الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإنسان، وعدم تذكره له، وقد استعمل فيمن تركه إهمالا وإعراضا، يقال: غفلت عن الشيء غفولا، من باب قعد، كذا في "المصباح"، وقوله: فاصطنعني، أي: اجعلني موضع الصنيعة منك، وهي الفعل الجميل، وتطلق الصنيعة على الذي ينعم عليه، يقال: فلان صنيعة فلان، والصحيح رواية الجمهور: فانتصحني، أي اقبل نصحي، يقال: نصحته نصحا ونصيحة، ونصحت له، وهو الإخلاص والصدق في المشورة والعمل، وقوله: فكيف: ظرف عاملة تقديره: فكيف أغفل شكرك، والحال أن أكثر مالي من عطائك، والجل بضم الجيم: معظم الشيء. وترجمة النابغة الذبياني تقدمت في الإنشاد الثالث والعشرين.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثاني عشر بعد التسعمائة:
(912)
يا ليت حظي من نداك الضافي
…
والفضل أن تتركني كفاف
قال الصاغاني في "العباب": كفاف: هذا البيت من قولهم: دعني كفاف، أي كف عني وأكف عنك، أي: ننجو رأسا برأس. انتهى. وعليه فهو اسم فعل قد جاء على بابه، وهذا من أرجوزة طويلة تزيد على ثمانين بيتا لرؤبة بن العجاج يعاتب بها أباه منها:
إنك لم تنصف أبا الجحاف
…
وكان يرضى منك بالإنصاف
وهو عليك واسع العطاف
…
غاديك بالنفع وأنت جاف
عنه ولا يخفى الذي تخافي
…
كيف تلومه على الإلطاف
وأنت لو ملكت بالإتلاف
…
شبت له شوبا من الذعاف
وهو لأعدائك ذو قراف
…
لا تعجلني الحتف ذا الإتلاف
والدهر إن الدهر ذو ازدلاف
…
بالمرء ذو عطف وذو انصراف
إلى أن قال:
وإن تشكيت من الإسحاف
…
لم أر عطفا من أب عطاف
فليت حظي من جداك الضافي
…
والنفع أن تتركني كفاف
ليست قوى حبلي بالضعاف
…
لولا توقي على الإشراف
أقحمني بالنفنف النفناف
…
في مثل مهوى هوة الوصاف
قولك أقوالا مع التحلاف
…
فيه ازدهاف أيما ازدهاف
والله بين القلب والأضعاف
أبو الجحاف، بفتح الجيم وتشديد الحاء المهملة، كنية، وهو مفعول "تنصف" والعطاف، بكسر العين: الرداء مأخوذ من العطف، وهو الدليل والمحبة، وغاديك من الغدوة، وهو أول النهار إلى الزوال، يقال: غدا عليه غدوا وغدوا، بالضم: إذا بكر، وغاداه: باكره، والجفو، بالجيم الارتفاع والتباعد: نقيض الوصل والإلطاف، بكسر الهمزة: البر، يقال: ألطفه بكذا، أي برة، وملكت بالبناء للمفعول وتشديد اللام، والشوب: الخلط والمزج، والذعاف، بضم الذال المعجمة: السم، وقيل: سم ساعة، والقراف بكسر القاف: المقاربة، وضمير "هو" للإتلاف، أي: إتلافي مقرب للأعداء إليك، والازدلاف: الاقتراب، في الحديث:"ازدلفوا إلى الله بركعتين"، أي: تقربوا، وأصل الزلفة: المنزلة والحظوة، وقوله: بالمرء متعلق بازدلاف، والعطف: الإقبال، والانصراف: الإدبار،
