساء: 79] وقد سبق، ونحوه:{لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً} (123)[النساء: 123] على ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه-أي مصائبكم جزاء بما كسبتم.
ومن يضلل فلا هادي له» (1) وهو أيضا متكرر في القرآن، وكذلك:{وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ} (46)[الشورى: 46] أي إلى الهدى؛ لأنه إذا خلق الضلال في قلبه استحال أن يدخله الهدى حينئذ؛ لامتناع اجتماع الضدين في محل واحد.
{* وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (51)[الشورى: 51] يحتج به من يرى أن الله-عز وجل-يتكلم بحرف وصوت؛ لأنه حصر تكليمه للبشر في ثلاثة أحوال:
أحدهما: الوحي، وهو الإلهام وخلق الكلام/ [181 ب/م] في النفس، كقوله صلى الله عليه وسلم:«إن روح القدس نفث في روعي» (2) الحديث.
والثاني: أن يرسل رسولا فيوحي بإذنه كجبريل إلى الأنبياء.
الثالث: التكليم من وراء حجاب، كما كلم موسى ولم يره موسى بل سأله الرؤية فقال:{لَنْ تَرانِي، } وهذه الحال ليست وحيا ولا بواسطة رسول؛ لأنها قسيم لهما فاستحال أن تكون إحداهما، فهي حال ثالثة، [وليس إلا التكليم بحرف وصوت.
وأجاب الخصم بأن الحرف والصوت لما دل الدليل على استحالتهما في حقه-عز وجل-وجب تأويل هذا على] أن المكلم [من وراء حجاب/ [376/ل] أخذ عن حسه حتى سمع الكلام من غير صوت في الخارج كالنائم ونحوه، أو على غير ذلك من التأويل.
(52)
[الشورى: 52] سمى الوحي والقرآن روحا؛ لأنه سبب الروح والرحمة، ولأنه للقلوب كالروح تحيا به، أو تسمية له باسم الروح الأمين النازل به.
{وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} (52)[الشورى: 52][زعم قوم أخذوا بظاهر هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل أن يوحى إليه غير مؤمن، كما قال: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى} (7) [الضحى: 7] وهذا صعب شديد أن يقال فيه صلى الله عليه وسلم]-مع قوله: «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين» (1) وأنه حين ولد خرّ ساجدا مشيرا بأصعبه إلى السماء، وأنه لم يزل كارها للأصنام مبغضا لها قبل النبوة، لم يحلف بها ولا أكل مما ذبح لها، وإجماع الناس على أن نبيا من الأنبياء لم يكفر بالله ولا خلا من الإيمان به طرفة عين.
[قالوا: يجب تأويل الآية على ما يزيل عنها هذا المحذور، مثل] المراد: ما كنت تدري ما الكتاب ولا ماهية الإيمان وحقيقته، ولا يلزم من كونه مؤمنا معرفة ذلك، بدليل أن أكثر الناس هم كذلك. [أو: ما] كنت تدري ما الكتاب ولا كيفية الدعاء إلى الإيمان؛ إذ كيفية دعاء الناس إلى الإيمان إنما يعلم بالوحي، فقبل الوحي من أين يعلم، ولا يلزم من كون الإنسان مؤمنا في نفسه أن يدري كيف يدعو أو إلى ما يدعو غيره، لجواز أن يتعبد الله-عز وجل كل إنسان بأمر غير ما يتعبد به الآخر، كما اختص النبي صلى الله عليه وسلم بخواص تعبد بها لم تكن لغيره.
{نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ} (52)[القيامة: 52] يحتج به الجمهور لإضافة الهدى إليه-عز وجل-وتخصيصه بمن شاء، وعند المعتزلة الهدى منسوب إلى الخلق يهدون أنفسهم.
{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} (52)[الشورى: 52] أي ترشد، وهذا الهدى غير الهدى المسلوب في قوله-عز وجل:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (56)[القصص: 56] فلا يتناقض هذا الإيجاب مع ذلك السلب.
…