الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في سورة الحج
/ [296/ ل]{يا أَيُّهَا النّاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (1)[الحج: 1] يحتج بها المعتزلة على أن المعدوم شيء، لأنه سمى الساعة شيئا، وهي معدومة لم توجد بعد.
وأجيب بأنه إنما سماها شيئا على تقدير وجودها، أو لتحقيق وجودها في علمه؛ فنزل المتحتم الوجود منزلة الوجود.
{يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ} (2)[الحج: 2] نفي السكر حقيقة وإثباته مجاز، فلا تعارض.
{وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ} (3) [الحج:
3] منطوقه ذم الجدل بغير علم، ومفهومه جواز الجدل حتى في الله-عز وجل-بعلم.
{كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ} (4) [الحج:
4] يعني الشيطان يضل وليه بالوسوسة والضلال مخلوق لله، عز وجل.
أحدهما: القياس على ابتداء الخلق من نطفة ثم من مضغة ثم من علقة، والجامع بينهما الإمكان والمقدورية، ولا أثر للفرق بأن ابتداء الخلق على طريق التنقل في الأطوار لانتقاضه بآدم وحواء لم ينتقلا في الأطوار ولإمكان التزام مثل ذلك في الإعادة بأن تمطر الموتى، ويجعل في الأرض قوة مربية كما في الرحم وينقلوا في الأطوار، ثم تنشق الأرض عنهم.
الدليل الثاني: {وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اِهْتَزَّتْ وَرَبَتْ}
وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)[الحج: 5] وهو قياس إخراج الموتى أحياء من الأرض على إخراج الزرع من الأرض، والجامع الإمكان والمقدورية، ووجه الشبه أن أجزاء الموتى تتفرق في الأرض كالحب فيها ثم تجمع الأجزاء، وتخرج بشرا كما ينبت الحب ويخرج زرعا [وقد سبق].
وقوله-عز وجل: {فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اِهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (5)[الحج: 5] ظاهر في أن إخراج الموتى يكون بمطر يمطرونه، كما حكي أن السماء تمطر مطرا كمني الرجال أربعين يوما، فتخرج به الموتى نباتا، ولما ذكر [هذين القياسين] قال:{ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (6)[الحج: 6] هذا هو النتيجة أي: كما بدأ الخلق وأحيا الأرض يحيي الموتى، ثم أحال بذلك على القدرة التامة، فقال:{وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (6)[الحج: 6]، {وَأَنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها} (7) [الحج: 7] إثبات للقيامة لمحاسبة الناس، والعدل فيهم {وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (7) [الحج: 7] تأكيد لما تقدم من أنه يحيي الموتى.
{ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ} (10)[الحج: 10] أي: بما كسبت {ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ} (10)[الحج: 10] أما على رأي العدلية/ [141 ب/م] فظاهر، وأما على رأي الجمهور فإما باعتبار كسبهم، أو على تقدير أن لو فوض إليهم لعصوا.
{ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ} (10)[الحج: 10] استدلال على عدم الإلهية بعدم النفع والضر، وبقياس العكس أن من ملك النفع والضر مستقلا فهو الإله.
{يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} (13)[الحج: 13] لأن الصنم يحتاج إلى خدمة في الدنيا على ما/ [300/ل] التزمه له الكفار، وهو سبب العذاب في الآخرة، فصار ضره محققا ونفعه معدوما.
الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (18)[الحج: 18] تضمنت سجود الجمادات كالجبال والنبات والشجر، والحيوان كالدواب، والعقلاء كالناس، ومن في السماء والأرض والعلويات كالشمس والقمر والنجوم، ومن في السماوات والسفليات كمن في الأرض والجبال ونحوها. وللسجود مسميان: أحدهما لغوي وهو الذل كقول الشاعر:
ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
يعني أن الجبال الصغار تذل لحوافر الخيل حين تصعدها.
والثاني: شرعي وهو وضع الجبهة على الأرض تقربا إلى الله-عز وجل-وعبادة له، والمشهور أن سجود العقلاء بالمعنى الشرعي لتصوره منهم، وسجود غيرهم بالمعنى اللغوي لظهور الذل والتسخير والانقياد للقدرة لتصوره منهما دون الشرعي، ثم يحتج بالآية من أجاز استعمال اللفظ المشترك في مفهوميه جميعا معا؛ لأن قوله-عز وجل:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ} (18)[الحج: 18] هو بالنسبة إلى العقلاء شرعي وإلى غيرهم لغوي، وقد استعمل في مفهوميه معا، وكذلك {إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (56) [الأحزاب: 56] إذ الصلاة من الله-عز وجل-الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار وقد أريدا من لفظ يصلون.
وأجاب المانع لذلك: بأن التقدير تكرار الفعل أي: ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات والأرض، ويسجد له الشمس والقمر والنجوم، ويسجد له الجبال وكذلك باقيها، وكذا: إن الله يصلي على النبي وملائكته يصلون على النبي.