والإسخاف، بكسر الهمزة، وبعد السين المهملة خاء معجمة: رقة العيش، وسخفة الجوع، بالفتح: رقته وهزاله، والعطف: الشفقة، والعطاف: مبالغة العاطف، والجدا: بفتح الجيم والقصر، الجدوى، وهما العطية، والضافي بالضاد المعجمة: الكثير، من ضفا المال: إذا كثر، أو بمعنى السابع، يقال: ثوب ضاف من ضفا الشيء يضفو ضفوا، وحرفه الدماميني بالصاد المهملة، وقال: هو الخالص من الكدر، وقوله: والنفع بالجر عطفا على جداك، وروي بدله: والفضل، وقوله: أن تتركني كفاف، خبر ليت، و"يا" على رواية المصنف حرف تنبيه لا للنداء، والقوى جمع قوة، وهي إحدى طاقات الحبل، والضعاف جمع ضعيف، والتوقي: التخوف، وأصله جعل النفس في وقاية مما يخاف، والوقاية: فرط الصيانة، وقيل: حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره، والإشراف، بكسر الهمزة: الشفقة، كذا في "العباب"، أي: إني جلد غير عاجز من الاكتساب، لولا أني ملازم على خدمتك، وأقحمني: أدخلني، يقال: فحم فلان بنفسه في كذا: إذا دخل فيه من غير روية، وفاعله هو:"قولك" الآتي، والنفنف، بنونين كجعفر: المهوى بين جبلين، وصقع الجبل: الذي كأنه جدار مبني مستو،
والنفناف بمعناه، جعل وصفا له بمعنى الصعب والشديد، قوله: في مثل مهوى .. إلخ، بدل من قوله في النفنف، والمهوى ومثله المهواة، بمعنى: المسقط: اسم مكان من هوى، بالفتح، يهوى بالكسر هويا، بضم الهاء وكسر الواو وتشديد الياء، ويقال: لما بين الجبلين، ونحوه أيضا: مهوى، والهوة، بضم الهاء وتشديد الواو: الوهدة العميقة، والوصاف، بفتح الواو وتشديد الصاد المهملة: رجل من سادات العرب اسمه مالك بن عامر بن كعب بن سعد بن ضبيعة بن عجل بن لجيم، سمي بالوصاف لحديث له، قال محمد بن الأعرابي: هوة الوصاف في شعر رؤبة: دخل بالحزن لبني الوصاف من بني عجل، وهوة الوصاف: مثل في العرب يستعملونه
في الدعاء على الإنسان، يقال:"كبه الله في هوة ابن الوصاف"، وقولك: فاعل أقحمني، وأقوالا جمع قول بمعنى المقول، والتحلاف، بفتح التاء، مصدر بمعنى الحلف، يقول: إن أقوالك الكاذبة المؤكدة بالأيمان الباطلة غرتني حتى أوقعتني في الشدائد والمهالك، وقولك فيه، أي: في قولك أو في التحلاف، وروي فيها أي: في الأقوال. في "العباب": وازدهفه: استخفه، وفيه ازدهاف، أي: استعجال وتقحم، زاد في "القاموس": وتزيد في الكلام، يريد أن كلامه يستخف العقول، وأي: هي الدالة على معنى الكمال، وإذا وقعت بعد النكرة كانت صفة لها، وبعد المعرفة كانت حالا منها، لكنها نصبت على المصدرية، ويجوز رفعها على الوصفية، و"ما" زائدة، والله: مبتدأ، والظرف خبره، والأضعاف أعضاء الجسد جمع ضعف، بالكسر: أي: إن الله عالم بما في الضمائر، فلا يخفى عليه ما تضمره لي، وقوله: فيه ازدهاف أيما ازدهاف، هو من شواهد سيبويه وغيره، واستشهد به الرضي على أن نصب أيما على المصدر أو الحال مع أنه لم يذكر صاحب الاسم ولا الموصوف، وهو في غاية الضعف والوجه الاتباع في مثله، وهو رفعه صفة لازدهاف، لكنه حمله على المعنى، لأنه إذا قال: فيه ازدهاف، فكأنه قال: تزدهف أيما ازدهاف، قال سيبويه: وإن قلت: له صوت أيما صوت، أو مثل صوت الحمار، أو له صوت صوتا حسنا جاز. زعم ذلك الخليل، ويقوي ذلك أن يونس وعيسى زعما أن رؤبة كان ينشد هذا البيت نصبا. انتهى كلامه. وزعم الجرمي أن نصبه على إضمار تزدهف، قال: ولا يجوز نصبه بازدهاف، لأن المصدر لا يعمل في المصدر، هذا كلامه، ويرد قوله الآية، قال تعالى
