الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في سورة النجم
{وَالنَّجْمِ إِذا هَوى} (1)[النجم: 1] قيل: هو قسم بالشهاب المنقض على مسترق السمع، والمراد القسم بالقدرة الإلهية على ذلك، وقيل: هو قسم بنجوم القرآن النازلة في أوقاتها، والمراد القسم بالكلام الأزلي القديم، [وزعمت الشيعة أن: النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«الخليفة بعدي من يهوي النجم الليلة في داره» ، فهوى النجم-أي: انقض-في دار علي، ثم أقسم الله-عز وجل-به تعظيما له وتأكيدا لحقه، وهذا لا يعرف إلا من جهتهم أو من يتأوّله عنهم، وقد ذكره صاحب اللباب في خصائص أبي تراب وغيره منهم بأسانيد لا تثبت] (1).
{ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى} (2)[النجم: 2] نفي للضلال والغي عن النبي صلى الله عليه وسلم يستلزم إثبات الهداية له مراغمة للكفار.
{وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى} (4)[النجم: 3، 4] يحتج به على أنه كان لا يحكم بالاجتهاد بل بالوحي، وأن السنة الواردة عنه كانت توحى إليه كما قال-عليه الصلاة والسلام:«ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، وإن جبريل يأتيني بالسنة كما يأتيني بالقرآن» ، وأن قوله صلى الله عليه وسلم في الرضى والغضب والجد والمزاح حق؛ لقوله عليه السلام:«إني لأمزح ولا أقول إلا حقا» (2)، وقوله لعبد الله بن عمرو:«اكتب فو الذي نفسي بيده، ما خرج منه إلا حق» (3) وأشار إلى لسانه.
{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى} (5)[النجم: 5] قيل: جبريل، وقيل: الله-عز وجل-لأنه ذو القوة المتين، وقال-عز وجل:{وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} (113)[النساء: 113]، {فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ}
{يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} (114) / [193 ب]) [طه: 114]، [ومن قال:
إنه جبريل، ربما استدل بأنه أفضل من الأنبياء الذين أوحى إليهم؛ لأنه معلم وهم متعلمون، وعورض بأنهم أفضل؛ لأنه رسول وهم مرسل إليهم، ونقض ذلك بالرسل مع الأمم، وقد سبقت هذه المسألة.
{ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى (8) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى} (9)[النجم: 8، 9] يحتج به على إثبات الجهة، إذ لا يتصور هذا التقدير إلا معها، ولا يجوز حمله على جبريل وأن {قابَ قَوْسَيْنِ} كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن جبريل-عليه السلام-قرب من النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض حتى تماست ركبهما، وذلك أقرب من قاب قوسين ففي السماء، فتعين حمله على أنه بينه وبين الله عز وجل-ويلزم الجهة، والخصم إنما يدفع هذا بما مر من لزوم التحيز والتجسيم].
{ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى} (11)[النجم: 11] إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم-رأى ربه-عز وجل-بقلبه، والفؤاد عين القلب، كما أن البصر عين القالب.
{عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (14) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى} (15)[النجم: 14 - 15] فيه إثبات الجنة موجودة قبل القيامة/ [401/ل] خلافا للمعتزلة كما سبق.
{ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى} (17)[النجم: 17] إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه-عز وجل ببصره الظاهر، وقد اختلف في ذلك، فحكي عن ابن عباس وجماعة: «[أنه رآه]عز وجل بعين رأسه لظاهر هذه الآية، وحكي عن عائشة أنها أنكرت ذلك؛ مستدلة بقوله-عز وجل:{لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (103) [الأنعام:
103] وحملت هذه الآية على أنه رأى جبريل مرتين في صورته الأصلية العظيمة الهائلة.
والأشبه الأول، ويحكى عن أحمد أنه قيل له: بم ترد قول عائشة في إنكار الرؤية؟ فقال:
بقول ابن عباس في إثباتها أو كما قال، وحكى عن بعضهم أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع كل حديث عند أهله، ويحدث الناس على قدر عقولهم، وابن عباس رجل كامل فأفشى إليه هذا الحديث، وعائشة إذ هي امرأة ليست كالرجال في الكمال لم يحدثها به.
{أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزّى} (19)[النجم: 19] قيل: اشتقوا اللات من اسم الله-عز وجل-والعزى من العزيز، وقيل: إن رجلا كان يلت السويق للحاج فسمي اللات اسم فاعل من ذلك مشدد التاء، ثم سموا به الصنم، وخففوه.
{وَمَناةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرى} (20)[النجم: 20]«تلك الغرانيق العلى إن شفاعتهم لترتجى» ، فقالت قريش: قد قاربنا محمد وأحسن القول في آلهتنا، فلما بلغ آخر السورة سجد وسجدوا معه مقاربة له، فلما نسخ ما ألقاه/ [194 أ/م] الشيطان، وعادوا إلى المباعدة والعداوة، وقد اختلف الناس في هذا، فمنهم من قدح في صحته ولم يثبته، إذ لم يرد من طريق وثيق، ومنهم من أثبته ثم اختلفوا في تأويله، وأقرب ما قيل فيه: إن الشيطان تكلم بتلك الكلمات والنبي صلى الله عليه وسلم يتلو فاشتبه [صوته بصوته]، فظنوا أنه صلى الله عليه وسلم قاله، فقاربوه معتقدين لذلك، فلما نازعهم وأنكر أنه قاله عادوا إلى المباعدة، وليست جرأة الشيطان في هذا بأضعف من جرأته عليه حين عرض له في الصلاة بشعلة نار ليقطع عليه صلاته، والجميع بإذن الله-عز وجل-وإرادته وقضائه وقدره.
{لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ} (53)[الحج: 53] كما سبق.
{تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى} (22)[النجم: 22] أي: جائرة، والعدل إذا لم يكن بد أن تؤثروه بالبنين أو تساووه.
{إِنْ هِيَ إِلاّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى} (23)[النجم: 23] احتج به من منع بخبر الواحد والقياس؛ لأنهما إنما يفيدان الظن، واتباعه مذموم/ [402/ل].
وأجيب بأن ذلك في العقائد العلمية كالتوحيد ونحوه لا مطلقا، وقد سبق الدليل على اعتبار خبر الواحد والقياس.
{إِنْ هِيَ إِلاّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى} (23)[النجم: 23] احتج به من أنكر الاستحسان في الشرع؛ لأنه اتباع الهوى بغير مستند، والصحيح اعتباره والفائز به أهل العراق من أصحاب أبي حنيفة، وقد قرروه أحسن تقرير، ولا نسلم أنه اتباع الهوى، بل هو استماع القول واتباع أحسنه، وحاصل الاستحسان أنه العمل بأقوى الدليلين أثرا أو نحو ذلك على ما قرره البزدوي وغيره، ولا جرم أنه لما كان كذلك استعمله منكروه، فتراهم كثيرا ما يقولون: يجوز استحسانا لا قياسا، والاستحسان كذا، وأشباه ذلك، فإذن الاستحسان كما قيل في المثل:«الشعير يؤكل ويذم» وكذا الاستحسان يستعمل ثم ينكر.
{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى} (26)[النجم: 26]، تقتضي أن للملائكة شفاعة، بإذن الله-عز وجل، وأنها لا تغني شيئا، ولا تنفع إلا بإذنه-عز وجل-وإرادته ورضاه، وله نظائر نحو:{وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (23)[سبأ: 23]، {اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (255) [البقرة: 255] وأشباه ذلك.
{إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى} (27)[النجم: 27] تبين بهذا أن قوله-عز وجل: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ} (19)[الزخرف: 19] معناه سموهم إناثا كما سبق.
{وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} (28)[النجم: 28] هو لازم لقوله-عز وجل: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ} (19)[الزخرف: 19] إذ عدم علمهم بأنوثتهم من لوازم عدم شهادتهم خلقهم.
{وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} (28) / [194 ب/م]) [النجم: 28] يحتج به من منع العمل بالأدلة الظنية كالقياس وخبر الواحد والاستحسان والاستصلاح وقول الصحابي وشرع من قبلنا والبراءة الأصلية، ونحو ذلك. والجواب ما سبق آنفا.
يؤدي إلى الاقتصار على إرادتها، وهو كقوله عز وجل:{يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ} (7)[الروم: 7]، إذ جعل علمهم بظاهر الحياة الدنيا كلا علم.
