الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2005 -
وفي الصحيحين عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث، فقال:«من أسلف فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم» أقر صلى الله عليه وسلم على ذلك، وبين شرطه، والله أعلم.
[شروط السلم]
قال: وكل ما ضبط بصفة فالسلم فيه جائز.
ش: يشترط للمسلم فيه شروط، دل كلامه هنا منها على شرطين (أحدهما) : أن يكون مما يتأتى ضبطه بالصفة، ليوجد شرط المبيع، وهو العلم به، فعلى هذا يصح السلم في المكيل، والموزون، والمذروع، ونحوها، لتأتي الصفة على ذلك، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم على السلف في الثمار، وقال:«من أسلف فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم» .
2006 -
وروى البخاري عن عبد الرحمن بن أبزى، وعبد الله بن أبي أوفى، قالا: كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام، فنسلفهم في الحنطة، والشعير،
والزبيب، في كيل معلوم إلى أجل معلوم، فقلت: أكان لهم زرع أم لم يكن لهم زرع؟ قالا: ما كنا نسألهم عن ذلك. وأجمع المسلمون على جواز السلم في الثياب، وعلى جوازه في الطعام، قاله ابن المنذر، ولا يصح فيما لا ينضبط بالصفة، كجوهر، وما فيه أخلاط مقصودة لا تتميز، كمعجون، وثمن مغشوش، وحامل من حيوان، وشاة لبون، على الصحيح فيها، وفي الرؤوس، والجلود - والأواني المختلفة الرؤوس والأوساط، ونحو ذلك، وكذلك ما يجمع أخلاطا تتميز، كالخفاف، والقسي، والنبل المريش، والثوب المنسوج من نوعين، والمعدود
المختلف، كالحيوان، والبيض، والرمان، ونحو ذلك، واللحم المشوي، والمقلي، والمطبوخ - خلاف، وبسط ذلك له محل آخر.
ويشترط في الصفة أن تكون بحيث يعرف بها المبيع عرفا، لما تقدم، فيصفه بما يختلف به الثمن غالبا، فيذكر جنسه كتمر، ونوعه كبرني، وبلده كعراقي، وقدره كصغار أو كبار، وحداثته كحديث، وجودته كجيد، أو عكسهما كقديم ورديء، ولا يصح: أجود، ويصح: أردى، على أصح الوجهين، وقد يزاد على هذه، أو ينقص منها، بحسب المسلم فيه وليس هذا موضع استقصاء ذلك.
(الشرط الثاني) : كونه في الذمة، فلا يصح في عين، لأن لفظ السلم والسلف للدين.
2007 -
2008 -
وفي الصحيح «عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: نهي عن بيع النخل حتى يبدو صلاحه» . وقيل: إن أهل المدينة كانوا يسلمون في ثمار نخيل بأعيانها، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن ذلك، وقال:«من أسلف فليسلف في كيل معلوم» الحديث، والله أعلم.
قال: إذا كان كيل معلوم أو وزن معلوم، أو عدد معلوم.
ش: هذا (الشرط الثالث) : وهو أن يقدر المسلم فيه: بكيل معلوم عند العامة، إن كان مما يكال، أبو بوزن كذلك إن كان مما يوزن، لما تقدم من حديث ابن عباس، أو بعدد، أو ذرع كذلك، قياسا على ما تقدم، ولأنه عوض ثبت في الذمة، فاشترط معرفة قدره كالثمن، ولا يتعين ما عيناه من كيل العامة، ونحوه على المذهب، لعدم الفائدة في ذلك، وهل يفسد به العبد؟ فيه وجهان، ولا يصح بإناء أو صنجة غير معلومين عند العامة، لاحتمال هلاك ذلك، وإذا يتعذر المسلم فيه، وذلك غرر، ولا حاجة إليه، ومن ثم اشترط أن يكون المكيال والميزان - وكذلك الوصف - بلغة يفهمها غير المتعاقدين، فإن فهمها عدلان دون أهل الاستفاضة كفى على المقدم، لارتفاع التنازع بالرجوع إليهما انتهى.
