الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في سورة الواقعة
{وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنّا لَمَبْعُوثُونَ} (47) [الواقعة:
47] هذا إنكار منهم للبعث، وقد سبقت أدلته، والله-عز وجل-أجاب بإثباته مراغمة لهم بقوله/ [198 أ/م]عز وجل {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} (50) [الواقعة: 49 - 50] ثم برهن عليه بقوله-عز وجل:
{أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ} (59)[الواقعة: 58 - 59] وهو احتجاج على الإعادة بالإبداء، أي: كما خلقكم نطفا ثم ما بعدها من الأطوار حتى سواكم بشرا كذلك يعيدكم ثانيا، وفيه دليل على أن الخالق للولد هو الله-عز وجل لا أبواه، خلافا لمن ظن ذلك، ومما يدل عليه أن الأبوين قد يريدان الولد فلا يوجد، وقد يكرهانه فيوجد، وكذلك صفاته تخالف [إرادتهما]، ولو خلقاه لكان بحسب [إرادتهما] وجودا وصفة.
{نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ} (61)[الواقعة: 60 - 61] يحتج به التناسخية على رأيهم في تنقل أرواح الحيوان بعضها في بعض لتكمل ثم تلحق بعالمها، واحتجوا بوجهين:
أحدهما: أن القرآن ورد بأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وصحت السنة المبينة للقرآن أن «أرواح الشهداء في حواصل طير خضر، تعلق من شجر الجنة، وتأوي إلى قناديل تحت العرش» (1) قالوا: ولا نعني بالتناسخ إلا هذا ولا زدنا عليه، وهو انتقال روح حيوان إلى حيوان آخر.
الثاني: أن كتب كالكتب الاثني عشر وتواريخ المتأخرين كتاريخ ابن عساكر تضمنت أن بختنصر البابلي بقي منتقلا في أنواع الحيوان سبعا ثم فرسا ثم جارحا وغير ذلك سبع سنين ثم أعيد إنسانا، وكان يخلفه في الملك في مدة نسخ روحه دانيال النبي، وكان من جملة أسراه الذين أسرهم من بيت المقدس، قالوا: وهذا حقيقة النسخ.
وأجيب عن الأول بأنه نسخ أمد والذي تدعونه أنتم نسخ أبد.
وبيانه أن الله-عز وجل-أراد إكرام الشهداء، فعلق أرواحهم بأبدان طير يتنعمون/ [411/ل] بواسطتها إلى حين البعث، ثم تعاد أرواحهم إلى أجسادهم الأصلية، وأنتم تثبتون تناسخكم أبدا معطلا للبعث والمعاد، فأحد النسخين غير الآخر.
وعن الثاني بأن كتب الأولين وتاريخ المتأخرين لا يعتمد عليها في مثل هذه المطالب المهمة، ولئن سلم فذلك في حق بختنصر مسخ لا نسخ، مسخ في تلك الأطوار ليحدث له بذلك اعتبار، والفرق بينهما أن المسخ قلب الصورة مع بقاء النفس والمادة بحالهما، كقلب الإنسان قردا أو خنزيرا، والنسخ نقل النفس عن هيكلها إلى هيكل آخر، وهو فرق واضح، والمسخ ثبت في الشرع في بني إسرائيل.
والنسخ لم يثبت إلا في أرواح الشهداء على ما زعمتم وألزمتم، وهو أمدي لا أبدي.
{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ} (62)[الواقعة: 62] احتجاج على الإعادة بالإبداء كما سبق/ [198 ب/م] آنفا.
{أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ} (63)[الواقعة: 63] يحتمل على أنه احتجاج على البعث بقياس إحياء الأرض بالزرع؛ لأن إنكار البعث قد تقدم من الكفار آنفا، ويحتمل غير ذلك كالامتنان عليهم.
{فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} (83)[الواقعة: 83] إلى {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ} (85)[الواقعة: 85] يحتج به الاتحادية كما مر، [ومعناه عند الجمهور]: نحن أقرب إليه منكم بقدرتنا ورسلنا وعلمنا ونحو ذلك.
…