الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في سورة الكهف
{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً} (1)[الكهف: 1] يحتج به على أنه منزل غير مخلوق، وقد سبق.
{وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً} (1)[الكهف: 1] وكذلك {قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (28)[الزمر: 28] [قيل: ليس بمخلوق.
وأجيب بأن المراد: أنه مستقيم الطريقة لا ضلال فيه ولا اعوجاج عن الحق، وما ادعيتموه من عدم الخلق ليس نصا في الآية ولا ظاهرا، ولا تفسيرا لها عمن يعتد به متواترا].
{قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً} (2)[الكهف: 2] فيه تعليل الأفعال الإلهية كما سبق.
{قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً} (2)[الكهف: 2] هذا أدل على تغاير الإيمان والعمل الصالح من {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} [الكهف: 107]، لأن صفة المؤمنين هاهنا بعمل الصالحات مستقلة، وهناك صلة معطوفة على صلة، فلا استقلال لها.
{ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً} (5)[الكهف: 5] تعظيم للقول باتخاذ الولد وتكذيب لهم فيه.
{إِنّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (7)[الكهف: 7] تعليل للفعل الإلهي بحكمة الابتلاء.
{وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً} (14)[الكهف: 14][هذا استدلال بالنظر على وجود الصانع، لأن السماوات والأرض] خلقان عظيمان في العقل يلزمهما وجود، مؤثر فينتقل العقل منهما إليه انتقالا من الملزوم إلى اللازم وهو ضروري، وقد سبق تقريره غير موضع.
{وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً} (14)[الكهف: 14] هذا توحيد ودليله قولهم:
{هؤُلاءِ قَوْمُنَا اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ اِفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً} (15)[الكهف: 15] وتقريره: أن السماوات والأرض دليل على إله قديم كامل، وغيره مما اتخذ آلهة لا دليل عليه، وما لا دليل عليه لا يثبت، إذ عدم الدليل على الشيء كدليل عدم الشيء، كما أن عدم البينة كبينة العدم، فكأن أهل الكهف تمسكوا على نفي الإله الثاني باستصحاب الحال، ورأوه كافيا، فكأنهم قالوا: قد ثبت لنا بدلالة السماوات والأرض على صانعهما إله، فمن ادعى ثانيا فصاعدا فعليه الدليل، ويحتمل أنهم أشاروا بذلك إلى طريقة للمتكلمين في نفي ما سوى الله-عز وجل-إلها، وتقريرها: أن الإله من حيث هو إله قد ثبت وهو يصدق بواحد، فإثبات الثاني ليس أولى من ثالث ورابع إلى ما لا نهاية له، وحينئذ إثبات ما فوق إله واحد من هذه الأعداد والمقادير ترجيح بلا مرجح وإنه محال، ولعلهم إلى هذا أشاروا بقولهم:{وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً} (14)[الكهف: 14] أي بعيدا محالا للزوم الترجيح منه بلا مرجح منه/ [129 ب/م]:
{* وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً} (17)[الكهف: 17] يحتج به الجمهور على مذهبهم/ [273/ل] وهو صريح فيه.
{وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا اِبْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} (21)[الكهف: 21] جعل إيقاظهم من نومهم الطويل دليلا على البعث عن الموت؛ لأن النوم أخو الموت بجامع تعطل الحس، غير أن الموت نوم ثقيل، والنوم موت خفيف، ومن ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:«الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا» (1) وحكي عن المسيح أنه كان يقول: «يا بني إسرائيل كما تنامون تموتون، وكما تستيقظون تبعثون» كل ذلك إشارة إلى تقارب النوم والموت، ولهذا سئل النبي صلى الله عليه وسلم أفي الجنة
نوم؟ قل: «لا لأن النوم أخو الموت» (1) وفي الأثر: عجبت لمن ينكر البعث، وهو كل يوم يموت ثم يبعث! فأما قول أبي الطيب:
تمتع في حياتك من رقاد
…
ولا ترجو كرى تحت الرجام
فإن لثالث الحالين معنى
…
سوي حال انتباهك والمنام
فأشار إلى أن للإنسان ثلاثة أحوال: حال يقظة وموت ونوم، فاليقظة والموت طرفان؛ إذا اليقظة عبارة عن حال تعلق النفس بالبدن مستعملة للحواس، والموت عبارة عن حال انقطاع تعلق النفس بالبدن انقطاعا كليا من كل وجه، ويلزم ذلك تعطل الحواس لعدم تعقل النفس المستعملة لها، وأما النوم فواسطة بينهما؛ لأن النفس لا ينقطع تعلقها بالبدن فيه مطلقا، بل من وجه، وهو أنها تغتنم ركود الحواس بالنوم فتتوجه إلى عالم الغيب لاقتناص العلوم الغيبية مع التفاتها إلى الجسد، وعزمها على معاودته إذا قضت أربها من عالمها، فصار لثالث الحالين-وهو الموت، الذي هو ثالث لحالتي النوم واليقظة-معنى يخالف معنى النوم واليقظة.
