الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في سورة الحجر
{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (3)[الحجر: 3] محكم وعيدي، أو منسوخ بآية السيف.
{ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ} (5)[الحجر: 5] فيه أن القاتل لا يقطع أجل المقتول، وقد سبق القول فيه.
{ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ} (8)[الحجر: 8] لأن برؤية/ [115 أ/م] الملائكة يبقى الإيمان اضطراريا غير نافع كما سبق.
{إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظُونَ} (9)[الحجر: 9] يحتج بها على أنه منزل غير مخلوق، وقد سبق، وعلى أنه محفوظ من الزيادة والنقص وسائر التغيرات خلافا لمن زعم أنه يغير ببعض هذه الوجوه، والدليل على حفظه ضبط المصاحف والحفاظ له في سائر الأعصار ضبطا متواترا، والتغير يستحيل على ما هذه صفته عادة.
{وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ} (14)[الحجر: 14] هذا كقوله-عز وجل: {*وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} (111)[الأنعام: 111] والمانع لهم فيهما من الإيمان هو الخذلان بخلق الدواعي والصوارف، وأن الذي عاينوه من البرهان سحر مستمر وفي ذلك حجة للجمهور على مذهبهم المشهور.
{وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (17) إِلاّ مَنِ اِسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ} (18)[الحجر: 17 - 18] فيه إثبات الشياطين واستراقهم السمع، وحراسة السماء بالشهب من ذلك.
وعند الفلاسفة أن الشهب المنقضة سببها مادة دخانية تتراقى من الأرض متصلة بالأبتر وهو كرة النار، فيعلق في تلك المادة وبحسبها قلة وكثرة تكون الشهب صغرا وكبرا، وطول مدة وقصرا، ولم يرد الشرع بما قالوه ولا بنفيه، فالله أعلم بما خلق.
{وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ} (27)[الحجر: 27] فيه أن وجود الجان والجن قبل آدم والإنس.
{فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ} (29)[الحجر: 29] يحتج بها من رأى قدم الروح، ويحكى عن أهل جيلان، وحجتهم أنه أضاف الروح إليه، فدل على أنها روح ذاته، وأيضا أن الملائكة لم يؤمروا بالسجود لآدم قبل حلول الروح فيه وأمروا بالسجود له بعد ذلك، والسجود إنما يكون للقديم؛ فدل على أنه الروح القديم حل فيه حتى استحق أن يسجد له.
وجوابه أن إضافة/ [246/ل] الروح إليه إضافة تشريف، وإلا لزم ما قالته النصارى في المسيح للنص على أنه كلمة الله وروح منه، وللإجماع على أنه روح الله، وأما السجود فإما أن يقال: إنه لله-عز وجل-وآدم قبلة له، أو يكون لآدم وهو سجود تحية لا عبادة كسجود أبوي يوسف وإخوته له.
{قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} (37) [الحجر:
36 -
37] يحتج به الجمهور على أن الله-عز وجل-لو لم يرد إضلال بعض الناس وإهلاكهم وإغواءهم، لما أجاب إبليس إلى هذا السؤال، ومن زعم أن حكيما أو غيره يحصر قوما في دار، ويرسل فيها النار العامة أو الأفاعي القاتلة الكثيرة، ولم يرد أذى أولئك القوم بالإحراق أو اللسع، فقد خرج عن فطرة البشر.
{قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} (39) [الحجر:
39] سبق ذكره في الأعراف.
{قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (40)[الحجر: 39 - 40] / [115 ب/م] تزيين الشيطان وإغواؤه بالوسوسة، وإنما يتم ذلك بقدر الله-عز وجل-وخلقه الدواعي والصوارف.
{إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اِتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ} (42) [الحجر:
42] يحتج به من أجاز استثناء الأكثر مع قوله: {قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (40)[الحجر: 39 - 40] فاستثنى تارة المخلصين من عموم العباد، وتارة الغاوين من عموم المخلصين، وأيهما كان أكثر لزم استثناء الأكثر.
وأجيب بأن استثناء المخلصين من عموم العباد استثناء الأقل، وأما استثناء الغاوين من
عبادي فليس متصلا، إذ ليس «الغاوين» من العباد الذين ليس لإبليس عليهم سلطان، وإلا لما كانوا غاوين، فهو إذن منقطع، وإنما يتم دليلكم أن لو كان متصلا.
واعلم أن استثناء الأقل صحيح، والاستثناء المستغرق باطل، واستثناء الأكثر والنصف محل خلاف، وهو في الأكثر أبعد.
{قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَاّ اِمْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ} (60)[الحجر: 58 - 60] هذا استثناء من استثناء، الأول منفي فالثاني مثبت، بناء على أن الاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات خلافا للحنفية، ومأخذ الخلاف أنا إذا قلنا ما قام أحد إلا زيد، هل زيد محكوم عليه بإثبات القيام، أو أنه مجرد حكم إثبات أو نفي، وهذا قولهم، والأشبه الأول، [لأن الاستثناء] يتضمن جملتين بمقتضى لسان العرب مستثنى منها ومستثناة، فهما إما موجبتان أو سالبتان، وهو باطل؛ إذ هو تطويل محض بلا فائدة، أو الأولى موجبة والثانية سالبة، وهو خلاف الفرض، إذ الكلام في الاستثناء من النفي، فتعين الرابع، وهو أن: الأولى سالبة والثانية موجبة وهو المطلوب.
واستدل عليه بأن الاستثناء من النفي لو لم يكن إثباتا لما حصل التوحيد بلا إله إلا الله، واللازم باطل بالإجماع فالملزوم كذلك.
وأجيب بأن ثبوت إلهية الله-عز وجل-إنما حصلت بدليل العقل لا من هذا اللفظ، واحتج الحنفية بأن الاستثناء من النفي لو كان إثباتا، للزم من قوله صلى الله عليه وسلم:«لا صلاة إلا بطهور» (1) و (لا نكاح إلا بولي)(2) صحة الصلاة والنكاح بمجرد حصول الطهور والولي، واللازم باطل فالملزوم كذلك، ويجاب بوجهين:
أحدهما: أن الخلاف في الاستثناء من ذات متعددة نحو: ما قام القوم إلا زيد، وما
ذكرتموه استثناء من مصدر، فليس محل النزاع.
الثاني: هب أنه من محل النزاع لكن منع من لزوم ما ذكرتم مانع، وهو أنه لو لزم ذلك لزم خلاف قاعدة عقلية، وهي أن الشرط لا يلزم من وجوده وجود [المشروط]، إنما يلزم من/ [116 أ/م] عدمه [عدمه]، فتأثيره في عدمه لا في وجوده، وعلى ما ذكرتم كان يلزم من وجود بعض شروط الحكم وجوده وأنه باطل لما ذكرنا، ولاحتمال بطلان الصلاة والنكاح لتخلف شرط آخر، وإذا خصت قاعدة «الاستثناء من النفي إثبات» بقاعدة «الشرط العقلية» بقي حكم الاستثناء فيما عدا ذلك للدليل السالم عن المعارض، وبيان الآية المذكورة من هذا الباب أنه استثنى آل لوط من القوم المجرمين، ثم استثنى امرأته من آله كأنه قال: أرسلنا إلى قوم مجرمين لنهلكهم، وهم قوم لوط إلا آل لوط فليسوا مجرمين، فنحن منجوهم إلا امرأته من آله، فإنها مجرمة فتهلك؛ فأثبت لها الإجرام والهلاك المنفي عن الآل، وهو استثناء مثبت من منفي، وهو المطلوب.
{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاِتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَاُمْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} (65)[الحجر: 65] قد يقال: إنه عام خص بقوله-عز وجل-في سورة هود:
{قالُوا يا لُوطُ إِنّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَاّ اِمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} (81)[هود: 81] والحق/ [248/ل] أن هذا ليس بتخصيص؛ لأن امرأته لم يكن مأمورا أن يسري بها، ولا كانت هي منهية عن الالتفات حتى تناولها الخطاب فتخص منه، إنما أمر بالإسراء بغيرها من أهله، لكن هي تبعتهم بغير إذن طمعا في النجاة، فقدر عليها أن التفتت، فهلكت، فصار التقدير: ولا يلتفت منكم أحد وإن امرأتك ستتبعكم وتلتفت؛ فتهلك، فهو خبر آخر لا تخصيص.
{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} (75)[الحجر: 75] قيل: هم المتفرسون؛ فيستدل به على صحة الفراسة واستعمالها والاعتماد عليها في بعض الأحكام، وهي الاستدلال بأمارات خلقية ظاهرة على أخلاق باطنة، كالاستدلال بشقرة اللون وزرقة العين على الشر، على ما اشتهر ونحو ذلك، وقد صنف الناس فيها كتبا كأرسطو ونحوه من القدماء، والإمام فخر الدين من المتأخرين وغيرهم.
فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)[الحجر: 85] فيه وجوب قيام الساعة سمعا.
{وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} (85)[الحجر: 85] منسوخ بآية القتال.
{فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (94)[الحجر: 94] يحتمل أنه وعيدي محكم، [أو منسوخ بما ذكر] أو معناه: اصدع بما تؤمر، ولا تلتفت إليهم [في تثبيطهم] لك عن ذلك.