الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في سورة العنكبوت
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ} (14)[العنكبوت: 14] يحتج به على استثناء الأقل.
{إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاُعْبُدُوهُ وَاُشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (17)[العنكبوت: 17] يحتج به القدرية لتصريحه إضافة خلق الإفك إليهم.
وجوابه: أن معناه: وتكذبون كذبا، أو وتكسبون إفكا، والخلق مشترك بين الاختراع والكذب وغيرهما، ومنه/ [328 ل]:{ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَاّ اِخْتِلاقٌ} (7)[ص: 7]{إِنْ هذا إِلاّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} (137)[الشعراء: 137]{إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاُعْبُدُوهُ وَاُشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (17) / [156 ب/م]) [العنكبوت: 17] احتجاج على التوحيد، ونفي الشرك بأن الشريك لا يملك الرزق، وقد سبق هو أو نحوه.
{أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} (19)[العنكبوت: 19] أي ثم هو يعيده، وهو احتجاج على الإعادة بالقياس على الابتداء، وكذا {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (20) [العنكبوت: 20] {فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا اُقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (24)[العنكبوت: 24] لأنه قطعهم وأفحمهم في الجدال والاحتجاج على عادته في حسن النظر والتأييد بالحجة.
{أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا اِئْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ} (29)[العنكبوت: 29] إشارة إلى حكمة تحريم اللواط، وذلك من وجهين:
أحدهما: أن ذلك يضعف رجوليتهم وهمتهم، والحاجة داعية إليهم للجهاد، فإذا وجد شجاع أو مجاهد منجب ممن فعل به ذلك لم تنتقض هذه العلة؛ لأنه لو لم يفعل به لكان أشجع وأنجب، والزيادة في ذلك مطلوبة.
والثاني: قطع سبيل النسل؛ إذ ليس في محل الحرث.
{وَلَمّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ} (31)[العنكبوت: 31] مع قول إبراهيم: {قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً} [العنكبوت: 32] وقول الملائكة: {قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَاّ اِمْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ} (32)[العنكبوت: 32] يحتج به على أن للعموم صيغة؛ لأن إبراهيم فهمه من صيغة أهل هذه القرية حتى عرض بتخصيص لوط.
{وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} (38)[العنكبوت: 38] أي بإغوائه ووسوسته.
{وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} (38)[العنكبوت: 38] إشارة إلى غلبة القدرة والإرادة، وانقهار العقول تحت مجاري الأقدار بحيث لا ينفع الاستبصار، وربما حمله القدرية على أنهم عاندوا الحق مع استبصارهم به تقريرا للحجة عليهم.
{فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (40)[العنكبوت: 40] يحتج به المعتزلة؛ إذا كان الله-عز وجل-خالقا لأفعالهم لكان قد ظلمهم ولم يكن آخذا لهم بذنبهم.
وجوابه؛ على ما عرف على أصل الكسبية والجبرية.
متصور في الذهن لا غير.
وبيت العنكبوت موجود في الخارج منه ألوف من البيوت، وما لا وجود له أصلا أوهن مما له وجود على كل حال.
وإنما ذكرت هذا لأن الإنكار المذكور لو لزم الحريري لاقتضى كفره، لتضمنه الرد على الله-عز وجل-فيما بالغ فيه، والتكفير ونحوه من مسائل أصول الدين.
{* وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَاّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (46)[العنكبوت: 46] فيه مشروعية جدال أهل الكتاب إذا أثاروا شبهة فكشف؛ لئلا يظن أن معهم حقا، ثم إن كانوا ذمة أو مستأمنين وجب/ [329 ل] الرفق بهم/ [157 أ/م]، ولا يعنف عليهم؛ لئلا يظن أنهم استبقوا حجة لم يقدروا على إظهارها، ورعاية لعهد الذمة.
وإن كانوا حربا فحكمهم واضح؛ إذ قتالهم جائز، ومن كان عندهم بدار الحرب، فإن أمن على نفسه كرسول المسلمين جاز أن يصدعهم بالحجة، ويغلظ لهم إعزازا للكلمة، وإن لم يأمن كالأسير والمستأمن إليهم من المسلمين ففيه الخلاف بمن أكره على الكفر، أيهما أفضل له؟ الإجابة أو الامتناع؟
إن قلنا: الإجابة، فهناك الأفضل الرفق في الجدال. وإن قلنا: الامتناع فهناك الأفضل الغلظة.
{وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ} (48)[العنكبوت: 48] هذا احتجاج على صدقه صلى الله عليه وسلم، أي إنك جئت بكتاب خارق للعادة عظيم الوقع، مع أنك لم تكن قبله قارئا ولا كاتبا، وكل من أتى بكتاب على هذا الوجه فهو نبي آت بمعجز، فأنت نبي آت بمعجز.
أما الأولى فلأنه صلى الله عليه وسلم أتى بالقرآن، وحسبك به كتاب عجز عن معارضة أيسره فصحاء العرب، وأما أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن كاتبا ولا قارئا فواضح، وخصومه من الكفار سلموا ذلك، حتى إنهم لما اتهموه، [إنما اتهموه] بأنه يستملي ذلك ممن يقرأ ويكتب، ولو كان قارئا كاتبا لما احتاجوا إلى ذلك، بل قالوا: أنت قارئ كاتب، فلا يستكثر لك هذا القرآن، وإليه الإشارة بقوله:{وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ} (48)[العنكبوت: 48].
وأما الثانية: فلأن من أتى بكتاب على هذا الوجه بهذا الوصف كان خارقا للعادة، كما لو أن راعي غنم لم يكتب قط ولا فارق الصحراء، ولم يجتمع بكاتب قط فكتب خطّا أعجز فيه ابن مقلة وابن البواب وأضرابهم من مبرزي الكتاب-كان خارقا للعادة قطعا.
وكل خارق للعادة من التحدي وعدم المعارضة فهو نبي آت بمعجز، فهذا برهان واضح.
{بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَاّ الظّالِمُونَ} (49)[العنكبوت: 49] يحتج به من قال: إن حقيقة القرآن الذي هو كتاب الله-عز وجل-وكلامه في الصدور لظاهر الآية مع القول بقدمه، والآخرون قالوا: هذا يوجب حلول القديم في الحادث، وهو قول بالحلول وهو محال، بل إما أن يقولوا بخلقه ليكون حلول مخلوق في مخلوق، أو بقدمه قائما بذات الله-عز وجل والحاصل منه في الصدور مثال مطابق له أو ذكره وحفظه، كما أن الله-عز وجل مذكور باللسان والقلب محفوظ فيه، وليست ذاته حالة في شيء.
وقد بالغ بعضهم في التشنيع على من قال بقدم القرآن وحلوله في الصدور، حتى قال:
هؤلاء أكفر من النصارى/ [157 ب/م]؛ إذ النصارى إنما قالوا بحلول القديم في ذات المسيح/ [330 ل] لا غير، وهؤلاء يلزمهم حلول القديم في كل شخص حفظ القرآن أو بعضه ولو آية.
واختلف القائلون بظاهر الآية؛ هل حقيقة القرآن في الصدور كالمظروف في الظرف؟ أو أنه كظهور الوجه في المرآة؟ أو كظهور نقش الخاتم في الشمع؟ على أقوال.
وقال قوم: للقرآن أربع وجودات: وجود عيني، وهو تقرر حقيقته في الخارج، إما بذات الله-عز وجل-أو غيره على الخلاف في حدوثه وقدمه، ووجود ذهني، هو حصول صورة في الذهن مطابقة له وحفظه هو ذلك مع إمكان استحضاره لفظا ونظما بحسب الاختيار، ووجود لساني وهو تلاوته، وبناني وهو كتابته بالبنان.
عدم الاكتفاء بها، فدل على أنه كاف شاف، وقد تبين وجه كونه معجزا.
{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (60)[العنكبوت: 60] يحتج به على أن عموم الرزق من الله-عز وجل-حلالا وحراما، وقد سبق عليه ما هو أدل من هذا.
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} (63)[العنكبوت: 63] إلى {وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} (64)[العنكبوت: 64] إشارة إلى دليل البعث بقياس إحياء الأرض بالنبات، وليس صريحا فيه كغيره.
{لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (66)[العنكبوت: 66] أمر تهديد ووعيد كنظيره في النحل.
…