ومقتضى ما تقدم أنه لا يصح السلم فيما يكال وزنا، ولا فيما يوزن كيلا، وهو المشهور، والمختار للعامة، ونص عليه الإمام في المكيل لا يسلم فيه وزنا قياسا كالربويات، وكالمذروع وزنا وعكسه، فإنه لا يصلح اتفاقا، وعنه ما يدل - واختاره أبو محمد، ويحتمله كلام الخرقي - أنه يجوز،
لحصول معرفة القدر، ومقتضى كلام الخرقي أنه يسلم في جميع المعدودات عددا، ولا ريب في ذلك في الحيوان، أما في غيره فثلاثة أقوال، وزنا، عددا، ما تقارب كالجوز، والبيض، عددا، وما تفاوت كالبطيخ، والرمان، والبقول، وزنا، والله أعلم.
قال: إلى أجل.
ش: هذا (الشرط الرابع) وهو أن يكون مؤجلا على المذهب المعروف، لما تقدم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فإنه صلى الله عليه وسلم أمر، والأمر للوجوب.
2009 -
قال القرطبي في شرح مسلم: لا سيما على رواية من روى: «من أسلم فلا يسلم إلا في كيل معلوم» إلى آخره انتهى.
2010 -
وفي سنن البيهقي عن ابن عباس أنه قال: اضرب له أجلا. ولأن السلم إنما جاز رخصة، لأنه للارتفاق لأنه
بيع معدوم، ولا يحصل الرفق إلا بالأجل، والله أعلم.
قال: معلوم بالأهلة.
ش: يشترط في الأجل كونه معلوما، لما تقدم من الحديث، ولقول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] فلا يصح إلى نزول المطر، أو قدوم زيد، ونحو ذلك، وهل يصح إلى الحصاد ونحوه، أو إلى نفس العطاء، - لتقارب الزمن - أو لا يصح، لتقدم ذلك وتأخره.
2011 -
وهو قول ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم، واختاره عامة الأصحاب؟ فيه قولان، وقيل: محل الخلاف في الحصاد إذا جعله إلى زمنه، أما فعله فلا يصح، واختلف
أيضا فيما إذا علقه باسم يتناول شيئين كربيع، ويوم النفر، هل يصح ويتنزل على أول يوم، وبه قطع في المغني، أو لا يصح، [وهو الذي أورده في التلخيص مذهبا؟ وفيما إذا قال: شهر كذا. هل يصح. ويتعلق بأوله، وهو اختيار أبي محمد، أو لا يصح رأسا، وفيما إذا قال مثلا: أول رمضان أو آخره، هل يصح ويتعلق بأول جزء، وآخر جزء، أو لا يصح] ، لأن أول الشهر يعبر به عن النصف الأول، وكذا الآخر، وهو احتمال لصاحب التلخيص؟ على قولين في الجميع. انتهى.
ثم ظاهر كلام الخرقي - وكذلك ابن أبي موسى وابن عبدوس - أن علم ذلك لا غير بالأهلة، بأن يجعل حلوله في أول جزء من رمضان، أو يوم عاشوراء، أو إلى شهر رجب، ونحو ذلك، لأن الله سبحانه وتعالى جعل التأقيت: بهن، قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] فعلى هذا لا يصح تأقيت بعيد من أعياد الكفار مطلقا، وقال القاضي وغيره: إن كان مما يتقدم ويتأخر - كعيد السعانين للنصارى، ونحو ذلك - لم يصح، وإلا صح، كالنيروز ونحوه.
(تنبيه) : يشترط للأجل شرط آخر، وهو أن يكون له وقع في الثمن، بحيث يختلف به السعر، ومثل ذلك أبو محمد في الكافي بالشهر، ونصفه، لا اليوم ونحوه، وكثير من الأصحاب يمثل بالشهر، والشهرين، فمن ثم قال بعضهم: أقله شهر. نعم يصح كما سيأتي إن شاء الله تعالى فيما يأخذ منه كل يوم قدرا معلوما، كالخبز، واللحم، ونحو ذلك، نص عليه، والله أعلم.
قال: موجودا عند محله.
