الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد العشرون بعد التسعمائة:
(920)
ممن حملن به وهن عواقد
…
حبك النطاق فشب غير مهبل
حملت به في ليلة مزؤودة
…
كرها وعقد نطاقها لم يحلل
هما من قصيدة لأبي كبير الهذلي مذكورة في "أشعار الهذليين" وتقدم مطلعها في الإنشاد الحادي عشر بعد المائة، وقبلهما:
ولقد سريت على الظلام بمغشم
…
جلد من الفتيان غير مثقل
ممن حملن به
…
إلى آخر البيتين
وبعدهما:
فأتت به حوش الفؤاد مبطنا
…
سهدا إذا ما نام ليل الهوجل
قال التبريزي في "شرح الحماسة": كان السبب في هذه الأبيات إن أبا كبير تزوج أم تأبط شرا، وكان غلاما صغيرا، فلما رآه كثير الدخول على أمه، تنكر له، وعرف ذلك أبو كبير في وجهه إلى أن ترعرع الغلام، فقال أبو كبير لأمه: ويحك قد والله رابني أمر هذا الغلام، ولا آمنه، لا أقربك، قالت له: فاحتل عليه حتى تقتله، فقال له ذات يوم: هل لك أن تغزو؟ فقال: ذاك من أمري،
قال: فامض بنا، فخرجا، ولا زاد معهما، فسارا ليلتهما ويومهما من الغد حتى ظن أبو كبير أن الغلام قد جاع، فلما أمسى، قصد به أبو كبير قوما كانوا له أعدء، فلما رآهم من بعد، قال له أبو كبير: ويلك قد جعنا، فلو ذهبت إلى تلك النار، فالتمست لنا شيئا، فمضى تأبط شرا، فوجد على النار رجلين من ألص من يكون من العرب، وإنما أرسله إليهما أبو كبير ليقتلاه، فلما رأياه قد غشي نارهما، وثبا عليه، فرمى أحدهما، وكر على الآخر، فرماه فقتلهما، ثم جاء إلى نارهما، فأخذ الخبز منهما، فجاء به إلى أبي كبير، فقال: كل، لا أشبع الله بطنك، ولم يأكل هو، فقال: أخبرني ويحك، كيف قصتك؟ فأخبره، فازداد خوفا، ثم مضيا في ليلتهما فأصابا إبلا، وكان يقول له أبو كبير ثلاث ليال: اختر أي نصفي الليل شئت تحرس فيه وأنام، وتنام النصف الآخر، فقال: ذلك إليك اختر أيهما شئت، فكان أبو كبير ينام إلى نصف الليل، ويحرسه تأبط شرا، فإذا نام تأبط شرا، نام أبو كبير أيضا حتى استوفى الثلاث، فلما كان في الليلة الرابعة، ظن أن النعاس قد غلب على الغلام، فنام أول الليل إلى نصفه، وحرسه تأبط شرا، فلما نام الغلام، قال أبو كبير: الآن يستثقل نوما، وتمكنني فيه الفرصة، فلما ظن أنه قد استثقل، أخذ حصاة، فحذفها، فقام الغلام كأنه كعب، فقال: ما هذه الوجبة، فقال: لا أدري، فقام، فعس، وطاف حول الإبل، فلم ير شيئا، وفعل أبو كبير ثلاث مرات كذلك، وهو ينتبه، فلما رجعا إلى الحي، ترك أبو كبير أمه، فلم يقربها، ووصفه بهذه الآبيات.
وقوله: ولقد سريت على الظلام .. إلخ، المغشم، بكسر الميم، وهو الكثير الغشم، وهو الظلم، والجلد، بفتح الجيم: من له الجلادة، وهي قوة القلب، وقوله: غير مثقل، يعني: كان حسن القبول محببا إلى القلوب.
