الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرابع والعشرون بعد التسعمائة:
(924)
إلى ملك كاد الجبال لفقده
…
تزول وزوال الراسيات من الصخر
قال أبو حيان في "شرح التسهيل": وأما (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ)[النحل/98] فالمعني: فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ، فالفاء مرتبة، والعرب تقول فعل بمعنى كاد يفعل، وأراد أن يفعل، قال الفرزدق:
إلى ملك كاد الجبال لفقده
…
يقعن وزال الراسيات من الصخر
أي: كادت الراسيات تزول، أو أرادت أن تزول. انتهى. وكذا في "شرح الجمل الزجاجية" للخفاف الإشبيلي، ومنها علم أن البيت للفرزدق، والراسي الثابت الذي لا يتحرك، ورويا يقعن من الوقوع بدل تزول.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخامس والعشرون بعد التسعمائة:
(925)
فارقنا قبل أن نفارقه
…
لما قضى من جماعنا وطرا
قال ابن جني في "المحتسب": في سرورة البقرة، ومن ذلك قراءة إبراهيم:(مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ)[آل عمران] وجه ذلك أنك إذا لقيت الشيء، فقد لقيك هو أيضا، فلما كان كذلك، دخله معنى المفاعلة كالمضاربة، وقد جاء ذلك عينة في هذه اللفظة، فأما ما قرأته على أبي علي في "نوادر أبي زيد" من قوله:
فارقنا قبل أن نفارقه
…
البيت
فظاهره إلى التناقض، لأنا إذا فارقنا، فقد فارقناه لا محالة، فما معنى قوله بعد
ذلك: قبلء أن نفارقه؟ وهو عندنا على إقامة المسبب مقام السبب في تفسيره: فارقنا قبل أن نريد فراقه، فوضع المفارقة وهي المسبب موضع الإرادة لها وهي السبب، وذلك لقرب أحدهما من صاحبه، ومثله قوله تعالى:(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ)[النمل/98]، أي: إذا أردت القراءة وهو كثير، وقد أفردنا في "الخصائص" له بابا. انتهى.
والبيت من أبيات للربيع بن ضبع الفزاري أوردها أبو زيد في "نوادره" وهي:
أقفر من مية الجريب إلى الز
…
زجين إلا الظباء والبقرا
كأنهـ درة منعمة
…
من نسوة كن قبلها دررا
أصبح مني الشباب مبتكرا
…
إن ينأ مني فقد ثوى عصرا
فارقنا قبل أن نفارقه
…
البيت
أصبحت لا أحمل السلاح ولا
…
أملك رأس البعير إن نفرا
والذئب أخشاه إن مررت به
…
وحدي وأخشى الرياح والمطرا
ها أنا ذا أمل الحياة وقد
…
أدرك عقلب ومولدي حجرا
أبا امرئ القيس هل سمعت به
…
هيهات هيهات طال ذا عمرا
أقفر: صار أقفر خاليا من الآنسات إلا الظباء وبقر الوحش، فإنهما في هذين الموضعين، والجريب، بفتح الجيم، والزجين، بضم الزاء المعجمة وتشديد الجيم
المفتوحة: موضعان، قال أبو حاتم: الرخين، بضم الراء المهملة، وتشديد الخاء المعجمة، قال أبو الحسن فيما كتبه على "النوادر": الذي صح عندنا: الرجين، بالجيم.
