الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثامن والثمانون بعد الثمانمائة:
(888)
بكرت عليه بكرة فوجدته
…
قعدوا لديه بالصريم عواذله
وهو من قصيدة طويلة جدا لزهير بن أبي سلمى مدح بها حصن بن حذيفة، قال صعوداء شارح ديوان زهير: قال زهير بن أبي سلمى لحسن بن حذيفة بن بدر ابن عمر الفزاري، وكان عمرو بن هند حين قتل حذيفة - وكانت الحرب بين غطفان - طمع في حصن وفي غطفان أن يصيب بعد حذيفة صاحبه، وكان حصن والحليفان لقاحا لم يدينوا لملك قط، فأرسل إلى حصن: أني ممدك بخيل فادخل في مملكتي، وأجعل لك ناحية من الأرض، فأسل إليه حصن: إني ما كنت قط أفرغ لحربك مني اليوم، ولا كنت قط أيسر عدة مني اليوم، فإن كنت لا يكفك ما جرب أبوك، فدونك لا تعتلل، فإنه ليس لي حصن إلا السيوف والرماح، وأنا لك بالفضاء، وأقبل حصن بالحليفين حتى نزل زبالة، فصد عنه عمرو بن هند، وكره قتاله، فقال زهير في ذلك:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله
…
وعرى أفراس الصبا ورواحله
إلى أن قال:
وابيض فابيض يداه غمامة
…
على معتفيه ما تغب فواصله.
بكرت عليه غدوة فرأيته
…
قعودا لديه بالصريم عواذ له
يفدينه طورا وطورا يلمنه
…
وأعيا فما يدرين أين مخائله
فأقصرن منه عن كريم مرزا
…
عزوم على الأمر الذي هو فاعله
أخي ثقة لا تتلف الخمر ماله
…
ولكنه قد يهلك المال نائله
تراه إذا ما جئته متهللا
…
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
ترى الجند والأعراب يغشون بابه
…
كما وردت ماء الكلاب هوامله
إذا ما أتوا أبوابه قال مرحبا
…
لجو الباب حتى يأتي الجوع قاتله
فلول لم يكن في كفه غير نفسه
…
لجاد بها فليتق الله سائله
وذي نسب ناء بعيد وصلته
…
بمال وما يدري بأنك واصله
وذي نعمة تممتها وشكرتها
…
وخصم يكاد يغلب الحق باطله
وذي خطل في القول يحسب أنه
…
مصيب فما يلمم به فهو قائله
عبأت له حلما وأكرمت غيره
…
وأعرضت عنه وهو باد مقاتله
ومن مثل حصن في الحروب ومثله
…
لإنكار ضيم أو لخصم يحاوله
حذيفة بنميه وبدر كلاهما
…
إلى باذخ يعلو على من يطاوله
أبي الضيم والنعمان يحرق نابه
…
عليه فأفضى والسيوف معاقله
عزيز إذا حل الحليفان حوله
…
بذي لجب لجابه وصواهله
قوله: صحا القلب عن سلمى، هذا البيت من شواهد علماء البلاغة، قال الأعلم في شرح ديوانه: يقول: صحا قلبه عن حب سلمى، وكف باطله ولهوه، وقوله: وعرى أفراس الصبا، هذا مثل ضربه، أي: ترك الصبا وركوبه الباطل، وقوله: وأبيض فياض: يريد رجلا نقيا من العيوب، والفياض: الكثير العطاء، وأصله من الفيض، وقوله: يداه غمامة، أي: تمطر يداه بالإعطاء كما تمطر الغمامة، ولمعتقون: الطالبون ما عنده، يقال: عفاه وأعفاه: إذا أتاه وسأله ما عنده،
وقوله: ما تغب فواضله، أي: هي دائمة لا تنقطع، ولا تأتي في الغب، يقال: غبه وأغبه: إذا أتاه غبا، وفواضله: عطاياه، لأنها تفضل كل عطاء.
وقوله: بالصريم، هو جمع صريمة، وهي رملة تنقطع من معظم الرمل، والعواذل: اللاتي يعذلنه على إنفاق ماله، وقيل: الصريم هنا: الصبح، وهو أشبه بالمعنى، لأنه يكسر في العشي فإذا أصبح وقد صحا من سكره لمنه. انتهى. وهذا شرح ابن قتيبة في كتاب "أبيات المعاني".
وقوله: "يفدينه طورا"، أي يقلن له: فديناك بأنفسنا وآبائنا وأمهاتنا، ليستنزله بذلك حتى يقبل عذلهن، ويوقه:"فيما يدرين أين مخاتله"، يعني: الأمر الذي يختلنه فيه، يقول: قد أعياهن فما يدرين كيف يخدعنه ويختلنه.
وقوله: فأقصرن منه، يعني لما عذلنه، فلم يجبهن إلى ما أرادوا، كففن عن عذله والمرزأ: المصاب بماله كثيرا. وقوله: عزوم الخ .. ـ أي إذا قدر على فعل شيء عزم عليه وأمضاه.
وقوله: أخي ثقة، أي: يوثق بما عنده من الخير لما علم من وجوده وكرمه والنائل: العطاء. يقول: لا يهلك ماله في شرب الخمر، لنه لا يشربه، وإنما يهلكه بالعطاء.
وقوله: وما يدري بأنك واصله، يقول: يعني أنه وصل قوماً، فوصلوا غيرهم من صلته، فكان هـ سبب ذلك الوصل وهم لا يعرفون ذلك، وإنما قال هذا إشارة إلى كثرة معروفة حتى يغني من سأله، فيفضل سائلوه على غيرهم لغناهم.
وقوله: "وذي نعمة" أي: رب ذي نعمة، وقوله: وخصم، أي: ورب خصم شديد دفعته بقول مصيب.
وقوله: أضل الناطقين، أي: إذا لم يصب أحد مفصل هذا القول، أصبته أنت، ودفعت به خصمك.
وقوله: وذي خطل، أي: رب ذي خطل بالتحريك: الكلام المضطرب، وقوله: فما يلمم به، أي: مهما يجد من الكلام يقله.
وعبأت: هيأت وجمعت له الحلم، وصفحت عنه، وقد بدت لك مقاتله، وأكرمت غيره ممن راعيت حقه.
وقوله: حذيفة بنميه، أي: يرفعه إلى باذخ، أي: جبل عال من الشرف والمجد.
وقوله: أبي الضيم، أي أبي الجور من النعمان بن الحارث الغساني، ويحرق بضم الراء، أي: يصون نابه من غيظه بعدم قدرته عليك، وروى نابه بالنصب، أي: بنابه، فحذفت الباء.
والحليفان: أسد وغطفان، وكانوا متحالفين على بني عبس وغيرهم، وفزراة من بني ذبيان: رهط الممدوح من غطفان، واللجب بفتحتين: اختلاط الناس، أي بجيش ذي لجب، والصواهل: الخيل: وأراد باللجاب: أصحاب اللجب، ورفعها بما في قوله ذي لجب من معنى الفعل، والتقدير: بجيش ذي لجب من معنى الفعل، والتقدير: بجيش لجب لجابه وصواهله.
وترجمة زهير تقدمت في الإنشاد الخمسين.
وأنشد بعده:
واشتعل المبيض في مسوده
…
مثل اشتعال النار في جزل الغضا
وتقدم في الإنشاد السادس والسبعين بعد الستمائة.