المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القول في سورة الأنبياء - الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌ترجمة المصنف

- ‌وصف المخطوط

- ‌مطلب في الفرق بين الخلق والكسب

- ‌وقد بقي الكلام بين الجبرية والكسبية:

- ‌مبحث العموم والخصوص

- ‌القول في الفاتحة

- ‌القول في سورة البقرة

- ‌القول في سورة آل عمران

- ‌القول في سورة النساء

- ‌القول في سورة المائدة

- ‌القول في سورة الأنعام

- ‌القول في سورة الأعراف

- ‌القول في سورة الأنفال

- ‌القول في سورة براءة

- ‌القول في سورة يونس

- ‌القول في سورة هود

- ‌القول في سورة يوسف

- ‌القول في سورة الرعد

- ‌القول في سورة إبراهيم

- ‌القول في سورة الحجر

- ‌القول في سورة النحل

- ‌القول في سورة سبحان

- ‌القول في سورة الكهف

- ‌القول في سورة مريم

- ‌القول في سورة طه

- ‌القول في سورة الأنبياء

- ‌القول في سورة الحج

- ‌القول في سورة المؤمنون

- ‌القول في سورة النور

- ‌القول في سورة الفرقان

- ‌القول في سورة الشعراء

- ‌القول في سورة النمل

- ‌القول في سورة القصص

- ‌القول في سورة العنكبوت

- ‌القول في سورة الروم

- ‌القول في سورة لقمان

- ‌القول في السورة السجدة

- ‌القول في سورة الأحزاب

- ‌القول في سورة سبأ

- ‌القول في سورة الملائكة

- ‌القول في سورة يس

- ‌القول في سورة الصافات

- ‌القول في سورة ص

- ‌القول في سورة الزمر

- ‌القول في سورة غافر

- ‌القول في سورة فصلت

- ‌القول في سورة الشورى

- ‌القول في سورة الزخرف

- ‌القول في سورة الدخان

- ‌القول في سورة الجاثية

- ‌القول في سورة الأحقاف

- ‌القول في سورة محمد

- ‌القول في سورة الفتح

- ‌القول في سورة الحجرات

- ‌القول في سورة ق

- ‌القول في سورة الذاريات

- ‌القول في سورة الطور

- ‌القول في سورة النجم

- ‌القول في سورة القمر

- ‌القول في سورة الرحمن

- ‌القول في سورة الواقعة

- ‌القول في سورة الحديد

- ‌القول في سورة المجادلة

- ‌القول في سورة الحشر

- ‌القول في سورة الممتحنة

- ‌القول في سورة الصف

- ‌القول في سورة الجمعة

- ‌القول في سورة المنافقين

- ‌القول في سورة التغابن

- ‌القول في سورة الطلاق

- ‌القول في سورة التحريم

- ‌القول في سورة الملك

- ‌القول في سورة (ن)

- ‌القول في سورة الحاقة

- ‌القول في سورة المعراج

- ‌القول في سورة نوح

- ‌القول في سورة الجن

- ‌القول في سورة المزمل

- ‌القول في سورة المدثر

- ‌القول في سورة القيامة

- ‌القول في سورة الإنسان

- ‌القول في سورة المرسلات

- ‌القول في سورة عمّ

- ‌القول في سورة النازعات

- ‌القول في سورة عبس

- ‌القول في سورة التكوير

- ‌القول في سورة الانفطار

- ‌القول في سورة المطففين

- ‌القول في سورة الانشقاق

- ‌القول في سورة البروج

- ‌القول في سورة الطارق

- ‌القول في سورة الأعلى

- ‌القول في سورة الغاشية

- ‌القول في سورة الفجر

- ‌القول في سورة البلد

- ‌القول في سورة الشمس

- ‌القول في سورة الليل

- ‌القول في سورة الضحى

- ‌القول في سورة ألم نشرح لك صدرك

- ‌القول في سورة التين

- ‌القول في سورة اقرأ

- ‌القول في سورة القدر

- ‌القول في سورة البينة

- ‌القول في سورة الزلزلة

- ‌القول في سورة العاديات

- ‌القول في سورة القارعة

- ‌القول في سورة التكاثر

- ‌القول في سورة العصر

- ‌القول في سورة الهمزة

- ‌القول في سورة الفيل

- ‌القول في سورة قريش

- ‌القول في سورة الماعون

- ‌القول في سورة الكوثر

- ‌القول في سورة الكافرين

- ‌القول في سورة النصر

- ‌القول في سورة «تبت»

