الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في سورة ص
{وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذّابٌ} (4)[ص: 4] نظيره: {أَكانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ} (2)[يونس: 2] ووجه عجبهم لزوم الترجيح بلا مرجح في زعمهم، وقد سبق، وجوابه في سورة إبراهيم وغيرها.
{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ} (5)[ص: 5] لما ألفت نفوسهم الكثرة نفرت من التوحيد فهم في ذلك على محض التقليد ولو وفقوا لحسن النظر لعلم كل منهم ما يأتي ويذر.
{أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمّا يَذُوقُوا عَذابِ} (8)[ص: 8] هو إلزام الترجيح بلا مرجح بزعمهم، وهو غير لازم وجوابه {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهّابِ} (9) [ص: 9] / [170 ب/م] أي أنت خصصت من بينهم [بالنبوة] برحمة ربك.
{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهّابِ} (9)[ص: 9] أي أنت خصصت بإنزال الذكر دونهم برحمة الله وإرادته، وهو ذو الملك المتصرف فيه بما يختار، فإن كانوا هم أهل التصرف في الملك أو شركاء صاحب الملك.
{أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ} (10)[ص: 10] أي في الحبال إليه لينازعوه ملكه، ويحتمل أن الارتقاء في الأسباب مثل ومعناه كمعنى قوله:{فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} (39)[المرسلات: 39]، وحاصل الكلام أن اعتراضهم في تخصيصي إياك بالنبوة دونهم شأن منازع لي في ملكي لا شأن من يعترف بأنه عبدي.
فاعِلِينَ (79)[الأنبياء: 79]{*وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ} (10)[سبأ: 10] وقد سبق توجيه ذلك.
{* وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ} (21)[ص: 21] يحتج به على أن أقل الجمع اثنان لأن هذا الخصم كان اثنين، وقد رد إليهم ضمير الجمع؛ فقال: تسوروا.
وأجيب بأنه يحتمل كان معهم غيرهم؛ فصاروا جمعا، ويحتمل أن جمع الضمير باعتبار لفظ الخصم، فإنه من المصادر يصدق على القليل والكثير.
{إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاِهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ} (22)[ص: 22]، لأنهم دخلوا عليه في غير وقت التحاكم فأنكرهم، ففزع إما لما تخشاه الملوك من غوائل الإنس، أو لما تفرسه وكان يتوقعه من إلزام الحجة له على لسان بعض خلق الله-عز وجل.
{إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} قيل حقيقة، وقيل: كنى عن المرأة بالشاة لما ذكر في القصة، وكقوله:
يا شاه ما قنص لمن حلت له .... . .
وقوله:
والشاه ممكنة لمن هو مرتمي .... . .
البيتين.
{إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها} / [356 ل][ص: 23] أي أعطنيها، واجعلني أكفلها {وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ} (23) [ص: 23] أي غلبني، وفى المثل: من [عزيز]، أي: من غلب سلب.
{قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ} إلى قوله: {وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ} (24)[ص: 24] أي علم أننا أصبناه بالمحنة، وألزمناه الحجة.
وتلخيص القصة أن داود فيما حكي في السير قال: يا رب نوه بذكري كما نوهت بذكر آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب: فقال له:
أولئك ابتليتهم، فصبروا، قال داود: فابتلني حتى أصبر، قال: فاستعد لذلك يوم كذا وقت كذا؛ فلزم داود محرابه في ذلك الوقت محترزا يقرأ في الزبور؛ فبينا هو كذلك، إذ
وقع بين يديه طائر صغير، بديع الخلقة جدا؛ فأعجبه فمد يده ليأخذه لبعض صغار ولده؛ فتأخر الطائر يسيرا؛ فتقدم له داود؛ فتأخر يسيرا، فلم يزل كذلك يستتبع داود مطعما له، حتى صعد سطح المحراب، ثم طار فأتبعه داود بصره؛ فوقعت/ [171 أ/م] عينه على امرأة تغتسل، فأعجبه جمالها، وكان زوجها: أوريا بن حنان في الجهاد؛ فكتب داود إلى أمير الجيش: أن قدم أوريا بن حنان في الجهاد؛ فكتب داود إلى أمير الجيش: أن قدم أوريا بالتابوت، وكان لا يتقدم به أحد، فيرجع إلا مفتوحا عليه أو مستشهدا؛ فقدمه بالتابوت مرارا، ويفتح عليه؛ ثم قتل بعد ذلك، لما ألظ الأمر به؛ فتزوج داود امرأته، وكان له غيرها تسع وتسعون امرأة؛ ولم يكن لأوريا إلا تلك المرأة، فلذلك جاءه الخصمان، فألزماه الحجة على لسانه بقياس جلي واضح.
