الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليه أبو بكر محمد التاريخي في "طبقات النحاة" وابن بري فيما كتبه على "درة الغواص" للحريري، وتبعه تلميذه ابن خلف، قال ابن بري، وقبله بيت وهو:
من ذا الذي يرجو الأباعد نفعه
…
إذا هو لم تصلح عليه الأقارب
وأنشد بعده:
ورج الفتى للخير ما إن رأيته
…
على السن خيرا لا يزال يزيد
وتقدم شرحه في الإنشاد السابع والعشرين.
وأنشد بعده:
يرجي المرء ما إن لا يراه
…
ويعرض دون أدناه الخطوب
وتقدم الكلام عليه في الإنشاد السادس والعشرين.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد العاشر بعد التسعمائة:
(910)
ما إن رأيت ولا سمعت به
عامة:
كاليوم هانئ أينق جرب
على أن "ما" نافية، و"إن"، و"ما" التي في قوله: ورج الفتى، مصدرية، و"ما" التي في قوله: ما إن لا يراه، موصولة، روى الأصبهاني في "الأغاني" أن الخنساء طلت بعيرا لها ثم تجردت واغتسلت، وكان دريد بن الصمة ينظر إليها، فأعجبته فهويها، وقال فيها:
حيوا تماضر واربعوا صحبي
…
وقفوا فإن وقوفكم حسبي
ما إن رأيت ولا سمعت به
…
كاليوم هانئ أينق جرب
متبذلا تبدو محاسنه
…
يضع الهناء مواضع النقب
أخناس قد هام الفؤاد بكم
…
وأصابه خبل من الحب
فسليهم عني خناس إذا
…
غض الجميع الخطب ما خطبي
فلما أصبح، غدا على أبيها فخطبها، قال له أبوها: مرحبا لك يا أبا قرة، إنك الكريم الذي لا يطعن في حسبه، والسيد الذي لا يرد عن حاجته، والفحل الذي لا يقدع أنفه، ولكن هذه المرأة في نفسها ما ليس لغيرها، وأنا أذكر لها ذلك، وهي عاقلة، فدخل عليها وقال لها: يا خنساء أتاك فارس هوازن، وسيد بني جشم دريد ابن الصمة يخطبك وهو من تعلمين، ودريد يسمع قولهما، فقالت: يا أبه، أتراني تاركة بني عمي مثل عوالي الرماح، وناكحة شيخ بني جشم هامة اليوم أو غد! فخرج إليه، واعتذر منه، وقيل: إنها قالت: أنظرني حتى أشاور نفسي، وبعثت وليدة، وقالت: انظري دريدا إذا بال، فإن كان بوله يحفر الأرض ففيه بقية، وإن كان يسيح على وجه الأرض، فلا بقية فيه، فرجعت إليها وأخبرتها أنه ساح على وجه الأرض، فقالت: لا بقية فيه، وعاود دريد أباها، فقالت:
أتنكحني هبلت على دريد
…
يقال أبوه من جشم بن بكر
ولو أمسيت في جشم هديا
…
لقد أمسيت في ذل وفقر
فغضب دريد، فقال
وقال الله يا ابنة آل عمرو
…
من الفتيان أمثالي ونفسي
فلا تلدي ولا ينكحك مثلي
…
إذا ما ليلة طرقت بنحس
لقد علم المراضع في جمادى
…
إذا استعجلن في أكل بنهس
بأني لا أبيت بغير لحم
…
وأبدأ بالأرامل حين أمسي
وأني لا ينادي الحي ضيفي
…
ولا جاري يبيت خبيث نفس
وهي طويلة، فقيل للخنساء: ألا تجبيبينه؟ فقالت: لا أجمع عليه بين رده وهجوه.
وقال القالي في الربع الثالث من "أماليه": حدثنا أبو بكر بن دريد، قال: حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: خرجت تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد، فهنأت ذودا لها جربى، ثم نضت عنها ثيابها، فاغتسلت، ودريد يراها ولا تراه، فقال دريد:
حيوا تماضر واربعوا صحبي .. البيت
ما إن رأيت ولا سمعت به .. البيت
متبدلا تبدو محاسنه .. البيت
متحسرا نضح الهناء به
…
نضح العبير بربطه العصب
أخناس قد هام الفؤاد بكم
…
واعتاده داء من الحب
فسليهم عني خناس إذا
…
غض الجميع هناك ما خطبي
قال أبو علي: النقب: القطع المتفرقة من الجرب في [جلد] البعير، ويقال: النقب أيضا، بفتح القاف، الواحدة نقبةن وغض من الغضاضة واللين، ثم ذكر القالي خطبته إياها من أبيها، وهجوها إياه، وهجوه إياها بغير الشعر الذي تقدم.