…
والسبب في عتاب رؤبة أباه ما رواه الأصمعي قال: قال رؤبة: خرجت مع أبي نريد سليمان بن عبد الملك، فلما سرنا بعض الطريق، قال لي: أبوك راجز وأنت مفحم، قلت: فأقول؟ قال: نعم، فقلت أرجوزة، فلما سمعها قال لي: اسكت فض الله فاك، فلما وصلنا إلى سليمان أنشده أرجوزتي، فأمر له بعشرة آلاف درهم، فلما خرجنا من عنده، قلت له: أتسكني، وتنشده أرجوزتي، فقال: اسكت ويلك، فإنك أرجز الناس، فالتمست منه أن يعطيني نصيبا مما أخذه بشعري، فأبى فتنابذته، فقال:
لطالما أجرى أبو الجحاف
…
لهيئة بعيدة الأطراف
تأتي على الأهلين والألاف
…
سرهفته ما شئت من سرهاف
حتى إذا ما آض ذا أعراف
…
كالكودن المشدود بالإكاف
قال الذي عندك لي صراف
…
من غير ما كسب ولا احتراف
فأجبته بهذه الأرجوزة. وفي كتاب "مناقب الشبان، وتقديمهم على ذوي الأسنان" كان رؤبة يرعى إبل أبيه حتى بلغ وهو لا يقرض الشعر، فتزوج أبوه امرأة [تسمى] عقرب، فعادت رؤبة وكانت تقسم إبله على أولاده الصغار، فقال رؤبة: ما هم بأحق مني لها إني لأقاتل عنها السنين، وأنتجع الغيث، فقالت عقرب للعجاج: أسمع هذا وأنت حي فكيف بنا بعدك؟ ! فخرج فزبرة، وصاح به، وقال له: اتبع إبلك، ثم قال:
لطالما أجرى أبو الجحاف
…
في فرقة طويلة التجافي
لما رآني أرعشت أطرافي
…
استعجل الدهر وفيه كافي
يخترم الإلف مع الألاف
في أبيات، فأنشده رؤبة يجيبه:
إنك لم تنصف أبا الجحاف
…
وكان يرضى منك بالإنصاف
وهو عليك دائم القطاف
هكذا روى هذين القولين السيوطي هنا، وقوله: وطالما أجرى أبو الجحاف: أجرى: أرسل جريا، بفتح الجيم وتشديد الياء، وهو الرسول والأجير والوكيل، ومفعوله محذوف، أي: أجراني، يقول: طالما استخدمني في صغره، والهيئة: التهيؤ، يقال: هاء للأمر يهاء ويهيئ: إذا أخذ له هيئته، كتهيأ له وهياه تهيئة: أصلحه، والآلاف: بضم الهمزة وتشديد اللام، جمع إلف، كعمال جمع عامل، والسرهفة: نعمة الغذاء، بفتح النون، يقال: سرهفت الصبي وسرعفته: إذا أحسنت غذاءه، والسرهاف، بالكسر، وروي: سرعفته ما شئت من سرعاف، وآض: بمعنى صار، والأعراف، جمع عرف الفرس، والكودن: الفرس الهجين. والبرذون والبغل، والإكاف: البردغة، وهذه صفات ذم له، يريد: أنه رباه حتى صار رجلا ذا لحية. وصراف: اسم فعل أمر بمعنى: اصرف، وقوله في الوجه:
استعجل الدهر وفيه كافي
كقول الآخر:
تعين على الدهر والدهر مكتف
وقول كسرى: إذا أدبر الدهر عن قوم كفي عدوهم.
وترجمة رؤبة تقدمت في الإنشاد الخامس عشر.