- ‌القول في سورة الإخلاص

- ‌القول في المعوذتين

الفصل: ‌القول في سورة الأنبياء

‌القول في سورة الأنبياء

{اِقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} (1)[الأنبياء: 1] هو كقوله:

{أَوْ خَلْقاً مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} (51)[الإسراء: 51]، في أنه لا تحديد ولا تقدير فيه لمدة الساعة، بل هو تقريب إضافي.

{ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَاّ اِسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} (2)[الأنبياء: 2] يحتج به من رأى خلق القرآن، لأن الذكر هاهنا هو القرآن بدليل {ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَاّ اِسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} (2) [الأنبياء: 2] وقد وصفه بالحدوث وأجيب بأنا لا نسلم أن الذكر هو القرآن بل هو الرسل بدليل

{لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} (3)[الأنبياء: 3]{أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً} (11)[الطلاق: 10، 11] و {ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَاّ اِسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} (2)[الأنبياء: 2] أي / [293/ل]: سمعوه أو استمعوا إليه، يقال: سمعت زيدا، استمعت إليه.

سلمنا أنه القرآن، لكن لا نسلم أنه وصفه بحدوث الوجود بل بحدوث النزول، فهو محدث النزول قديم الوجود، وقد سبق فيه كلام من الطرفين.

{ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} (6)[الأنبياء: 6] أي:

أنا نريد هلاكهم فلا يؤمنون، كما لم يؤمن قبلهم الأمم الهالكة، وهذا حكم منه بأنهم لا يؤمنون، وما ذاك إلا لما يعلم أن سيخلقه فيهم من الصوارف عن الإيمان، ويحتج به الجبرية كما عرف من مذهبهم، واستدلالهم.

ص: 435

{وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (7)[الأنبياء: 7] هذا جواب لقولهم: {لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} (3)[الأنبياء: 3] أي: فإرساله إليكم دون العكس، ترجيح بلا مرجح، وقد سبق القول فيه.

{وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} (19)[الأنبياء: 19] يحتج بظاهره من يرى أن الله-عز وجل-ليس في السماوات ولا في الأرض، وإلا لكان {وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} (19) [الأنبياء: 19] تكرارا.

ويجاب: بأنه من باب عطف الخاص على العام، أو يريد ومن عنده في الملأ الأعلى بين يدي العرش، وذلك فوق السماوات لا فيها ولا في الأرض، والإشارة ب {وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} (19) [الأنبياء: 19] إلى الملائكة المقربين.

{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ} (20)[الأنبياء: 20] يقتضي أنهم لا ينامون لاستغراق التسبيح زمانهم ويقتضي أنهم زمانيون أي: يعمهم حقيقة الزمان، وإذ جعل الليل والنهار ظرفا لتسبيحهم، وأنهم معصومون، إذ من لا يفتر عنه الطاعة متى يتفرغ للمعصية.

قوله-عز وجل: {أَمِ اِتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ} (21) [الأنبياء:

21] أي: يبعثون الموتى، وهو استدلال على نفي الشريك، بأن الإله الحق هو الذي ينشر الموتى، وسائر ما اتخذا إلها لا ينشر الموتى، فالإله الحق ليس هو سائر ما اتخذ إلها، فما اتخذ إلها ليس هو الإله الحق.

{لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَاّ اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمّا يَصِفُونَ} (22)[الأنبياء: 22] هذا هو والدليل المشهور على التوحيد، ويسمى/ [138 ب/م] دليل التمانع، وتقريره من وجهين:

أحدهما: لو كان مع الله إله غيره لفسد العالم، واللازم باطل فالملزوم كذلك، بيان الملازمة:

أنه لو كان معه غيره، فليفرض أنهما اختلفا في الإرادة بأن أراد أحدهما تحريك جسم أو

ص: 436

إحياؤه، والاخر تسكينه أو إماتته، فإن تم مرادهما، اجتمع النقيضان أو انتفى مرادهما، ارتفع النقيضان، أو تم مراد أحدهما فقط فهو الإله الحق دون العاجز، فالإله الحق واحد.

فإن قيل: فرض اختلافهما محال، والمحال جاز أن/ [294/ل] يلزمه المحال، ونحن إنما نثبتهما قديمين حكيمين لا يختلفان ولا يتناقضان ولا تتعلق إرادة أحدهما بنقيض ولا ضد ما تتعلق به إرادة الاخر، فلا يلزم ما ذكرتم من المحال.

قلنا: إن كان اتفاقهما في الإرادة على جهة المصانعة من كل منهما لصاحبه، واتقاء الخلاف والمنافرة له، فهما عاجزان؛ إذ هذا شأن المصانع المداري، وإن كان اتفاقهما لقدم إرادتهما بحيث لا تتعلق إرادة أحدهما بغير ما تعلق به إرادة الاخر لزم إذا تعلقت إرادتهما بتحريك جسم في وقت بعينه أن تتعلق قدرتهما أيضا بتحريكه لئلا تتناقض الإرادة والقدرة في متعلقهما، وهو محال، وحينئذ يلزم توارد القدرتين القديمتين على مقدور واحد، والعلتان المستقلتان على معلول واحد وأنه محال، وإنما قلنا: إن توارد مؤثرين مستقلين على أثر واحد محال؛ لأن وجوده بكل واحد منهما يقتضي استغناءه عن الآخر، فلو وجد [بهما جميعا] لاستغنى عنهما جميعا، فيكون موجودا بكل واحد منهما غير موجود بواحد منهما وأنه محال.

الوجه الثاني: أنه لو كان ثم إلهان لكانا مشتركين في خلق العالم وللزم العالم طاعتهما، فلو أمر أحدهما بشيء ونهى الآخر عنه، لم تتصور طاعتهما من الجميع، وإن أطاع كل واحد بعض العالم دون بعض، أوشك أن يعاقب من عصاه وأطاع الآخر، وأوشك الآخر أن يدافع عمن أطاعه، فيقع الحرب بينهما كسلطانين كل منهما يدافع عن رعيته، وذلك يفضي إلى فساد العالم لاختلافهما كما تفسد الرعية عند اختلاف ملوكها، واللازم باطل بما نراه من انتظام العالم، و [هذا تقرير الشيخ محيي الدين بن العربي في بعض كتبه المختصرة].

وأما الفلاسفة فاحتجوا على التوحيد بأنه لو كان في الوجود إلهان لكانا قديمين، ولو كانا قديمين لاشتركا في وجوب الوجود، وامتاز كل منهما [بعين ماهيته وبعينه وما به الاشتراك غير ما به الامتياز، فيلزم أن يكون كل منهما] مركبا مما به/ [139 أ/م] الاشتراك والامتياز، وهما الوجوب والتعين فيلزم أن يكون القديم الواجب مركبا وأنه محال، واعترض عليه بجواز أن يكون تعينهما أمرا عدميا وهو كون عين كل واحد منهما ليست غيرها والعدم لا يتركب مع الوجود، فلا يلزم التركيب المنافي للوجوب، وهو سؤال قوي على دليلهم فتبين أن الطريقة الجيدة الثابتة على محل النظر هي طريقة القرآن

ص: 437

والتصرف في خلقه فلا يعترض عليه وهذه/ [295/ل] عمدة الجمهور في القدر وإليها يرجعون ويسمونها آية الدبوس.

