الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في سورة المؤمنون
قوله-عز وجل: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ} (5)[المؤمنون: 2 - 5] يحتج به المعتزلة في إضافة الأفعال إلى الناس وجوابه أن ذلك من جهة الكسب، أو كونهم محلها كما يقال: تدحرج الحجر وتحرك الشجر، والمحرك له غيره.
{إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (6)[المؤمنون: 6] الآيتين: [يحتج به الجمهور] على تحريم المتعة، لأن ذات المتعة لا ملك يمين بإجماع، ولا هي زوجة لعدم التوارث بينهما فتكون داخلة في حد العدوان، وأجاب القائلون بالمتعة بأن
{فَمَنِ اِبْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ} (7)[المؤمنون: 7] عام خص بالمتعة بما سبق من دليلها، كما خص {*وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً} (24) [النساء: 24] بتحريم نكاح الأخت والعمة ونحوهما، والاستدلال بعدم الإرث منقوض بالزوجة الذمية لا ترث مع أنها زوجة بإجماع.
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ} (13)[المؤمنون: 12، 13] الإنسان هاهنا مطلق بالاستخدام على آدم وذريته، فآدم خلق من سلالة من طين وذريته جعلوا نطفة في قرار مكين.
{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ} (14)[المؤمنون: 14] يحتج به القدرية؛ لأنه/ [143 أ/م] أثبت خالقين هو أحسنهم، ولا خالق للأعيان سواه، فتعين أن الخالقين للأفعال وهم الناس يخلقون أفعالهم.
وأجيب بأن هذا خرج على اعتقاد الخصم المعتقد أن ثم خالقين، أو على جهة التنزل أي على تسليم أن هناك خالقين فالله-عز وجل-هو أحسنهم وأحكمهم، فيجب
ترجيحه بذلك فيتعين للعبادة دون غيره.
{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ} (16)[المؤمنون: 15، 16] فيه إثبات البعث، يقال هاهنا:[لم أكد] الموت مع الإجماع عليه دون البعث مع الاختلاف فيه، [وقد كان العكس أنسب؟ ! ].
وأجيب بوجوه: أحدها: أن {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ} (16)[المؤمنون: 16] فعل و «ميتون» اسم فاعل ودلالته على المصدر الذي هو الموت بواسطة الفعل، فاحتاج إلى تقويته بلام التأكيد، بخلاف يبعثون فإن قوة دلالته بنفسه على البعث أغناه عن التأكيد/ [303/ل].
الوجه الثاني: أن هذا الكلام مع من ينكر الموت كالتناسخية القائلين بانتقال الروح من حيوان إلى غيره، فاحتيج إلى تأكيد وقوعه في إخبارهم به.
الوجه الثالث: أن ترك تأكيد البعث إشارة إلى أنه لقوته في نفسه كالمجمع عليه الغني عن التأكيد.
الوجه الرابع: أن المخاطب بالبعث إما مصدق للرسول المخبر به فلا حاجة له إلى التأكيد، أو مكذب له فلا يفيد معه التأكيد، فسقط التأكيد لسقوط فائدته في هذا المكان.
{فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ} (24)[المؤمنون: 24] هذا قدح في النبوة بلزوم الترجيح من غير مرجح، وقد سبق جوابه في غير موضع.
{فَإِذَا اِسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي نَجّانا مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ} (28)[المؤمنون: 28] استشهد به أبو عبد الله بن حامد على الاستواء على العرش استقرار كاستواء راكب الفلك عليها، وقد رد عليه ذلك لاستلزامه التجسيم].
{وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} (29)[المؤمنون: 29] فأنزل الله-عز وجل-نوحا أرض الجزيرة وهى الموصل وما حولها، فصارت البلاد المنصوص على بركتها أرض مصر لما مر في الأعراف، وما حول المسجد الأقصى لما ذكر في سبحان، وأرض الجزيرة لهذه الآية وهى تعد من مناقب الجزيرة.