وقد اختلف الناس فمنهم من صحح هذه القصة [وجوز على الأنبياء الكبائر بسببها وما أشبهها]، ومنهم من منع صحتها، لأنه من أخبار القصاص وغبرات أهل الكتاب أهل التحريف والتبديل، وهم لا يرون عصمة الأنبياء؛ فلا يتحاشون من نسبة مثل هذا وأعظم منه إليهم، فقد ذكر في توراتهم على ما شاهدته أن روبيل بن يعقوب وطأ سرية لأبيه فغضب عليه يعقوب، وقال: نجست فراشي وإن بعض كنائن يعقوب وقفت لزوجها في الطريق من حيث لا يعرفها فوطئها، غير عالم أنها زوجته، وأعطاها جديدا من المعز، وإن لوطا لما نجا بابنتيه إلى مغارة في الجبل، قالت إحداهما للأخرى: إن أبانا لا زرع له فهلمي نسقيه خمرا فيواقعنا؛ فيحصل له منا زرع؛ فأسكرتاه فواقعهما فأحبلهما، فكان من ولد إحداهما من ذلك الحمل بنو موات يعني المواتين، وزعموا أن داود من ذلك النسل وحينئذ فلعل هذه القصة في حق داود من أكاذيبهم على الأنبياء فلا يترك لها ما ثبت من دليل عصمتهم، وهذا هو اللائق بحالهم.
وإن كان الظاهر من حال داود-عليه السلام-وقوع ذلك منه؛ لأن الذي حكاه ثقات المسلمين، كوهب بن منبه/ [357 ل] وكعب الأحبار، وغيرهم، وكانوا أئمة أثباتا نقادا، فلو علموا فيها مغمزا لما حكوها عنه، ولأنه لولا مثل هذه القصة من مثل داود لما بكى ذلك البكاء، وناح ذلك النواح المحكي عنه فالله-عز وجل-أعلم بحقائق المغيبات بما كان، وما هو آت، وبتقدير صحة القصة يحتج بها على إثبات القياس، إذ حاصلها أنك ما كان لك أن تغلب أوريا على امرأته مع أن لك تسعا وتسعين امرأة كما لم يكن لأحد الخصمين أن يغلب صاحبه على نعجته مع أن له تسعا وتسعين نعجة.
فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (26)[ص: 26] فيه إشارة إلى أن عصمتهم من وقوع الضلال [لا من جوازه]، وقد سبق له نظائر.
{وَلَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ} (34)[ص: 34] / [171 ب/م] قيل: هو صخر المارد الذي أخذ خاتمه، وتشكل بشكله، وجلس على سريره؛ فسلب ملكه بسببه مدة، ثم عاد إليه، وقيل: هو ولده الذي حصل له من طوافه على تسعين امرأة في ليلة ثم أشفق عليه من الموت فسلمه إلى الغمام تكفله فقبض ثم ألقي ميتا على سريره.
{قالَ رَبِّ اِغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ} (35)[ص: 35].
تكلم الناس في هذا فربما ظن قوم أنه [حب للدنيا]، وآخرون أنه استئثار على أبناء الجنس، وآخرون غير ذلك وكله مما لا يليق نسبته إلى سليمان خصوصا مع حكمته، وتمام معرفته بالله-عز وجل.
والأشبه أن ذلك كان أمارة على عناية الله-عز وجل-به وحظوته عنده، فلذلك سأله، كما قيل: إن سؤال إبراهيم إحياء الموتى كان لكونه أمارة على خلته، أو لأن هذا جرى من سليمان مجرى الاستكثار من فضل الله وبركته، والتخصص بمزيد فضله كما أن أيوب مع كثرة ماله لما أمطر الله عليه جرادا من ذهب جعل يحثي في حجره؛ فلما قيل له:
ألم نكثر مالك قال: بلى، يا رب، ولكن لا غنى بي عن بركتك.
{هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} (49)[ص: 49] الآيات، فيها إثبات النعيم الحسي، وفيما بعدها من ذكر الحميم والغساق ونحو إثبات العذاب الحسي خلافا للنصارى والفلاسفة كما سبق.
{إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ} (54)[ص: 54] فيه دوام رزق الجنة وأكلها من غير انقطاع، وأن المعدوم منقطع إذ لا يجوز انقلابه دائما أبدا، واعلم أن المعلوم إما أزلي أبدي، وهو الحق سبحانه وتعالى، أو لا أزلي ولا أبدي كالأعراض تحدث وتفنى على الفور، أو أزلي لا أبدي كعدم العالم، أو أبدي لا أزلي كنعيم الجنة وعذاب النار وأهلهما، والله-عز وجل-أعلم بالصواب.
…