فالنوم أشبه الموت بجامع التفاتها إلى عالمها، وفارقه وأشبه الحياة من جهة تعلق همها بالجسد.
وإن شئت قلت: اليقظة بقاء الحس والحركة، والموت تعطلهما جميعا، والنوم تعطل الحس دون الحركة؛ إذ هو يتحرك متقلبا من جنب إلى جنب، فبتعطل الحس أشبه الموت وببقاء الحركة أشبه اليقظة، والسر في ذلك غريب عجيب، ومن ثم كان من آيات الله- عز وجل-إذ يقول:{وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَاِبْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} (23)[الروم: 23].
{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاُذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً} (24)[الكهف: 23 - 24] هذا ضرب من التوحيد لأن من علم ألا تصرف له في نفسه، وأن التصرف لله-عز وجل/ [274/ل] فيه وفي غيره من العالم على الإطلاق، وأنه مصرف تحت مشيئته لا يستطيع حركة ولا سكونا إلا بإذنه وإرادته/ [130 أ/م] كان في ذروة من التوحيد،
وعكسه من اعتقد أنه يفعل ما اختار من غير توقف على إرادة القادر المختار، فذلك من المشركين الكفار إما حقيقة كعبدة الأوثان، أو مجازا كالقدرية المحادين للرحمن.
ومن ثم قال الفقهاء: إذا حلف على يمين فقال: إن شاء الله، فإن شاء فعل وإن شاء ترك، ولا حنث عليه؛ لأنه أعطى [المشيئة حقها من الأدب، بخلاف ما إذا لم يستثن، فإن تألى فأكذب، ثم بالكفارة] عوقب، وقد عود بعض الناس أنه إذا قال: أفعل كذا إن شاء الله-عز وجل-وفق لفعله غالبا وإلا فلا.
{وَاِصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاِتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} (28)[الكهف: 28] يحتج به الجمهور في أن الله-عز وجل -هو الذي يغفل من شاء عن ذكره ويضله وينسيه ونحو ذلك، وتأوله المعتزلة على معنى:
أصبناه غافلا، على ما عرف من تأويلهم.
{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} (29)[الكهف: 29] يحتج به المعتزلة على أن العبد مختار تام الاختيار؛ لأنه خيره بين الإيمان والكفر، وعلق ذلك بمشيئته، فلو لم يكن والحالة هذه مختارا لكان ذلك تكليف ما لا يطاق، إذ حاصله أنه يتوعده توعد مختار ويسخره تسخير مجبر مكره، والجمهور تأولوا هذا على أنه أمر تهديد نحو:{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اِعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (40)[فصلت: 40]، والإلزام باق عليهم إذ لو لم يكن مختارا لما تهدده، وليس لهم إلا الرجوع إلى أصلهم من أنه مختار من حيث الكسب، مجبر من حيث خلق الفعل فيه على وجه لا يمكنه التخلص منه، أو على تفويض الجبرية، وهو أن هذا التخيير على تقدير ذلك التفويض، أي لو فوض إليه التفويض التام حتى كان مختارا بالحقيقة لكان منه ما وقع بالجبر من خير أو شر وإيمان أو كفر.
واحدة، وإنه محال وقد سبق هذا.
وجوابه من جهة الجمهور: أن الأجر تفضل من الله-عز وجل-على كسبهم، وتسميته أجرا لا يضيع مجازا.
{وَما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً} (36)[الكهف: 36] هذا إنكار للبعث {قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً} (37)[الكهف: 37] أي يجادله، فيه مشروعية الجدال لإقامة الحق وإنامة الضلال، وجوبا أو ندبا على حسب الحال.
{قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً} (37)[الكهف: 37] إشارة إلى إنكار البعث كفر {قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً} (37)[الكهف: 37] استدلال على جواز البعث/ [277/ل] بالقياس على الابتداء: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَاُدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} (29)[الأعراف: 29].
{لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} (38)[الكهف: 38] أي لكن أنا، فاختصر وأدغم حتى قيل:{لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} (38)[الكهف: 38] / [130 ب/م] توحيد {لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} (38)[الكهف: 38] نفي للشرك، وقد سبق دليلهما ويأتي منه أشياء إن شاء الله عز وجل.
{وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً} (39)[الكهف: 39].
توحيد في المشيئة والقوة، {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً} (42) [الكهف: 42].
هذا ندم على الشرك وقع من هذا الشخص المعين، وفيه إشارة إلى أن كل مشرك سيندم في الآخرة، إذا حرم الجنة ودخل النار، وهم جديرون بذلك، فنسأل الله-عز
وجل-الثبات والعصمة والدخول في كنف الرحمة.
ويقال: إن هذين الرجلين المتحاورين هما المذكوران في «الصافات» القائل أحدهما للآخر {قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} (56)[الصافات: 56].
{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً} (47)[الكهف: 47]، هذا من مقدمات الساعة، وهو ممكن غير أنه بعيد في قوة البشر، وإن أردت تقريبه فانظر إلى الغمام المطبق للفضاء كيف يسير، وهو كالجبال أو قريب منها.
{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً} (47)[الكهف: 47] الآيتين، إخبار بالحشر والعرض على الله-عز وجل-واجب الوقوع؛ إذ كان خبر معصوم من الكذب.
{وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} (49)[الكهف: 49]، فيه الحساب والمقابلة بصحائف الأعمال أخذا باليمين والشمال {لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً} [الكهف: 49] قيل: هما التبسم والضحك، وقيل: الذنب الصغير كالكذبة والكبير كالقذف.
{إِلاّ أَحْصاها} [الكهف: 49] أي تحريره وضبطه {وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} (49)[الكهف: 49] يحتج به المعتزلة، وحجتهم منه وجوابها معروف كما سبق، وهذه جملة من أحكام اليوم الآخر يجب تسليمها والإيمان بها، لأنها ممكن أخبر به الصادق، وكل ما كان كذلك فهو واجب الوقوع، يجب الإيمان به.
أحدها قوله: {قالَ ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} (12)[الأعراف: 12] مع قوله-عز وجل {وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ} (27)[الحجر: 27]، {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ} (15) [الرحمن: 15] مع قوله صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور» (1) وهذا يقتضي أنه من الجن الناريين، لا من الملائكة النوريين:[278/ل].
الثاني: أن إبليس له ذرية بدليل {وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً} (50)[الكهف: 50] والملائكة لا ذرية لهم، فإبليس ليس من الملائكة، والقول بأنه منهم لكنه لما أبليس تجدد له النسل؛ ضعيف.
الثالث: أن قوله-عز وجل: {كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ} شبيه بالتعليل لفسقه بكون من الجن، من باب اقتران الحكم بالوصف المناسب، وهو يقتضي أن الفسق غالب على الجن أو كثير جدا/ [131 أ/م] حتى كأنهم علة مناسبة لوجوده، وليس أحد من الملائكة كذلك.
الرابع: قول الملائكة: {قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} (41)[سبأ: 41] يقتضي أن الجن غير جنس الملائكة، وإلا لكانوا قد أحالوا بالذنب على أنفسهم، وهو خلف من الاعتذار.
الخامس: أن الجن عند إطلاقهم يبادر الذهن إلى غير الملائكة، وهم الجن الناريون، وهو دليل الحقيقة المرادة.
{وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً} (53)[الكهف: 53] أي: علموا وتيقنوا، وهو من استعمال الظن في موضع اليقين بقرينة.
{وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} (54)[الكهف: 54] هذا ذم للجدل لا مطلقا، بل إذا عاند الحق؛ لأن الكافر ضرب له أمثال الحق، ونظمت له براهين الصدق، فعاند وجادل بالباطل ليدحض به الحق {يُجادِلُونَكَ فِي}
{الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} (6)[الأنفال: 6].
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً} (57)[الكهف: 57] سبق نظيرها في (سبحان).
