الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ش: المرتد لا يرث أحدا لا من المسلمين ولا من الكفار، أما من المسلمين فلما تقدم من قوله عليه السلام:«لا يرث المسلم الكافر» الحديث، وأما من الكفار فلأنه لم يثبت له حكم ملتهم، بدليل أنه لا يقر على كفره، ولا تحل ذبيحته، ولا نكاحه، إن كان امرأة، فإن مات له موروث فرجع قبل أن يقسم الميراث، وكان ممن يقبل رجوعه، فحكمه حكم الكافر الأصلي إذا أسلم قبل الميراث، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
[حكم من أسلم على ميراث قبل أن يقسم]
قال: وكذلك من أسلم على ميراث قبل أن يقسم قسم له.
ش: هذا أشهر الروايتين عن أحمد، واختيار الشريف، وأبي الخطاب في خلافيهما.
2317 -
لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم، وكل قسم أدركه قسم الإسلام فإنه على قسم الإسلام» رواه أبو داود وابن ماجه.
2318 -
وروى سعيد في سننه من طريقين، عن عروة وابن أبي مليكة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من أسلم على شيء فهو له» » .
2319 -
ويروى أن عمر وعثمان رضي الله عنهما قضيا بذلك مختصر، رواه ابن عبد البر في التمهيد، والحكمة في ذلك - والله
أعلم - الترغيب له، والحث على الإسلام، فعلى هذا إن أسلم قبل قسم البعض ورث ما بقي، فإن كان الوارث واحدا فتصرفه في التركة وحيازتها بمنزلة قسمها، ذكر ذلك أبو محمد.
(والرواية الثانية) : لا شيء له، لظاهر قوله عليه السلام:«لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم» وهذا حين الموت كان كافرا، فلا يرث بمقتضى ظاهر الحديث.
ولو زال مانع الرق قبل القسمة فقال التميمي: يخرج إرثه على الإسلام قبل القسمة، وليس بشيء، فإن أحمد نص على التفرقة في رواية محمد بن الحكم، فامتنع الإلحاق، ثم إن الأصل هو المنع، لقيام المانع حال الموت، خرج منه الإسلام ترغيبا فيه، فبقي ما عداه على الأصل، إذ لا أثر فيه، ولا هو في معنى ما فيه الأثر، إذ لا شيء من الطاعات يقاوم الإسلام، ثم العتق ليس من فعل العبد فلا يرغب فيه، والله أعلم.
قال: ومن قتل على ردته فماله فيء.
ش: هذا المشهور من الروايات، والمختار عند القاضي
وأصحابه وعامة الأصحاب، لأنه لا يرث أقاربه المسلمون، لقوله عليه السلام:«لا يرث المسلم الكافر» ، وقوله:«لا يتوارث أهل ملتين» ولا أقاربه الذين اختار دينهم، لأنه لا يرثهم، فلا يرثونه، لما تقدم من أنه لم يثبت له حكم ملتهم، وإذا امتنع إرث الفئتين منه، تعين كون ماله فيئا، لعدم الوارث له شرعا.
(والرواية الثانية) : يرثه ورثته من المسلمين، جعلا للردة بمنزلة الموت، لأنها إما أن تزيل أملاكه، وإما أن تزلزلها، وتصيره كالمريض المخوف عليه، فيتعلق حق ورثته إذا، ولا يزول حقهم إلا بنص، ولا نص.
2320 -
وقد روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بعثني أبو بكر رضي الله عنه عند رجوعه - إلى أهل الردة أن أقسم أموالهم بين ورثتهم المسلمين. قال الخلال: وهذه الرواية
أشبه بقوله.
(والرواية الثالثة) : يكون لقرابته الذين اختار دينهم، بشرط أن لا يكونوا مرتدين، لمفهوم:«لا يرث الكافر المسلم» مفهومه أن الكافرين يتوارثان، وقد رجع أحمد عن هذا القول في رواية ابن منصور وقال: كنت أقول: يرثه أهل ملته، ثم جبنت عنه، والله أعلم.
قال: وإذا غرق المتوارثان، أو كانا تحت هدم، فجهل أولهما موتا، ورث بعضهم من بعض.
2321 -
ش: نص أحمد على ذلك، معتمدا على أنه قول عمر، وعلي، وشريح، وإبراهيم، والشعبي، انتهى.
2322 -
قال الشعبي: وقع الطاعون بالشام عام عمواس، فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم، فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب عمر: أن ورثوا بعضهم من بعض.
