المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القول في سورة غافر - الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌ترجمة المصنف

- ‌وصف المخطوط

- ‌مطلب في الفرق بين الخلق والكسب

- ‌وقد بقي الكلام بين الجبرية والكسبية:

- ‌مبحث العموم والخصوص

- ‌القول في الفاتحة

- ‌القول في سورة البقرة

- ‌القول في سورة آل عمران

- ‌القول في سورة النساء

- ‌القول في سورة المائدة

- ‌القول في سورة الأنعام

- ‌القول في سورة الأعراف

- ‌القول في سورة الأنفال

- ‌القول في سورة براءة

- ‌القول في سورة يونس

- ‌القول في سورة هود

- ‌القول في سورة يوسف

- ‌القول في سورة الرعد

- ‌القول في سورة إبراهيم

- ‌القول في سورة الحجر

- ‌القول في سورة النحل

- ‌القول في سورة سبحان

- ‌القول في سورة الكهف

- ‌القول في سورة مريم

- ‌القول في سورة طه

- ‌القول في سورة الأنبياء

- ‌القول في سورة الحج

- ‌القول في سورة المؤمنون

- ‌القول في سورة النور

- ‌القول في سورة الفرقان

- ‌القول في سورة الشعراء

- ‌القول في سورة النمل

- ‌القول في سورة القصص

- ‌القول في سورة العنكبوت

- ‌القول في سورة الروم

- ‌القول في سورة لقمان

- ‌القول في السورة السجدة

- ‌القول في سورة الأحزاب

- ‌القول في سورة سبأ

- ‌القول في سورة الملائكة

- ‌القول في سورة يس

- ‌القول في سورة الصافات

- ‌القول في سورة ص

- ‌القول في سورة الزمر

- ‌القول في سورة غافر

- ‌القول في سورة فصلت

- ‌القول في سورة الشورى

- ‌القول في سورة الزخرف

- ‌القول في سورة الدخان

- ‌القول في سورة الجاثية

- ‌القول في سورة الأحقاف

- ‌القول في سورة محمد

- ‌القول في سورة الفتح

- ‌القول في سورة الحجرات

- ‌القول في سورة ق

- ‌القول في سورة الذاريات

- ‌القول في سورة الطور

- ‌القول في سورة النجم

- ‌القول في سورة القمر

- ‌القول في سورة الرحمن

- ‌القول في سورة الواقعة

- ‌القول في سورة الحديد

- ‌القول في سورة المجادلة

- ‌القول في سورة الحشر

- ‌القول في سورة الممتحنة

- ‌القول في سورة الصف

- ‌القول في سورة الجمعة

- ‌القول في سورة المنافقين

- ‌القول في سورة التغابن

- ‌القول في سورة الطلاق

- ‌القول في سورة التحريم

- ‌القول في سورة الملك

- ‌القول في سورة (ن)

- ‌القول في سورة الحاقة

- ‌القول في سورة المعراج

- ‌القول في سورة نوح

- ‌القول في سورة الجن

- ‌القول في سورة المزمل

- ‌القول في سورة المدثر

- ‌القول في سورة القيامة

- ‌القول في سورة الإنسان

- ‌القول في سورة المرسلات

- ‌القول في سورة عمّ

- ‌القول في سورة النازعات

- ‌القول في سورة عبس

- ‌القول في سورة التكوير

- ‌القول في سورة الانفطار

- ‌القول في سورة المطففين

- ‌القول في سورة الانشقاق

- ‌القول في سورة البروج

- ‌القول في سورة الطارق

- ‌القول في سورة الأعلى

- ‌القول في سورة الغاشية

- ‌القول في سورة الفجر

- ‌القول في سورة البلد

- ‌القول في سورة الشمس

- ‌القول في سورة الليل

- ‌القول في سورة الضحى

- ‌القول في سورة ألم نشرح لك صدرك

- ‌القول في سورة التين

- ‌القول في سورة اقرأ

- ‌القول في سورة القدر

- ‌القول في سورة البينة

- ‌القول في سورة الزلزلة

- ‌القول في سورة العاديات

- ‌القول في سورة القارعة

- ‌القول في سورة التكاثر

- ‌القول في سورة العصر

- ‌القول في سورة الهمزة

- ‌القول في سورة الفيل

- ‌القول في سورة قريش

- ‌القول في سورة الماعون

- ‌القول في سورة الكوثر

- ‌القول في سورة الكافرين

- ‌القول في سورة النصر

- ‌القول في سورة «تبت»