{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَاّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اِتَّقى} (32)[النجم: 32] يحتج به على انقسام المعاصي إلى كبائر وصغائر، وهو مذهب الجمهور كما سبق، واقتضت الآية أن من اجتنب الكبائر والفواحش محسن، وإن قارف الصغائر؛ لأنه عز وجل-فسر:{وَلِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} (31)[النجم: 31] بهؤلاء المجتنبين للكبائر إلا اللمم، وهو استثناء/ [403/ل] منقطع، أي: يجتنبون الكبائر لكن اللمم لا يسلمون منه.
{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَاّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} (32)[النجم: 32] يعني عند خلق آدم، {وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اِتَّقى} (32) [النجم: 32] {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14)[الملك: 14] ويحتمل أن المراد: وهو أعلم بكم حيث خلقكم من الأرض الكثيفة [الثقيلة] المظلمة المقتضية المناسبة لصدور ظلمة المعاصي منكم، والمراد هو أعلم بكم قبل وجودكم، علم المتقي منكم من غيره.
{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى} (39)[النجم: 39] واحتج به الشافعي ومن وافقه على أن من تطوع بقربة كقراءة أو صلاة ونحوه، وأهدى ثوابها لميت مسلم لا تصله، ولا ينتفع بها، خلافا لأبي حنيفة وأحمد، وعن مالك قولان، وجه استدلاله أن هذا ليس من سعيه، وما ليس من سعيه لا ينفعه لظاهر الآية.
حجة الآخرين: أن هذا من سعيه، وما كان من سعيه كان له وانتفع به، لمفهوم الآية بل لمنطوقها، فإنها استثناء من نفي، وهو عند الشافعي وأحمد إثبات، أما أنه كسبه فلأن
كسبه يصدق على ما باشره أو نسب إليه، وهذه الطاعة المهداة إليه مما تسبب إلى حصولها، ولو لم يكن إلا بواسطة الإسلام المكتسب له فيهدي إليه الحي لكونه مسلما فضلا، عن أنه قد يكون ملكا عادلا أو وزيرا أحسن السياسة أو عالما أو حاكما انتفع بعلمه، أو غنيا شاكرا، أو فقيرا صابرا ذا خلق حسن، فيهدى إليه ثواب الطاعات بهذه الوسائط المكتسبة له، وأما أن كسبه سعيه فواضح، وأما أن سعيه يكون له وينفعه؛ فلظاهر الآية كما بينا.
واحتجوا بأن الثواب المهدى للميت إما عمل له أو لا، فإن كان عملا له فقد انقطع بموته / [195 أ/م] لقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث» ، وإن لم يكن عملا له لم ينفعه لقوله-عز وجل:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى} (39)[النجم: 39].
والجواب: أنا قد ندعي أنه عمل له ولم ينقطع بموته، والحديث عام خص بالمحرم لا ينقطع إحرامه بموته؛ ولذلك يجنب ما كان يتجنبه حيا، ونقيس محل النزاع على محل التخصيص بدليلنا، وقد ندعي أنه ليس عملا له ويصل إليه بطريق الهدية، والآية محمولة على شرع إبراهيم، لأنها مضافة إلى صحفه، والنظر الصحيح يقتضي صحة قولنا، لأن من عمل طاعة وتفضل الله-عز وجل-عليه بثواب بسببها صار حقّا له كماله الدنيوي، وكما لا يمنع من الإيثار بماله من الإيثار بثواب أعماله، ولو أهدى الحي ذلك لحي مسلم ففي نفعه إليه وجهان في مذهب أحمد، الأشبه بالصحة أنه يصل وينفع.
{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى} (45) / [404/ل]) [النجم: 45] يحتج به من لا يورث الخنثى، لأن الإرث إنما ورد في الشرع لذكر أو أنثى، وهذا ليس واحد منهما لاختصاصه باسم وخلقه دونهما.
والجواب: أنه قسم ثالث في الظاهر، أما في نفس الأمر فهو [واحد من] القبيلين لا محالة.
{مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى} (47)[النجم: 46 - 47] احتجاج على الإعادة بقياس الإبداء.
{وَأَنْتُمْ سامِدُونَ} (61)[النجم: 61] قيل: مغنون، بلغة حمير، فاستدل به على تحريم الغناء، وفيه نظر.
…