وعند النظر فيما قررناه من سر القدر يتبين أن الأمر واضح بالمعقول لا بالدبوس.

{أَمِ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} (24)[الأنبياء: 24] أي: طالبهم بالدليل على إلهية آلهتهم فسيعجزون عن إقامته ثم قل: {أَمِ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} (24)[الأنبياء: 24] أي احتج عليهم بإجماع الأنبياء المتقدمين على التوحيد، وهو كقوله-عز وجل:{وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} (45)[الزخرف: 45] وتقريره: أن التوحيد مجمع عليه بين الرسل وكل مجمع عليه بين الرسل، فهو حق فالتوحيد حق بيان الأولى قوله-عز وجل بعد:{وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} (25)[الأنبياء: 25].

بيان الثانية: أن الأنبياء معصومون جماعة وفرادى فلا يقولون إلا صدقا، ولا يعتقدون إلا حقا.

{وَقالُوا اِتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ} (26)[الأنبياء: 26] يعنى قولهم: الملائكة بنات الله سبحانه: {بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ} (26)[الأنبياء: 26] أي: هم عباد مكرمون؛ فعباد، رد على من تألههم، ومكرمون: رد على من تنقصهم، كاليهود حين استعدوا جبريل.

{لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (27)[الأنبياء: 27] رد على من زعم أن لهم تصرفا في العالم بالاستقلال فبين أنهم لا يفعلون شيئا إلا بإذنه-عز وجل وفيه من الأدب أن العبد والتلميذ والرعية والولد وكل ذي رتبة دنيا لا يسابق من فوقه بالقول، بل يكون تبعا له في كلامه.

{لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (27)[الأنبياء: 27] رد على من

ص: 438

قدح في عصمتهم بمخالفة ونحوها.

{يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ اِرْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} (28)[الأنبياء: 28] أي: ما قبلهم وبعدهم إشارة إلى أن لوجودهم ابتداء وانتهاء ردا على من اعتقد قدمهم، وأنهم أزليون أبديون {يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ اِرْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} (28) [الأنبياء:

28] فيه إثبات الشفاعة لبعض الناس، وأن الملائكة تشفع لهم بإذن الله-عز وجل، وهم من خشيته مشفقون إشارة إلى أدبهم، وكمال خشيتهم التي هي سبب عصمتهم؛ إذ العصمة هي اجتناب المعصية/ [139 ب/م] لكمال المعرفة، وكمال المعرفة توجب الخشية، {وَمِنَ النّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28) [فاطر: 28].

{* وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ} (29)[الأنبياء: 29] تحتمل وجوها: أن على تقدير أن يقول ذلك منهم قائل نعذبه، إشارة إلى تعظيم الشرك قبحا، وأنه-عز وجل-لا يحابي فيه أحدا حتى أكرم الخلق عنده، وإن كان ذلك لا يقع منه لعصمتهم، لكنه مفروض.

الثاني: أن ذلك إشارة إلى/ [296/ل] إبليس على القول بأنه من الملائكة، وأنه هم في نفسه بالمنازعة بالإلهية؛ فجوزي الخزي واللعنة.

الثالث: التنبيه على أن هذا القول جائز الوقوع منهم إشارة إلى أن عصمتهم من وقوع المعصية، والكفر لا من جوازهما كما سبق في الأنبياء.

ص: 439

أو تقريعا لهم على ترك ذلك وتقريره: أن هذه آيات وآثار عظيمة تدل على مؤثر عظيم كامل، ومن عظمته وكماله أن لا يكون معه شريك؛ إذا الوحدانية كمال والشرك نقص بالضرورة؛ إذ ما يكون للواحد وحدة يكون له مع الشريك نصفه.

وقوله: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (33)[الأنبياء: 33] وهو مما يقرأ بالانعكاس مثل ساكب كأس، وهو من محاسن وأنواع البديع.

{كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ} (35) [الأنبياء:

35] يحتج به الجمهور في أن الشر والخير من عند الله-عز وجل-عدلا وفضلا.

{وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ} (47)[الأنبياء: 47] تمسك الجمهور بلفظ الموازين في إثبات الميزان والوزن حقيقة وتأوله المعتزلة على إقامة العدل؛ لأنه أبدل القسط من الموازين والمقصود في الجملة البدلية هو البدل لا المبدل منه كأنه قال:

ونضع القسط، أي العدل.

{قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (53) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (54)[الأنبياء: 53، 54] فيه ذم التقليد وبطلانه خصوصا إذا قابله النظري القاطع ونحوه: {قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ} (56)[الأنبياء: 56] هذا استدلال من إبراهيم-عليه السلام عليهم أو تنبيه لهم على صانعهما كما عرف في غير موضع وفطرهن: أنشأهن.

{قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ} (63)[الأنبياء: 63] هذه إحدى الكذبات المنسوبة إليه في الحديث الصحيح، والأخريان قوله:

{فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ} (89)[الصافات: 89] وقوله لسارة: هي أختي، والتحقيق أن هذه معاريض، وإنما سماها النبي صلى الله عليه وسلم كذبات مجازا وتعظيما لشأن/ [140 أ/م] إبراهيم-عليه السلام-بحيث إن مثله يسمى تعريضه كذبا لارتفاعه عنه شبيه بقولهم: حسنات الأبرار سيئات المقربين.

{قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ} (66)[الأنبياء: 66] استدلال على نفي إلهية الأصنام بعدم ضرها ونفعها وقد سبق مرارا.

ص: 440

{قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ} (69)[الأنبياء: 69] سلبها قوتها المحرقة، ثم لو لم يقل:{قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ} (69)[الأنبياء: 69] لأهلكته ببردها لمبالغتها في امتثال أمر ربها.

{فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنّا فاعِلِينَ} (79)[الأنبياء: 79] احتج بها من يرى أن كل مجتهد مصيب وغيره/ [297/ل]، أما الأول؛ فلأنه أثنى عليهما بالعلم، وأما الثاني؛ فلأنه خص سليمان بالتفهيم، ولو كان داود مع ذلك مصيبا لما كان لتخصيص سليمان بالتفهيم معنى.

وصورة المسألة أن غنما لقوم وقعت ليلا في كرم قوم فرعته فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، وقضى سليمان بأن تسلم الغنم إلى صاحب الكرم ينتفع بصوفها ولبنها، ويعمل صاحب الغنم في إصلاح الكرم حتى يعود كما كان يوم رعته، ولا شك أن هذا أقرب إلى التحقيق والعدل، لأن الغنم أتلفت فرع الكرم وهو ورقه وأغصانه ونحو ذلك، فإذا من فروعها صوفا ولبنا ما يقابل ما أتلفت حتى يعاد الكرم إلى حاله يوم أتلفته كان مناسبا، أما أخذ الغنم أصلا ورأسا بالكرم مع احتمال تفاوتهما في القيمة، ففيه ما لا يخفى والثناء عليهما بالعلم لا يدل على إصابة داود، لأنه لم يقل:{فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنّا فاعِلِينَ} (79)[الأنبياء: 79] في هذه الواقعة، وإنما المراد أصاب سليمان وقد كان داود عالما، ولا يقتضي ذلك إصابته في هذا الحكم بعينه، ثم إن قولهم: كل مجتهد مصيب، ليس معناه: أن قول المجتهدين المختلفين مطابق لما في نفس الأمر وإلا لكان الشيء المختلف في تحريمه حراما في نفس الأمر وأنه محال، وإنما المراد إصابتهما في ظاهر الاجتهاد بحيث يخرجان عن العهدة مع أن للمصيب أجر الإصابة وفضلها والمخطئ حظه في أنه لا يأثم على خطئه وإن أجر على اجتهاده.