ش: هذا (الشرط الخامس) وهو كون المسلم فيه عام الوجود في وقت حلوله غالبا، لوجوب تسليمه إذا، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك، فإن الغالب عدم تسليمه، فلم يصح
بيعه، كالآبق ونحوه، وذلك كالسلم في العنب والرطب في الصيف، لا في الشتاء، لندرة وجودهما فيه، وفي معنى ذلك إذا أسلم في ثمرة بستان بعينه، أو قرية صغيرة، ونحو ذلك لاحتمال جائحة ذلك، وقد حكى الجوزجاني الإجماع على كراهة ذلك، قال ابن المنذر: إن المنع منه كالإجماع، وقال أبو بكر في التنبيه: إن كان قد بلغ، وأمنت عليه الجائحة صح. قلت: وهو حسن إن لم يحصل إجماع، إذ الغالب له التسليم إذا، ثم حديث ابن عمر رضي الله عنهما المتقدم، أنه نهى عن السلم في النخل حتى يبدو صلاحه، يشهد لذلك.
ومقتضى كلام الخرقي أنه لا يشترط [وجوده حال العقد، وهو كذلك، وكذلك لا يشترط] عدمه، وهو الصحيح من الوجهين، حكاهما ابن عبدوس، والله أعلم.
قال: ويقبض الثمن كاملا وقت السلم، قبل التفرق.
ش: هذا (الشرط السادس) وهو خاتمة الشروط عنده، وهو أن يقبض رأس مال السلم قبل التفرق عن مجلس العقد، حذارا من أن يصير بيع دين بدين.
2012 -
فيدخل تحت النهي عن بيع الكالئ بالكالئ، وقد استنبط ذلك الشافعي رحمه الله من قوله صلى الله عليه وسلم:«من أسلف فليسلف» قال: أي فليعط. قال: لأنه لا يقع اسم السلف فيه حتى يعطيه ما سلفه فيه، قبل أن يفارق من سلفه. انتهى ولأنه لا يجوز شرط تأجيل العوض فيه، فلم يجز
التفرق فيه قبل القبض كالصرف، وإن قبض البعض ثم افترقا بطل فيما لم يقبض، وهل يبطل في المقبوض - وهو ظاهر كلام الخرقي، وأبي بكر في التنبيه، لقوله: إذا أسلفه دراهم، فخرج بعضها رديئا فالسلم كله باطل - أو لا يبطل وهو المشهور؟ فيه روايتا تفريق الصفقة، والله أعلم.
(تنبيه) : المجلس هنا كمجلس الصرف، وكلاهما كمجلس الخيار، هذا مقتضى كلام الأصحاب، ووقع للقاضي في الجامع الصغير أنه إذا تأخر قبض رأس مال السلم اليومين والثلاثة، لم يصح العقد، والله أعلم.
قال: ومتى عدم شيء من هذه الأوصاف بطل.
ش: الإشارة إلى الأوصاف المتقدمة، وهذا هو شأن الشروط يعدم المشروط عند عدمها، أو عدم بعضها، ولو قال الخرقي: فسد العقد. كما قال في الصرف: ومتى افترق المتصارفان فسد العقد. لكان أولى، لئلا يوهم وجود عقد ثم بطلانه.
وظاهر كلام الخرقي أنه لا يشترط غير ذلك، وقد تقدم أن في اشتراط عدم المسلم فيه حين العقد خلاف، وكذلك في اشتراط وصف رأس المال، والعلم بقدره إذا كان مشاهدا وجهان، (أحدهما) - وهو قول القاضي، وأبي الخطاب، وصاحب التلخيص، وغيرهم - اشتراطه، كما لو كان في الذمة، ولأنه عقد يتأخر تسليم المعقود عليه، فوجب معرفة رأس ماله، ليرد بدله، كالقرض والشركة، وعلى هذا لا يجوز أن يكون رأس المال جوهرا ونحوه، لعدم تأتي الصفة عليه (والثاني) - وإليه ميل أبي محمد - لا يشترط، كما في بيوع الأعيان، وكذلك في اشتراط ذكر مكان الإيفاء تردد، فالقاضي لا يشترطه مطلقا، ويقول - في مثل البرية ونحوها -: يوفي في أقرب الأماكن إلى مكان العقد، وابن أبي موسى، وصاحب التلخيص، يشترطانه في البرية ونحوها، واتفق الفريقان على عدم الاشتراط حيث أمكن الوفاء في محل العقد، نعم لو شرطه في غيره - والحال هذه - صح شرطه، على أصح الروايتين، ولم يصح في الأخرى، وبها قطع أبو بكر في التنبيه، والقاضي، وأبو الخطاب أطلقا الروايتين، فيشمل كلامهما ما إذا شرطاه في محل العقد أيضا وهو ضعيف، والله أعلم.