- ‌القول في سورة الإخلاص

- ‌القول في المعوذتين

الفصل: ‌القول في سورة غافر

‌القول في سورة غافر

{ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَاّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ} (4)[غافر: 4] فيه ذم الجدال بالباطل، إذ المراد يجادل في آيات الله ليبطلها، كما قال بعد:{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ} (5)[غافر: 5].

{وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النّارِ} (6)[غافر: 6] أي: وجبت ولزمهم/ [175 أ/م] حكمها مع تعلق العلم والإرادة بكفرهم، ويلزم الجبر.

واعلم أن الجبر على ضربين: جبر محسوس، كمن يقبض على أطواق شخص ويجره إلى الدار، وجبر معقول كمن يزين له دخولها بما يخيله إليه من الأسباب المقتضية لذلك، أو يجذبه إلى ذلك بجاذب حالي نفساني، ونحوه.

والضرب الأول من الجبر مجمع على عدمه في أحكام القدر، وإنما النزاع في الضرب الثاني فالجبرية أثبتوه، والمعتزلة نفوه.

{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاِتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ} (7)[غافر: 7] احتج بها من فضل مؤمني البشر على الملائكة؛ لأنهم لم يستغفروا لهم إلا وقد علموا أنهم أشق عملا وأفضل منزلة.

وقال بعضهم: بل الملائكة أتقياء، فتقواهم حملتهم على الاستغفار للمؤمنين، جبرا لما وقع منهم في حقهم بقولهم في البدء:{وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ} (30)[البقرة: 30] وهذه كلمة استرسلت على جميع أفراد بني آدم/ [364 ل]، فالكافر ونحوه وقعت منه موقعها، والمؤمن لم تقع منه موقعها؛ فرأوها غيبة أو قذفا؛ فاستدركوها بالاستغفار لهم، وهذا حكم من اغتاب شخصا أو قذفه أو يعرفه ما قال فيه، ويستوهب منه، فإن لم يمكنه تعريفه استغفر له حتى يعلم أنه قد

ص: 548

تدارك أمره معه.

فإن قيل: فما يمنع الملائكة أن تستوهب ذلك من بني آدم؟ قيل: لأنهم من أركان الإيمان، وهم غيب، فلو ظهروا ليستوهبوا صار الإيمان بهم وبسائر أركان الإيمان ضروريا، وبطلت فائدة التكليف؛ فلذلك عدلوا إلى التدارك بالاستغفار.

{قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اِثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} (11)[غافر: 11] سبق ذكره في أوائل البقرة عند: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (28)[البقرة: 28].

{رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ} (15)[غافر: 15] يحتج بظاهره مثبتو الجهة حملا له على الرفعة الحسية بدليل اقترانه بذكر العرش، وتأوله الآخرون على الرفعة المعنوية].

{عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ} (15)[غافر: 15] فيها إثبات النبوات على ما تقرر في نظيرها في أول النحل.

{الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ} (17)[غافر: 17] يحتج به المعتزلة، ويجيب الجمهور بما قبله، وهو {الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ} (17) [غافر: 17] فلا ظلم عليهم إذ هم مجزيون على كسبهم.

{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ} (18)[غافر: 18] احتج به المعتزلة في إنكار الشفاعة؛ للمذنبين لعموم لفظ الظالمين.

وأجيب بأن المراد الكفار؛ بدليل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ} (254) [البقرة:

254]، {وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (13) [لقمان: 13]، {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ}

ص: 549

قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (6)[الرعد: 6] أي كفرهم {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (82)[الأنعام: 82] أي: كفر ونحوه، لا الظالمون من أهل الإيمان، فإذن / [175 ب/م] احتجاجهم بعام مخصوص، أو أريد به الخصوص، وهو غالب ما يعتمدون عليه في هذه المسألة، ونحوها من السمعيات.

{وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ} (28)[غافر: 28] احتجت بها الشيعة على جواز التقية؛ لأن هذا المؤمن استعملها، وقد أثنى الله-عز وجل عليه ومدحه، وعلى أن أبا طالب كان مؤمنا، لكنه استعمل التقية مع قريش في نصرة محمد صلى الله عليه وسلم كما استعملها هذا المؤمن في نصرة موسى، وقد سبق المسألتان في موضعهما من آل عمران والقصص.

{وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ} (28)[غافر: 28] يحتج بها على أن لا واسطة بين الصدق والكذب؛ لأنه احتج عليهم بالسبر والتقسيم، ولو كان هناك واسطة لما كان تقسيمه حاصرا، ولكانت حجته فاسدة، لكن القرآن، يقتضي صحتها، فيكون التقسيم حاصرا، فلا يكون بين الصدق والكذب واسطة، وقد سبق تفصيل هذا في أول سورة سبأ، والمراد هنا بالصدق والكذب مطلق المطابقة، وإلا مطابقة من غير تقييد، فمن ثم انتفت الواسطة.

{أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاّ فِي تَبابٍ} (37)[غافر: 37] / [365 ل] على ما لم يسم فاعله يحتج بها الجبرية.

{وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اِتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ} (38)[غافر: 38] دعاهم إلى التوحيد، والإيمان بالله واليوم الآخر، وإلى الإعراض عن الدنيا، والإقبال على الآخرة، على ما هو ظاهر في كلامه.

ص: 550

{فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (45) النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ} (46)[غافر: 45 - 46] أي: في البرزخ، ويستدل به على عذاب القبر؛ بدليل:

{النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ} (46)[غافر: 46] فإنه يقتضي أن عرضهم على النار غدوا وعشيا قبل يوم القيامة، وليس ذلك في الدنيا فتعين أنه في البرزخ، وهو ما بينهما.

{يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ} (52)[غافر: 52] يحتج به المعتزلة، إذ لو كانت أعمالهم مخلوقة لله-عز وجل-لنفعتهم معذرتهم بأن يقولوا: خلقت فينا ما لا خروج لنا عنه، فكنا مجبورين فعلام تعذبنا؟ وجوابه ما سبق من أن جبره إياهم جبر معقول يدركه ولا تنكره العقول، فعقولهم تقضي عليهم باللائمة بحسب كسبهم ولا يعذرهم بجبرهم.

{إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (56)[غافر: 56] فيها وفى نظيرتها قبل بقليل دليل على ذم الجدال بغير علم وبغير الحق، وأن ذلك إما عن جهل أو/ [176 أ/م] عناد واستكبار.

{لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (57)[غافر: 57] مع قوله بعد: {إِنَّ السّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} (59)[غافر: 59] إشارة إلى دليل البعث والمعاد، وينتظم هكذا: إعادة الناس أهون من ابتداء خلقهم، وابتداء خلقهم أهون من خلق السماوات والأرض، فإعادتهم أهون من خلق السماوات والأرض، فهو عليها أقدر. أو هكذا: خلق السماوات أكبر من خلقكم وخلقكم أكبر من إعادتكم، فخلق السماوات أكبر من إعادتكم، فالقادر عليه يكون عليها أقدر، وقد سبق هذا في آخر سورة يس وغيرها.

ص: 551

عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)[البقرة: 186]، {وَقالَ رَبُّكُمُ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ} (60) [غافر: 60] ظاهر في تسمية الدعاء عبادة، وأن الاستكبار عنه حرام، إذ فيه إظهار الاستغناء عن الله-عز وجل-وفى الحديث:«الدعاء مخ العبادة» (1) وذلك لأنه إنما يكون عن محض التوحيد.

{ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ} (62)[غافر: 62] يحتج به الجمهور كما سبق في آخر الزمر وغيره.

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (67)[غافر: 67] إلى: {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (68)[غافر: 68] احتجاج على البعث والإعادة بقياس الابتداء كما في أول الحج.

