الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد التاسع والثلاثون بعد التسعمائة:
(939)
ولا تهيبني الموماة أركبها
…
إذا تجاوبت الأصداء بالسحر
تهيبني، بفتح أوله، وأصله: تهيبني بتاءين، فحذف إحداهما، قال أبو علي في باب ما قلب الكلام فيه عن الحد الذي ينبغي أن يكون عليه من كتاب "إيضاح الشعر": قال أبو زيد: إذا طلعت الجوزاء، انتصب العود في الحرباء، يريد: انتصب الحرباء في العودن وقال أبو الحسن: عرضت الناقة على الحوض، وعرضتها على الماء، وإنما يريدون: عرضت الماء عليها، وقالت الحطيئة:
فلما خشيت الهون والعير ممسك
…
على رغمه ما أمسك الحبل حافره
التقدير: ما أمسك الحبل حافره، والمعنى: ولست كالعير، ومثله:
رب ثاو يمل منه الثواء
أي: ولست لذاك، وينشد للفرزدق:
ووفراء لم تحرز بسير وكيعة
…
غدوت بها طيا يدي برشائها
قل فيه: طيا رشاءها بيدي، وأنشد الطوسي:
لما خشيت نسبي أضوائها
يريد: أضواء نسبيها. وأنشد أيضا:
كما دحست الثواب في الوعاءين
أي: كما لففت الثوبين في الوعاء، وأنشد أبو الحسن:
وإن أنت لاقيت في نجدة
…
فلا تتهيبك أن تقدما
يريد: لا تتهيبها، وحكى سيبيويه: تهيبني البلاد، فيكون معناه القلب على تأويل أبي الحسن، وقال ابن مقبل:
ولا تهيبني الموماة أركبها
…
إذا تجاوبت الأصداء بالسحر
وقال الأخطل:
مثل القنافد هداجون قد بلغت
…
البيت
قال أبو الحسن: فجعل هجر كأنها هي البالغة وهي المبلوغة في المعنى. وأنشد لكعب الغنوي:
وكن أنت ترعى سر نفسك واعلمن
…
بأن أقل الناس للسر ساتره
يريد أن أستر الناس للسر أقلهم، وهذا يشبه: أدخلت الكم في رأسي، والخاتم في أصبعي، وقال الفرزدق:
لا تحسبن دراهما سرقتها
…
تمحو مخازيك التي بعمان
يريد: سرقتك، وهذا الضرب كثير، وأما قوله:
إلى ملك ما أمه من محارب
…
أبوه ولا كانت كليب تصاهره
فتقديره: ما أبوه أمه من محارب، فقدم خبر المبتدأ، وهي جملة كما قدمه وهو مفرد، نحو: منطلق زيد، ومشنوء من يشنؤك. انتهى كلامه.
وقال ابن الشجري: الأصداء، جمع الصدى: وهو ذكر البوم، والصدى: الصوت الذي يجيبك إذا صحت بقرب جبل. انتهى.
قال الزبيدي في "لحن العامة": وقد هاب الرجل الشيء يهابه هيبة، وقد تهيبت الرجل: إذا هبته، وتهيبني: إذا هبته أيضا، وهو من الأضداد.
قال ابن مقبل:
ولا تهيبني الموماة أركبها
…
البيت
وكذا في كتاب "الأضداد" للأصمعي، وقال الصاغاني في "العباب": تهيبت الشيء، وتهيبني الشيء، أي: خفته وخوفي، وأنشد البيت، والموماة، بفتح الميم: المفازة، يقول: أسافر في المفازة وحدي، وأركب الطريق منفردا، ولا أهابها خشية عدو أو سبع، ولا سيما بالليل ووقت الأسحار، وعند تجاوب الأطيار، فإن المسافر إذا كان وحده يهاب الطريق.
والبيت من قصيدة لتميم بن مقبل، مطلعها:
يا حار أمسيت شيخا قد وهى بصري
…
والتات ما دون يوم البعث من عمري
يا حار من يعتذر من أن يلم به
…
ريب الزمان فإني غير معتذر
يا حار أمسى سواد العين خالطه
…
شيب القذال اختلاط الصفو بالكدر
قد كنت أهدى ولا أهدى فعلمني
…
حسن المقادة أني فاتني بصري
كان الشباب لحاجات وكن له
…
فقد فزعت إلى حاجاتي الأخر
قالت سليمى ببطن القاع من سرح
…
لا خير في العيش بعد الشيب والكبر
واستهزأت تربها مني فقلت لها
…
ماذا تعيبان مني يا ابنتي عصر
لوما الحياء ولوما الدين عبتكما
…
ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري
قد قلتما لي قولا لا أبا لكما
…
فيه حديث على ما كان من قصر
ما أنتما والذي حالت حلومكما
…
إلا كحيران إذا يسري بلا قمر
إن ينفض الدهر مني مرة لبلى
…
فالدهر أرود بالأقوام ذو غير
لقد قضيا فلا تستزئا سفا
…
عما نعمنا به من لذة الوطر
لا تأمن السيف إذا روحتها إبلي
…
حتى ترى نيبها يضمزن بالجرر
ولا أقوم على حوضي فأمنعه
…
بذل اليمين بشوطي باديا خسري
ولا تهيني الموماة أركبها
…
إذا تجاوبت الأصداء بالسحر
ولا أقوم إلى المولى فأشتمه
…
ولا تخدشه نابي ولا ظفري
وهي قصيدة يكفي منها هذا المقدار.
وترجمة تميم بن مقبل تقدمت في الإنشاد الواحد والثلاثين بعد الأربعمائة، وكان السبب في نظم هذه القصيدة أنه خرج في بعض أسفاره، فمر بمنزل عصر العقيلي، وقد جهده العطش فاستسقى، فخرجت إليه ابنتاه بعس [فيه لبن] فرأتاه أعور كبيرا، فأبدتا له بعض الجفوة، وذكرتا عوره وكبره، فرجع ولم يشرب، فبلغ أباهما الخبر، فتبعه ليرده، فلم يرجع، فقال: ارجع ولك أعجبهما إليك، فرجع وقال في القصيدة، قال ابن قتيبة هي من أحسن شعره. وقوله:
لوما الحياء ولوما الدين عبتكما
…
البيت.