ومعنى توريث
بعضهم من بعض، أن يقدر أحدهما مات أولا، ويورث الآخر من تركته، ثم يقسم إرثه منها على ورثته الأحياء، ثم تصنع بالآخر وتركته كذلك، فعلى هذا لو غرق أخوان؛ أحدهما مولى زيد، والآخر مولى عمرو، صار مال كل واحد منهما لمولى الآخر، ولو غرق أخ وأخت، وخلفا أما، وعما، وزوجا، فيقدر الأخ مات أولا، وقد خلف زوجته، وأمه، وأخته، وعمه، فللزوجة الربع وللأم الثلث، وللأخت النصف، ولا شيء للعم، أصل مسألتهم من اثني عشر، وتعول إلى ثلاثة عشر، للزوجة ثلاثة، وللأم أربعة، وللأخت ستة، مقسومة على الأحياء من ورثتها، وهم زوجها، وأمها، وعمها، مسألتهم من ستة، وسهامها ستة، فتصح المسألتان من ثلاثة عشر، للزوجة ثلاثة، وللأم ستة، أربعة من ابنها واثنان من ابنتها، وللزوج ثلاثة، وللعم سهم.
ثم تقدر الأخت ماتت أولا، وقد خلفت أخاها، وزوجها، وأمها، وعمها، للزوج النصف، وللأم الثلث، والباقي للأخ وهو سهم، ولا شيء للعم، المسألة من ستة، والحاصل للأخ سهم، مقسوم على ورثته
الأحياء، وهم زوجته، وأمه، وعمه، مسألتهم من اثني عشر، وسهم عليها لا يصح، ولا يوافق، فاضرب اثني عشر في ستة، تبلغ اثنين وسبعين، للزوج ثلاثة في اثني عشر، بستة وثلاثين، وللأم سهمان في اثني عشر، بأربعة وعشرين، المجموع ستون، والباقي اثنا عشر بين زوجة الأخ، والأم، والعم؛ للزوجة ثلاثة، وللأم أربعة، وللعم خمسة، وعلى هذا.
وخرج أبو الخطاب ومن تبعه: منع توارث بعضهم من بعض، وإليه ميل أبي محمد.
2323 -
لما روى سعيد في سننه عن يحيى بن سعيد، أن قتلى اليمامة، وقتلى صفين، والحرة، لم يورثوا بعضهم من بعض، وورثوا عصبتهم الأحياء. ولأن شرط التوريث حياة الوارث بعد
موت الموروث، وهو غير معلوم، فامتنع التوارث للشك في شرطه، ولأن توريثهما مع الجهل خطأ يقينا، لأنه لا يخلو إما أن يسبق أحدهما، أو يموتا معا، وتوريث السابق بالموت، والميت معه خطأ يقينا بالإجماع، فكيف يعمل به، فإن قيل: ففي قطع التوريث قطع توريث المسبوق بالموت، وهو خطأ أيضا. قلنا: هذا غير متيقن، لأنه يحتمل موتهما جميعا.
وعلى هذا يكون مال كل واحد من المعتقين لمولاه في المسألة الأولى، وفي الثانية تكون مسألة الأخ من اثني عشر، للأم الثلث أربعة، وللزوجة الربع ثلاثة، والباقي للعم، ومسألة الأخت من ستة، للأم الثلث اثنان، وللزوج النصف ثلاثة، والباقي للعم. انتهى.
ولو تحقق الورثة السابق، وجهلوا عينه، فالحكم كما تقدم، قاله القاضي، وأبو البركات، وقال أبو محمد: يعطى كل وارث اليقين، ويقف الباقي حتى يتبين الأمر، أو يصطلحوا عليه، ولو علموا السابق ثم أنسوه، فالحكم كما لو جهلوه أولا، وقال القاضي في خلافه: لا يمتنع أن نقول هنا بالقرعة. ولو علم موتهما معا فلا توارث، ولو ادعى ورثة كل ميت سبق الآخر، وتعارضت بينتاهما، أو لم تكن بينة، تحالف الورثة، لإسقاط الدعوى، ولم يتوارثا، نص عليه، وقاله الخرقي وغيره، وقال ابن أبي موسى: يعين
السابق بالقرعة.
وقال أبو الخطاب وغيره: يتوارثان، كما لو جهل الورثة حالهما. ومن هذه المسألة خرج أبو الخطاب منع التوارث مع الجهل. والله أعلم.
قال: ومن لم يرث لم يحجب.
ش: يعني من لم يرث لانتفاء أهليته - كالرقيق، والكافر، والقاتل - لم يحجب، لأنه معدوم شرعا، أشبه المعدوم حسا، أما من لم يرث لحجب غيره، فإنه يحجب ولا يرث، كالإخوة مع الأب، يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، ولا يرثون، لحجبهم بالأب، لا لانتفاء أهليتهم، واختلف في المحجوب حجب مزاحمة، لا حجب منع، من أهل الفرض، هل يحجب غيره؟ على وجهين، كالجدة أم الأب مع ابنها، وأم الأم إذا قلنا يحجبها ابنها، ويستثنى من ذلك المحجوب حجب مزاحمة من العصبات، فإنه
يحجب غيره، وإن لم يرث، كولد الأب في باب الجد، فإن ولد الأبوين يعادونه بهم، وهم مع ذلك محجوبون بولد الأبوين. والله أعلم.