[قال بعض العلماء المحققين-رضي الله عنهم]: وأخبرني بعض المشايخ الصلحاء أنه صعد إلى جبل الجودي فوجد مسمارا كبيرا من مسامير سفينة نوح، وهو إذا فرك تناثرت
أجزاؤه لاستيلاء البلى عليه لطول العهد واستمرار الدهر، وأنه جعله في صندوق لأجل البركة، فلم يزل عنده حتى فقد في غزاة قازان للشام عام سبعمائة أو نحوه للهجرة المحمدية صلوات الله على/ [143 ب/م] من نسبت إليه.
{إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} (37)[المؤمنون: 37] قد سبقت شبهة منكري البعث وجوابها في النحل وهي قولهم هاهنا: {قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} (83)[المؤمنون: 82 - 83] قوله عز وجل: {مَا اِتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمّا يَصِفُونَ} (91)[المؤمنون: 91] هذا من براهين التوحيد المشهورة، وتقريره: لو كان مع الله إله آخر لكان كل منهما خالقا لبعض العالم، ثم لانحاز كل منهما بما خلق ثم طلب العلو على صاحبه، ويلزم الاختلاف المستلزم لفساد العالم وإنه محال كما مر، لا يقال: لا نسلم أنه يلزم أن كلا منهما يكون خالقا لبعض العالم، بل كلاهما خالق لجميع العالم لأنا نقول: يلزم توارد العلتين المستقلتين على معلول واحد وإنه محال.
{فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ} (101)[المؤمنون: 101] الآيات تضمنت نفخ الصور ووزن الأعمال وعذاب النار وتقريع أهلها.
{أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ} (105)[المؤمنون: 105] يحتج به المعتزلة لإضافة التكذيب إليهم.
{قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنّا قَوْماً ضالِّينَ} (106)[المؤمنون: 106] يحتج به الجبرية ونحوهم، إذ معناه: غلبتنا أقدارك وما خلقته/ [304/ل] فينا من دواعي الكفر والصوارف عن الإيمان فلم نستطع هداية فضلنا.
العالم لا يكون غايته مجرد وجوده ثم عدمه بالكلية؛ لأن مثل هذه الغاية تقصر عن مثل هذا الفعل العظيم؛ فإذن للعالم غاية عظمى أعظم من مجرد وجوده، وما ذاك إلا إعادته ثم إظهار أسرار الوجود فيه.
وقد قرر هذا المعنى بوجهين: أحدهما: أن العالم ما بين مطيع يناسبه الثواب وعاص يناسبه العقاب، وهذه الدار لا تصلح لثواب المطيع ولا لعقاب العاصي؛ إذ لذاتها التي ارتبطت بها عقول الناس إنما هي دفع آلام لا لذات في الحقيقة كالأكل والشرب والنكاح إنما هي رفع ألم الجوع والعطش والشبق، وحينئذ يجب عقلا أن يكون للناس دار ينالون فيها ثواب طاعاتهم، وينالهم عقاب معاصيهم لذات وآلام حقيقية، وهي الدار الآخرة وإليه الإشارة بقوله-عز وجل:{كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ} (185)[آل عمران: 185].
الوجه الثاني: أن في الناس ظالما/ [144 أ/م] ومظلوما، والظالم يناسبه العقاب على ظلمه عقلا، ثم نرى كثيرا من الظالمين يخرج من الدنيا سالما موقرا لم تصبه قارعة ولم ترزأه رزية، فدل على أن هناك دارا يستوفى منه فيها جزاء ظلمه، وإليه الإشارة بما حكي عن ابن عباس أنه رأى جنازة، فقال: من هذا؟ قيل: فلان، لرجل ظالم لم يصب في حياته بمكروه، فقال ابن عباس: الله أكبر أشهد أن للناس معادا يؤخذ فيه للمظلوم من الظالم، من الظالم، أو كما قال.
{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ} (117)[المؤمنون: 117] ليس المراد أن ثم إلها آخر عليه برهان، بل المراد أن إثبات آخر لا برهان عليه، فمن ادعاه والحالة هذه فهو كافر تقليدا أو عنادا، وحسابه عند ربه-عز وجل-ثم إنه لا يفلح.
…