الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أم كان رخوا يابس القضيب
فصاح إلينا: يابس القضيب، والله يابس القضيب، وأنشأ يقول:
سقيا لعهد خليل كان يأدم لي
…
زادي ويذهب عن زوجاتي الغضبا
كان الخليل فأضحى قد تخونه
…
هذا الزمان وتطعاني به الثقبا
وهو القائل:
يا صاح بلغ ذوي الزوجات كلهم
…
أن ليس وصل إذا استرخت عرى الذنب
انتهى. أراد بالخليل: قضيبه، وتخونه: تنقصه، والثقب: جمع ثقبة، والمراد من قوله:"إذا انحلت عرى الذنب": استرخاء القضيب بذبول العروق والأعصاب، قال ابن السكيت في كتاب "المذكور والمؤنث": أهل الحجاز يقولون للمرأة زوج بغير هاء، قال تعالى:(أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ)[الأحزاب/ 37] وتجمع على أزواج، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ)[الأحزاب/28] وسائر العرب يقولون: زوجة، وتجمع على زوجات، وأنشد هذا البيت. انتهى.
وكذا قال علي بن حمزة البصري في كتاب "التنبيهات"، ورد علي الأصمعي في زعمه أن العرب لا تكاد تقول زوجة، واستشهد بأبيات كثيرة، ولولا خوف الإطالة لنقلناها.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثامن عشر بعد التسعمائة:
(918)
لحب المؤقدان إلي موسى
…
وجعدة إذا أضاءهما الوقود
قال أبو علي في "الحجة" عند قوله تعالى: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) من أول سورة البقرة: فأما حجة من قرأ بتحقيق الهمزة، فلأنه إنما كان ترك الهمزة
في "أو من" لاجتماع الهمزتين، كما أن تركها في "آمن" لذلك، فلما زال اجتماعهما مع سائر حروف المضارعة سوى الهمزة، رد الكلمة إلى الأصل فهمز، لأن الهمزة من الأمن والأمنة فاء الفعل، ومما يقوي [الهمز] في ذلك أن من تركها إنما يقلبها واوا ساكنة، وما قبلها متحرك بالضم، والواو الساكنة إذا انضم ما قبلها، فقد استجازوا قلبها همزة، قال محمد بن يزيد: أخبرني أبو عثمان، قال: أخبرني الأخفش، قال: كان أبو حية النميري يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة، وينشد:
لحب المؤقدان إلى مؤسى
وتقدير ذلك أن الحركة لما كانت تلي في موسى، صارت كأنها عليها، والواو إذا تحركت بالضم، أبدلت منها الهمزة، فإذا جاز إبدال الهمزة من الواو التي ذكرنا واجتلابها، وإن لم تكن من الكلمة، فالهمزة التي هي أصل في الكلمة أولى بالتقرير، وأن لا يبدل منها الواو. انتهى.
وقال أيضا عند قوله تعالى: (بالسؤق والأعناق) من سورة (ص): قرأ ابن كثير وحده "بالسؤق" بالهمز، وقرأ أيضا (بالسؤوق) بواو بعد الهمزة، أما الهمز في السؤق فغيره أحسن وأكثر، وللهمز فيه وجيه في القياس والسماع، فأما السماع فإن أبا عثمان زعم أن أبا الحسن كان يقول: إن أبا حية النميري يهمز الواو التي قبلها ضمة، وينشد:
لحب المؤقدان إلى مؤسى
فعلى هذا يجوز همز سؤق. فأما وجه القياس، فإن الهمز لما لم يكن بينها وبين الضمة حاجز، صار كأنها عليها، فهمزها كما يهمزها إذا تحركت بالضم، وأما
همز السؤوق، فجائز كثيرا، وذلك أن الواو إذا كانت عينا مضمومة جاز فيها الهمز كما جاز في الفاء نحو: أجوه وأقتت. انتهى.
وقال تلميذه ابن جني فيمن همز (الضَّالِّينَ) في آخر سورة الفاتحة من "المحتسب" قد رأينا في كتاب "الخصائص" وغيره من كتبنا أن الحرف الساكن إذا جاور الحركة، فقد تنزله العرب منزلة المتحرك بها، من ذلك قول جرير:
لحب المؤقدان إلى مؤسى
فهمز الواو في الموضعين جميعا، لأنهما جاورتا الضمة الميم قبلهما، فصارت الضمة كأنها فيهما، والواو إذا ضمت ضما لازما فهمزها جائز، نحو: أقتت في وقتت، وأجوه في وجوه، ونظائر ذلك كثيرة. انتهى.
أقول: ذكره في باب "شواذ الهمز" من واخر كتابة "الخصائص"، وذكره أيضا في باب الهمزة من أول كتابة "سر الصناعة"، وذكره أيضا عند قول الشاعر:
وإنك إن أعطيت بطنك سؤله
…
وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
في أواخر "إعراب الحماسة"، وذكره أيضا في بحث قلب الهمزة من شرح تصريف أبي عثمان المازني.
والبيت من قصيدة لجرير مدح بها هشام بن عبد الملك المرواني، وقبله:
بأود والإياد لنا صديق
…
نأى عنك الإياد وأين أود
نظرنا نار جعدة هل نراها
…
أبعد غال ضوءك أم همود
لحب الواقدان إلى موسى
…
وجعدة لو أضاءهما الوقود
تعرضت الهموم لنا فقالت
…
جعادة أي مرتحل تريد
فقلت لها الخليفة غير شك
…
هو المهدي والحكم الرشيد
أود: بضم الهمزة، والإياد بالكسر: هما موضعان بالحزن في بلاد نبي يربوع، وغال، بالمعجمة: أتلف وأهلك، والهمود: انطفاء الجمر حتى يصير رمادا، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، يقول: نظرنا إلى نارك يا جعدة، فلم نرها، فلم ندري: أمن بعدها ما ترى، أم هي قريبة، ولكن صار جمرها رمادا.
وقوله: الحب الواقدان .. إلخ، كذا هو في نسختي، وهي نسخة مضبوطة ضبطا صحيحا، واللام في جواب قسم مقدر، تقديره: والله لحب الموقدان، أي: لقد صارا حبيبين، قال ابن يعيش: حب من المضاعف الذي عينه ولامه من باب واحد، وفيه لغتان: حب وأحب، والثاني أكثر في الاستعمال، وأما حب فوزنه فعل بفتح العين، فإذا أريد به المدح نقل إلى فعل، فيقول: حب زيد، أي صار محبوبا، قال الشاعر:
هجرت غضوب وحب من يتجنب
انتهى. وحب هنا يجوز فيه فتح أوله وضمه، أصلها: حبب: بضم العين بالتحويل من المفتوح العين إلى المضمومها للمدح والتعجب، فإن نقلت حركة العين إلى الفاء، بعد حذف حركتها، صارت حب بضم أوله، وإن حذفت ضمة العين،