وقد استدل بعضهم على أن ليس كل مجتهد مصيبا بأن القائل: ليس كل مجتهد مصيبا إما مصيب أو مخطئ. فإن كان مصيبا صح أنه ليس كل مجتهد مصيبا لمطابقة خبره مخبره وحكمه الواقع، وإن كان مخطئا، فقد اختلت كلية دعواه به نفسه، فليس كل مجتهد مصيبا.

{فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنّا فاعِلِينَ} (79)[الأنبياء: 79] قد سبق أن كل شيء يسبح بحمد

ص: 441

ربه، وأن خلق التسبيح في الجبال ممكن إما بإظهار حياة كامنة فيها، أو بخلق حياة لم تكن.

{وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصّابِرِينَ} (85)[الأنبياء: 85] يحتج به على أن الذبيح هو إسماعيل؛ لأنه حكى عن/ [140 ب/م] الذبيح أنه قال عند إرادة ذبحه: {فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ اِفْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصّابِرِينَ} (102)[الصافات: 102] ثم وصفه هاهنا بالصبر الموصوف به هناك، فكان ظاهرا في أن الصابر هنا هو الصابر هناك.

{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ} (87)[الأنبياء: 87][حمله بعضهم على ظاهره في نفي القدرة، وتأوله] الأكثرون على معنى لن نضيق عليه من قوله- عز وجل: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} (7) [الطلاق:

7]، {اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاّ مَتاعٌ} (26) [الرعد: 26] أي يضيق، تنزيها لنبي الله يونس عن أن يعتقد نفي قدرة الله-عز وجل-عن شيء، هو أليق بحال الأنبياء، بل المتعين في حقهم، إذ لا يجوز أن يكون نبيا من يجهل صفات ربه، وما يجوز عليهن وما يمتنع.

فأما ذلك النباش الذي قال لبنيه: إذ مت فاحرقوني وذروني في البحر؛ فإن ربي إن قدر عليّ عذبني، ثم إن الله-عز وجل-غفر له فإنه عذره لجهله مع أن ذلك منه أيضا قد تأوله بعض الناس.

ص: 442

يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23)[الزمر: 23] والأشبه أن النبوة نعمة مرتبة على طاعة وتزكية اقتضاها التوفيق، وإلا لجاز أن ينالها الشيطان وأنه بعيد.

{إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ} (98)[الأنبياء: 98].

لما نزلت قال عبد الله بن الزبعرى: «يا محمد، فقد عبدت الملائكة والمسيح أفتراهم حصب جهنم؟ ! فيقال: إنه نزل: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ} (101) [الأنبياء: 101] مخصصة للعموم المذكور، ويقال إنه صلى الله عليه وسلم قال لابن الزبعرى: «ما أجهلك بلسان قومك، إنما قال الله-عز وجل: {إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ} (98) [الأنبياء: 98] ولم يقل: ومن «تعبدون» يعني أن «ما» لما لا يعقل، فلا يتناول العقلاء كالملائكة والمسيح وهذا أحسن الجوابين، ولعلهما اجتمعا بمنع ورود السؤال ثم تسليمه، وتخصيص العموم.

{لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ} (99)[الأنبياء: 99] أي أن الإله لا يرد النار وهؤلاء المتخذون من دون الله يردون النار، فالإله ليس هو هؤلاء فهؤلاء ليسوا آلهة.

{لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ} (100)[الأنبياء: 100] إن كانت عامة في كل ما عبد من دون الله-عز وجل-جماد أو غيره، فهذا يقتضي أن الجماد يخلق فيه حياة يصبح بها/ [141 أ/م] منه الزفير في جهنم، والأشبه أن يختص ذلك بالأحياء من الآلهة.

{يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنّا كُنّا فاعِلِينَ} (104)[الأنبياء: 104] استدلال على الإعادة بالقياس على الابتداء.

{وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ} (107)[الأنبياء: 107] تصريح برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وإثباتها بالبرهان في آخر الفتح إن شاء الله-عز وجل.

ص: 443