الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واحد كما تقابل الأشكال المرآة، فتنطبع الصورة فيها فترى المرآة والأشكال المنطبعة فيها وقت واحد. وعندي أن هذا المعنى أبلغ من أن يكون المراد بأحد القمرين وجهها على أنه شمس أو قمر مجازا، وبالآخر قمر السماء إذ يقبح بالعاشق إذا بدا له محيا الحبيب أن يرى شيئا سواه، فتأمل. قال الشمني: يأبى هذا التحقيق جعل وجهها قمرا، إذ ليس ذلك إلا لإضاءته وإشراقة، والأجرام المضيئة المشرقة لا تنطبع فيها الصورة. انتهى.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث والعشرون بعد التسعمائة:
(923)
أخذنا بآفاق السماء عليكم
…
لنا قمراها والنجوم الطوالع
هو من قصيدة للفرزدق هجا بها جريرا وافتخر بآبائه منها:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم
…
إذا جمعتنا يا جرير المجامع
وهي قصيدة جيدة مشهورة مشروحة في المناقضات، وأخذ المصراع الثاني من قول رجل من بني ناشب، وهو:
لنا قمر السماء وكل نجم
…
يضيء لنا إذا القمران غارا
ومن يفخر بغير ابني نزار
…
فليس بأول الخطباء جارا
كذا في كتاب "البيان" للجاحظ. وقال الفراء في تفسيره: أراد الفرزدق بالقمرين: الشمس والقمر، لأن العرب قد تجمع الاسمين على تسمية أشهرهما،
وقال المبرد في "الكامل": المربدان: هو المربد وما يليه مما جرى مجراه، والعرب تفعل هذا في الشيئين إذا أجريا في باب مجرى واحدا، قال الفرزدق:
أخذنا بآفاق السماء عليكم
…
البيت
يريد: الشمس والقمر، لأنهما قد اجتمعا في قولك: النيران، وغلب الاسم المذكر، وإنما يؤثر في مثل هذه الخفة.
وروى الزجاجي في "أماليه" أن المفصل قال له الرشيد: ما معنى افتخار الفرزدق بالشمس والقمر، وحظه فيهما كحظ سائر الناس؟ قال: إنما أراد بالشمس إبراهيم، وبالقمر النبي عليهما الصلاة والسلام، وبالكواكب الخلفاء المهديين من آبائك، وهذا كله دون من يفاخره ويساجله، فأعجب به الرشيد. انتهى.
قال ابن رشيق في "العمدة" بعد كلام المفضل الرشيد: أعجب الرشيد بذلك، ووصله، والفرزدق ما قصد إلى شيء من ذلك، ولا أراده، ولا أعلم أن الرشيد يكون أمير المؤمنين، وإنما أراد كل مشهور فاضل، فهو لنا عليكم، ومنا لا منكم، فنحن أشرف بيتا، وأظهر فضلا، وأبعد صيتا، إلا أن التي جاء بها المفضل ملحة أفادته مالا. وترجمة الفرزدق تقدمت في الإنشاد الثاني.