قوله: حيوا تماضر، بضم التاء الفوقية وكسر الضاد المعجمة، اسم الخنساء، والخنساء لقبها، كما أن الحميراء، لقب عائشة: زوجة النبي صلى الله عليه وسلم،
وحيوا: أمر من التحية، واربعوا: من ربع الرجل: يربع إذا وقف وتحبس، قال الليث: يقال: أربع على ظلعك، وأربع على نفسك، وأربع عليك، كل ذلك واحد، معناه: انتظر كذا في "تهذيب الأزهري" وصحبي: منادى، وحسبي: كافي، وقوله: ما إن رأيت ولا سمعت به، قال الزمخشري فيما كتبه على "المفصل": الضمير في به يرجع إلى هانئ، لأنه مقدم في التقدير، وإنما لم يقل هانئة، لأنه غلب، لأن ذلك من فعل الرجال دون النساء كما يقال: شاهدي امرأة، ولا يقال: شاهدتي، أي: الشيء الشاهد امرأة. انتهى. وفي غالب نسخ "مغني اللبيب" بمثله في موضع به، وفي تحريف من الكتاب لم يروه أحد ممن يعتمد عليه من المتقدمين، نعم وقع في شعر آخر لدريد بن الصمة وصف به ربيعة بن مكدم الكناني رواه أبو علي القالي في أواخر "أماليه"وهو:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله
…
حامي الظعينة فارسا لم يقتل
أردى فوارس لم يكونوا نهزة
…
ثم استمر كأنه لم يفعل
متهلل تبدو أسرة وجهه
…
مثل الحسام جلته كف الصيقل
مع أبيات أخرى، وقوله: كاليوم فيه حذف واختصار، والأصل: ما رأيت هانئ أينق يوما من الأيام كما رأيته في هذا اليوم، وهانئ، بهمز الآخر: اسم فاعل من هنأ البعير الأجرب يهنؤه هنأ، من باب فتح: إذ طلاه بالقطران، وهو الهناء، بالكسر والمدن وأينق، بتقديم المثناة التحتية على النون: جمع ناقة، وجرب: جمع جرباء، وقوله: متبذلا تبدو، المتبذل: لابس البذلة، بكسر الموحدة وسكون الذال المعجمة، وهي ثوب الخدمةن وتبدو: تظهر، وقوله: يضع الهناء الخ، النقب بضم وسكون القاف جمع نقبة، قال الجوهري: النقبة، بالضم: أول
ما يبدو من الجرب قطعا متفرقة، وجمعها نقب، وأنشد هذا المصراع، وقوله: أخناس، الهمزة للنداء، وخناس: معدول من خنساء، والحبل، بفتح المعجمة وسكون الموحدة: الجنون وشبهة؛ كالهوج والبله، وقد خبله الحزن: إذا أذهب فؤاده من باب ضرب.
إذا أذهب فؤاده من باب ضرب.
وقوله: فسليهم، أي: سلي القوم أو الناس عن شجاعتي، وخناس: منادى، وغض، بمعجمتين بمعنى لين، والخطب: حوادث الدهر، والحطب الثاني: الشأن والأمر والحال. وقوله في رواية القالي: "متحسرا نضح الهناء به .. إلخ"، مبالغة حسرت المرأة ذراعها وخمارها من باب ضرب: كشفته، ونضح الهناء به، أي: أصابه شيء منه، والعبير: والعبير: الزعفران، والريطة، بالفتح: الملاءة إذا لم تكن من لفقين، والعصب، بفتح العين وسكون الصاد المهملتين: برد يصبغ غزله ثم ينسج.
وقال الدماميني: قوله: كاليوم في موضع نصب، كان في الأصل صفة لهانئ أينق، ثم قدم عليه، وانتصب على الحال منه، والتقدير بحسب الأصل: ما إن رأيت بهانئ أينق كهانئ اليوم، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وحصل التقديم. هذا كلامه.
ودريد بن الصمة: شاعر فارس من بني جشم، بضم الجيم وفتح الشين، ودريد: مصغر أدرد، وهو الساقط الأسنان، والأنثى درداء، والصمة، بكسر الصاد وتشديد الميم، قال أبو حاتم في كتاب "المعمرين": عاش دريد بن الصمة نحوا من مائتي سنة حتى سقط حاجباه على عينيه، وأدرك الإسلام ولم يسلم، وقتل يوم حنين كافرا.