المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القول في سورة الأحزاب - الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌ترجمة المصنف

- ‌وصف المخطوط

- ‌مطلب في الفرق بين الخلق والكسب

- ‌وقد بقي الكلام بين الجبرية والكسبية:

- ‌مبحث العموم والخصوص

- ‌القول في الفاتحة

- ‌القول في سورة البقرة

- ‌القول في سورة آل عمران

- ‌القول في سورة النساء

- ‌القول في سورة المائدة

- ‌القول في سورة الأنعام

- ‌القول في سورة الأعراف

- ‌القول في سورة الأنفال

- ‌القول في سورة براءة

- ‌القول في سورة يونس

- ‌القول في سورة هود

- ‌القول في سورة يوسف

- ‌القول في سورة الرعد

- ‌القول في سورة إبراهيم

- ‌القول في سورة الحجر

- ‌القول في سورة النحل

- ‌القول في سورة سبحان

- ‌القول في سورة الكهف

- ‌القول في سورة مريم

- ‌القول في سورة طه

- ‌القول في سورة الأنبياء

- ‌القول في سورة الحج

- ‌القول في سورة المؤمنون

- ‌القول في سورة النور

- ‌القول في سورة الفرقان

- ‌القول في سورة الشعراء

- ‌القول في سورة النمل

- ‌القول في سورة القصص

- ‌القول في سورة العنكبوت

- ‌القول في سورة الروم

- ‌القول في سورة لقمان

- ‌القول في السورة السجدة

- ‌القول في سورة الأحزاب

- ‌القول في سورة سبأ

- ‌القول في سورة الملائكة

- ‌القول في سورة يس

- ‌القول في سورة الصافات

- ‌القول في سورة ص

- ‌القول في سورة الزمر

- ‌القول في سورة غافر

- ‌القول في سورة فصلت

- ‌القول في سورة الشورى

- ‌القول في سورة الزخرف

- ‌القول في سورة الدخان

- ‌القول في سورة الجاثية

- ‌القول في سورة الأحقاف

- ‌القول في سورة محمد

- ‌القول في سورة الفتح

- ‌القول في سورة الحجرات

- ‌القول في سورة ق

- ‌القول في سورة الذاريات

- ‌القول في سورة الطور

- ‌القول في سورة النجم

- ‌القول في سورة القمر

- ‌القول في سورة الرحمن

- ‌القول في سورة الواقعة

- ‌القول في سورة الحديد

- ‌القول في سورة المجادلة

- ‌القول في سورة الحشر

- ‌القول في سورة الممتحنة

- ‌القول في سورة الصف

- ‌القول في سورة الجمعة

- ‌القول في سورة المنافقين

- ‌القول في سورة التغابن

- ‌القول في سورة الطلاق

- ‌القول في سورة التحريم

- ‌القول في سورة الملك

- ‌القول في سورة (ن)

- ‌القول في سورة الحاقة

- ‌القول في سورة المعراج

- ‌القول في سورة نوح

- ‌القول في سورة الجن

- ‌القول في سورة المزمل

- ‌القول في سورة المدثر

- ‌القول في سورة القيامة

- ‌القول في سورة الإنسان

- ‌القول في سورة المرسلات

- ‌القول في سورة عمّ

- ‌القول في سورة النازعات

- ‌القول في سورة عبس

- ‌القول في سورة التكوير

- ‌القول في سورة الانفطار

- ‌القول في سورة المطففين

- ‌القول في سورة الانشقاق

- ‌القول في سورة البروج

- ‌القول في سورة الطارق

- ‌القول في سورة الأعلى

- ‌القول في سورة الغاشية

- ‌القول في سورة الفجر

- ‌القول في سورة البلد

- ‌القول في سورة الشمس

- ‌القول في سورة الليل

- ‌القول في سورة الضحى

- ‌القول في سورة ألم نشرح لك صدرك

- ‌القول في سورة التين

- ‌القول في سورة اقرأ

- ‌القول في سورة القدر

- ‌القول في سورة البينة

- ‌القول في سورة الزلزلة

- ‌القول في سورة العاديات

- ‌القول في سورة القارعة

- ‌القول في سورة التكاثر

- ‌القول في سورة العصر

- ‌القول في سورة الهمزة

- ‌القول في سورة الفيل

- ‌القول في سورة قريش

- ‌القول في سورة الماعون

- ‌القول في سورة الكوثر

- ‌القول في سورة الكافرين

- ‌القول في سورة النصر

- ‌القول في سورة «تبت»

- ‌القول في سورة الإخلاص

- ‌القول في المعوذتين

الفصل: ‌القول في سورة الأحزاب

‌القول في سورة الأحزاب

{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اِتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً} (1)[الأحزاب: 1] أي استدم على ما أنت عليه من التقوى، لأن التقوى لم تفارقه لعصمته حتى يؤمر بها أمر استئناف.

{النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً} (6)[الأحزاب: 6] احتجت الشيعة بهذا مع قوله صلى الله عليه وسلم: «من كنت مولاه فعلي مولاه» قالوا: لأنه صدر هذا الحديث بالإشارة إلى هذه الآية فقال: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم» قالوا: بلى. قال: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» فاقتضى ذلك بموجب هذا السياق أنه جعل لعلي عليهم من الطاعة بعده ما جعله لنفسه.

والجمهور منعوا صحة هذا الحديث بالكلية، ثم دلالته على ما قالوه، والبحث فيه طويل.

{قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاّ قَلِيلاً} (16)[الأحزاب: 16] هذا كقوله-عز وجل: {أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} (78)[النساء: 78] و {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} (154) / [160 أ/م]) [آل عمران: 154] الآيتين على ما مر.

ص: 503

{لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً} (21)[الأحزاب: 21] يحتج بها على التأسي به في أفعاله، ثم اختلف في فعله صلى الله عليه وسلم فقيل: يقتضي الوجوب/ [335 ل]، وقيل: الندب، وقيل: الإباحة، والصحيح أن ما كان عاديا كالأكل والشرب والجماع فللإباحة، وهيئاته للندب كالأكل مستوفزا غير متكئ، والشرب في ثلاثة أنفاس، وما كان وجه القربة، فإن وقع بيانا لمجمل فحكمه حكم المبين، وإن لم يقع بيانا فإن صرح بحكمه وجوبا أو ندبا أو غيره، أو دل عليه قرينة فهو ذاك، وإلا فالإباحة متيقنة، والندب والوجوب في محل الإجمال موقوف على البيان.

احتج من قال بأن فعله للوجوب مطلقا بقوله-عز وجل: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً} (21)[الأحزاب: 21] فإنه جار مجرى الوعيد على ترك التأسي به وذلك يقتضي وجوب التأسي به.

واعلم أن الاستدلال بهذه الآية على التأسي مبني على أن الآية في نفسها عامة، ثم على أن الاعتبار في العام بعموم لفظه لا بخصوص سببه؛ لأن هذه الآية إنما وردت على سبب خاص، وهو اعتزال المنافقين القتال في غزوة الأحزاب مع مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم لها، فقيل لهم:

هلا تأسيتم برسول الله في لقاء العدو، فلقد كان لكم فيه أسوة، ألا تراه يقول:

{يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاّ قَلِيلاً (20) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً} (21)[الأحزاب: 20 - 21] وما قيل ذلك يدل على هذا من تقاعد المنافقين وأراجيفهم، لكن الأصلان ممنوعان، أما عموم الآية فلأن {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً} (21) مطلق لا عام، إذ هي نكرة في سياق إثبات، والمطلق تتأدى وظيفة العمل به في صورة ما، وقد تأسى به الناس في الإيمان والإسلام وكثير من الأحكام، فلم يبق في الآية ما يقتضي وجوب التأسي به في عموم الأفعال، وأما اعتبار عموم اللفظ دون خصوص السبب ففيه من الخلاف مع المالكية وغيرهم ما قد عرف وسبقت إليه الإشارة.

ص: 504

{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} (33)[الأحزاب: 33] تتعلق به الشيعة [أخزاهم الله] على عائشة رضى الله عنها، يقولون: أمرت أن تقر في بيتها فخالفت وخرجت إلى تفريق المؤمنين وقتال علي بالبصرة، حتى قتل بسببها من قتل وهم نحو عشرين ألفا.

والجمهور أجابوا بأنها خرجت/ [160 ب/م] مصلحة للفساد مطفئة للثائرة مجتهدة في ذلك، فهي لا تنفك من أجر أصاب اجتهادها أو أخطأ.

قوله-عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} (33)[الأحزاب: 33] احتج بها الشيعة على أن أهل البيت معصومون، ثم على أن إجماعهم حجة.