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً} (57)[الكهف: 57] لما صرفوا به عن اتباع الحق، مما خلق في قلوبهم من دواعي الضلال والصوارف عن الهدى.
{قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَاّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاِتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً} (63)[الكهف: 63] يعني الحوت، {قالَ ذلِكَ ما كُنّا نَبْغِ فَارْتَدّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً} (64) [الكهف: 64] يستدل به على كون العلة الشرعية عدمية بطريق أولى؛ إذ كان ذهاب الحوت وانعدامه من حيث فقدانه علامة على وجود الخضر الذي طلباه.
{فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً} (65)[الكهف: 65] أي: من عندنا، وهذا هو متعلق الصوفية وأهل السلوك في إثبات العلم اللدني، نسبة إلى {فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً} (65) [الكهف: 65] وهو إلهام المعرفة بالحقائق الغيبية وغيرها، ثم إن العلم اللدني إذا تقدمها استعداد بالعلوم النظرية أقوى مما إذا ورد على النفس غير مستعدة، والخضر- عليه السلام-كان قد تقدم له استعداد بذلك على ما حكي في قصته ومبدأ أمره، فلهذا كان علمه اللدني عالي الطبقة بحيث صلح به أن يكون معلما لموسى الكليم-عليه السلام. فإن قيل: سائر علوم الناس من لدن الله-عز وجل-وعنده؛ فما وجه تخصيص بعض العلوم/ [279/ل] باللدني؟ قلنا: اللدنية والعندية متفاوتة في مراتب الخصوص، فهذا العلم اللدني خاص، ألا ترى أن السلطان يعطي جنده وحاشيته ورعيته، ويخلع عليهم على مراتبهم من الصوف إلى ثياب الذهب والجميع من عنده وخزانته، فكذلك هاهنا.
{قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً} (66) [الكهف:
66] فيه استحباب طلب العلم حتى للعالم زيادة على ما عنده والسفر في طلبه وسؤال المشايخ الصحبة لذلك، اقتداء بموسى عليه السلام.
{قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} (67)[الكهف: 67] الآيتين، فيه جواز الإعراض عن صحبة المريد والتلميذ إذا علم أن الطريق صعب عليه، وطي الأسرار عنه لذلك والاقتصار به/ [131 ب/م] على ما يطيق من ذلك الطريق، اقتداء بالخضر، وهو من سياسة المشايخ والعلماء للمريدين والطلبة. وفي الأثر. «حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله» (1).
{قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} (69)[الكهف: 69] فيه استحباب تعليق الأمور المطلوبة والأراجي ونحوها بالمشيئة، احترازا من التالي المكذب اقتداء بموسى-عليه السلام-وبما سبق في أوائل السورة.
فإن قيل: موسى علق صبره على المشيئة ولم يصبر، وسليمان ترك التعليق في رجاء حصول الأولاد للجهاد فلم يحصلوا؛ فقد استوى التعليق وعدمه، فما فائدته؟ وجوابه: أن التعليق بالمشيئة ليس موجبا لحصول المطلوب، كيف وأن مقتضاه الترديد بين أن يشاء الله فيفعل أو لا يشاء فلا يفعل؟ وإنما فائدته أن الإنسان إذا تأدب مع الله-عز وجل بتعليق الأمور بمشيئته وتقييدها بإرادته، كان أجدر بحصول مراده وأمنيته، على أنا لا نسلم أن موسى لم يحصل له ما علق على المشيئة، فإنه كان نبيا ذا كتاب وشريعة، وهو إمام عدل وحق يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأنه لما رأى الخضر قد خرق سفينة قوم مساكين، وقتل غلاما لم يبلغ الحلم أخذ برجل الخضر ليلقيه في البحر فيقتله بالغلام، فلولا أن الله-عز وجل-ثبته وصبره لكان قد أمضى ما هم به من قتل الخضر كما قتل القبطي بوكزه، فالصبر المهم قد حصل وأفاد تعليقه بالمشيئة، ولعله لولا ذلك لم يصبر ولكان قد قتل الخضر.
{قالَ فَإِنِ اِتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} (70) [الكهف:
70] فيه استحباب تأديب المشايخ للمريدين بالوصايا الحسنة من ترك الاعتراض ونحوه،
والتزام المريد ذلك إذا وثق بحسن طريق الشيخ وسلوكه لمقتضى وصية الخضر، [280/ل] وفيه وفيما بعد جواز الاعتراض على المشايخ فيما يخالف ظاهر الشرع ممن له ذلك من أولي الأمر العام اقتداء بموسى، وأن فاعل ما يخالف ظاهر الشرع إذا ادعى أن ذلك جائز في العلم الباطن ونحوه، لا يسمع منه إلا بدليل شرعي قاطع كالنص على الخضر.
{قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} (72)[الكهف: 72] فيه تقريع المريد وتذكيره بما يقوي همته على الصبر على صعوبة السلوك؛ لأن ذلك أجدر بالوصول.
{قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} (73)[الكهف: 73] فيه أن الناسي معذور، وأنه ينبغي مسامحته إذ هو غير منتهك للحرمة، ومن ثم ورد شرعنا بالعفو عنه وأنه غير مكلف.
{فَانْطَلَقا حَتّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} (74)[الكهف: 74] إشارة من موسى إلى ما كان عنده في التوراة أن/ [132 أ/م] النفس بالنفس إلى قوله-عز وجل: {مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} (32)[المائدة: 32] وأن موسى كان يتبع نصوص كتابه عاملا بها.
{فَانْطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اِسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} (77)[الكهف: 77] هذا تعريض من موسى بالاعتراض والإنكار؛ إذ كان قد التزم له تركه وألا يصاحبه إن عاوده {قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} (78)[الكهف: 78] وذلك فيه ترتيب أحكام التصريح على التعريض إذا أفهم معناه بقرينة؛ لأن الخضر رتب على تعريض موسى بالإنكار من مفارقته ما كان التزمه له بالتصريح به.
{قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} (78)[الكهف: 78] فيه استحباب التبرؤ من التهم وإقامة الأعذار بكشف الأسرار.
{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} (79)[الكهف: 79] قيل كان خلفهم يطلبهم، وقيل: قدامهم مرصدا لهم، و «وراء» مشترك بينهما؛ لأنه مشتق من المواراة، وكلا الجهتين يحصل ذلك منه.
{* وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً} (99)[الكهف: 99] فيه إثباته وقد سبق في «الأنعام» .
{الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً} (101)[الكهف: 101] فيه وجوب النظر والاستدلال؛ لأنه ذمهم على تركه بما خلقه فيهم من الصارف عنه، إذ معناه كانت أعين رءوسهم وقلوبهم معرضة عن النظر في ملكوتي ليذكروا بذلك وجودي وجبروتي.
{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اِقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} (185)[الأعراف: 185].
ولا يجوز حمل الذكر على اللساني؛ لأنه ليس بالأعين، {الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً} (101) [الكهف: 101].
20].
{أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً} (102)[الكهف: 102].
أي: وأسكت عنهم ولا أعاقبهم، هذا لا يكون، وفيه تعظيم الشرك قبحا والتوحيد حسنا، وهو مثل {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ اِفْتَرى إِثْماً عَظِيماً} (48) [النساء: 48].
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} (107)
[الكهف: 107] فيه إثبات الجنة والمعاد والنعيم/ [281/ل] الجسمانيين كما مر.
{قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً} (109)[الكهف: 109] يستدل بها من رأى قدم القرآن؛ لأنها اقتضت أن كلماته-عز وجل-لا تفنى ولا تنفد، وما كان كذلك فهو قديم، واعترض عليه بنعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار، فإنهما لا ينفدان وهما حادثان، وربما فرق بأن نعيم الجنة لا ينفد من طرف لا يزال وهو الأبد، والكلمات لا تنفد من الطرفين، لا تزال ولم تزل وهو الأزل، وهذا الفرق عين محل النزاع.
{قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} (110)[الكهف: 110] هذا حصر له في البشرية، باعتبار من نازعه في النبوة، وسأله الآيات عنادا ونحوهم، وأما باعتبار نفسه من حيث هو فلا ينحصر في وصف البشرية إذ له صفات/ [132 ب/م] أخر ككونه جسما، حيا، متحركا، بشيرا نذيرا، نبيا رسولا وغير ذلك، والحصر يأتي على ضربين: مطلقا باعتبار جميع الجهات، ومقيدا باعتبار بعضها كما في هذه الآية، وهذه من مسائل المفهوم الحصري.
{قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ} [الكهف: 110] إثبات للتوحيد {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} (110)[الكهف: 110] يحتج به على الرؤية كما سبق.
…