أول مبارز، وأبو بكر في العريش مع النبي صلى الله عليه وسلم فعلي أعظم جهادا، فليكن أفضل من أبي بكر لقوله-عز وجل:{لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} (95)[النساء: 95].
وأجيب بأنه يلزمكم مثله، في النبي صلى الله عليه وسلم وأن عليا أفضل منه وإنه محال؛ فإن قيل: / [142 أ/م] النبي صلى الله عليه وسلم كالإمام شأنه أن يقاتل بين يديه، قيل: وأبو بكر كالوزير شأنه أن يكون مع الإمام.
{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ} (24)[الحج: 24] هو قولهم في فاطر {وَقالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} (34)[فاطر: 34] وهو الكلم الطيب المذكور في «إليه يصعد الكلم الطيب» أو منه فينبغي المحافظة على الحمد خصوصا [بلفظ الآية خصوصا] عند اندفاع البلاء وتجدد النعماء.
{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اِسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40)[الحج: 40] احتج بعض النصارى من هذه بوجهين: أحدهما: أنه قدم ذكر الصوامع والبيع، وهي من شعار النصارى على المساجد التي هي شعار المسلمين، وذلك يقتضي أن النصارى ودينهم أفضل.
الثاني: أنه وصف الصوامع/ [301/ل] والبيع بذكر الله فيها كثيرا كالمساجد على جهة المدح، وهو يقتضي مدح النصارى وصحة عباداتهم وأذكارهم وإلا لما مدحت.
والجواب عن الأول: أن العطف بالواو، وهى لا تفيد الترتيب، ثم يلزمهم من قوله- عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (17)[الحج: 17] أن تكون هذه الطوائف الثلاث أفضل من النصارى لتقديمها عليهم.
وعن الثاني: أن {يُذْكَرُ فِيهَا اِسْمُ اللهِ كَثِيراً} عائدا إلى المساجد لأنها الأقرب دون غيرها، سلمنا رجوعه إلى الجميع لكنه [محمول على] بيع المؤمنين من النصارى قبل الإسلام مثل بحيرا الراهب وأشباهه ممن قبل وصية المسيح في الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم بالنية.
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (46)[الحج: 46] أي بخلق الصوارف عن النظر والاعتبار.
{وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (52)[الحج: 52] فيه مسائل:
الأولى: الفرق بين الرسول والنبي وإلا لم يكن لعطف أحدهما على الآخر معنى، وليس عطف خاص على عام بل بالعكس، ثم قيل: الفرق بينهما أن الرسول من له شريعة وكتاب، وقيل: هو من يوحي إليه يقظة بخلاف النبي فيهما.
الثانية: جواز النسخ، وقد سبق، ولقائل أن يقول: المنسوخ هنا ما يلقيه الشيطان فلا يدل على نسخ كلام الرحمن.
الثالثة: جواز فتنة بعض الناس واستدراجهم إلى الضلال بتقدير الأسباب الموجبة لذلك لأنه-عز وجل-علل إلقاء الشيطان في أمنية النبي، ونسخ ذلك بفتنة الذين في قلوبهم مرض، وهو كقوله-عز وجل:{وَكَذلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ} (53) / [142 ب/م][الأنعام: 53] كما ذكر في الأنعام.
{وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ} (66)[الحج: 66] فيه إثبات البعث ونظائره عديدة.
{وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ} (68)[الحج: 68] لم يؤمر هاهنا بمجادلتهم لعنادهم وشغبهم، وكذلك ينبغي ترك جدال كل مشاغب ما لم يلزم من تركه مفسدة.
اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اِجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)[الحج: 73] فيه الجدال والمناظرة بضرب الأمثال، وهي بالحقيقة أقيسة جلية إذ قوله-عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اِجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج: 73] إشارة إلى عجز الآلهة وأنها لا تخلق، فنظمه إذن هكذا: الالهة التي تدعونها عاجزة لا تخلق شيئا، والله-عز وجل-وهو قياس في الشكل الثاني.
{اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (75)[الحج: 75] هذا جواب من يقدح في الرسل بقوله: {بَشَرٌ مِثْلُنا} / [302/ل] فليس أولى بالرسالة منا إذا يلزم الترجيح بلا مرجح.
وجوابه: أن إرسال من الناس والملائكة مستند إلى اختيار الله-عز وجل-فهو المرجح، فلا يلزم ما ذكرتم.
وربما استدل بهذه من رأى تفضيل الملائكة رسلا وأمما على غيرهم لتقديمهم في الذكر وفيه ما عرف.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: 77] خاص {اِرْكَعُوا وَاُسْجُدُوا وَاُعْبُدُوا رَبَّكُمْ} [الحج: 77] أعم منه {وَاِفْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (77) [الحج:
77] أعم منه فهو من باب عطف الأعم على الأخص وقد سبق.
…