أما أنهم معصومون فلأنهم طهروا وأذهب الرجس عنهم، وكل من كان كذلك فهو معصوم، أما الأولى/ [336 ل] فلنص هذه الآية، وأما الثانية فلأن الرجس اسم جامع لكل شر ونقص، والخطأ وعدم العصمة بالجملة شر ونقص، فيكون ذلك مندرجا تحت عموم الرجس الذاهب عنهم، فتكون الإصابة في القول والفعل والاعتقاد والعصمة بالجملة ثابتا لهم.

وأيضا فلأن الله-عز وجل-طهرهم وأكد تطهيرهم بالمصدر حيث قال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} (33)[الأحزاب: 33] أي: ويطهركم من الرجس وغيره تطهيرا، وهو يقتضي عموم تطهيرهم من كل ما ينبغي التطهير منه عرفا أو عقلا أو شرعا، والخطأ وعدم العصمة داخل تحت ذلك، فيكونون مطهرين منه، ويلزم من ذلك عموم إصابتهم وعصمتهم، ثم أكدوا دليل عصمتهم من الكتاب بالسنة في علي وحده، وفي فاطمة وحدها، وفي جميعهم.

أما دليل العصمة [في علي] فيما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن قاضيا قال: يا رسول الله، كيف تبعثني قاضيا ولا علم لي بالقضاء؟ قال: «اذهب فإن الله سيهدي قلبك

ص: 505

ويسدد لسانك» ثم ضرب صدره وقال: «اللهم اهد قلبه وسدد لسانه» (1) قالوا: قد دعا له بهداية القلب وسداد اللسان، وأخبره بأن سيكونان له، ودعاؤه مستجاب وخبره حق وصدق، ونحن لا نعني بالعصمة إلا هداية القلب للحق ونطق اللسان بالصدق، فمن كان عنده للعصمة معنى غير هذا أو ما يلازمه فليذكره.

وأما دليل العصمة في فاطمة-رضي الله عنها-فكقوله-صلى الله عليه وسلم: «فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها» (2) والنبي صلى الله عليه وسلم-معصوم فبضعته أي جزؤه والقطعة منه يجب أن تكون معصومة.

وأما دليل العصمة في جميعهم-أعني عليا وفاطمة وولديهما فلقوله-صلى الله عليه وسلم: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» (3) رواه الترمذي، ووجه دلالته أنه لازم/ [161 أ/م] بين أهل بيته والقرآن المعصوم، وما لازم فهو معصوم، قالوا: وإذا ثبت عصمة أهل البيت وجب أن يكون إجماعهم حجة لامتناع الخطأ والرجس عنهم بشهادة المعصوم، وإلا لزم وقوع الخطأ فيه وإنه محال.

واعترض الجمهور بأن قالوا: لا نسلم أن أهل البيت في الآية هم من ذكرتم، بل هم نساء النبي صلى الله عليه وسلم بدليل سياقها وانتظام ما استدللتم به معه، فإن الله-عز وجل-قال:

{يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اِتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} (32)[الأحزاب: 32]، ثم استطردها إلى أن قال:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}

ص: 506

{وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاُذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً} (34) / [337 ل]) [الأحزاب: 33 - 34]، فخطاب نساء النبي صلى الله عليه وسلم مكتنفا لذكر أهل البيت قبله وبعده منتظما له، فاقتضى أنهن المراد به، وحينئذ لا يكون لكم في الآية متعلق أصلا، ويسقط الاستدلال بها بالكلية، سلمناه لكن لا نسلم أن المراد بالرجس ما ذكرتم، بل المراد به رجس الكفر أو نحوه من المسميات الخاصة، وأما ما أكدتم به عصمتهم من السنة فأخبار آحاد لا يقولون بها مع أن دلالتها ضعيفة.

