الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذ هو بصدد أن يحتاج في المآل، واستثنى الأصحاب صورة ثالثة، وهي موات بلدة كفار صولحوا على أنها لهم، ولنا الخراج عنها، فلا يملك بالإحياء، لأن مقتضى الصلح أن لا يتعرض لهم في شيء مما صولحوا عليه، قال أبو محمد: ويحتمل أن تملك بالإحياء لعموم الخبر، والله أعلم.
[ما يكون به إحياء الموات]
قال: وإحياء الأرض أن يحوط عليها حائطا.
ش: ظاهر كلام الخرقي أن التحويط إحياء للأرض مطلقا، وحكاه القاضي وغيره رواية، بل وجزم به القاضي، والشريف، وأبو الخطاب.
2136 -
لما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحاط حائطا على أرض فهي له» رواه أحمد وأبو داود، ولأحمد مثله من رواية سمرة، وعلى هذا يشترط كون الحائط منيعا، مما تجري العادة بمثله.
وحكى القاضي وغيره رواية أخرى أن إحياء الأرض تعميرها العمارة العرفية لما تراد له، إذ الشارع أطلق الإحياء، فيحمل على ما يتعارفه الناس، وحديث الحائط يحمل على صورة تقتضي العرف فيها، وهذا اختيار ابن عقيل في التذكرة، فعلى هذا إن كان الإحياء للسكنى، فإحياؤها ببناء حيطانها وتسقيفها، وإن جعلها حظيرة كفى بناء حائط جرت العادة به، وإن كان للزرع فبأن يسوق إليها ماء، ويقلع أحجارها إن احتاجت إلى ذلك، أو يحبس الماء عنها، ونحو ذلك على ما جرت به العادة في مثلها، ولا يعتبر أن يزرعها ويسقيها، ولا أن يفصلها تفصيل الزرع، ويحوطها من التراب بحاجز، ولا أن يقسم البيوت إن كانت للسكنى، في أصح الروايتين وأشهرهما، والأخرى يشترط جميع ذلك، ذكرها القاضي في الخصال، وجمع أبو البركات الروايتين في أصل الإحياء، فجعلهما رواية واحدة، فقال: بأن يحوطها بحائط، أو يعمرها العمارة العرفية، وحكى في المقنع قولا آخر بأن ما يتكرر كل عام فليس بإحياء وما لا يتكرر فهو إحياء، والله أعلم.
قال: أو يحفر فيها بئرا فيكون له خمس وعشرون ذراعا حواليها، وإن سبق إلى بئر عادية فحريمها خمسون ذراعا.
ش: إذا حفر في الموات بئرا للتملك، وأخرج ماءها، ملكها وملك حريمها، خمسا وعشرين ذراعا من كل جانب، وإن سبق إلى بئر عادية، ملكها بظهور يده عليها، وملك حريمها خمسين ذراعا، نص عليه أحمد، واختاره الخرقي، والقاضي في التعليق، والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما، والشيرازي وابن عقيل في التذكرة، والشيخان وغيرهم.
2137 -
لما روى الدارقطني وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«حريم البئر البدي خمس وعشرون ذراعا، وحريم البئر العادي خمسون ذراعا» .
2138 -
وروى أبو عبيد بإسناده عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال: السنة في حريم القليب العادي خمسون ذراعا، والبدي خمس وعشرون ذراعا. واختار أبو الخطاب في الهداية،
والقاضي فيما حكاه عنه أبو محمد في المغني والكافي، أن حريم البئر قدر ما يحتاج إليه في ترقية مائها، فإن كان بدولاب فبقدر مدار الثور أو غيره، وإن كان بسانية فبقدر طول البئر، وإن كان يستقي منها بيده فبقدر ما يحتاج إليه الواقف، وعلى ذلك، إذ هذا ثبت للحاجة، فيقدر بقدرها، وقال القاضي فيما حكاه عنه في المقنع، وحكاه عنه وعن جماعة من الأصحاب صاحب التلخيص: حريم البئر قدر مد رشائها من كل جانب.
2139 -
لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حريم البئر مد رشائها» رواه ابن ماجه، وقال القاضي في الأحكام السلطانية: له أبعد الأمرين من الحاجة أو قدر الأذرع. وقد توقف أحمد عن التقدير في رواية حرب، والمذهب الأول.
(تنبيهان) : «أحدهما» قد تقدم أنه يملك حريم البئر بالحفر أو بالسبق، وهو ظاهر كلام أحمد، وصرح به الخرقي، والقاضي في التعليق، وغيرهما، وعلى قياسه أن ما
قرب من العامر، وتعلق بمصالحه، يكون ملكا لأهل العامر، أو لجماعة المسلمين، وعن القاضي أن هذه المرافق لا يملكها المحيي بالإحياء، وإنما يكون أحق بها، (الثاني) :«العادية» بالتشديد القديمة، نسبة إلى عاد، إذ كل قديم ينسب إليهم لقدمهم، والله أعلم.
قال: وسواء في ذلك ما أحياه أو سبق إليه، بإذن الإمام أو غير إذنه.
ش: يعني أن الحريم المذكور يثبت له، سواء أحياه - كما إذا حفر بئرا في موات - أو سبق إليه، كما إذا سبق إلى بئر عادية، وكذا أطلق أحمد، والقاضي، وغيرهما، وعلل القاضي بأن البئر العادية مال من أموال الكفار، فتكون غنيمة بوضع اليد عليها، قلت: وينبغي على مقتضى هذا التعليل أن تكون لجماعة الغانمين، أو يكون السبق إليها لا بقوة المسلمين، فتكون له، وقال في المغني: يجب أن يحمل قول الخرقي - في ملك البئر العادية - على بئر انطمست، فجدد حفرها، أو ذهب ماؤها فاستخرجه، ليكون ذلك إحياء، أما بئر لها ماء ينتفع بها المسلمون فلا تحتجر، لأنها بمنزلة المعادن الظاهرة، وقد تقدم أن الإحياء لا يفتقر إلى إذن الإمام، والله أعلم.