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (70)[غافر: 69 - 70] الآيات منطبقة على الفلاسفة، صادقة عليهم، إما بخصوصهم/ [366 ل]، أو في عموم مدلولها؛ لأن الفلاسفة بنوا أمرهم على أن البرهان العقلي لا يعارضه شيء، ثم تسامحوا حتى عدوا ما ليس ببرهان برهانا، إما وهما منهم أو هوى، أو عصبية، أو غير ذلك، فإذا قرروا شبهة هي عندهم برهان؛ جادلوا بها الكتب المنزلة على الأنبياء، إما بالتكذيب المحض، أو بالتأويل الباطل، فإذا سمعوا الكتب تثبت الصفات لله، تأولوها على أن مقاصدها ثابتة له لذاته؛ لئلا يلزم تعدد القدماء، ويتأولون الملائكة على قوى الأفلاك ونحوها، والرسل على قوم حكماء، ذوي سياسة ونفوس قوية، تنفعل لها العنصريات يضعون قوانين حافظة لنظام

ص: 552

العالم، وأنها دائمة أبدا بدوام العالم أبدا لا تنقطع، وكلما دثرت ملة ظهرت أخرى.

[وإذ سمعوا من يقول: إن محمدا خاتم النبيين لا نبي بعده، سخروا من عقله، كما حكي عن بعضهم أنه رأى الناس يركضون عند إقامة الجمعة، ليدركوها، فوقف متعجبا يقول:

سبحان الله، ما فعل هذا العربي بالناس؟ يعني النبي صلى الله عليه وسلم نسبة إلى العرب-إنما يستخف عقول الناس حتى أجابوه إلى مثل هذه الخفة/ [176 ب/م]: زعم. ويتأولون المعاد على الروحاني دون الجسماني، ويثبتون قدم العالم، وأنه أزلي أبدي، وأن الله-عز وجل-إنما يفعل بالطبع والإيجاب، لا بالقدرة والاختيار، وغير ذلك من أصولهم، كقولهم: ] إن النعيم والعذاب فيما بعد الموت عقلي لا حسي، كل ذلك على خلاف ما جاءت به الرسل، وأنزلت به الكتب.

وإذا تأدبوا مع الشرائع تأولوا نصوصها على ما يوافق أصولهم، ثم لا يبالون كان التأويل قريبا من الظاهر، أو بعيدا جدا شبيها بالتلاعب، كقول بعضهم في عصا موسى:

{فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ} (45)[الشعراء: 45]-: إنه كناية عن حجته غلبت حجة فرعون وقومه، وفى انفجار اثنتي عشرة عينا من الحجر، إنه إشارة إلى منافذ الإنسان كعينيه وأذنيه ومنخريه وفمه وقبله ودبره وسرته، وليت شعري هذه عشر فأين الآخران؟ ! ! وأشباه ذلك من تلاعبهم، فالآية بالضرورة صادقة عليهم مع نظرائهم من المشركين.

ص: 553

اللهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)[غافر: 78] فرأيته ضحك حتى رأيت أسنانه، فترددت في النوم في ضحكه: هل هو استقصار لعلمي أو لأني تحريت الصدق، ولم أعد الحق وهذا هو أظهر الاحتمالين، ثم لما استيقظت نظرت / [367 ل] في تأويل هذه الرؤيا، فذكر فيها بعض المعبرين أن من رأى المسيح في النوم، فقدر له الاشتغال بالطب في ذلك العام برز فيه، فشرعت من حينئذ في قراءة القانون في الطب، فقرأت فيه يومين أو ثلاثة، ثم لم يقدر لي الاستمرار.

{فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ} (78)[غافر: 78] سبق نظيرها والكلام فيه.

{فَلَمّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} (83)[غافر: 83] إشارة إلى أنه لا ينبغي لأحد أن/ [177 أ/م] يعارض علم الرسل بغيره، فإنه حينئذ كمن يعارض طب بقراط وجالينوس بطب العجائز، بل أسخف عقلا وأضعف رأيا؛ إذ الأنبياء يستندون في علمهم إلى كشف عياني مستند إلى قدرة وعلم رباني، وهذا المعارض له بعلمه مستند إلى عقله وفهمه، وأين عقل الإنسان الضعيف من علم الحكيم اللطيف.

ص: 554