وأجابت الشيعة بأن قالوا: الدليل على أن أهل البيت في الآية هم من ذكرنا النص والإجماع، أما النص فما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بقي بعد نزول هذه الآية ستة أشهر يمر وقت صلاة الفجر على بيت فاطمة فينادي:«الصلاة يا أهل البيت {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} (33) [الأحزاب: 33] رواه الترمذي وغيره، (1) وهو تفسير منه لأهل البيت بفاطمة ومن في بيتها، وهو نص، وأنص منه حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم أرسل خلف فاطمة وعلي ولديهما، فجاءوا فأدخلهم تحت الكساء ثم جعل يقول: «اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي، اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي» (2) وفي رواية: «حامتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» قالت أم سلمة: فقلت: يا رسول [الله]، ألست من أهل بيتك؟ قال:

«أنت إلى خير» (3) رواه أحمد وهو نص في أهل البيت وظاهر في أن نساءه «أنت إلى خير» [رواه أحمد] ولم يقل: بلى أنت منهم.

وأما الإجماع فلأن الأمة اتفقت على أن لفظ أهل البيت إذا أطلق إنما ينصرف إلى من ذكرناه دون النساء، ولو لم يكن إلا شهرته فيهم كفى، وإذا ثبت بما ذكرنا من النص

ص: 507

والإجماع أن أهل البيت علي وزوجته وولداه فما استدللتم به من سياق الآية ونظمه على خلافه لا يعارضه؛ لأنه مجمل الأمرين/ [161 ب/م]، وقصاراه أنه ظاهر فيما ادعيتم؛ لكن الظاهر لا يعارض النص والإجماع، ثم إن الكلام العربي يدخله الاستطراد والاعتراض وهو تخلل الجمل الأجنبية بين الكلام المنتظم المتناسب، كقوله-عز وجل:{قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ} (34)[النمل: 34] فقوله: {قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ} (34)[النمل: 34] جملة معترضة من جهة الله-عز وجل / [338 ل] بين كلام بلقيس، وقوله-عز وجل:{*فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} (77)[الواقعة: 75 - 77] أي فلا أقسم بمواقع النجوم إنه لقرآن كريم، وما بينهما اعتراض على اعتراض، وهو كثير في القرآن وغيره من الكلام العربي، فلم لا يجوز أن يكون قوله-عز وجل:

{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} (33)[الأحزاب: 33] جملة معترضة متخللة لخطاب نساء النبي صلى الله عليه وسلم على هذا النهج؟ وحينئذ يضعف اعتراضكم بمرة.

وأما الرجس فإنما يجوز حمله على الكفر أو على مسمى خاص لو كان له معهود، لكن لا معهود له، فوجب حمله على عمومه، إذ هو اسم جنس معرف باللام وهو من أدوات العموم.

وأما ما ذكرناه من أخبار الآحاد فإنما أكدنا به دليل الكتاب، ثم هي لازمة لكم فنحن أوردناها إلزاما لا استدلالا.

واعلم أن الآية ليست نصا ولا قاطعا في عصمة أهل البيت، وإنما قصاراها أنها ظاهرة في ذلك بطريق الاستدلال الذي حكيناه عنهم.

ص: 508

فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35)[الأحزاب: 35] يحتج به على إن الإناث لا يدخلن في جمع المذكر السالم، وإلا لكان والمسلمات تكرارا، ولأنه حكي عن أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله، ما بال النساء لا يذكرن مع الرجال؟ أو كما قالت، فنزلت هذه الآية، ففهمت أم سلمة أن صيغة المذكر لا تتناول الإناث، وأقرت على ذلك ووافقها التنزيل فدل على ما قلنا.

وتفصيل المسألة أن اللفظ المختص بأحد القبيلين لا يتناول غيره كالرجال والذكور وكالنساء والإناث، واللفظ الموضوع لهما يتناولهما كلفظ من، واختلف في نحو المؤمنين والمسلمين، هل تتناول الإناث ما لم يدل على قرينة؟ على قولين؛ أحدهما: لا، لما ذكرنا، وكما لا يتناول نحو المسلمات والمؤمنات الذكور.

والثاني نعم، لأن أكثر خطاب القرآن بهذه الصيغة والحكم فيها يتناول النساء.

وأجيب عنه بأن ذلك إن ثبت فهو بطريق التغليب لا بالوضع، والنزاع إنما هو فيه لا في دلالة القرائن، وأما لفظ القوم فهل يختص الرجال أو يتناول القبيلين؟ فيه خلاف موضع ذكره/ [162 أ/م] في سورة الحجرات، إن شاء الله عز وجل.

{ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَاّ اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً} (39)[الأحزاب: 38 - 39] قال بعضهم: هذا تعريض من الله-عز وجل-برسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال له: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاِتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً} (37) / [339 ل]) [الأحزاب: 37] كأنه قال: لم تفعل ذلك، وهلا تكون كهؤلاء الذين يبلغون، ولا يخشون أحدا إلا الله.