وقوله: ممن حملن، النون ضمير النساء، ولم يجر لهن ذكر، لكونه معلوما من المقام، وقال "به"، فرد الضمير على لفظ منن ولو رد على المعنى لقال "بهم"،
وعدى حمل بالباء، وهو متعد بنفسه، لأنه ضمنه معنى حبلت، قال ابن الشجري: وهو معنى قول المصنف ضمنه في الموضعين متى علقت، وقله: وهن قواعد
…
إلخ نون عواقد للضرورة، وهو جمع عاقدة، وأعمله في "حبك" حكاية للحال، وإن كان ذلك فيما مضى، وهو جمع حباك، بكسر أوله: ما يشد به النطاق مثل التكة، والنطاق: شقة تلبسها المرأة، وتشد وسطها، ثم ترسل الأعلى على الأسفل إلى الركبة، والأسفل ينجر على الأرض ليس له حجزة ولا نيفق ولا ساقان، والجمع نطق، والحجزة، بالضم: موضع التكة، والنيفق: الموضع المتسع من السراويل، والعامة تكسر النون، قال ابن خلف: قال أبو جعفر: سألت عن هذا البيت علي بن سليمان، فقال: حملن من الحبل، أي: أنهن حبلن به وهن يخدمن، وكانت العرب تستحب أن تطأ النساء وهن متعبات أو فزعات ليغلب ماء الرجل، فيجيء الولد مذكرا، فوصف أنها حبلت به وهي عاقدة حبك النطاق، والحبك: الطرائق، وقيل: الحبك: الإزار الذي تأتزر به المرأة، وقيل: الحبكة حجزة الإزار، والنطاق: المنطقة. انتهى. قال القارئ: والمهبل: المثقل باللحم، يقال: هبلة اللحم: كثر عليه وغلظ، وقيل: المهبل: المعتوه الذي لا يتماسك، ومعنى البيت: إنه من الفتيان الذين حملت بهم أمهاتهم، وهن غير مستعدات للفراش، فنشأ محمودا مرضيا لم يدع عليه بالهبل والثكل. وحكي عن بعضهم: إذا أردت أن تنجب المرأة، فأغضبها عند الجماع، ولذلك يقال في ولد المذعورة: إنه لا يطاق:
تسنمها غضبي فجاء مسهدا
…
وأنفع أولاد الرجال المسهد
وقوله: حبلت به في ليلة مزؤودة: هي مفعولة من زأدته أزأده زأدا، أي أفزعته، وزئد، فهو مزؤود، أي: مذعور، قال المبرد في "الكامل": مزؤودة:
ذات زؤد، وهو الفزع، فمن نصب مزؤودة، فإنما أراد المرأة، ومن خفض أراد الليلة، وجعل الليلة ذات فزع، لأنه يفزع فيها
وقال ابن جني في "إعراب الحماسة": إنما جعل مذعورا، وأكثر ما يقولون: إذا اتسعوا: يوم مضروب على قولك: ضربت ساعة، وقمت يوما، وأنت تنصب اليوم والساعة نصب المفعول به، فلما كانوا قد يأخذونه في هذا الشق، جاؤوا به أيضا مسندا إليه الفعل إسناده إلى ما يسم فاعله [وعلى قولك قبل إسناد الفعل] إليها: هذه ليلة زئدها زيد، كقولك: هذه جبة كسيها عمرو، ثم تقول: هذه ليلة مزؤودة، كقولك:[هذه] جبة مكسورة، وهذا على رواية الجر، وأما من نصب، فعلى الحال للمرأة الحامل، وفائدة ذكر الليلة في رواية النصب أن تكون بدأت بحمله ليلا وهو أنجب، وصاحبه يوصف بالشجاعة، وقد دعاهم ذلك إلى أن وصلوا أنسابهم بالليل تحققا به، قال:
أنا ابن عم الليل وابن خاله
…
إذا دجا دخلت في سرباله
لست كمن يفرق من خياله
انتهى. وبه يندفع قول المصنف: لا فائدة في ذكر الليل في رواية النصب. وقوله: "فأتت به حوش الفؤاد
…
البيت" تقدم شرحه في الإنشاد السادس والأربعين بعد السبعمائة، وقد بسطنا الكلام على هذه الأبيات أخر منها، ونقلنا ما للناس عليها من كلام في الشاهد الثامن بعد الستمائة من شواهد الرضي.