وقوله: كأنها درة .. البيت، استشهد به أبو علي في "الإيضاح" على أنهم جمعوا فعله، بالضم من المضاعف على فعل، قالوا: درة ودرر، وهي اللؤلؤة العظيمة والنعمة: الخصب والرفاهية واللين، وقوله: من نسوة .. إلخ، أشار به إلى أن حسنها متوارث، ومنعمة: صفة الدرة، وأجاز ذلك وإن كان في الحقيقة من صفة المرأة مبالغة في التشبيه، وذلك لأن الإفراط شبهها في الدرة، صارت الدرة كأنها هي: فوصفت لذلك بصفتها، ومثل ذلك قولهم: هند بدر محلى، فوصفوا البدر بالتحلية، ولذلك لم يدخلوا في الصفة تاء التأنيث، وإن كانت التحلية في الحقيقة من صفة هند، ولا يمكن أن يكون منعمة خبرا ثانيا لكان، لأنه إنما أراد إثبات النعمة لها، ومثل ذلك قول المثلم بن عمرو التنوخي:
لا تحسبني محجلا سبط الساقين أبكي أن يطلع الجمل
لأنه أراد: لا تحسبني امرأة محجلة الساقين ناعمة تبكي إذا ظلع جمل ضعفا عن المشي، إلا أنه أسقط التاء مبالغة في تشبيه المذكر بالمؤنث، وقد قيل: إنه على نية موصوف محذوفن كأنه قال: إنسانا محجلا، والأول أولى. قاله بعض شراح أبيات "الإيضاح".
وقوله: أصبح مني الشباب مبتكرا: يريد: ذهب الشاب مني، ومبتكرا، أي: سافر في بكرة النهار، وهو أغلب أوقات المسافر، وقوله: إن ينأ، أي: إن يبعد عني فقد ثوى، أي: أقام عندي عصرا بضمتين، أي: دهرا وحينا، يعني قد استمتعت بالشباب، وتلذذت به مدة، فإن ذهب عني، فلا عجب.
وقوله: فارقنا .. البيت، الجماع، بالكسر: الاجتماع والعشرة، وهذه اللفظة في البيت، بحسب عرف هذه الأزمان قبيحة، والوطر: الحاجة، وفاعل فارقنا ضمير الشباب. وقوله: أصبحت لا أملك السلاح
…
إلى آخر البيتين، وهما من شواهد سيبويه، و"الجمل الزجاجية" وغيرهما من كتب النحو، قال ابن خلف: الشاهد فيه نصب الذئب بإضمار فعل يفسره ما بعده ليعطف عليه أخشى الرياح.
وقوله: لا أحمل السلاح، ولا أملك: جملتان في موضع نصب خبر أصبح إن كانت ناقصة، وحالا إن كانت تامة، كأنه قال: أصبحت غير حامل السلاح ولا أملك رأس البعير إن نفر بي، ولا يجوز في الذئب الرفع على الابتداء.
وقوله: وحدي، منهم من يجعل نصبه على الظرف بكونه مقدرا بما يجري مجرى الظرف من حرف جر، فإذا قلت: مررت بزيد وحده، فكأنك قلت: مررت بزيد على حياله، ومنهم من يجعل نصبه على المصدر، ويجعله من المصادر التي وقعت أحوالا، وإن كانت مضافة إلى معرفة، لأنها وقعت موقع غيرها، فوحده وقع موقع إيحاد، لأن العرب تقول: أوحدته بمروري إيحادا، وإيحادا وقع موقع موحد ومفرد، فكأنك قلت: مررت به موحدا ومفردا، هذا تحقيق الحال فيه، فقد صار وحده نائبا عن مصدر قد حذفت زيادته، وذلك المصدر نائبا عن اسم رجع عن اسم الفاعل، فلما فيه من معنى الإفراد كان حالا، ولما كان فيه من معنى المصدر كان مفردا لا يثنى ولا يجمع، ولما فيه من الاتساع لم يجر في موضع الجر، لأن الاتساع بعد الاتساع مرفوض، وما جاء عنهم مجرورا إلا في ثلاثة ألفاظ، وهو قولك للرجل إذا مدحته: هو نسيج وحده، أي: بمنزلة المنوال الذي لم ينسج عليه غيره، وإذا ذممته، قلت: هو عيير وحده، وجحيش وحده، تصغير جحش وعير، وهذا مما يحفظ ولا يقاس عليه لشذوذه.