وجوابه: أن المعلوم من هذا الكلام: أنه مدح لهؤلاء الرسل وثناء عليهم، وأما كونه تضمن تعريضا بالنبي صلى الله عليه وسلم فغير معلوم، وبتقدير أن الأمر كذلك [لا يضر]، إذ لا قدح بذلك في منصب ولا عصمة، والله-عز وجل-له التصرف في عباده، رسلا كانوا أو

ص: 509

غيرهم، بالفعل والقول، تصريحا وتعريضا، وإشارة وكناية وكيف شاء.

{ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} (40)[الأحزاب: 40] احتج به الحجاج على أن الحسن والحسين ليسا ابني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يرد عليه قوله صلى الله عليه وسلم للحسن:«إن ابني هذا سيد» (1)؛ لأن إثبات بنوته مجاز، باعتبار أنه سبطه ومن ذريته، وسلب الآية ثبوت بنين النبي صلى الله عليه وسلم كإبراهيم والقاسم والطيب؛ لأنهم لم يبلغوا مبلغ الرجال، والآية إنما سلبت أبوته عن الرجال، وعند التحقيق فالآية ما سيقت لهذا، إنما المراد منها نفي أبوته الحقيقية عن زيد بن حارثة؛ لأنه لما تبناه ثم تزوج امرأته، أرجف به المنافقون، وقالوا: تزوج امرأة ابنه، وذلك حرام في دينه؛ فعرفوا أنه ليس ابنه لصلبه، والمحرم إنما هي زوجة ابنه لصلبه، كما صرح به في سورة النساء.

والدليل على أن الحسن من ذرية النبي نص القرآن على أن المسيح من ذرية إبراهيم، مع أنه إنما ينتسب إليه من جهة أمه مريم في قوله-عز وجل:{وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (84)[الأنعام: 84] إلى قوله:

{وَعِيسى، } ونسبة الحسن إلى النبي صلى الله عليه وسلم نسبة المسيح إلى إبراهيم فكان من ذريته.

{ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} (40)[الأحزاب: 40] تضمنت هذه الجملة إثبات رسالته صلى الله عليه وسلم وموضع تقريره سورة الفتح إن شاء الله-عز وجل-وأنه خاتم النبيين أي: لا نبي بعدي» (2).

والدليل عليه هذا النص المعصوم، وقوله صلى الله عليه وسلم «أنا خاتم النبيبن لا نبي بعدي» (2).

فإن قيل: هذا إثبات الدعوى/ [162 ب/م] بنفسها فهل من دليل عليها غير ذلك، [فإن اليهود والنصارى كل واحد من الفريقين يدعي أن نبيه خاتم النبيين لا نبي بعده، وقد ظهر كذبهم عندكم فبما تنفصلون أنتم عمن يلزمكم ما لزمهم، وهؤلاء الفلاسفة يدعون قدم العالم ودوامه، وأن النبوات لا تنقطع بل هي متصلة مستمرة بحسب الحاجة إليها في

ص: 510

كل حين.

والجواب: أن معتمدنا في أن محمدا خاتم النبيين لا نبي بعده، إنما هو السمع؛ إذ العقل لا يمنع من ذلك، غير] أن السمع الذي هو معتمدنا، ينتهي إلى دليل العقل، وتقريره: أن القرآن دل دليل النبوة-وهو المعجز النبوي-على أنه كلام الله-عز وجل، ودل السمع والعقل على أن كلام الله-عز وجل-حق وصدق، لا يلحقه باطل ولا كذب / [340 ل]، وقد صرح بأنه خاتم النبيين الذي لا نبي بعده، فوجب القطع بصحته بهذا الدليل الذي بذاته السمع وغايته العقل، [ولم يثبت لنا مثل هذا الدليل على ما ادعته اليهود والنصارى في أن لا نبي بعد نبيهم، بل الواقع كذبهم بظهور محمد صلى الله عليه وسلم نبيا بعد المسيح، والمسيح بعد موسى، وأما الفلاسفة فدعواهم مبنية على قدم العالم أو أبديته، فإن كان صاحب هذا السؤال منهم ناظرناه في ذلك الأصل كما سبق، وإن كان من غيرهم؛ فقد اتفقنا وإياه على بطلان قولهم، وزال السؤال واندفع الإشكال.

فإن قيل: قد اعترفتم أن العقل لا يمنع من تجدد النبوة، ثم زعمتم أن دليلكم على عدم تجددها ينتهي إلى العقل، فلزم أن العقل يمنع من تجددها ولا يمنع معا، وهو تناقض.

قلنا: ليس تناقضا، لأن الذي يمنعه وقوع النبوة فيما بعد، والذي لا يمنعه جواز وقوعها، ولا تناقض بينهما، ولا يلزم من نفي الوقوع نفي الجواز].

{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} (44)[الأحزاب: 44] يحتج به الجمهور على رؤية الله-عز وجل-في الآخرة، بناء على أن اللقاء يقتضي الرؤية لغة أو عرفا، وقد سبق.

{وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً} (46)[الأحزاب: 46] يحتمل أمرين:

أحدهما: تصديقه صلى الله عليه وسلم في الرسالة وأنه إنما دعا إلى الله-عز وجل-بإذن الله [لا فضوليا ولا متقولا]، فيكون من باب إثبات الرسالة.

ويحتمل أن المراد: وداعيا إلى الله، ثم لا يصل أحد إليه إلا بإذنه، أو لا يهتدي بدعائك أحد إلا بإذنه، كقوله:{يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اِتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} (16)[المائدة: 16] فيحتج به على القدرية في أن أحدا لا يستقل بالهداية بدون إذن الله-عز وجل.

ص: 511

غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً (53)[الأحزاب: 53] أي غير منتظرين نضجه وفراغه، وهذا أدل للمعتزلة على/ [163 أ/م] مطلوبهم من قوله:{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} (35)[النمل: 35] على ما ذكر هناك.

{إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (56)[الأحزاب: 56]، يحتج بها على استعمال اللفظ المشترك في مفهوميه معا على ما سبق، وجوابه في سورة الحج عند:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ} (18)[الحج: 18].

وفى المسألة خلاف، والأشبه الجواز إذا لم يورث لبسا أو خللا في الكلام يخل بالإفهام.

ويحتج بها أيضا على جواز ما يفعله بعض الناس عقب الصلاة من قوله: السّلام عليك يا رسول الله جهرا أو خفية، مشيرا بإصبعه، أو غير مشير، لأن الله-عز وجل-عطف الأمر بالسلام عليه على الأمر بالصلاة عليه، فكما كانت الصلاة عليه مشروعة في الأحوال المذكورة، كذلك السّلام عليه، خلافا لمن منع ذلك وأغلظ فيه.

ويحتج بها على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة للأمر بها المقتضي للوجوب، ثم هل وجوبها على العين أو الكفاية فيه نظر، والأشبه على الأعيان؛ لأن الصلاة عليه جرت مجرى العظيم له والتوقير، وذلك فرض العين، ثم إذا وجبت على العين خرج تكرارها على أن الأمر يقتضي التكرار أم لا؟ ، والأشبه أنه لا يقتضيه؛ فيخرج المكلف عن عهدة وجوبها عليه بالصلاة عليه مرة في عمره.

ص: 512

مُهِيناً (57)[الأحزاب: 57] ههنا كلام للشيعة نرغب عن ذكره لصعوبته.

{* لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاّ قَلِيلاً} (60)[الأحزاب: 60] يحتمل أن يكون ذلك الإغراء بالأمر التكليفي، ويحتمل أن يكون بالأمر التكويني، وهو خلق دواعي حربهم في قلبه، فيجليهم عن المدينة.

{سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً} (62)[الأحزاب: 62] يحتج به على اطراد العادات، لأن السنة هي الطريقة والعادة، وقد نفى أن تتبدل، وهو المراد من اطرادها.

{وَقالُوا رَبَّنا إِنّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} (67)[الأحزاب: 67] أي/ [341 ل] بالإغواء والكسب عند الجمهور، وبالخلق عند المعتزلة.

{إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً} (72)[الأحزاب: 72] قيل: كان إشارة إلى أن الظلم والجهل غريزة في طبيعة الإنسان كالشيء المتقادم في معدنه [وكذلك هي في صفات الله-عز وجل-نحو {لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} (73) [الأحزاب: 73] إشارة إلى أنها في معاني قديمة، لم تفارق ذاته].

ص: 513